السيسي يقرر والمواطن يدفع.. الرئيس المصري يأمر بتوحيد ألوان طلاء المباني في كل محافظة

الرئيس عبدالفتاح السيسي يقرر والمواطن يدفع.. هذه الجملة تصف باختصار القرار بأن يتم طلاء جميع المباني التي لم تُطلَ واجهاتها على الطرق السريعة

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/19 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/19 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش

حين تمر على طريق سريع في مصر سيلفت نظرك وجود مبانٍ كثيره يقطنها مواطنون وآثار الحياة بادية عليها، لكنك ستجدها غير مطلية (على الطوب الحمر) كما يقول المصريون، وهو منظر قرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن يختفي تماماً وإلى الأبد.

أخطر السيد رئيس الحكومة جميع المحافظين خلال اجتماعه معهم يوم الخميس الماضي بأن هناك تكليفاً من الرئيس السيسي بأن يتم طلاء جميع المباني التي لم تُطلَ واجهاتها خلال مهلة محددة، على أن تكون الألوان موحدة في كل محافظة.

ولم يفصح رئيس الوزراء في البداية عمن سيغطي تكاليف عملية الطلاء، الحكومة أم المواطنون؟ لكن خالد قاسم، المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية، حسم التساؤل مصرحاً بأن أصحاب البيوت هم من سيتحملون تكاليف الطلاء لأنها ليست ملكاً للدولة.

وكالعادة أثار قرار السيسي الأخير موجة من ردود الفعل المتضاربة، ففي حين اعتبره البعض قراراً سيئاً لا يدرك طبيعة احتياجات الشعب ولا يراعي وضعهم الاقتصادي، رأى آخرون أنه قرار جيد وخطوة مهمة نحو تجميل وجه مصر.

آلية تنفيذ غير واضحة

"حتى الآن لم ترد لنا تعليمات محددة عن آلية التنفيذ ولا المدة المحددة"، هكذا بدأ مسؤول بوزارة التنمية المحلية حديثه معنا، مفضلاً عدم ذكر اسمه، مضيفاً: "غالباً ستكون المدة المحددة طويلة، على أن يكون اكتمال دهان المباني شرطاً لإجراء أي تعاملات حكومية على العقار".

يشرح لنا المسؤول الحكومي قائلاً: "تغيير عدادات المياه أو الكهرباء، أو توثيق عقد البيع أو التأجير كلها أمور ستكون مرهونة بشرط طلاء الواجهات الأربع للمنازل، وبذلك نضمن أن الكل سيلتزم، لكننا سنحتاج وقتاً طويلاً نسبياً".

البديل الآخر، والحديث ما زال للمسؤول الحكومي، هو أن تطرح مناقصة عامة على المشروع في كل محافظة، والفائز تسند إليه مهمة التنفيذ وتسدد الحكومه له المال مباشرة، على أن يتم تحصيلها لاحقاً من السكان عن طريق إضافة تكاليف الدهان على فواتير الماء والغاز والكهرباء.

يختتم المسؤول الحكومي حديثه معنا قائلاً: "حتى الآن كما أسلفت لم يتم الاستقرار على آلية التنفيذ، لكنها لن تخرج عن إحدى هاتين الطريقتين، لكن أياً كانت طريقة التحصيل، فالمؤكد أن قاطني المنازل هم الذين سيتحملون تكلفة طلاء المنازل".

مباني على الطوب الأحمر في القاهرة / iStock
مباني على الطوب الأحمر في القاهرة / iStock

الأهالي يعانون

"عربي بوست" ذهب إلى "نزلة السلم" على الطريق الدائري، وهي إحدى المناطق التي يشملها قرار السيسي، إذ إن الغالب على تلك المنطقة هو الطوب الأحمر. وهناك التقينا بالحاجّة سعاد حسني (53 عاماً) مالكة عقار، التي تحدثت إلينا قائلة: "محدش يكره النظافة يا أستاذ، بس تفتكر يعني لو معانا ندهن ما دهنّاش ليه؟". وتحدثت سعاد عن الأزمة الاقتصادية التي يعيش فيها سكان المنطقة قائلة: "كلام الريس على عيني والله، بس هو عايزنا زي الزمالك والمهندسين (مناطق راقية في وسط القاهرة) يبقى من كله، يعمل لنا حاجات زي اللي هناك (تقصد الخدمات) مش نعيش في الكرب، ونتزوق له من بره بس".

