أمنها بات مهدداً.. فزع بإسرائيل بعد قرار وقف المساعدات الأمنية الأمريكية للفلسطينيين

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/02 الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 18:11 بتوقيت غرينتش
A woman supporting Hamas gestures as she stands in front of members of Palestinian security forces during a demonstration in Hebron in the Israeli-occupied West Bank December 14, 2018. REUTERS/Mussa Qawasma

قال مسؤول أمريكي، الجمعة 1 فبراير/شباط 2019، إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أوقفت جميع مساعداتها للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة لتسطر بذلك مرحلة جديدة من معاناة الفلسطينيين الذين يعانون من الحصار والفرقة، وليلقي بمزيد من التحديات على الجانب الإسرائيلي الذي سيجد صعوبة في التنسيق الأمني بعد هذا القرار.

والقرار مرتبط بمهلة غايتها 31 يناير/كانون الثاني بموجب قانون أمريكي جديد يجعل المستفيدين من المساعدات الخارجية أكثر عرضة لدعاوى قضائية متعلقة بمكافحة الإرهاب.

وبموجب قانون مكافحة الإرهاب (أتكا) الذي أقرّه الكونغرس بالإجماع في مجلسي النواب والشيوخ العام الماضي، ويطبق ابتداءً من الجمعة يمكن لأمريكيين إقامة دعاوى قضائية على أجانب يتلقون مساعدات أمريكية أمام محاكم الولايات المتحدة بزعم تواطؤهم في "أعمال حرب".

أمن إسرائيل أيضاً في خطر

ويعني حلول الموعد النهائي أيضاً وقف مساعدات أمريكية بنحو 60 مليون دولار لقوات الأمن الفلسطينية التي يساعد تعاونها  على مدار أكثر من عقد مع القوات الإسرائيلية في الحفاظ على هدوء نسبي بالضفة الغربية.

وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة Washington Post الأمريكية -والذي تحدَّث بشرط السرية نظراً لحساسية الموضوع- إن إسرائيل تدعم جهود وزارة الخارجية ومسؤولي إدارة ترامب الجارية لإيجاد حلٍ قانونيٍ "يحفظ التعاون الأمني من جهة، ويضمن العدالة لعائلات ضحايا الإرهاب".

رجال أمن إسرائيليون يوقفون مصور صحفي في مدينة القدس القديمة خلال مظاهرة/ رويترز
رجال أمن إسرائيليون يوقفون مصور صحفي في مدينة القدس القديمة خلال مظاهرة/ رويترز

وتكمُن أكبر المخاوف في أن إنهاء التمويل الأمريكي للقوات الأمنية الفلسطينية، الذي يشمل برامج التدريب في الأردن، قد يُضعف القدرات الأمنية للسلطة الفلسطينية ويُهدِّد تنسيقها الأمني مع إسرائيل.

ورغم انهيار التعاون في أوقات الصراع، لا تزال إسرائيل تتبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق مع السلطة الفلسطينية فيما يتعلَّق بالاعتقالات الاستباقية لمنع الهجمات.

وخفضت إدارة ترامب بالفعل المساعدات الأخرى التي تُقدِّمها للفلسطينيين، إذ قلَّلت المساعدات التي تمنحها عبر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، لكن المساعدات الأمنية كانت تُعتبر أهم من أن تُقطع.

وقال دانيال شابيرو، السفير الأمريكي الأسبق لإسرائيل، إن التمويل الأمني الأمريكي هو بمثابة "الضمانة التي تكفل استمرار التنسيق الأمني الذي نجح في إحباط الهجمات الإرهابية".

وأضاف أن تبعات هذا القانون "أثارت انزعاج الإسرائيليين بشكلٍ كبيرٍ لدرجة أنهم توجَّهوا إلى الإدارة والكونغرس قبل أسبوعٍ في محاولةٍ لإيجاد حل".

وقال إن قطع التمويل لن يكون له تأثيرٌ فوري؛ نظراً لأن معظم المال يُوجِّه للبرامج التدريبية، لكنه سيُضعِف قدرة القوات الفلسطينية تدريجياً.

وتابع شابيرو: "فضلاً عن أنه مؤشرٌ سياسيٌّ يُظهر للقوات الأمنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أن الولايات المتحدة لم تَعُد شريكتهم".

ورفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية التعليق على ما إذا كانت طلبت من الإدارة الأمريكية إيجاد حلٍّ بديل. ورفضت السفارة الأمريكية التعليق أيضاً.

