قصة سقوط رئيس وزراء ماليزيا السابق في وحل الفساد والغطرسة.. زوجته وليوناردو دي كابريو أجزاء في مسلسل السقوط

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/15 الساعة 21:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/15 الساعة 21:57 بتوقيت غرينتش

قبل بضعة أشهر فقط، بدا أنَّ الآلة السياسية التي يقودها رئيس وزراء ماليزيا اللامع نجيب رزاق غير قابلة للتدمير، لدرجة أنَّ فضيحة فساد تقدر بمليارات الدولارات بدت غير قادرةً على جعل هذه الآلة تنحرف عن مسارها. وجاءت النهاية بسرعة شديدة، وعلى نطاقٍ واسع، لدرجة أنَّ معارضيه كانوا مصدومين.

كان نجيب (64 عاماً) يتمتع بسلطةٍ غير مقيدة على محاكم بلاده وخزائنها على مدار ما يقرب من عقدٍ من الزمان. وازدهر حزبه من خلال تقديم مبالغ نقدية ضخمة في وقت الانتخابات. وكانت وسائل الإعلام تحت تصرفه؛ إذ كان يكمم أفواه من لا يعجبه من الصحفيين، ويدفع بخصومه السياسيين في السجون، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

علاقة نجيب بترمب

وتمتع نجيب، وهو ابن رئيس وزراء سابق وابن أخت رئيس وزراء آخر، بصداقة الرئيس الأميركي ترمب، الذي أعطاه بعد لعب الغولف معه عام 2014 صورةً مكتوباً عليها: "إلى رئيس الوزراء المفضل لدي". وفي العام الماضي، استضاف ترمب نجيب في البيت الأبيض، حتى مع اتهام وزارة العدل الأميركية له بنهب أموال الدولة الماليزية.

إلا أنَّ سلطته تبخَّرت فجأة في الساعات الأولى بعد الانتخابات العامة في ماليزيا، في 9 مايو/أيار، التي منحت أغلبيةً ساحقة للمعارضة التي يقودها الآن العملاق السياسي الذي أوصل نجيب ذات مرة إلى السلطة: مهاتير محمد البالغ من العمر 92 عاماً، كما تقول الصحيفة الأميركية.

وكانت المعارضة منقسمة، وما زالت كذلك، لكنَّها كانت مدفوعة بغايةٍ واحدة ألا وهي خلع نجيب عبر جمهور الناخبين الغاضب من تجاوزاته، والمعبَّأ من الشبكات الاجتماعية حتى مع تضييقه الخناق على وسائل الإعلام.

يتعرض نجيب فجأة الآن إلى اتهاماتٍ جنائية في الداخل، فضلاً عن جهودٍ متجددة من جانب وزارة العدل في سعيها لتتبع مليارات الدولارات المفقودة من صندوق تنمية ماليزيا "1MDB"، وهو صندوق الاستثمار الحكومي الذي يشرف عليه نجيب منذ سنوات.

رسمت التفاصيل التي صدرت عن هذا التحقيق في السنوات الثلاث الماضية صورةً قاهرة لزعيمٍ ماليزي وأفراد أسرته وأصدقائه الذين يعيشون في ترف على نفقة الأموال العامة.

فضائح الفساد

يقول المدعون إنَّ مئات الملايين من الدولارات من الصندوق ظهرت في الحساب الشخصي لنجيب، وأُنفقت على سلعٍ فخمة منها قلادة من الألماس الوردي عيار 22 قيراطاً قيمتها 27.3 مليون دولار لزوجته. وقال ممثلو الادعاء إنَّ حوالي 7.5 مليار دولار سُرِقت من الصندوق، وأُنفقت على لوحات للرسامين مونيه وفان غوخ ووارهول وآخرين، تبلغ قيمتها أكثر من 200 مليون دولار، وعلى عقاراتٍ فاخرة في الولايات المتحدة، وحتى على يختٍ ضخم لصديق للعائلة، وهو جوو لو، الذي عربد في علاقاته بهوليوود.

