تعاقد صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية مع شركة اتصالات في ولاية نيويورك الأمريكية، لتحسين صورته و "التفريق بوضوح" بينه وبين القيادة السياسية للمملكة، في ظلِّ مكافحة الرياض لإصلاح الأضرار الدبلوماسية الناجمة عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وقالت صحيفة The Financial Times البريطانية، إنه ووفقاً لملفات وزارة العدل الأمريكية، فقد وقَّع صندوق الاستثمارات العامة، الذي يمتلك أكثر من 300 مليار دولار من الأصول تحت إدارة الأمير محمد بن سلمان ورئاسته، عقداً بقيمة 120 ألف دولار شهرياً مع شركة Karv Communications، في الشهر الماضي فبراير/شباط.
وجاء في الملفات أنَّ شركة Karv كُلِّفَت بمهمة "تحسين سمعة وصورة" صندوق الاستثمارات العامة وكبار مسؤوليه التنفيذيين، مع "تأكيد تركيز الصندوق على غرض الأعمال التجارية فقط". وسينصبّ تركيز الشركة كذلك على بناء الثقة وتحسين العلاقات مع "أصحاب المصلحة الدوليين الرئيسيين"، مثل قادة الأعمال ووسائل الإعلام، وضمان أن يكون صندوق الاستثمارات العامة "مستعداً جيداً لأي تطورات سلبية محتملة وتدقيق خارجي مستقبلي". جديرٌ بالذكر أنَّ تفاصيل العقد نُشِرَت لأول مرة على موقع Al-Monitor.
الصندوق الداعم الأكبر لرؤية محمد بن سلمان
يُذكَر أنَّ صندوق الاستثمارات العامة المملوك للدولة هو المُحرِّك الرئيسي الذي يقود خطط الأمير محمد بن سلمان لإصلاح اقتصاد المملكة الذي يعتمد على النفط. ومن ثَمَّ، فقد أبرم صفقاتٍ كبرى مع شركاتٍ مقرها الولايات المتحدة، إذ اشترى حصصاً في شركتي تصنيع السيارات الإلكترونية Tesla وLucid Motors، وتعهَّد بدفع 20 مليار دولار لصندوق بنية تحتية تديره مجموعة الأسهم الخاصة Blackstone.
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن الصندوق تعرَّض لمزيدٍ من التدقيق في أعقاب مقتل خاشقجي بسبب ارتباطه الوثيق بالأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة.
إذ أفادت تقارير بأنَّ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية استنتجت أنَّ محمد بن سلمان أمر بتنفيذ جريمة القتل التي وقعت في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018. وكذلك أدان بعض المشرعين الأمريكيين محمد بن سلمان وطالبوا إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة النظر في علاقات واشنطن مع السعودية التي تُعَد أكبر دولةٍ مُصدِّرة للنفط في العالم، حيث تسبَّب القتل المروع في أسوأ أزمة دبلوماسية للمملكة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة.
ويُذكَر أنَّ الأمير محمد نفى اضطلاعه بأي دور في مقتل خاشقجي. وقالت الرياض إنَّ القتل كان نتيجة لعملية مارقة، وقدَّمت 11 متهماً سعودياً مجهولي الهوية إلى المحاكمة بتهمة القتل، بحسب الصحيفة البريطانية.
لكنَّ المسؤولين الغربيين يطالبون بقدرٍ أكبر من الشفافية بشأن التحقيق، بينما تهدد الفضيحة بعرقلة محاولات ولي العهد لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة لتوفير التمويل والمهارات والمصداقية لدعم خططه الإنمائية.
وقال تشارلز هوليس، المدير الإداري لشركة Falanx Assynt المتخصصة في تقديم الاستشارات للأسواق الناشئة، إنَّه سيكون من الصعب للغاية فصل صندوق الاستثمارات العامة عن القيادة السياسية السعودية، لأنَّ الأمير محمد بن سلمان "ارتبط به ارتباطاً شديداً على مرِّ السنوات القليلة الماضية، ويبدو أن الاستثمارات مدفوعة بأجندته الخاصة".
وأضاف: "قد يتلاشى هذا التصور بمرور الوقت، لكنَّه سيتطلب تراجع ولي العهد بعض الشيء، ولست متيقناً إلى أي مدى سيتراجع".
سمعة الصندوق تضررت بمقتل خاشقجي
وكان صندوق الاستثمارات العامة تضرَّر بالفعل من تداعيات مقتل خاشقجي. إذ تحوَّل المؤتمر الاستثماري البارز الذي نظَّمه، والذي أطلق عليه اسم "دافوس الصحراء" إلى انعكاسٍ للمشاعر السياسية والتجارية تجاه المملكة في أعقاب عملية القتل. فتراجع عددٌ من الرؤساء التنفيذيين عن حضور المؤتمر، الذي عُقد في الرياض بعد أسابيع قليلة من مقتل خاشقجي، خوفاً من المخاطرة بسمعة شركاتهم.
وأُلغيت شراكةٌ واحدة على الأقل مع الصندوق، بعدما أعادت وكالة Endeavour الأمريكية للمواهب 400 مليون دولار إليه.
وفي يوم الإثنين الماضي 18 مارس/آذار 2019، قال جوزيبي سالا، عمدة مدينة ميلانو، إنَّ دار أوبرا لا سكالا الإيطالية ستعيد على الفور 3 ملايين يورو أودعتها وزارة الثقافة السعودية في حساب ضمان، في إطار صفقةٍ لجمع التبرعات من أجل افتتاح مدرسة لتعليم الموسيقى في المملكة. وقال سالا، الذي يترأَّس كذلك مجلس إدارة لا سكالا، إنَّ الجولة التي تعتزم أوركسترا الأوبرا إجراءها في المملكة العربية السعودية في عام 2020 ستمضي كما هو مخطط له.
يُذكَر أنَّ صندوق الاستثمارات العامة يُشرف على مجموعةٍ كبيرة من المشروعات في المملكة العربية السعودية، من بينها بناء مدينة مستقبلية ضخمة بقيمة 500 مليار دولار تُعرَف باسم نيوم، وإنشاء صناعاتٍ جديدة في مجالي الأسلحة والترفيه. وقد حوَّله الأمير محمد من صندوقٍ استثماري خامل إلى ما هو عليه الآن، بعدما نقل الملك سلمان الإشراف عليه من وزارة المالية إلى مجلسٍ جديد يحمل اسم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، في مارس/آذار من عام 2015. ويتولى محمد بن سلمان رئاسة المجلس والصندوق واللجنة التنفيذية للصندوق.
وقال متحدثٌ باسم صندوق الاستثمارات العامة إنَّ الصندوق تعاقد مع شركة Karv لتوفير "مستشارٍ استراتيجي في مجال الاتصالات لضمان أنَّ أصحاب المصلحة العالميين، ولاسيما مجتمع الأعمال الأمريكي، يفهمون استراتيجية الصندوق الاستثمارية طويلة الأجل، المحددة بوضوح وأُطُر الحوكمة مع استمرار الصندوق في تطوير محفظته المحلية والدولية". ولم تتمكن صحيفة The Financial Times البريطانية من التواصل مع أندرو فرانك، مؤسس شركة Karv ورئيسها، للتعليق على هذا الأمر.