ودفعت منظمة "شورات هادين" هذا التشريع في الكونغرس، وهي المنظمة القانونية الإسرائيلية اليمينية التي تسعى لتعويض عائلات ضحايا الهجمات الفلسطينية. ووصفت نيتسانا درشان لايتنر، رئيسة المنظمة، الجهود الرامية لإيجاد وسيلةٍ لاستمرار التمويل.

وقالت: "وزارة الخارجية تقف الآن ضد الضحايا". وأضافت أنها لا تعتقد أن خفض التمويل سيُؤثِّر على التنسيق الأمني الذي ترى السلطة الفلسطينية مصلحةً في استمراره للحيلولة دون تمديد حماس، الجماعة المسلحة التي تُدير قطاع غزة، لنفوذها في الضفة الغربية.

التشريع نتاج صراع قانوني دام أكثر من عقد

وأعرب تشارلز غراسلي (الجمهوري – آيوا)، كاتب مشروع القانون، عن "دهشته" من محاولات مسؤولي وزارة الخارجية لإيجاد حل.

وكتب في خطابه إلى الرئيس ترامب الأسبوع الماضي: "لقد وضعت حماية الولايات المتحدة ومواطنيها من الإرهاب على رأس أولوياتك. وأنا أدعم وأُؤيد هذه الجهود. ولهذا أتعجَّب من سعي بعض أفراد إدارتك عمداً لتقويض الحماية الأساسية التي وقعت على قانونها لضحايا الإرهاب الأمريكي".

ويأتي التشريع الجديد نتاج صراعٍ قانونيٍ دام لأكثر من عقدٍ من الزمن بواسطة "شورات هادين" من أجل الحصول على تعويضٍ من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لعائلات ضحايا الهجمات الفلسطينية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إلى اليمين) يجتمع مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (اليسار)/ رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إلى اليمين) يجتمع مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (اليسار)/ رويترز

وفي عام 2015، أمرت محكمةٌ أمريكيةٌ المنظمتين بدفع 655.5 مليون دولار في شكل تعويضاتٍ للعائلات، لكن القرار أُلغِيَ لاحقاً بواسطة محكمة الاستئناف والمحكمة العليا للولايات المتحدة على أساس انعدام السلطة القضائية.

وتحصل المحاكم الأمريكية بموجب القانون الجديد على سلطة مصادرة أصول أي كيانٍ يتلقَّى بعض أنواع المساعدات الأجنبية من الولايات المتحدة.

وقالت "نيتسانا" إن السلطة الفلسطينية لديها مواردٌ تكفي لتعويض التمويل. وصوَّت المجلس الوطني الفلسطيني بالفعل على وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لكنه لم يستكمل تهديده.

وقال داني دانون، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، خلال مؤتمرٍ صحفيٍّ في القدس: "مع الفلسطينيين، عليك أن تنظر إلى الأفعال لا الأقوال"، مُضيفاً أنهم يُدركون أهمية التعاون الأمني حين يتحدثون في الخفاء.

وأضاف: "تُعَدُّ الولايات المتحدة بلداً ديمقراطياً، ويتبنى الناس داخل هذه الديمقراطية أفكاراً مختلفةً دون التنسيق معنا، ولكن الناتج النهائي يكون فعَّالاً في معظم الأحيان".

المدارس ستترك نصف مبنية

وسيضع القانون أيضاً حداً أسرع من المتوقع لمشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في غزة والضفة الغربية، والتي بدأت في التراجع فعلاً نتيجة انخفاض التمويل.

وقال شون كارول، رئيس مؤسسة المعونة الأمريكية للاجئين في الشرق الأدنى (أنيرا) التي تُعَدُّ مُقاولاً لمشاريع البنية التحتية التابعة للمعونة الأمريكية، إن المدارس ذات التمويل الأمريكي في الضفة الغربية ستُترَكُ الآن نصف مبنية، فضلاً عن المخاطرة بترك مشروعين مائيين دون الانتهاء منهما.

وكشف مسؤولٌ بوزارة الخارجية، تحدَّث بشرط السرية نظراً لحساسية الموضوع: "سنواصل دراسة التأثير المحتمل لقانون مكافحة الإرهاب. وبالتشاور مع شركائنا، اتَّخذنا خطواتٍ لإنهاء بعض المشاريع والبرامج في الضفة الغربية وغزة".

ووصف محمد أشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح التي تحكم السلطة الفلسطينية، التمويل الأمريكي بأنه "صغيرٌ لكنه مهم. وأنا واثقٌ من شيءٍ واحد، وهو أن القرار سيُؤثِّر على أداء القوات الأمنية".

