كيف نجح «داعش» في تحويل السجون المصرية إلى مراكز لتجنيد المقاتلين؟ القصة الكاملة

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/28 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:45 بتوقيت غرينتش
أحد السجون المصرية - رويترز

نشر موقع Lobe Log الأمريكي تقريراً مفصلاً عن السجون المصرية، وكيف تحوَّلت لبيئة خَصبة ومثالية لتجنيد المعتقلين السياسيين، وضمِّهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

اعتمد كاتب التقرير (جو ستورك، النائب السابق لمدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش وعضو في المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان) على تقرير نُشِر الأسبوع الجاري يوثِّق كيف أنَّ سجون مصر تساعد في تأجيج هذا التهديد، منذ أن استولى السيسي على السلطة، في يوليو/تموز من عام 2013.

ويستند التقرير الذي كتبه براين دولي، الذي يعمل مستشاراً أول في منظمة هيومان رايتس فيرست التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، إلى مقابلاتٍ أُجريت مؤخراً مع عشرات السجناء السابقين، ويُسلِّط الضوء على الوسائل التي استخدمها كوادر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المسجونون، في تحويل السجون نفسها إلى مراكز لتجنيد مقاتلين جدد في التنظيم.

وبالنظر إلى أن السلطات المصرية تحتجز ما يُقدَّر بـ60 ألف سجين سياسي، وما يزيد على 100 ألف سجين إجمالاً، فإن ذلك يجب أن يكون مصدر قلق شديد لمساندي مصر الدوليين، الذين يقدمون المساعدة الأمنية والدعم السياسي لنظام السيسي.

كيف يجند "داعش" المعتقلين الجدد؟

وقال محمد نبيل، وهو أحد السجناء السابقين الذي سُجِنَ بسبب نشاطه المعارض مع حركة 6 أبريل اليسارية، إنَّ سلطات السجون كانت تضع المعتقلين الجدد "في أغلب الأحيان بعد تعذيبهم مباشرةً" في زنازين تضم سجناء تابعين لداعش.

وكان أحد العوامل المُساعدة على تجنيد هؤلاء السجناء في بعض الحالات هو شعورهم بالظلم بعد اعتقالهم بسبب تعليقاتهم التي تنتقد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ قال أيمن عبدالمجيد، الذي كان سجيناً في عامي 2015 و2016: "ثم في السجن، يُعذَّبون بالكهرباء في أفواههم وأعضائهم التناسلية. وبعد ذلك يكونون مستعدين للاستماع إلى سجناء داعش".

صورة معتقل مصري أفرج عنه بعفو من الرئيس عبد الفتاح السيسي/ رويترز
صورة معتقل مصري أفرج عنه بعفو من الرئيس عبد الفتاح السيسي/ رويترز

قال محمد سلطان، صاحب الجنسيتين المصرية والأمريكية، الذي اعتُقل في أغسطس/آب من عام 2013، واحتُجِزَ في ستة سجون وأقسام شرطة مختلفة على مرِّ 22 شهراً: "التطرُّف لا يُغرَس بضغطة زر، بل عادةً ما يحدث ذلك تدريجياً". وأضاف أنَّ إساءة المعاملة هي أحد العوامل (التي تساعد في غرس التطرف)، لكنَّ أحد العوامل الأخرى هو الإحساس بالتخلي عنك مع دعم القوى الخارجية للسيسي. وقال: "كل هذه الأخبار تصل إلى السجن عن هجمات (داعش) في مصر وسوريا وفي كل مكان، بينما بقيتنا كانوا يشعرون بالهزيمة بالفعل".

وقال محمد حسنين، الذي قضى ثلاث سنوات في السجن، لدوره القيادي في منظمة غير حكومية تساعد أطفال الشوارع، إنَّه لاحظ أنَّ السجناء المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين -التي تُعَد الهدف الرئيسي لقمع نظام السيسي- كانوا أشد قدرةً على مقاومة إغراء الانضمام إلى داعش. وقال في مقابلته مع براين دولي: "الإخوان المسلمون لديهم شبكة اجتماعية، لكنَّ سجناء داعش كانوا يستهدفون تجنيد أولئك الذين كانوا غير تابعين لهيكل الإخوان".

وقال محمد سلطان، في مقابلته مع دولي، إنَّ سلطات السجن أبقته "في عزلةٍ تامة" طوال ستة أشهر، على عكس "رجلين أو ثلاثة من سجناء داعش القادمين من سيناء، كانت لديهم إمكانية الاتصال بالعالم الخارجي، في حين أنَّ أي سجينٍ آخر لم يكن يحظى بذلك". وأضاف سلطان: "كان من الصعب علينا دائماً الحصول على هواتف مُهرَّبة في السجن، لكنَّ ذلك لم يكن صعباً على سجناء داعش".

السجين السابق محمد سلطان خلال جلسة محاكمة/ social media
السجين السابق محمد سلطان خلال جلسة محاكمة/ social media

سجون مكتظة.. بيئة مثالية للتجنيد

ومن بين المظالم الرئيسية الأخرى ظروف السجن الفظيعة، التي تعكس جزئياً الاحتجاز الجماعي الذي تتسم به فترة السيسي القمعية. إذ ذكر المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو مؤسِّسة شبه رسمية في مصر، في عام 2016، أنَّ اكتظاظ سجون البلاد بالمساجين وصل إلى 150% من طاقتها الاستيعابية، وأنَّ اكتظاظ مراكز الاحتجاز الأخرى مثل مراكز الشرطة بلغ 200% من طاقتها الاستيعابية.

