أجمعت وسائل إعلام وخبراء سياسيون جزائريون على أن خطاب قائد أركان الجيش الأخير، الفريق أحمد قايد صالح، حمل ما يبدو أنها نبرة جديدة، في ظل حراك شعبي متصاعد ضد ولاية خامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
إذ تجسدت تلك النبرة في حديثه عن "العلاقة الوطيدة" بين الجيش وشعبه، وعدم التطرق إلى "إنجازات بوتفليقة (82 عاماً)، وعدم التحذير من المسيرات الشعبية، وإن لم يخلُ من رسائل تحذيرية أخرى، قبل انتخابات 18 أبريل/نيسان المقبل.
في حين، كان قايد صالح قد حذر في 26 فبراير/شباط الماضي، مما قال إنها "نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جرّ هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة، بل غير مؤمنة العواقب".
لكن هذه المرة، وخلال لقائه قادة وطلبة في الجيش داخل أكاديمية "شرشال" العسكرية غرب العاصمة، قال صالح إن "الجيش سيعرف كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالب بها في كافة الظروف".
وبعد حديث عن مخاطر تحيط بالجزائر، أضاف أن "إدراك الجيش الوطني الشعبي لكل ذلك، سيجعله في غاية الفطنة والتيقظ وسيكون دوماً حارساً أميناً للمصلحة العليا للوطن وفقاً للدستور وقوانين الجمهورية".
ومتطرقاً إلى الانتخابات، قال إن "الجزائر على أعتاب استحقاق وطني هام، والجميع يعلم أننا قد التزمنا في الجيش الوطني الشعبي، وكافة الفروع الأمنية الأخرى كل الالتزام، بأن نوفر له وللجزائر كل الظروف الآمنة".
رسائل قايد صالح المتعددة.. وأول رد من قضاة الجزائر
حول خطاب صالح، تقول صحيفة "المجاهد" الحكومية الناطقة بالفرنسية، إن الجيش سيبقى حامي المصالح العليا للوطن في ظل احترام الدستور والقوانين. فيما رأى موقع "كل شيء عن الجزائر" الخاص، في نسخته الناطقة بالفرنسية، أن قايد صالح بعث برسالة مفادها أن الجيش يريد أن تجرى الانتخابات في موعدها، وسيضمن إجراءها "في جو من الأمن والسكينة".
ولفت الموقع إلى أن قايد صالح لم يُشر هذه المرة لا من قريب ولا من بعيد إلى بوتفليقة الذي يعاني من متاعب صحية منذ سنوات، على عكس خطاباته السابقة، لكنه ركز على العلاقة الوطيدة بين الشعب والجيش.
وأردف أنه لم يتطرق أيضاً هذه المرة إلى المسيرات الشعبية، التي كان في كل مرة يتناولها بطريقة غير مباشرة، لكنه حذر من التهديدات الخارجية.
أما صحيفة "الشروق" الخاصة، وواسعة الانتشار، فصدرت الصفحة الرئيسية لديها بعنوان: "قايد صالح: الرابطة التي تشد الجيش وشعبه قوية". وأضافت أنه "تعهّد بتوفير الظروف اللازمة لتمكين الشعب من أداء واجبه الانتخابي"، وشدد على "آيات التواد والتراحم والتعاطف والتضامن والأخوة الصادقة التي تتقوى بين الشعب وجيشه".
لكن الإثنين، أعلن أكثر من ألف قاض جزائري أنهم سيرفضون الإشراف على الانتخابات الرئاسية في البلاد المقررة الشهر المقبل إذا شارك فيها بوتفليقة، فيما يمثل إحدى أكبر الضربات، بحسب رويترز، للرئيس المعتلّ الصحة منذ بدء الاحتجاجات قبل أكثر من أسبوعين ضد سعيه لتمديد ولايته. في حين أكد القضاة في بيان أنهم سيشكلون اتحاداً جديداً للمحامين.
هل تخلّى صالح عن بوتفليقة؟
"هل تخلى قايد صالح عن بوتفليقة".. تحت هذا العنوان العريض، صدرت صحيفة "الخبر" الخاصة، نسختها الخميس. الصحيفة قالت إن "قايد صالح تحدث عن أخطار خارجية تستهدف الجزائر، لكنه على غير العادة تحاشى ذكر رئيس الجمهورية وإنجازاته".
ورأت أن خطابه يحمل ما يبدو تأثراً بالحراك الشعبي الرافض لاستمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم. وتساءلت: "هل وارد أن يتخلى قايد صالح عن بوتفليقة أم أنه من السابق لأوانه استخلاص شيء كهذا من مجرد خطاب؟".
وفقاً للخبير الأمني، الضابط المتقاعد العربي شريف، فإن "خطاب قائد أركان الجيش كان واضحاً، ويوجه رسالة إلى مَن أرادوا أن يتربصوا بالجزائر، خاصة الذين أرادوا أن يخترقوا المسيرات السلمية".
ولفت شريف للأناضول أن "الخطاب بدأ بالحديث عن السلم، ثم تحدث عن أطراف تتربص بالجزائر ولم يعجبها الاستقرار الذي تعيشه حتى في ظل المسيرات السلمية".