أصبحت هذه الاتهامات وغيرها مادةً خصبة لإثارة غضب الشبكات الاجتماعية في ماليزيا، وبصورةٍ مستمرة على مجموعات خاصة على تطبيق واتساب، ولكن يبدو أنَّ نجيب كان لا يزال يقلل من مقدار ما كان يخسره، وهو الجمهور الذي لا يزال يقدّر بعض مظاهر الاعتدال، والدعم السياسي من مجموعة الملايو الذي كان صامداً وعصيّاً في يومٍ من الأيام، وحتى أفراد العائلة، بحسب الصحيفة الأميركية.

ونشرت آزرين أحمد ابنة زوجته على إنستغرام، يوم الجمعة 11 مايو/أيار، إدانةً مفعمة بالمشاعر له ولوالدتها روسمة منصور، التي أصبحت معروفة على نطاقٍ واسع بتكديس ملابس المصممين، وأكاليل الجواهر، ومجموعةٍ من حقائب اليد تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، وتفوق ثروة الأحذية التي كانت تملكها إميلدا ماركوس، سيدة الفلبين الأولى السابقة.

وكتبت آزرين قائلةً: "اليوم يمثل نهاية يوم الاستبداد التي صلَّى الكثيرون من أجلها"، واصفةً ما شهدته من "التجاوزات والصفقات والمصافحات الكثيرة التي فعلها هذان الاثنان لحيازة السلطة وإشباع شهيتهم للطمع".

وأضافت: "فُتحت حسابات عديدة بالخارج لغسل الأموال خارج البلاد من أجل إنفاقهم الشخصي. والخزائن المعدنية مليئة بالجواهر والأحجار الكريمة والنقود. استُخدِمَت هذه الحسابات لتهريب المال".

شقيقه سعى للإطاحة به

وشارك نذير رزاق شقيق نجيب في طرح فكرة خلع أخيه كفرصةٍ للتقدم. وكتب على الشبكات الاجتماعية: "تحتاج ماليزيا إلى إعادة تقويم كبيرة، لكن كل المحاولات في ظل النظام القديم فشلت. يمكنكم تحقيق ذلك الآن"، كما تقول الصحيفة الأميركية.

حتى وسائل الإعلام الإخبارية التابعة للدولة، التي قضت سنواتٍ في كتابة مقالات مجامِلة بإفراط تصف حكمة نجيب ومشروعات السيدة روسمة الخيرية، أسقطت الألقاب التشريفية المتعددة التي كانت تسبق اسمه.

وبحلول يوم السبت، أحبطت إحدى قوائم السفر السوداء محاولة نجيب مغادرة ماليزيا مع زوجته.

أمَّا مهاتير محمد، الذي أدى اليمين الدستورية رئيساً للوزراء، يوم الخميس 10 مايو/أيار، فوصف نجيب باللص، وقال إنَّه يجب عليه مواجهة عواقب تصرفاته. وقال مهاتير يوم الأحد 13 مايو/أيار، في مؤتمرٍ صحفي: "سواءٌ كان منصبك كبيراً أو صغيراً، الجميع يخضع للقانون"، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقال رن ماك إيكرن، وهو مسؤول رقابة خاص سابق لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي ومتخصص في قضايا الفساد الدولي: "هذا يغير كل شيء تماماً. الآن وبعد خروجه من منصبه، يمكن أن تكون هناك تهمٌ جنائية".

وعلاوةً على ذلك، فإنَّ إزاحة نجيب من منصبه تمنح قوةً جديدةً للجهود التي تبذلها وزارة العدل لملاحقته قضائياً، وفقاً لشخصٍ لديه معرفةٌ مباشرة بالتحقيق، ولكنَّه غير مخول بالتحدث علناً. ورفضت الوزارة التعليق على القضية حين تواصلت الصحيفة معها، بحسب الصحيفة الأميركية.

رسالة ندم.. لكن فات الآوان

بعد هزيمته، نشر نجيب رسالةً على تويتر عبَّر فيها عن ندمه جزئياً على الأقل، وكتب فيها "أعتذر عن أي تقصير وأي أخطاء". وأكد أنَّ "تحقيق مصالح ماليزيا وشعبها سيكون دائماً أولويتي الأولى".

لكنَّ ملحمة نجيب رزاق هي واحدة من أبرز الملاحم التي يكتنفها الجشع المذهل وغياب المساءلة. وهي رواية لحزبٍ سياسي، حزب المنظمة الوطنية لاتحاد الملايو الذي قاده نجيب، نما على الكسب غير المشروع والمحسوبية، وانهار تحت وطأة تجاوز الحدود.

