الإمارات تختار البرلمان الأوروبي لـ«تجميل صورتها».. هل تنجح في تغيير قناعة من أدانوها سابقاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/21 الساعة 19:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 18:22 بتوقيت غرينتش
محمد بن زايد ورئيس مجموعة "الصداقة البرلمانية الإماراتية الأوروبية" (أرشيفية/وام)

"الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور قد يكون المُدافع الأخير عن حقوق الإنسان في الإمارات لأنه تمكن من انتقاد السلطات علناً". هذا ما أجمع عليه البرلمان الأوروبي في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن طالب بالإفراج الفوري عن الحقوقي منصور، بقرار حصل على موافقة 322 عضواً مقابل 220 صوتاً معارضاً.

ومن نفس المكان الذي انقسم أهله بين مؤيد ومعارض للسياسات التي تتعامل بها السلطات الإماراتية مع المعارضين السياسيين والحقوقين لديها في سجونها، افتتحت أبوظبي معرضاً في مقر البرلمان الأوروبي في 9 يناير/كانون الثاني، ليسلط الضوء على أنشطتها في مجالي الإغاثة والمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، وذلك في إطار جهودٍ كبيرة تبذلها لتعزيز سمعتها على المستوى الدولي. 

اللوبي الإماراتي في أوروبا

تبذل دولة الإمارات جهود كبيرة في محاولة لتعزيز صورتها وسمعتها دولياً، ويعد هذا الحدث، الذي دشَّنه رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني، جزءاً من حملة ضغطٍ إماراتية في أوروبا، أكثر من كونه محاولةً لنشر المعلومات والمشاركة في إجراء مناقشةٍ موضوعية حول سياسات دولة الإمارات.

لكن ما جعل هذا الحدث مختلفاً عن غيره -بحسب موقع LobeLog الأمريكي- من الأحداث المشابهة كان الآلية المُختارة. فبدلاً من انتقاد الأعداء المُتصوّرين لدولة الإمارات، مثل قطر وإيران وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين، أكَّد الحدث على جدول أعمالٍ "إيجابي"، تضمن المساعدات الإنسانية الإماراتية في الأماكن المتضررة من الأزمات، مثل اليمن وأفغانستان والصومال، وحتى في أوروبا عبر تمويل مخيمات اللاجئين في اليونان.

ولم يكن مصادفةً أن يؤكد تاجاني في خطابه على مشكلة الهجرة باعتبارها واحدةً من التحديات الرئيسية للاتحاد الأوروبي. إذ تُعد استراتيجية استغلال احتياجات الاتحاد الأوروبي في هذه القضية الحرجة نهجاً بعيد النظر للتأثير وبناء النفوذ أكثر من مهاجمة المنافسين الإقليميين. ويرسل ذلك النهج رسالة العلاقات العامة المنشودة إلى الجمهور الأوروبي، لاسيما عندما تُقدّمه امرأةٌ شديدة اللباقة تتحدث اللغة الإنجليزية مثل أمل القبيسي، رئيسة المجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات.

أمل القبيسي، رئيسة المجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات
أمل القبيسي، رئيسة المجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات

ومع ذلك، هناك حدودٌ لما يمكن أن تحققه حملة علاقات عامة مُحنّكة ناجحة وجيدة التمويل مثل هذه.

لماذا البرلمان الأوروبي تحديداً؟

في البداية، أثار المكان المُختار لانعقاد الحدث الشكوك. إذ أنَّ لجنة الصداقة البرلمانية الإماراتية الأوروبية لا تُعد هيئةً رسمية للبرلمان الأوربي، مثل لجنة الشؤون الخارجية، أو الوفد الرسمي لتعزيز العلاقات مع دول شبه الجزيرة العربية.

ولجان الصداقة ليست مخولةً للتحدّث باسم البرلمان الأوروبي، لكن غالباً ما تستخدمها الأنظمة الاستبدادية لكسب موطئ قدم مهم في البرلمان الأوروبي لأغراض الضغط والفوز بالتصويتات الحاسمة.

