أرباح بملايين الدولارات تجنيها شركات مقابل “تفريق أبناء المهاجرين” عن آبائهم في أميركا

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/22 الساعة 21:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/23 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش

تسفير أبناء المهاجرين نحو مراكز إيواء موزَّعة في أنحاء الولايات المتحدة لم يكن مجاناً؛ إذ دفعت إدارة الرئيس دونالد ترمب ملايين الدولارات لشركة خدمات استخباراتية من جهة وشركات طيران تدافع الآن بشراسة عن سمعتها بعدما اعتبرها ناشطون الناقل الرسمي للأطفال المُبعدين عن ذويهم.

اسم الشركة MVM Inc، ومضت عقداً مع إدارة الهجرة والجمارك، ينص على تقديمها خدمات نقل أطفال أجانب غير مرفقين بذويهم، لقاء 162 مليون دولار، وذلك بحسب السجلات التي اطلع عليها موقع The Daily Beast.

على موقع الشركة الأميركية، كشفت إعلانات الوظائف التي نُشرت مؤخراً أنها كانت تبحث عن انتداب أشخاص ليرافقوا أبناء المهاجرين من الحدود الأميركية على متن رحلات تجارية.

وتُعد MVM واحدة من عدة الشركات متعاقدة حصلت على مداخيل ضخمة، مستفيدةً من سياسة ترمب "غير المتسامحة"، التي أعلنتها إدارته في ملف احتجاز عائلات المهاجرين.

"نبحث عن موظفين لنقل أطفال بلا ذويهم"

أعقب هذه السياسة، التي دخلت حيز التنفيذ في شهر أبريل/نيسان 2018، نشر شركة MVM العديد من إعلانات التوظيف، حيث كانت تبحث عن موظفين لمرافقة أبناء المهاجرين بمدن حدودية مثل فينيكس، وسان أنتونيو، وماكالن، وتكساس التي توجد فيها منشأة "أورسولا" سيئة السمعة، التي كشفت بعض الصور عن وجود أطفال محتجزين فيها فيما يشبه الأقفاص.

وفي إعلان لها عن توظيف "عامل يتقن لغتين"، طلبت الشركة موظفاً مستعداً للعناية بمسافر صغير السن. كانت MVM تبحث عن مرافقين لأطفال ومراهقين غير مصحوبين بذويهم، ونص الإعلان على أن المهمة تتمثل في مرافقة هؤلاء على متن رحلات جوية داخلية وأخرى برية، نحو مراكز إيواء مخصصة لهم موزعة في أنحاء الولايات المتحدة.

مقر الشركة بولاية فيرجينيا، وأسَّسها داريو ماركيز عام 1979، وهو عميل سابق في الاستخبارات الأميركية. ووفق موقع ويكيبيديا، توفر الشركة متعاقدين أمنيين وموظفين ومترجمين ومتخصصين للحكومة الأميركية وعملائها. ويوحي اسم مؤسسها، الذي باع حصته لابنه كيفن عام 2015، بأنه من أصول لاتينية.

"ولكننا توقفنا عن ذلك بعد تسريب الخبر للصحف"

بعد نشر خبر عن هذه الوظائف، وزعت شركة MVM، عبر طرف ثالث، بياناً تقول فيه إن إدارتها أزالت إعلانات الوظائف المتعلقة بالاستعداد لإنجاز عمليات تندرج ضمن سياسة "عدم التسامح" التي اعتمدها ترمب ضد المهاجرين، وأنها لم تبرم أية تعاقدات جديدة منذ دخول هذه السياسة الجديدة حيز التنفيذ.

وجاء بهذا البيان، الذي صدر عن مدير شؤون الأمن الداخلي في الشركة، بتاريخ 18 يونيو/حزيران 2018: "إن شركة MVM تشعر بتعاطف كبير تجاه العائلات والأطفال الذين يَصلون إلى حدود الولايات المتحدة. وعندما تكون هذه العائلات والأطفال تحت رعايتنا، تكون أولوياتنا ضمان أمنهم ومعاملتهم بشكل يحترم كرامتهم ومشاعرهم. دأبت شركتنا على تقديم خدمات النقل منذ سنة 2014، ونفتخر بمستوى الاهتمام الذي يحصل عليه هؤلاء الأطفال من طرف موظفينا الذين يلتزمون بالمهنية والجدية".

قدَّم وصف وظيفة "متخصص في السفر"، الذي نشرته شركة MVM قبل وقت قصير من تسلُّم دونالد ترامب الرئاسة، تفاصيل إضافية عن ماهية هذا العمل. في أحد التعليقات على هذه الوظيفة، كتب موظف أن مهمة المتخصص بالسفر تتمثل في نقل القُصّر غير المرفقين بذويهم، بطريقة آمنة وإنسانية، وفي كنف الالتزام بسياسات ومعايير النقل الجوي والبري في الولايات المتحدة.