قال دونالد جرينليز، المختص في شؤون جنوب شرق آسيا في الجامعة الوطنية الأسترالية: "منذ فترةٍ طويلة، تمتعت النخب في جميع أنحاء المنطقة بثقافة الإفلات من العقاب. ليس هناك شك في أنَّ عقود حكم الحزب الواحد في الغالب، والتحكم في مؤسسات الدولة، ولا سيما السلطة القضائية، وترويض وسائل الإعلام قادت نجيب إلى الاعتقاد بأنَّه لا يمكن المساس به".

كان سقوط نجيب حدثاً نادراً في منطقة تراجعت فيها الديمقراطية في السنوات الأخيرة. ففي ماليزيا، كما في أماكن أخرى عبر جنوب شرق آسيا، كانت تُجرى الانتخابات فقط لإضفاء الشرعية على من هم في السلطة. ومع ذلك وبدون إطلاق رصاصة واحدة أو تهديدٍ بالانقلاب، أُطيحَ نجيب، بحسب الصحيفة الأميركية.

وكتبت آزرين ابنة زوجته على إنستغرام: "في اليوم الذي تركتُ فيه المنزل، تركت لكم تحذيراً. سيأتي الحساب عندما يعاقبكم الناس على تجاوزاتكم ضدهم. سيأتي اليوم الذي سيعاقبكم فيه الله على تجاوزاتكم تجاه الأشخاص الذين أقسمتم على حمايتهم".

الوريث المعيب

وبحسب The New York Times  كان أصل ونسب نجيب لا تشوبه شائبة، وبدا أنَّه من سنٍّ مبكرة سيتولى قيادة المنظمة الوطنية لاتحاد الملايو، المسؤول عن تحسين أوضاع الأغلبية العرقية الملاوية في البلاد باعتبارها مهمته الأساسية.

تلقى نجيب تعليمه في مدارس النخبة البريطانية، واكتسب اللهجة الإنكليزية الفاخرة والولع بالأزياء الراقية. وخلافاً لموجهه في الماضي مهاتير محمد، لم تكن لديه علاقةٌ مباشرة مع قاعدة الملايو المسلمة الريفية، وفي بداية حياته السياسية واجه صعوبةً في التحدث باللغة الملاوية.

ومع ذلك، فإنَّ الموروثات التي خلّفها والد نجيب، الذي كان ثاني رئيس وزراء لماليزيا، وخاله، الذي كان ثالث رئيس وزراء في البلاد، ساعدت في تعويض افتقاره للقواعد الشعبية. وفي المقابلات، كان نجيب شخصاً سلساً وأنيقاً وغير ودي بعض الشيء.

وقال رفيزي رملي، وهو استراتيجي بارز في المعارضة التي أطاحت بنجيب وائتلاف الجبهة الوطنية للصحيفة الأميركية: "نشأ نجيب وهو يرى أنَّ قيادته للبلاد حقٌّ طبيعي. هو لا يدرك أنَّه يجب عليك أن تكسب ثقة الناس وتحافظ عليها. لقد أُزيح تماماً من ماليزيا، ماليزيا الحقيقية".

لكنَّ سمعته تلطَّخت قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في عام 2009 بكثير.

لعنة قتل العشيقة المنغولية

في عام 2006، عندما كان نجيب نائباً لرئيس الوزراء، قُتلت عشيقةٌ منغولية لأحد مستشاريه، وهو عبدالرزاق باغيندا، بتفجيرها بواسطة متفجراتٍ عسكرية. وأُدين اثنان من حراس نجيب في نهاية الأمر بقتلها.

ولا يزال المحققون الفرنسيون يدرسون ما إذا كان نجيب قد استفاد شخصياً خلال الفترة التي قضاها وزيراً للدفاع من نحو 130 مليون دولار من الرشاوى المتعلقة بصفقة غواصات فرنسية. وقبل مقتلها، ادَّعت السيدة المنغولية ألتانتويا شاريبو أنَّها كانت تستحق نصف مليون دولار للتوسط في هذه الصفقة، بحسب الصحيفة الأميركية.

وتفجَّرت أكبر فضيحة في عام 2015 عندما شكك سياسيون معارضون وصحفيون يبحثون عن الفضائح فيما حدث لمليارات الدولارات التي اختفت من صندوق تنمية ماليزيا 1MDB، صندوق الاستثمار الحكومي في البلاد.

