توماس فريدمان: ترمب فشل في إدارة مواجهة مع ممثلة إباحية فكيف سينجح مع إيران؟!.. وهذه التعديلات الثلاثة كانت ستنقذ الاتفاق النووي

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/16 الساعة 22:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/16 الساعة 22:24 بتوقيت غرينتش
El presidente de Estados Unidos, Donald Trump, anuncia su decisión de retirarse del acuerdo nuclear con Irán, en la Casa Blanca en Washington. 8 de mayo de 2018. REUTERS/Jonathan Ernst

انتقد الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، معتبراً أنه كان هناك طرق أخرى يمكن أن يتم الضغط بها على طهران دون إلغاء الصفقة التي عقدها الرئيس السابق باراك أوباما مع القوى الدولية الأخرى لكبح طموحات إيران النووية.

فريدمان قال في مقال بصحيفة The New York Times الأميركية، إن الرئيس الأميركي الحالي أراد أن يتخلص من إرث أوباما وتحجيم إيران في ضربة واحدة، ولكنه بسبب هذا الإجراء أدخل الولايات المتحدة في ورطة مع حلفائها الأوروبيين.

وأضاف الكاتب الأميركي الشهير أن تعبير ترمب  الشهير الذي قاله قبل أن يصبح رئيساً: "سنحرق هذا الجسر عندما نصل إليه"، وهو حينها كان يقصد الاتفاق النووي مع إيران- تحقق بالفعل، وأحرق ترمب كل الجسور، بحسب فريدمان.

وتابع فريدمان: "رغم أن قرار ترمب سلَّط الضوء على سلوكها السيئ، وخلق فرصةً لتحسين الاتفاق النووي، فإن فعل هذا كان يتطلب من ترمب الاعتراف بأنَّ هناك مزايا للاتفاق الذي عقده أوباما، والرضا بالتعديلات المحدودة القيِّمة في الوقت ذاته والتي ربما كان سيقبل بها حلفاؤنا الأوروبيون.

حرق الجسر بأكمله

ولكن بدلاً من ذلك، اتخذ ترمب أكثر الإجراءات تطرفاً، وأحرق الجسر بأكمله، وأبعد الولايات المتحدة عن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وقوَّض القوى المعتدلة في إيران، وأصبح مضطراً إلى إدارة مواجهة معقدة متعددة الأبعاد مع طهران وحيداً.

سمِّني متشككاً إن أردت، لكنِّي لا أعتقد أنَّ رئيساً لم يتمكن من إدارة مواجهة مع راقصة تعرٍّ أو منع تسريبات البيت الأبيض- يمكنه إدارة استراتيجية متعددة الجبهات لمواجهة إيران، وكوريا الشمالية، والحروب التجارية مع الصين وأوروبا والمكسيك.

كان أوباما يرى أنَّ الشرق الأوسط منطقةٌ مختلفة عن غيرها، وأنَّ المزيج السام للتطرف الديني، والقبلية، والنفط، والفساد، وتغير المناخ، والحكم غير الرشيد- يجعل من المستحيل تغيير المنطقة من الخارج، وأنَّ الأمر يحتاج إلى تغييرٍ من داخل المنطقة نفسها. وبنهاية سنواته الثماني بالرئاسة، كان أوباما متشككاً في كل زعماء الشرق الأوسط ونواياهم، الإيرانيين والعرب والإسرائيليين كذلك"، بحسب فريدمان.

وهذا جعله ينتهج البساطة في سياساته تجاه المنطقة، ويركز على الخطر الأكبر. وعنى هذا انضمامه إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين لإبقاء أخطر الأسلحة، وهي الأسلحة النووية، بعيداً عن أيادي أخطر القوى الشريرة في المنطقة، وهي إيران. وبرفع العقوبات عن إيران كجزءٍ من الاتفاق، كان أوباما يأمل أن تندمج مع العالم ويصبح النظام أكثر اعتدالاً.