وقال إيتان دانغوت، منسق الأنشطة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية السابق بين عامي 2009 و2014، إن التنسيق بين القوات الأمنية الفلسطينية وإسرائيل "وصل إلى أعلى مستوياته. وأي تُهديدٍ لتلك الميزانية سيُسبِّب عدة مشكلات".

أطفال فلسطينيون يقفون في طابور خارج خيمة حيث يحضرون دروساً في قرية جبة الذيب في الضفة الغربية/ رويترز
أطفال فلسطينيون يقفون في طابور خارج خيمة حيث يحضرون دروساً في قرية جبة الذيب في الضفة الغربية/ رويترز

وأضاف أنه في حال رفضت السلطة الفلسطينية التمويل، "سندفع الثمن. وسيضُرُّ ذلك بالتنسيق والولاء والثقة بين القوات. مما سيُدمِّر كافة الجهود المبذولة منذ اتفاقية أوسلو".

وقالت مصادر دبلوماسية بحسب رويترز إن مسؤولين فلسطينيين وأمريكيين وإسرائيليين يحاولون التوصل إلى وسائل لإبقاء تدفق المال إلى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.

وصرح يوفال شتاينتز، عضو مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر المعني بشؤون الأمن، لراديو إسرائيل يوم الخميس: "سنجد حلاً لهذه الأمور. لن أخوض في تفاصيل".

والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هي الجهة الرئيسية التي تدير المساعدات الخارجية الأمريكية في الأراضي الفلسطينية. وقد أنفقت، بحسب موقعها الإلكتروني، 268 مليون دولار على مشروعات عامة في الضفة الغربية وغزة وأيضاً على سداد دين القطاع الخاص الفلسطيني في عام 2017، لكن كان هناك خفض كبير في كل التمويلات الجديدة حتى نهاية يونيو/حزيران 2018.

وقال نبيل أبوردينة، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس: "وقف وكالة التنمية الأمريكية للمساعدات التي كانت تقدم لشعبنا والتي كانت تشمل قطاعات هامة مثل الصحة والتعليم سيكون له انعكاس سلبي على الجميع، وسيخلق أجواء سلبية وتزيد من حالة عدم الاستقرار".

ووصف جرينبلات تعليق أبوردينة بأنه مخادع.

وقال في تغريدة ثانية: "الفلسطينيون أذكياء أكثر من أن يستمروا في العيش كضحايا ومتلقين للمساعدات الأجنبية. إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي (ربما تكون خطتنا للسلام)، يجب أن تركز السلطة الفلسطينية على مساعدة الفلسطينيين على تحسين حياتهم".

وفي غزة، أدان إسماعيل رضوان، المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وقف المساعدات، مستنكراً ما وصفه بأنه "المال المُسيَّس".

هل تبحث السلطة الفلسطينية عن مانحين جُدد؟

وقال ألون إفياتار، الرئيس السابق للفرع الاستشاري الخاص بالشؤون الفلسطينية بمكتب تنسيق الحكومة في المناطق -وهو فرع الجيش الإسرائيلي المختص بالتعامل مع الإدارة المدنية للضفة الغربية- إنه لا يعتقد أن الـ60 مليون دولار كانت تُشكِّل جزءاً مهماً من ميزانية القوات الأمنية، وأن السلطة الفلسطينية ستُدير أعمالها بدون هذه الأموال كما فعلت بدون المساعدات الأمريكية لمنظمة الأونروا.

وقال إفياتار: "سيبحثون عن مانحين آخرين لتغطية العجز". وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو الكويت أو قطر "أو أي دولةٍ أخرى تلجأ لها السلطة الفلسطينية عادةً ستُغطي الفجوة المالية كما حدث في حالة الأونروا. والحل الآخر بالنسبة لهم هو تقليل التدريبات أو خفض الأجور".

وقال اللواء توفيق الطيراوي، رئيس الاستخبارات الأسبق في السلطة الفلسطينية، إن الاجتياحات المتزايدة من قِبَل القوات الأمنية الإسرائيلية للأراضي التي يُفترض أن تُديرها السلطة الفلسطينية تعني أن التنسيق الأمني ينهار في جميع الأحوال.

وأضاف: "كان الأمر يخدم مصالح الشعب الفلسطيني في السابق، لكن الوضع تغيَّر الآن. سيُؤثِّر هذا علينا بالسلب، لكنه لن يقتلنا".

 

تحميل المزيد