وتابع أن "الحديث موجه إلى أطراف داخلية وأخرى خارجية منزعجة من سلمية الحراك وتحاول الاختراق والعبث بالمسيرات".
وزاد بأنه "خلال المسيرات الماضية (22 فبراير/شباط الماضي و1 مارس/آذار الجاري) لم ينطق المتظاهرون ولو بكلمة واحدة ضد الجيش ولا قيادته، وهو ما يعكس أن الجيش والشعب متلاحمان دائماً".
الجيش أراد توضيح موقفه الغامض بعد بيانه الأول
بينما رأى فيصل مطاوي، إعلامي جزائري، أن "خطاب قائد أركان الجيش جاء في شكل بيان توضيحي؛ لأن البيان الأول كان غامضاً وتسبب في تضارب في القراءات".
وحذر قايد صالح، الأسبوع الماضي، من العودة إلى سنوات الأزمة الأمنية في تسعينيات القرن الماضي، وشدد على أن أطرافاً (لم يسمها) يزعجها استقرار الجزائر.
وأضاف مطاوي للأناضول أن "البعض اعتقد، من خلال خطاب الثلاثاء، أن الجيش كان يهدد الحراك الشعبي ضد ولاية خامسة، وآخرون اعتقدوا أنه كان يهدد الراغبين في فرض مشروع ولاية خامسة".
ويبدو أن الجيش أراد، في خطاب الأربعاء، أن يوضح أنه ملتزم بالموعد الانتخابي، وسيضمن أمن الانتخابات في موعدها، وهو ما يعني أن خيار تأجيل الانتخابات غير وارد على الأقل حتى الآن.
ولاحظ مطاوي أيضاً أن "قايد صالح لم يتحدث هذه المرة عن رئيس الجمهورية والإنجازات، لكنه أسهب في الحديث عن العلاقة بين الجيش والشعب". وتابع: "ولأن المرحلة تاريخية والجيش يعلم ذلك، تطلب الأمر توضيح الأمور، خصوصاً أن الجيش لطالما تمسك بالطابع الشعبي له".
وأردف: "بالنظر لتجارب سابقة انتُقد فيها الجيش في تسعينيات القرن الماضي ومظاهرات أكتوبر 1988، فإنه لا يريد استنساخ هذه التجربة، ويريد البقاء بجانب الشعب".
في أكتوبر/تشرين الأول 1988 عمّت الجزائر احتجاجات شعبية على الوضع المعيشي المتردي والبطالة المستشرية والبيروقراطية، بحسب المحتجين، وتدخل الجيش لتطويق الاحتجاجات، وسقط 169 قتيلاً وفقاً للسلطات وحوالي 500 قتيل، بحسب المعارضة.
الخطة البديلة لفترة ما بعد بوتفليقة
إلى ذلك، تسيطر على الجزائريين حالة من الإحباط خلال السنوات الأخيرة، وبات تتزايد بشكل مطرد منذ إصابة بوتفليقة بجلطة عام 2013، واختفائه عن المشهد العام، وكان تقديم الرئيس الجزائري، رسمياً، لترشحه لولاية خامسة، قد أثار التظاهرات الجارية.
ومنذ الـ24 من شهر فبراير/شباط، وهو يخضع "لاختبارات طبية روتينية" في سويسرا، ما ساهم في تزايد الإدراك بأنه غير لائق على الإطلاق لقيادة البلاد. وتعهد بوتفليقة، رداً على الاحتجاجات في جميع مدن وبلدان الجزائر، بألا يقضي الفترة كاملة إذا فاز في الانتخابات التي ستعقد الشهر القادم.
وقال بوتفليقة بعد أن اعترف بالمظاهرات: "لقد نمت إلى مسامعي، وكلي اهتمام، آهات المتظاهرين. لا سيما تلك النابعة عن آلاف الشباب الذين خاطبوني بشأن مصير وطننا". ومع ذلك، فإنَّ هذه الكلمات لم تؤد إلى إنهاء دعوات المتظاهرين له بالتخلي عن السلطة فوراً.
وبحسب موقع Lobe Log الأمريكي، فإن ثمة فارقاً بين ثورات الربيع العربي واحتمالية نشوب نسخة ثانية من الربيع العربي في الجزائر. ذلك أنَّ تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين في العلن موقف بالغ الأهمية بالنسبة للجزائر، وتسلط الأسابيع الثلاثة الماضية من المظاهرات الضوء على مدى ما تواجهه الحكومة من تحد كبير.
ومع ذلك، فإنَّ مثل هذه المظاهرات ليست بالضرورة علامة على أنَّ الحكومة على أعتاب السقوط من السلطة كما حدث في دول العربي الأخرى، فالمجموعة الحاكمة حول بوتفليقة لا تزال تحظى بولاء الجيش الجزائري. ويمكنها أيضاً أن تعتمد على حلفاء في الخارج، لا سيما في الغرب، وروسيا أيضاً.
ومن الواضح أنَّ قيادة الجزائر لم تتوقع اندلاع هذه المظاهرات. والآن، فإن المسؤولين في الجزائر العاصمة ينتقلون إلى الخطة البديلة لفترة ما بعد بوتفليقة من خلال محاولة إيجاد استراتيجية قابلة للتطبيق للحفاظ على الاستقرار في البلاد قبل تصاعد المظاهرات العامة.