تعمل لجنة الصداقة البرلمانية الإمارتية الأوروبية بمثابة "بوقٍ" لحكومة أبو ظبي، حتى أنَّ المجموعة أدرجت على موقعها الإلكتروني سفارة دولة الإمارات في بروكسل ضمن تفاصيل بيانات الاتصال الخاصة بها. حُذف الموقع الإلكتروني منذ ذلك الحين، لكن ثمة صوراً أُخذت من صفحة بيانات الاتصال بالموقع ما زالت متاحة. ويجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّه لم يُسمح بطرح أية أسئلة أثناء الحدث.

علاوةً على ذلك، فإنَّ صورة دولة الإمارات "كقوة" عظمى في مجال المساعدات الانسانية تقوضها الحقائق القاسية الموجودة على أرض الواقع.

على سبيل المثال، أشاد كريستوس ستليانيدس، المفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، مراراً وتكراراً بطريقةٍ سريالية "بالقيم المشتركة" التي من المُفترض أنَّها تربط بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات، هذا في الوقت الذي رفضت فيه المحكمة الإماراتية الطعن المُقدَّم من الناشط الإماراتي الحقوقي، أحمد منصور، وأيدت الحكم الصادر ضده بالسجن لمدة 10 سنوات بسبب ممارسة حقه في حرية التعبير.

وأُفرج مؤخراً عن الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز، الذي سُجن لإجرائه أبحاث أكاديمية، بعد أن أمضى خمسة أشهر في الحبس الانفرادي بتهم تجسس ملفقة. وقد وثَّق تقريرٌ جديد صادر عن منظمة Human Rights Watch تلك الانتهاكات وغيرها، والتي تشمل تفشي الظلم وعدم التسامح والقمع والمحاكمات غير العادلة في دولة الإمارات، بالإضافة إلى ارتكابها لجرائم حرب محتملة في اليمن.

فجوات بين الأقوال والأفعال

هناك فجواتٌ كبيرة بين أقوال الإمارات وأفعالها. فعلى الرغم من حديث دولة الإمارات عن دعمها للمهاجرين واللاجئين خارج حدودها، فإنَّها تُعامل العُمّال المهاجرين لديها بقسوة، حتى بمعايير منطقة الخليج.

وبينما تحسنت ظروف العمال المهاجرين في قطر، الواقعة تحت دائرة الضوء لاستضافتها كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، لا يزال العُمّال المهاجرون في الإمارات يخضعون لسياساتٍ استغلالية دون ضوابط، متمثّلةً في ظروف العمل الوحشية ونوبات العمل التي تمتد لنحو 12 ساعة أو أكثر، واحتفاظ أرباب العمل بشيكات رواتب العُمّال الوافدين أو جوازات سفرهم، إلى جانب انتهاكاتٍ أخرى لحقوقهم حسبما بيَّنت الأمم المتحدة.

وتبدو الأرقام المُقدّمة في العرض التقديمي رائعةً على الورق، إذ تُظهر أنَّ إجمالي المساعدات الخارجية لدولة الإمارات من 2013 إلى 2017 وصل إلى 32 مليار دولار. ومع ذلك، يختلف مفهوم "المساعدات الخارجية" كثيراً عن "المساعدات الإنمائية أو الإنسانية".

إذ يشمل مفهوم "المساعدات الخارجية" أي نوعٍ من المساعدة المُقدّمة إلى حكومة أجنبية، بينما تُحسب "المساعدات الإنمائية أو الإنسانية" وفقاً لمعايير رسمية صارمة وضعتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

وتقع الحصة الأكبر من المساعدات الخارجية الإماراتية (ما يقرب من 50%) في فئة "المساعدات البرامجية العامة" غير المعلنة، والتي قد تشمل الدعم العسكري والأمني. وتُعد مصر إلى حدٍ بعيدٍ أكبر متلقٍ للمساعدات الإماراتية بمبلغ 16.75 مليار دولار.