والوظيفة تتسم بكثرة المفاجآت

وعلى موقع indeed.com المتخصص بالتوظيف، وصف بعض المتخصصين بالمرافقة، الذين يعملون لحساب شركة MVM في مدينة ماكالن، تجاربهم بالإيجابية.

ولكن أكثر تعليق حصل على تفاعلات وتقييمات، ورد فيه أن "هذه الوظيفة تتسم بكثرة المفاجآت؛ إذ إن الإدارة لا تهتم أبداً بموظفيها، فضلاً عن أن ثقافة العمل في هذه الشركة تحتاج إلى بعض المراجعة والتعديل".

وذكرت شركة MVM أنها سحبت منذ ذلك الوقت إعلانات التوظيف، وقالت إنها "لم تقم بإبرام أي عقود جديدة متعلقة بمرافقة العائلات المقيمة بطريقة غير شرعية وأبنائها، منذ بداية تنفيذ سياسة عدم التسامح".

ناشطون يعتبرون طريقة نقل الأطفال "مثيرة للقلق"

ويقول مدافعون عن الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، إن وزارة الأمن الداخلي أظهرت افتقادها الشفافية بشكل مثير للقلق، حول طريقة نقلها أبناء المهاجرين، كما أن الشركات المتعاقدة لتقديم خدمات أمنية ليست خياراً ملائماً للتكفل بهذا الموضوع.

المحامي في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، كريس ريكارد، اعتبر أن "وزارة الأمن الداخلي ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية مطالَبتان بتحري المزيد من الشفافية في التعاطي مع موضوع نقل الأطفال، وبقية الخدمات التي تم التعاقد عليها مع شركات خاصة. ويجب على الكونغرس مساءلة هاتين الوزارتين وطلب تقديم معلومات عن هذا الموضوع الذي أصبح يشبه الصندوق الأسود".

 

وشكوك بتعمّد إخفاء معلومات عن سلوك عناصر شرطة الحدود والنقل

وأضاف كريس أن "المسؤولين في الإدارة الأميركية على سبيل المثال، تعمدوا -وبشكل محسوب سلفاً- تجنُّب الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بكيفية قيام عناصر دوريات الحدود والشركات المتعاقدة للتسفير بفصل الأطفال عن ذويهم، وهل حصل هؤلاء الموظفون على تدريب حول كيفية التعامل مع أطفال في حالة الصدمة، وهل هنالك أي إشراف أو مراقبة لهذه الممارسات التي تسبب الأذى النفسي لأطفال بعضهم لا يزالون رُضّعاً".

كما قال ويلس ديكسون، المحامي بمركز الحقوق الدستورية في الولايات المتحدة: "إنه لأمر فظيع، ولكن ليس بالمفاجئ، أن يتم التعاقد مع شركات عسكرية خاصة، جمعت الأموال من موت المدنيين الأبرياء حول العالم، لتقديم خدمات نقل الأطفال الصغار المبعَدين عن ذويهم".

وأضاف ويلس: "هذا دليل إضافي على أن الرئيس ترمب يعتقد أنه يخوض حرباً ضد عائلات المهاجرين الفارين من الاضطهاد، الذين من بينهم أطفال رُضَّع. يجب على طرف ما أن يتدخل للتكفل بالأعمال القذرة، عندما تكون وزارة الأمن الداخلي وإدارة الهجرة والجمارك غير قادرتين على التعامل مع هذا العدد من الأطفال الباكين".

واتهامات بالتكسُّب من معاناة الآخرين

أما فينس وارن، المدير التنفيذي لمركز الحقوق الدستورية، فقد اتهم شركة MVM بالتكسب من معاناة الآخرين، حيث قال: "دعونا نكن واضحين، إن الشركات الخاصة مثل MVM لديها هدف واحد، وهو كسب المال، إنهم الأشخاص الوحيدون الذين يشعرون بالحماسة كلما تزايد عدد الأطفال الذين يتم فصلهم عن عائلاتهم".

يشار إلى أن العقود المبرمة مع MVM تعود إلى سنة 2014، عندما بدأت موجة من الأطفال الفارين من عنف العصابات وشبكات تهريب المخدرات في أميركا الوسطى، بالتوافد على الحدود الأميركية بحثاً عن اللجوء.

وقبل تكليفها نقل أطفال المهاجرين لحساب الحكومة الأميركية، كانت شركة MVM معروفة بتوفير حراس لمؤسسات تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي في العراق. وقد تم رفع دعوى قضائية بالمحكمة، من طرف موظف سابق في MVM، يتهم فيها القائمين على الشركة في العراق "بشراء وحيازة أسلحة ومتفجرات بشكل غير قانوني".