أشرف نجيب على الصندوق، وكشف النقاب عنه في عام 2009 كطريقةٍ مؤكدة لتحقيق المزيد من الازدهار الماليزي، من خلال الاستثمارات الأجنبية الذكية ومشاريع التنمية.

وفي عام 2016، فجَّرت وزارة العدل الأميركية قنبلةً مدوية: اختلس شخصٌ أشارت إليه الوزارة بالمسؤول الماليزي رقم 1 مبلغ 731 مليون دولارٍ من صندوق 1MDB. وأكَّد مسؤولون سِراً أن نجيب هو هذا المسؤول الماليزي.

وتوالت اتهامات وزارة العدل: وصل المبلغ الكلي الذي غُسِلَ عبر البنوك الأميركية إلى أكثر من 4.5 مليار دولار من صناديق 1MDB، دخلت إلى حسابات نجيب وعائلته وأصدقائه، وفقاً للمدعين.

فضيحة 1MDB

وقالت الوزارة إنَّ 250 مليون دولار ذهبت إلى يختٍ مزود بكافة الكماليات، منها مهبط للمروحيات وقاعة سينما، صُنِع خصيصاً من أجل جو لوو، الخبير المالي وصديق رضا عزيز ابن زوجة نجيب. لوو متهمٌ بأنَّه في مركز هذه الخطة، وقال المدعون الفيدراليون إنَّه استخدم أموال صندوق 1MDB ليشتري للممثل ليوناردو ديكابريو لوحةً لبيكاسو بسعر 3.2 مليون دولار، كهدية في عيد ميلاده. وتلقت عارضة الأزياء الأسترالية ميراندا كير كذلك مجوهراتٍ بقيمة 8 ملايين دولار (كِلاهما أعاد الهدايا بعدها)، بحسب الصحيفة الأميركية.

شرح نجيب أنَّ المبلغ المودع في حسابه الشخصي البالغ 681 مليون دولار كان هدية من راعٍ سعودي. وفي 2015، بعد جمع المدعي العام الماليزي أدلةً تُشير إلى تورط نجيب في قضية 1MDB، وبدا المدعي عازماً على توجيه اتهامات، أقاله نجيب. وبرأت تحقيقاتٌ لاحقة أجرتها الحكومة الماليزية نجيب من ارتكاب أي جرائم.

اعتاد الماليزيون قدراً من التلاعب في النظام السياسي للبلاد، لكنَّ المبالغ الهائلة المرتبطة بفضيحة 1MDB صدمت العامة. ووصف المحققون الفيدراليون الأميركيون مخطط غسيل الأموال بأنَّه "ضخم، وصارخ، وفاضح".

تحرك نجيب ليُسكت التقارير الإخبارية الناقدة، أو ليُحرِّفها في وسائل الإعلام الرسمية. لكنَّه لم يتمكن من حجب كل شيء.

انضمت وسائل إعلامية مثل مدونة Sarawak Report وصحيفة The Edge الماليزية إلى صحيفة Wall Street Journal في مقدمة السباق، لكشف كل تفصيلة من تفاصيل الفضيحة (أُغلقت صحيفة The Edge لمدة ثلاثة أشهر، بينما لا تزال المدونة محجوبة في ماليزيا).

وتعجبت المؤسسة السياسية الماليزية من الكيفية التي صار بها ابن رئيس وزراء مشهور بالتقشف بكل هذا الفساد المالي وعدم الاكتراث. وقال جيمس تشين، المدير الماليزي لمعهد آسيا بجامعة تازمانيا: "إن كنت ستسرق كل هذا المال، فلماذا تودعه في حسابك الشخصي؟ يُظهر هذا الكثير من الغطرسة".

 

اللوم على الزوجة

ومع ازدياد غضب العامة إزاء التجاوزات، صارت السيدة روسمة في مرمى النيران.

فعاداتها في الخروج في رحلاتٍ رسمية للتسوق في أوروبا وأستراليا، على الأرجح على نفقة دافعي الضرائب الماليزيين، أثارت غضب مرتادي الشبكات الاجتماعية. وقال أحد السماسرة إنَّ تشكيلة حقائب اليد الخاصة بها من هيرميس بيركين تُساوي 10 ملايين دولار على الأقل، كما تقول الصحيفة الأميركية.