ولم تتحقق أمنية أوباما الثانية، لكنَّ الأولى تحققت. إذ وافقت إيران على فرض قيودٍ صارمة على تخصيب المواد المستخدمة في صنع الأسلحة النووية لخمسة عشر عاماً، وذلك مقابل تخفيف العقوبات. ولسنتين بعد الاتفاق، التزمت إيران بتلك القيود، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وعلَّق روبرت ليتواك، الخبير في المفاوضات الإيرانية بمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، واصفاً الاتفاق بأنَّه كان "صفقة معاملات أبقت على خمول القدرات النووية الإيرانية، لم يكن صفقةً كبيرة، أو تقدماً جذرياً يضم كل عناصر سلوك إيران البغيض". إذ لم تتضمن الاتفاقية على الإطلاق التوسع الإقليمي الإيراني أو برنامج طهران للصواريخ الباليستية.

فريق ترمب المتشدد

وعلى النقيض من ذلك، يتكون فريق ترمب من مجموعةٍ من المتشددين الذين يريدون تحقيق كل الأهداف، ولا يقبلون بالحلول الوسط. فهم يريدون فرض قيودٍ على برنامج إيران للصواريخ الباليستية، ووقف توسعها الإمبريالي في العالم العربي السني، وإلزامها بقبول بنود تضمن أنَّها لن تُخصِّب أبداً ما يكفي من اليورانيوم لتصنيع قنبلةٍ نووية، وإن أمكن تغيير النظام في طهران.

لكنَّ ترمب ترك العديد من الأسئلة الرئيسية دون إجابة: من سيتولى السلطة في طهران إن انهار النظام الحالي؟ أحد الأمور التي تعلمناها من ثورات الربيع العربي التي أطاحت عدداً من زعماء المنطقة أنَّه تقريباً في كل دولة كان بديل الاستبداد أمراً غير الديمقراطية، كالفوضى أو الديكاتورية العسكرية. وإن سلكت إيران ذات الـ80 مليون نسمة نفس مسلك سوريا، سيزعزع هذا استقرار الشرق الأوسط، وسيتدفق اللاجئون إلى أوروبا، بحسب فريدمان.

وبحسب الكاتب الأميركي  فإنَّ إيران تستعرض نفوذها عميقاً الآن في قلب العالم العربي. لكنَّ هذا لم يحدث بسبب المال الذي حصلت عليه من الاتفاق النووي أو رفع العقوبات، كما يزعم ترمب وأصدقاؤه. لكن كان بسبب ضعف الدول السنية العربية ونزاعاتها المهلكة، التي خلقت فراغاتٍ في السلطة ملأتها إيران بشبكتها من الوكلاء الشيعة. وبهذا تمكنت إيران من السيطرة اليوم بصورةٍ غير مباشرة على 4 عواصم عربية: بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء.

وتساءل فريدمان، هل سيستخدم ترمب القوات الأميركية لكبح إيران؟ لا. هل لديه إذن قوات عربية لتفعل ذلك؟ لا أيضاً. والآن، هل لديه حلفاء أوروبيون ليفعلوا ذلك؟ لا. إذن، كيف بالضبط سينحسر المد الإيراني؟

محاسن قرار ترمب

وبحسب فريدمان لكن يُحسبَ لترمب أنَّه سلط الضوء على سلوك إيران الكريه بصورةٍ لم يفعلها الأوروبيون. فإسرائيل تعرضت للانتقاد الشديد لبناء المستوطنات في الضفة الغربية، وكذلك تعرضت السعودية والإمارات للانتقادات لمساهمتهما في حدوث الأزمة الإنسانية في اليمن. لكنَّ الإيرانيين أفلتوا من اللوم والعقاب رغم القتل بصوره المختلفة الذي يمارسونه في الداخل والخارج.