ووثَّقت منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2015، أنَّ سلطات سجن العقرب -الذي يُعد من أبرز السجون شديدة الحراسة في مصر- كانت تحرم السجناء بانتظام من النوم على أسِرَّة وأدوات النظافة الأساسية مثل فرش الأسنان. وبين شهري مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، توفي ما لا يقل عن ستة من سجناء العقرب في الحجز، بعضهم بسبب الإهمال الطبي.

 وجديرٌ بالذكر أنَّ أحد حُرَّاس سجن العقرب السابقين قال في مقابلةٍ تلفزيونية أُجريت عام 2012، إنَّ السجن "صُمِّم كي لا يخرج منه أولئك الذين يدخلونه إلَّا وهُم موتى. إنَّه مصممٌ للسجناء السياسيين".

 وفي تقريرٍ صدر في سبتمبر/أيلول من العام الماضي 2018، وثَّقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي يقع مقرها في القاهرة كيف أنَّ "معظم الاحتياجات الأساسية لسجناء سجن العقرب -التي يتعين على سلطات السجون توفيرها بموجب القانون- تُباع لهم بأسعارٍ باهظة" في كافيتيريا السجن، وهي"مكانٌ مُصمِّم لإدرار أرباحٍ على السجن"، وموجودة كذلك في سجون مصرية أخرى.

الطعام والهواتف المهربة والحماية.. أدوات داعش لتجنيد المساجين

وقال أحد المحامين الذي يدافع عن "عدة موكَّلين مسجونين في السجون المصرية" في مقابلته مع براين دولي، إنَّ كوادر تنظيم داعش عزَّزوا استمالة السجناء الآخرين عن طريق عدم التعاون تماماً مع سلطات السجون، واجتذاب السجناء بتوفير بعض الخدمات لهم مثل طعامٍ أفضل واستخدام الهواتف المحمولة المُهرَّبة.

صورة للحراسات أمام أحد السجون المصرية/ رويترز
صورة للحراسات أمام أحد السجون المصرية/ رويترز

وأضاف: "وهم كذلك يوفِّرون للسجناء حمايةً أفضل بكثير ضد الحراس والسجناء الآخرين".

وتحدَّث أحد السجناء السابقين، الذي أشار إليه براين دولي باسم فرهاد، عن أنَّ مئاتٍ من كوادر تنظيم داعش في سجن وادي النطرون كانوا كثيرين وأقوياء بما يكفي "للسيطرة على بعض شؤون كيفية تسيير الأمور في السجن، وكانوا قادرين على تحديد السجناء القابلين للتطرُّف الذين يريدون نقلهم إلى زنزانتهم لغرس التطرف فيهم". وحين حاول سجينٌ يُدعى "محمود" مع سجناء آخرين التصدي لمحاولات نشر التطرف "هدَّدهم أعضاء تنظيم داعش بضربهم، لذا توقَّفوا".

وحين سُئِل السجناء السابقون عن التدابير التي يوصون بها لمواجهة زرع التطرُّف في السجون على يد أعضاء داعش، ذكروا ثلاث توصيات: وقف التعذيب، وتحسين ظروف السجون، وتسهيل الزيارات الأسرية، والتواصل مع أفراد الأسرة المُقرَّبين.

المسؤولون الأمريكيون ليسوا غافلين عن تلك المشكلة

ويشير الموقع الأمريكي إلى أنَّ المسؤولين الأمريكيين ليسوا غافلين عن تلك المشكلة؛ إذ قال وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، في أثناء زيارةٍ إلى القاهرة في أغسطس/آب من عام 2015، للصحفيين، إنَّه تحدَّث إلى المسؤولين المصريين عن مخاوفه بشأن "التطرف الذي يمكن أن يُزرع في السجناء، عن طريق احتجازهم مع بعضهم بعضاً".

الناشط السياسي أحمد ماهر خلال توجهه إلى المحاكمة/ soical media
الناشط السياسي أحمد ماهر خلال توجهه إلى المحاكمة/ soical media

وذلك بعد بضعة أسابيع من مُقابلةٍ أُجريت مع أحمد ماهر، مؤسِّس حركة 6 أبريل، الذي كان مسجوناً آنذاك، ذكر فيها أنَّه "في عزلةٍ شديدة تحت حراسة مشددة ومحرومٌ من أبسط الحقوق الأساسية".

وأضاف: "لقد أصبح السجن حقاً تربةً خصبة للمتطرفين. وصار مدرسةً للجريمة والإرهاب، في ظل وجود المئات من الشباب مُكدَّسين فوق بعضهم بعضاً في زنزاناتٍ ضيقة: الجهاديون بجوار أعضاء الإخوان المسلمين بجوار الثوار بجوار المتعاطفين معهم".

وبعد ذلك بأشهر، في أبريل/نيسان من عام 2016، نشرت صحيفة الشروق اليومية المصرية تقريراً تحت عنوانٍ يصف سجن طرة بأنَّه "مركز حكومي لتجنيد الدواعش".

وكما أشار براين دولي، فإنَّ الكونغرس منذ السنة المالية 2012 يطلب باستمرار من وزارة الخارجية التصديق على أنَّ مصر تتخذ خطواتٍ معينة لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان كشرطٍ لتقديم المساعدات العسكرية الأمريكية إلى مصر، مع أنَّ إصدار وثائق "تنازل من أجل مصلحة الأمن القومي الأمريكي" سمح للإدارات الأمريكية المتعاقبة بتجاهل هذا التصديق المطلوب. لكنَّ جميع الشروط التي وضعها الكونغرس، باستثناء الإشارة إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين لا يوجد بينها شرطٌ يتناول ظروف السجون أو معاملة السجناء أو الحاجة الماسة إلى إصلاحٍ جاد في الإجراءات العقابية.

 

 

تحميل المزيد