التجويع والحرمان من الماء والنوم والتعذيب بدم الحيض.. تقرير يفضح ممارسات المخابرات البريطانية ضد معتقلين من بينهم رجل عربي

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/01 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/02 الساعة 18:37 بتوقيت غرينتش

كشف تقرير للجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني، أن الأجهزة الأمنية بالمملكة المتحدة استجوبت رجلاً عربياً، لمدة 4 سنوات في ظل ظروف قاسية، كما أنها تعمدت ذلك رغم علمها بأن السجين عذب 83 مرة بالإيهام بالغرق على يد الاستخبارات الأميركية.

وقال التقرير، كما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية الأحد، الأول من يوليو/تموز 2018، إن ضباط الاستخبارات البريطانية وجهوا أسئلةً لأبي زبيدة رغم معرفتهم أنه تعرَّض لانتهاكاتٍ مُروِّعة، من بينها التعذيب بالإيهام بالغرق 83 مرة.

وفي سنوات ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، كان أبو زبيدة السجين الوحيد في الاستخبارات الأميركية الذي مرَّ بكل "وسائل الاستجواب المُطوَّرة" الـ12 لدى الاستخبارات الأميركية، ومن بينها الضرب، والحرمان من النوم، والحبس في صندوقٍ صغير.

بعد أربعة أعوام من الاستجواب، قالت لجنة الاستخبارات والأمن المُمَثَّلة من كل الأحزاب في تقريرها الذي نُشِرَ يوم الخميس 29 يونيو/حزيران إن الاستخبارات العسكرية البريطانية "على وعيٍ تامٍ بسوء المعاملة الشديد والتعذيب المُحتَمَل" الذي تعرَّض له أبو زبيدة.

ورغم معرفتهم هذه، استمر القسم الخامس والسادس من الاستخبارات العسكرية البريطانية في إرسال أسئلة لتُطرَح على أبي زبيدة من 2002 إلى 2006 على الأقل، طبقاً لما ورد في تقرير لجنة الاستخبارات. وأشارت اللجنة أيضاً إلى أن ذلك كان في الفترة التي يُعذَّب فيها بالإيهامِ بالغرق ويذوق ألواناً أخرى من التعذيب، بحسب الصحيفة البريطانية.

الاستخبارات البريطانية لا تعلم التفاصيل الدقيقة للواقعة

وبينما لم يكن قد نما إلى علمِ الاستخبارات العسكرية التفاصيل الدقيقة للانتهاكات التي تعرَّض لها السجين وأدت لفقدان إحدى عينيه وهو رهن الاحتجاز، وجدت اللجنة أن أحد كبار ضباط الاستخبارات كان على علمٍ بالوضع، وأشار إلى أنه "سيَخِرُّ 98% من أفراد القوات الخاصة الأميركية" إذا تعرَّضوا لسوء المعاملة ذاته، بحسب الصحيفة البريطانية.

وحين كانت الولايات المتحدة تتزعَّم غزو العراق، أُجبِرَ أبو زبيدة على الإدلاء بإفاداتٍ تحت التعذيب، استشهدت بها الحكومة الأميركية على وجود علاقة تربط نظام صدام حسين البعثي بتنظيم القاعدة: علاقة مُختَلَقَة لتبرير غزو العراق. لم تعد هذه العلاقة مقبولة بعد الآن.

يُقال إن أبا زبيدة -السعودي المولد والفلسطيني الجنسية الذي لا يزال محبوساً في مُعتَقَل غوانتانامو- اعترف أيضاً بأن القاعدة خطَّطَت لاستخدام جهاز نووي بدائي الصنع في الهجوم على العاصمة واشنطن. هذا أيضاً يمكن أن يكون ادعاءً خاطئاً.

وجد تقرير لجنة الاستخبارات دليلاً على أن ضباط الاستخبارات البريطانية تورَّطوا في حوالي 600 حالة سوء معاملة تعرَّض لها السجين في سنوات ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، وأن الحكومة البريطانية خطَّطَت أو وافقت أو مَوَّلَت 31 عملية تحقيق بدون قيود أو قواعد مع السجين.

المعتقل الفلسطيني في غوانتنامو، أبو زبيدة

قال مركز شرطة العاصمة لندن إنه يدرس الأمر، وسط تحذيرات بأنه إذا لم تُحقِّق المملكة المتحدة في الأمر، ستقوم المحكمة الجنائية الدولية بذلك.

ويطالب بعض أعضاء البرلمان بإجراء تحقيق يترأسه قاضٍ لأن رئيسة الوزراء تريزا ماي لم تسمح للجنة الاستخبارات باستجواب ضباط الاستخبارات ذوي الرتب الدنيا والمتوسطة، ولم تستدع  وزيريّ الخارجية والداخلية آنذاك جاك سترو وديفيد بلانكيت.

