قبل 40 عاماً وتحديداً بعد 26 مارس/آذار 1979، اتخذت الدول العربية قرارها مقاطعة مصر، التي أبرمت اتفاقية سلام مع إسرائيل. وطوال العقود الأربعة مرت العلاقات العربية-الإسرائيلية بمراحل تراوحت بين المقاطعة والتوتر والتواصل السري، ومع تبدل الأجيال التي عايشت الحروب بين الطرفين، بدأ ما كان يعد مسلكاً محرجاً يظهر للعلن.
فللمرة الأولى يجلس وزراء خارجية عرب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين دوليين في غرفة واحدة، للحديث عما سموه التهديد الإيراني لمنطقة الشرق الأوسط.
البداية.. عداء وحروب وتجنب تام
كان قادة معظم دول العالم العربي يتجنبون التعامل مع إسرائيل منذ إعلان تأسيسها عام 1948، بل كانت هناك عدة حروب بين الطرفين، لكنَّ نتنياهو يراهن الآن على إقامة علاقات أقوى مع دول الخليج المؤثرة، على أساس المخاوف المشتركة بشأن إيران والمصلحة المشتركة في تعزيز العلاقات التجارية.
وعلى الرغم من أنَّ إسرائيل حافظت على علاقات سرية مع دول الخليج منذ 10 سنوات على الأقل، فإن تلك العلاقات لم يعلَن عنها، لأنَّ الزعماء العرب يشعرون بالقلق من إثارة غضب مواطنيهم ما دام النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني قائماً من دون حل.
لم يُظهر الجيل الأصغر لقادة دول الخليج العربية نفس تصميم قادتهم الأكبر سناً، على تجنُّب العلاقات الإسرائيلية-الخليجية بسبب الصراع الفلسطيني، بل انخرطوا بدلاً من ذلك في تواصل غير رسمي مع تل أبيب.
نقطة تحوُّل تاريخية في العلاقة بين إسرائيل والعرب
وتصدر عن دول الخليج إيماءات مختلفة تدل على قبولها التعامل مع إسرائيل، مدفوعةً بتشجيع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي تعليقٍ له، قال مايكل أورين، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي للدبلوماسية العامة في تصريح سابق له: "إنَّها علامة على أنَّ إسرائيل والعالم العربي يقترب أحدهما من الآخر".
غير أن لقاء وارسو الأخير، خلال المشاركة في مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط، اعتُبر نقطة تحوُّل مفصلية في العلاقة، بحسب تعبير بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي وصفها بـ "نقطة تحول تاريخية".
لكن، كان من أبرز المشاهد اللافتة للانتباه مشهد ظهور صور لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو يبتسم ويمزح مع قادة دول عربية خلال مؤتمر استفز الكثيرين، خاصةً السلطة الفلسطينية التي امتنعت عن المشاركة في المؤتمر، لكن ما بات مؤكداً أن مرحلة الحوار في الخفاء بين دول عربية وتل أبيب قد ولَّت بلا رجعة.
وتقيم إسرائيل علاقات دبلوماسية رسمية مع دولتين عربيتين فقط: مصر والأردن، على مدى عقود من الزمان.
يبدو أن حقبة جديدة من التعاون بين إسرائيل والعرب قد بدأت
وتثبت الأحداث التي جرت في قمة دامت يومين بوارسو، فرضية التقارب المعلن في الفترة المقبلة، إذ أظهرت مقاطع فيديو نتنياهو وهو يجلس مع مسؤولين عرب في حفل العشاء ليل الأربعاء 13 فبراير/شباط 2019.
وقال نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، خلال العشاء: "أعتقد أننا بدأنا حقبة جديدة. فرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يجتمع مع قادة البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويتقاسمون الطعام معاً".
لم يكن هذا المشهد هو الوحيد الذي يعكس التقارب العربي-الإسرائيلي في تلك القمة، فقد كان هناك أيضاً لقاء ومصافحة دافئة مع وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله، جاء بعد رحلة تاريخية أخرى قام بها نتنياهو في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عندما اجتمع مع السلطان قابوس بن سعيد، ضمن فعاليات أول زيارة من نوعها منذ أكثر من عقدين لعُمان.