شركات الطيران تستنفر دفاعاً عن استخدامها وسيلة للفصل

يُذكر أن استخدام الرحلات التجارية لنقل أطفال المهاجرين المفصولين عن ذويهم في مختلف أنحاء البلاد دفع شركات الطيران الأميركية لإصدار موقف من هذه الممارسات.

وفي اليومين الماضيين، أصدرت كبرى شركات النقل الجوي، مثل "أميركان"، و"فرونتير" و"يونايتد"، بيانات ترفض فيها المشاركة في سياسة ترمب، فيما عبرت وزارة الأمن الداخلي عن غضبها تجاه هذا الموقف، حيث اتهم المتحدث باسم الوزارة هذه الشركات بأنها "رضخت للروايات الإعلامية المغلوطة".

وأُثير جدل كبير حول هذه القضية، بعد ظهور منشور على فيسبوك، ينقل شهادة مضيفة طيران، كانت تعمل على متن رحلة يوجد فيها 16 طفلاً من المفصولين عن ذويهم. وفي إطار السياسة التي اعتمدتها إدارة ترمب تحت شعار "تصحيح الأمور"، قامت وزارة الأمن الداخلي ومكتب إعادة توطين اللاجئين في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، بأخذ الأطفال بعيداً عن ذويهم لدى وصولهم للحدود، ونقلهم جواً إلى مراكز إيواء، في مدن بعيدة جداً مثل نيويورك وديترويت.

وذكرت مضيفة الطيران، التي تم نقل شهادتها من فيسبوك، أنها رأت على متن الرحلة 16 طفلاً من أبناء المهاجرين، تتراوح أعمارهم ما بين 6 و11 عاماً، يرتدون كلهم ملابس رياضية رخيصة باللونين الرمادي والأسود، مقتناة من محلات Walmart، وكانت أعينهم مليئة بالخوف والحيرة.

وتؤكد أنها لم تكن على علم بإجراءات التفريق

صحيفة The Arizona Star تقصَّت حول الرحلة المذكورة، وتبيَّن أنها تمت من مدينة فينيكس إلى ميامي، وهي تابعة لشركة American Airlines، ولكن لم يتم التأكد مما إذا كان الأطفال المذكورين تم فعلاً فصلهم عن ذويهم.

وفي بيان صحفي، أكدت شركة American Airlines أنه "ليس لها أي علم بأن الحكومة تستخدم رحلاتها لنقل أطفال فُصلوا عن عائلاتهم". وأكدت الشركة أنها تعارض سياسة الفصل، وطالبت الحكومة بالتراجع عن استخدام رحلاتها الجوية لتنفيذ هذه الإجراءات. وقالت الشركة في بيانها: "ليست لنا أية رغبة في أن تكون لنا علاقة بعملية تفريق العائلات بعضها عن بعض، والأسوأ من ذلك هو تحقيق الاستفادة المادية من هذا الأمر".

وسرعان ما تبعتها شرطات طيران أخرى، حيث تعهدت شركة Frontier Airlines بأنها "لن تسمح أبداً باستخدام رحلاتها الجوية لنقل أطفال المهاجرين بعيداً عن عائلاتهم". كما نشرت شركة United، في تغريدة على حسابها، بياناً لمديرها التنفيذي أوسكار مونوز، جاء فيه أن "عملية الفصل هذه تتعارض تماماً مع قيم الشركة؛ ولذلك فهي لا تريد أن تشارك في تنفيذها".

ووزارة الأمن القومي تعقّب بضرورة الإجراءات لمنع الاتجار بالبشر

وأمام تزايد موجة سخط الرأي العام إزاء هذا الإجراء، هاجمت وزارة الأمن الداخلي شركات الطيران على لسان المتحدث باسمها تايلر هولتون، الذي نشر تغريدة اتهم فيها هذه الشركات بأنها "لا ترغب في أن تكون شريكاً للرجال والنساء الشجعان في وزارة الأمن الداخلي، الذين يسعون لحماية المسافرين الأميركيين، ومكافحة تهريب البشر، ولمّ شمل العائلات المهاجرة مع أطفالها". وأضاف تايلر أن "رفض شركات الطيران المشاركة في هذه العملية يُعرِّض المزيد من الأطفال لخطر الوقوع بقبضة شبكات الاتجار بالبشر".

ويشار إلى أن العقد الذي ينص على تكليف شركة MVM نقل الأطفال الأجانب غير المصحوبين بذويهم، تنتهي صلاحيته بحلول شهر سبتمبر/أيلول من سنة 2019.