وسمعت اللجنة أن مركز الشرطة حقَّقَ في ادعاءٍ غير مُثبَت أن ضابطاً من الاستخبارات البريطانية ضرب سجيناً بعصا بيسبول. رفع ضابطٌ آخر من الاستخبارات البريطانية تقريراً إلى لندن يفيد بأنه استجوب سجيناً، حُرم من النوم ثلاثة أيام وأُجبِرَ على المكوثِ في أوضاعٍ مُجهِدة، في قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان. وقال الضابط إن السجين: "كان يهتز بعنفٍ من البرد والإرهاق والخوف". وأضاف أنه اتفق مع الجيش الأميركي على "الحفاظ على الضغط لمدة 24 ساعة تالية"، بحسب الصحيفة البريطانية.

اعترف ضابطٌ آخر من الاستخبارات البريطانية أنه هدَّد السجين بإرساله إلى غوانتانامو للتحقيق معه، قائلاً إن زوجته قد تُجبَر على الاتجاه للدعارة لتتمكَّن من إطعام أطفالهما.

عندما سمع مسؤولٌ من وزارة الخارجية الصراخ القادم من أحد مخازن الطائرات في باغرام في أكتوبر/تشرين الأول عام 2004، اتفقت الوزارة على تصعيد الأمر مع حكومة الولايات المتحدة، لكن لا يوجد أيُّ تسجيلٍ يفيد بحدوث ذلك.

وعندما عبَّر ضابط استخبارات بريطاني عن قلقه حيال بعض السجناء المُحتَجَزين في زنزاناتٍ طولها متران وارتفاعها 1.8 متر وعرضها 1.2 متر، شعر أنه يُنظَر إليه كأنه "خذل جبهتهم" بالإشارة إلى حقيقة أن الزنانزين "غير ملائمة".

ووصف أحد محامي الاستخبارات البريطانية الزنزانة بأنها "مركز تعذيب" حيث يُحتَجَز المساجين في صناديق خشبية لا تُمكِّنهم من الوقوف أو الاستلقاء ويتعرَّضون للضجيج الأبيض. لم يُحدَّد مكان هذه الزنزانة في التقرير، ولكن يُعتَقَد أنها في قاعدة بلد الجوية، الواقعة شمالي العاصمة العراقية بغداد، بحسب الصحيفة البريطانية.

التوقف عن حبس المعتقلين في هذه الزنزانة

وبحسب الصحيفة البريطانية، في نهاية الأمر شكَّل محامو الاستخبارات البريطانية سياسةً لا يُرسَل في ظلِّها أيُّ شخصٍ اعتقلته قوات المملكة المتحدة إلى هذه الزنزانة، ولا يستجوِب الضباط أيَّ شخصٍ أُرسَل إلى هناك. في الواقع، يقول التقرير إنهم يمكنهم استجواب السجناء في كابينة متحركة ملاصقة لباب السجن، حيث يعودون حال الانتهاء من الاستجواب.

يُقال إن إحدى ضباط الاستخبارات البريطانية بعثَت أسئلةً لمساجين وهي تعلم أنه يتعرَّضون للتجويع والحرمان من الماء والنوم، وتُساء معاملتهم بشكلٍ أو بآخر باستخدام دم الحيض. واقترح ضابط آخر أنه يجب إجبار السجناء على الاستعراض في زنزانتهم بثقل وزنه 14 كيلوغراماً (30 رطلاً) مربوط حول أعناقهم، وسط موسيقى روك وأضواء راقصة، ولكن رؤساءه رفضوا هذا الاقتراح.

ستُكَثِّف هذه التفاصيل الصادمة المدفونة في التقرير -والتي لم تُوضَّح حتى اليوم- من المطالبات بتحقيقٍ عام في ممارسات جهاز الأمن والاستخبارات البريطاني خارج البلاد.

دعت المحامية العامة في حكومة الظلِّ البريطانية، شامي تشاكرابارتي، والنائب البرلماني كين كلارك، عن حزب المحافظين، وهو رئيس المجموعة البرلمانية المُمَثَّلة فيها جميع الأحزاب وتعمل على مسألة الترحيل الاستثنائي، إلى إجراء تحقيق مستقل يترأسه قاضٍ، في تورُّط المملكة المتحدة في إساءة معاملة المعتقلين والترحيل الاستثنائي.

قال كلارك: "هذه ليست بقضايا صغيرة يمكن الآن إخفاؤها أسفل السجادة، وعلى الحكومة معالجتها عاجلاً".

ولكن خبراء تساءلوا عمَّا إذا كانت الصورة الحقيقية لما حدث ستظهر في وقتٍ ما.

قال الدكتور دان لوماس، الخبير في دراسات الاستخبارات والأمن في جامعة سالفورد: "لطالما كانت المملكة المتحدة تُمانع كشف اتفاقياتها التي تربطها بدولٍ أخرى، لأن هذا قد يُلحِق ضرراً باتفاقاتٍ أخرى". وأضاف: "لا يجب أن يُعلِّق المراقبون آمالاً على كشف المزيد من التفاصيل. ومع ذلك، هذه قضيةٌ لن تخبو".

علامات:
تحميل المزيد