فنظام إيران الديني يعوق واحدةً من الحضارات العظيمة، ويمنع الكثير من الشباب الإيرانيين من تحقيق إمكاناتهم الكاملة، ويسجن ويقتل بلا رحمة معارضي النظام. وفي سوريا، ساعدت قوات إيران الخاصة وميليشياتها، مثل حزب الله اللبنانية والمقاتلين الشيعة المأجورين من وسط آسيا، النظام السوري على ارتكاب إبادة جماعية قاسية بحق السوريين السنة، مستخدماً أسلحةً كثيرة من بينها الغازات السامة، وذلك للحفاظ على وجود ديكتاتورية موالية للشيعة وإيران في دمشق. وبمساعدة إيران تحوَّل ملايين السوريين إلى لاجئين.

وفي عمودٍ الشهر الماضي بصحيفة النهار اليومية اللبنانية، كشف أحمد عياش في مقالٍ عنوانه "توطين "حزب الله" في سوريا!" بالتفاصيل كيف تمارس إيران التطهير العرقي في سوريا بمساعدة حزب الله. وفقاً لأحمد: "الهدف … هو تغيير ديموغرافية" سوريا بتوطين رجال الميليشيات الشيعة المدعومين من إيران القادمين من "أفغانستان ولبنان ودولٍ أخرى في المنطقة … لملء الفراغ الديموغرافي" الذي تركه مئات الآلاف من السوريين الذين فروا من الحرب، بحسب المقال.

يُحسَب لترمب مسائلته إيران عن تلك الجرائم، لكنَّه ما زال بحاجةٍ لإستراتيجية لترجمة ذلك الضغط إلى مكاسب مستدامة. أو كما أشار كريم سجادبور الباحث بمركز كارنيغي: "الإستراتيجية دون ضغط تصبح غير فعالة. والضغط دون إستراتيجية يعد طيشاً".

ماذا كان على ترمب أن يفعل؟

ويرى فريدمان أنه كان على ترمب إبقاء الأمر بسيطاً كذلك. وبدلاً من إلغاء الاتفاق النووي، كان ينبغي له أن يخبر الأوروبيين أنَّ كل ما يريده للبقاء في الاتفاق النووي هو ثلاثة تعديلات: 1) تمديد حظر تخصيب إيران لليورانيوم المستخدم في الأسلحة النووية من الأعوام الخمسة عشر التي تفاوض عليها أوباما إلى 25 عاماً. 2) موافقة الولايات المتحدة وأوروبا على فرض العقوبات إن حاولت إيران بناء صاروخ يمكن لمداه إصابة أوروبا أو أميركا. 3) استخدام الدبلوماسية في الولايات المتحدة وأوروبا لتسليط الضوء ومحاسبة إيران على احتلال سوريا والعراق ولبنان.

كان الأوروبيون سيسرعون بقبول صفقةٍ كتلك. وكانت ستحافظ على جبهةٍ غربية موحدة لاحتواء أهم تهديدات إيران، وكانت ستخلق نزاعاً كبيراً داخل إيران بين المعتدلين الذين كانوا سيرغبون في قبول تلك الصفقة المعدلة لتفادي فرض العقوبات مرةً أخرى والتخلص من انتقادات ترمب المستمرة، والمتشددين الذين كانوا سيرفضونها. وكان العبء كله سيقع على كاهل طهران، وليس ترمب.

يا للخيبة. تطوير ما بدأه أوباما كان يمكنه تحقيق المصالح الأميركية، ويوفر ضماناتٍ لـ25 عاماً وتفتيشاتٍ دقيقة للحرص على عدم توفر قنبلةٍ نووية فجأةً في إيران. وكان هذا سيحافظ على تحالفنا مع حلفائنا الأقرب، بدلاً من تهديداتنا الآن بمعاقبة شركاتهم إن انخرطت في تبادلٍ تجاري مع إيران.

لكنَّ ترمب أراد تحطيم إيران وأوباما معاً، لهذا ألغى الاتفاق بالكامل. ولهذا، كما تقول إحدى التعبيرات المختلطة في موقع oxforddictionaries: "لقد عقَّدت المسألة، الآن تعامل معها".

تحميل المزيد