وكان المشهد الأكثر إثارة للغضب الابتسامة القصيرة من وزير خارجية اليمن لنتنياهو، والذي كان يجلس بجواره في جلسة نقاشات عامة.
وقال جيسون غرينبلات، مبعوث دونالد ترامب للشرق الأوسط، إن خالد اليماني عرض إعارة ميكروفونه إلى نتنياهو عندما انكسر ميكروفون رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال جلسة مغلقة. وغرد غرينبلات قائلاً: "ردَّ نتنياهو مازحاً عن التعاون الجديد بين إسرائيل واليمن: خطوة بخطوة".
واعتبر أن ما يجري في وارسو "يعكس الالتزام السياسي من الرئيس ترامب بجلب الأمم معاً بطرق جديدة لحل المشاكل القديمة. هذه هي مهمتنا اليوم، وآمل أن تأخذوها جميعاً على محمل الجد".
وقال المسؤول الأمريكي: "نريد أن نجمع البلدانَ التي لها مصلحة في الاستقرار، لمشاركة وجهات نظرها المختلفة، والخروج عن نطاق التفكير التقليدي".
وأضاف: "محادثاتنا اليوم مهمة، لكن هذا المؤتمر لا يمكن أن يكون النهاية. نحن بحاجة إلى العمل ما بعد اليوم".
وتابع غرينبلات: "نأمل أن تنشأ شراكات جديدة إثر المحادثات، لا نحتاج إلى التزام الماضي عندما يتطلب المستقبل المشرق تعاوناً جديداً".
ولم يكشف غرينبلات عن ماهية التحالف الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى إقامته من خلال اللقاء، لكنه قال إن القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية لدول المنطقة، وجعل جل تركيزه على إيران، التي اعتبرها التهديد الرئيس لمستقبل السلام والأمن الإقليمي.
يبدو أن زمن التردد في التطبيع العلني مع إسرائيل قد انتهى
ظلت الدول العربية مترددة حتى الآن في إظهار العلاقات العلنية مع إسرائيل؛ خوفاً من الإحراج الداخلي، لكن هناك دلائل متزايدة على تحسُّن العلاقات. فقد فتحت السعودية مجالها الجوي أمام طائرة ركاب متجهة إلى إسرائيل في مارس/آذار 2018، وكسرت بذلك الحظرَ المفروض منذ 70 عاماً على تحليق الطائرات التجارية فوق المملكة للوصول إلى الدولة اليهودية.
وأصبحت الكراهية تجاه إيران والتجارة مجالين سعت حكومة نتنياهو إلى إيجاد أرضية مشتركة فيهما مع العرب، آملةً أن يعمل هذان المجالان على حجب التضامن العربي مع الفلسطينيين، الذين طالما اعتمدوا على الضغط الإقليمي ضد إسرائيل.
وأبدى وزراء عرب، في تصريحات لهم خلال مؤتمر وارسو، التوجه الإسرائيلي-الأمريكي نفسه الذي يضع إيران في مقدمة تهديدات المنطقة على حساب القضية الفلسطينية وحقوق شعبها، وهو ما يخلق أرضية مشتركة بين العرب وإسرائيل، يمكن أن تصبح قاعدة صلبة في المستقبل.
فقد أقر وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إزاء تهديدات من إيران وحزب الله، اللذين تعدهما دول عربية داعمَين رئيسَين للإرهاب بالمنطقة.
ونشر إعلام إسرائيلي مقطع فيديو لوزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، وهو يقول في وارسو، إن إقامة علاقات دبلوماسية بين بلاده وإسرائيل "ستحدث عندما يحين وقتها"، مشيراً بصراحة إلى أن مواجهة ما وصفه بـ "التهديد الإيراني" تعد "أخطر وأهم" من القضية الفلسطينية في الوقت الحالي.
وتضغط واشنطن على الزعماء العرب؛ سعياً وراء دعمهم خطة سلام لم تصدر بعد، صاغها صهر ترامب، غاريد كوشنر.
ويقال إن صفقة غاريد تكافئ إسرائيل بتطبيع العلاقات مع بعض قوى الشرق الأوسط في مقابل تقديم تنازلات لم يجرِ تحديدها بعدُ للفلسطينيين.