وقال ليم تيك غي، محلل السياسات العامة بكوالالمبور عاصمة ماليزيا: "بحقٍ أو بغير حق، تعرضت روسمة للتشويه بصفتها الشريكة الكبرى في فساد رئيس الوزراء وفضائحه".

في 2015، حين تزوجت ابنة نجيب وروسمة من ابن أخي الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزاربايف، صُعِق الضيوف من تحضيرات الزفاف المسرفة. ويتذكر مهاتير، الذي حضر إحدى الحفلات، أنَّه رأى جنوداً يجرون 17 صندوقاً على الأقل مليئة بالهدايا الفاخرة للضيوف. وقال في حوارٍ مع صحيفة The New York Times في 2016: "لم أر هذا قط، حتى في حفلات الزفاف الملكي".

وحكى فازلي يعقوب زوج ابنة زوجة نجيب قصةً أخرى على إنستغرام بعد خسارة نجيب الانتخابات. كتب فازلي إنَّ روسمة قبل زواجهما استعانت بعرَّاف لتحكم على مناسبة هذا الزواج. وحذرها الدجال من الزواج لأنَّ فازلي، بِخلاف الآخرين، لديه القدرة على مقاومة قدرات روسمة الخارقة للطبيعة.

لكنَّهما تزوجا على أي حال. وكتب فازلي إن "أبواب الجحيم كلها انفتحت بعدها مباشرةً"، دون أن يذكر تفاصيل.

ونعت ذو الفقار أنوار الحق رسام الكاريكاتير الشهير في ماليزيا نجيب بأنَّه "أعتى لصوص ماليزيا"، ورسم روسمة بخاتم ماسي كبير على إصبع الخنصر. وكان رد فعل نجيب بلا رحمة. إذ واجه ذو الفقار، المعروف باسم زونار، تسع تهم بالتحريض، وما زال مهدداً بالسجن لمدة تصل إلى 43 عاماً، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقال ذو الفقار إنَّ يوم إجراء الانتخابات في التاسع من مايو كان "أسعد لحظة في حياتي"، وأنه يأمل أنَّ تسقط التهم عنه الآن.

مهاتير، الذي كان قد صرح سابقاً بأنَّه عاد من التقاعد قبل عامين لينضم إلى المعارضة لأنَّه صُدِم بغيمة الفساد المخيمة على نجيب، نجح في أثناء الحملة الانتخابية في استغلال الغضب الشعبي من ارتفاع تكاليف المعيشة، إضافةً إلى الفضائح المالية المرتبطة برئيس الوزراء. إحدى الفضائح التي لاقت صداها عند القرويين الماليزيين، الذين انتهى بهم المطاف بالميل إلى كفة المعارضة، كانت متعلقة ببرنامج دعمٍ زراعي، تقول بعض الروايات إنَّ ميزانيته فقدت نحو 750 مليوناً. وأشرف نجيب على هذا البرنامج.

هذه الانتكاسات أثبتت أهميتها، رغم أنَّه لم تكن هناك ضمانات على أنَّ مهاتير ما زال يتمتع بشعبيته القديمة.

وقال ليم، محلل السياسات العامة: "كانت فضيحة 1MDB عاملاً رئيساً في تحديد نتيجة الانتخابات. لقد صارت الفضيحة الممتدة مرتبطة بلا فِكاك بفساد المستويات العليا المستشري في البلاد".

فشل الاحتواء

لكن حتى مع تصاعد الغضب الشعبي، بدا نجيب منعزلاً عن الواقع بصورةٍ تُثير الفضول. ففي لوحاته الدعائية الموجودة في كل مكان، استحوذ نجيب على الأضواء، وأعطت ابتسامته ويداه المبسوطتان انطباع مندوب المبيعات أكثر من الحاكم. وكان من المفترض أن يذعن الناخبون الماليزيون ويوافقوا على أي صفقةٍ يقدمها لهم، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقال مهاتير إنَّه اختلف مع نجيب بسبب إصرار الأخير على أن "المال هو السيد" في السياسة والحكم.

تحت قيادة نجيب، ضمن الحزب الانتصار في انتخابات 2013 عبر توزيع مئات الملايين من الدولارات على قيادات الحزب من أجل توزيعها على الناخبين، وفقاً لمساعدي نجيب أنفسهم.