وجديرٌ بالذكر في هذا الصدد أنَّ الإمارات دعمت الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، الذي أطاح الحكومة المنتخبة ديمقراطياً التي كان يقودها الرئيس السابق محمد مرسي، وثبَّتت النظام القمعي للرئيس العسكري عبدالفتاح السيسي.

لذلك، لكي نتحلّى بالمصداقية، يتعين على أبو ظبي تناول مسألة القلق من أنَّ بعض الأموال التي تزعم أنَّها أنفقتها على الاحتياجات الإنسانية ربما قد ذهبت بالفعل لدعم ديكتاتوريةٍ عسكرية في مصر.

لا يوجد شيءٌ يبهر الأوروبيين أفضل من مجال حقوق المرأة!

تتمثَّل إحدى ركائز استراتيجية جهود الضغط الإماراتية في تصوير البلاد باعتبارها مجتمعاً حديثاً معتدلاً متحرراً اجتماعياً خلافاً لخصومها الإقليميين "الإسلاميين". ولا يوجد شيءٌ يبهر الجمهور الغربي أفضل من عرض التّقدُّم المُحرز في مجال حقوق المرأة. وبالفعل أُعلن أثناء ذلك الحدث المُقام في بروكسل أنَّ الانتخابات البرلمانية الحرة ستجرى في الإمارات العام المقبل، وسَتُخصص نسبة 50% من مقاعد البرلمان للنساء.

لكن ما لم يرد ذكره هو أنَّ نصف أعضاء البرلمان الجديد سيُعينهم حكام الإمارات السبع. وإذا فشلت النساء في الفوز بنسبة النصف المُخصّصة لهن، ستُستكمل الأعداد على الأرجح باستخدام الحصة المخصصة للنواب المعينين. وحتى في حالة فوز النساء بنصف المقاعد، وهو أمرٌ مستبعد، فمن غير المتوقع أن تكون تلك الانتخابات حقيقية وتنافسية. إذ أنَّ البرلمان نفسه ليست لديه سلطة حقيقية كبيرة في دولة الإمارات.

متى تنجح الإمارات في تحسين صورتها؟

مثل هذه الفعاليات التي تقيمها الإمارات على الأرجح تُرسخ مواقف أولئك المستعدين بالفعل لتنفيذ أوامرها ورغباتها بدلاً من كسب مؤيدين جدد لها.

وجديرٌ بالذكر أنَّ ممارسات الضغط الإماراتية ليست شيئاً جديداً، لكنَّها فشلت في منع البرلمان الأوروبي من تبني قرارٍ يطالب بالإفراج عن أحمد منصور في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وفرض عقوباتٍ ضد المسؤولين الإماراتيين المُدانين بارتكاب انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، وحظر دول الاتحاد الأوروبي من تصدير معداتٍ أمنية إلى دولة الإمارات يمكن استخدامها للقمع الداخلي، من بينها تكنولوجيا مراقبة الإنترنت.

وكذلك لم تستطع عرقلة قرارٍ صادر عن البرلمان الأوروبي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بشأن الوضع في اليمن، يطالب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بوقف بيع الأسلحة إلى الإمارات والمملكة العربية السعودية. وتلك هي المواقف الرسمية للبرلمان الأوروبي، وليست بيانات مجموعة الصداقة.

صورة دولة الإمارات في الاتحاد الأوروبي ستتحسن "على الأرجح" في حالة حدوث إصلاحٍ حقيقي، مثل إنهاء القمع الداخلي والانخراط المدمر للبلاد في اليمن، بدلاً من تنظيم فعالياتٍ دعائية مثيرة مُنسّقة بعناية في البرلمان الأوروبي.

 

 

 

تحميل المزيد