تشاركها الحديث سيدة أربعينية (رفضت ذكر اسمها) قائلة: "المنطقة تعاني من نقص في الخدمات، المياه تقطع تقريباً نصف اليوم، لا توجد لدينا مواصلات عامة، ونضطر إلى الصعود للطريق الدائري يومياً لركوب المواصلات"، وتختتم السيدة حديثها بمطالبة السيد وزير الصحة بتجديد مستشفى أم المصريين الغارق في الإهمال، على حد تعبيرها.

وليام سعد، أستاذ التخطيط العمراني، يعقب لـ"عربي بوست" على القرار قائلاً: "القرار في حد ذاته ليس خطأً، الخطأ هنا هو تجاهل الظروف الاجتماعية والاقتصادية لمن سيطبق عليهم القرار"، ويستطرد سعد شارحاً: "لو نظرت للمناطق المستهدفة ستجد أنها يغلب عليها الفقر، هؤلاء هم من لا يطلون واجهات منازلهم، في حين منطقة مثل السادس من أكتوبر (منطقة جديدة نسبياً بالقاهرة) لن تجد فيها منزلاً واحداً غير مطلي، أولاً لأن قاطني المنطقة لن يقبلوا السكن في منزل غير مطلي، وثانياً لأن طلاء الواجهة من اشتراطات ترخيص دخول الكهرباء أصلاً. وعليه فتحميل فاتورة المظهر الحضاري اللائق، الذي يريده الرئيس ويريده الجميع، على الفقراء هذا هو الخطأ، كنت أتمنى أن تتحمل الدولة تكلفة هذا القرار، أو تبحث عن وسيلة أخرى لتنفيذه غير تحميله للمعدومين.

مباني على أحد الطرق السريعة / iStock
مباني على أحد الطرق السريعة / iStock

قرار سليم وتوقيت مناسب

لكن إنجي عادل (33 سنة)، مرشدة سياحية، ترى أن قرار الرئيس السيسي في محله وتوقيته مناسب تماماً، فهي ترى أن التشوّه والقبح وصلا لمنتهاه بالقاهرة، وأن الرئيس يحاول الإصلاح والتعمير من جانب، ومن جانب آخر هو حريص على إظهار جمال مصر، وهذا شيء يجب أن يُشكر عليه لا أن تتم مهاجمته بسببه.

وتضيف إنجي أن الطريق إلى أهرامات الجيزة مليء بالمباني التي تكلفت ملايين الجنيهات ومع ذلك يستخسر أصحابها دهانها، على حد تعبيرها. إنجي ترى أن الأزمة ليست اقتصادية كما يدعي البعض، فمن استطاع شراء أرض وبناء عمارة وتكلف كل هذا فهو بالتأكيد قادر على إضافة بند دهانها بلون مناسب، ولذلك هي مع القرار وتدعمه بشدة.

المفارقة هنا هي أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمارات مخالفة لشروط البناء أصلاً، وكثير منها بلا ترخيص،  أو تم بناؤها على أراضٍ زراعية بشكل مخالف للقانون، ومع ذلك لم تقم الدولة بإزالتها. فهل تقوم الدولة اليوم بإجبار المخالفين على الطلاء، وهل من خالف كل القوانين السابقة سينفذ قرار الطلاء!

اختلفت الآراء على قرار السيسي، وغابت حتى الآن آلية تنفيذه، لكن المؤكد أن سكان المناطق الأفقر هم من سيتحمّلون التكلفة، وهو يراه الكثيرون أنه عبء جديد يلقيه السيسي على كاهل البسطاء.

علامات:
تحميل المزيد