واتبع نجيب الاستراتيجية نفسها في 2018 وفقاً للمحللين، وتنبأ بأنَّ التحالف الحاكم سيخرج بأداء أفضل في انتخابات هذا الشهر من انتخابات 2013، قبل ظهور نبأ فضيحة 1MDB.

وعشية الحملة الانتخابية، تفاخر وزير المعلومات الماليزي صالح سعيد كرواك بأنَّ حزب المنظمة الوطنية لاتحاد الملايو سيفوز بسهولة، وأنَّ الحزب يمكنه ولوج كنزٍ دفين من البيانات الحكومية الخاصة بالناخبين الماليزيين. وقال "الأمر كله في متناول أيدينا".

لم يكن صالح الوحيد الذي أخطأ في حساباته. إذ تنبأت وكالات استطلاع الرأي المحلية بأنَّ الفوز بالانتخابات سيكون من نصيب حزب الجبهة الوطنية، الذي يسيطر عليه حزب المنظمة الوطنية لاتحاد الملايو. وفي أنحاء البلاد، تجاوزت أعداد الأعلام الداعمة للجبهة الوطنية بكثير أعلام تحالف الأمل المعارض.

غير أنَّ بعض غمغمات السخط كانت تسري. وفي سابقةٍ هي الأولى من نوعها، ذكَّر رئيس البحرية الماليزية جنوده بأنَّ التصويت سري، وينبغي عليهم الاختيار بحرية.

نجيب وترمب مجدداً

ورغم أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان قد التقى بنجيب في البيت الأبيض في أواخر سبتمبر/أيلول، فقد فشلت جهود العضو الفاعل بالحزب الجمهوري سابقاً إليوت برويدي من أجل الجمع بينهما مرةً أخرى للعب الغولف، رغم تأكيد برويدي لرئيس العاملين بالبيت الأبيض في رسالة بريدٍ إلكتروني مسربة على أنَّه يعرف نجيب جيداً. ولم يحصل نجيب حتى على جلسة تصوير في أثناء الزيارة.

وفي الأشهر الأخيرة من الحملة، لجأ نجيب إلى سياسات المال المجربة الفعالة. وفي اليوم السابق على الانتخابات، وعد بأنَّ الماليزيين البالغين من العمر 26 عاماً وأصغر لن يضطروا إلى دفع ضريبةٍ على الدخل إن انتصر تحالفه. وقبلها وعد نجيب بزياداتٍ كبيرة في رواتب الموظفين بالقطاع المدني، الذين ينتمي أغلبهم إلى عرق الملايو وليس الأقليات الصينية والهندية.

قال أوهي سون، المحلل المقيم بكوالالمبور والسكرتير السياسي السابق لنجيب: "كان هذا أسلوبه دوماً: حين يواجه الصعوبات، يُقدم لهم المغريات".

واتسمت التكتيكات الأخرى بصرامةٍ أكبر. فقبل وقتٍ قصير من بدء الحملة، مرر حزب نجيب "قانون الأخبار الزائفة" كما سموه، وهو أول قانون في العالم يستخدم عبارة ترمب المميزة، ويُجرِّم نشر أو تداول المعلومات المضللة. وخشى منتقدو القانون أنَّه يمكن أن يزج بأي شخص ينتقد نجيب في السجن لمدة تصل إلى ستة أعوام. وصممت حكومته أيضا مخططاً واسعاً لتقسيم الدوائر الانتخابية يقلل من نفوذ الأقليات التي من المستبعد أن تصوت له، بحسب الصحيفة الأميركية.

لكن أياً من هذه الجهود، الناعمة منها والصارمة، لم ينجح. ويقول تشين من جامعة تاسمانيا: "اسم نجيب صار ساماً. ولا توجد طريقة ليهرب بها من هذا".

ويوم الأحد، كان نجيب وروسمة ما يزالان محاصرين في منزلهما بكوالالمبور. وقال حارس شخصي بمنزلهما، طلب عدم ذكر اسمه في الصحافة خوفاً من الانتقام، إنَّ سيل الأصدقاء الذي كان من قبل يطرق بابهما قد توقف. حتى مدبرة المنزل هجرتهما.

تحميل المزيد