واشنطن والحلفاء التقليديون لم يخرجوه من أزماته الاقتصادية.. هل يسير الأردن نحو تحالفات جديدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/02 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/02 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز خلال لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الأناضول)

حافظ الأردن خلال السنوات الماضية، على تمسكه بتحالفاته التقليدية، المتمثلة بالولايات المتحدة الأميركية كداعم أول للمملكة، إضافة إلى دول الخليج العربي.

وفي فبراير/شباط الماضي، وقع الأردن والولايات المتحدة مذكرة تفاهم حول الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، تقدم واشنطن بموجبها ملياراً و275 مليون دولار أميركي مساعدات سنوية لعمان على مدار 5 سنوات، بقيمة إجمالية تصل إلى ستة مليارات و375 مليون دولار.

كما أعلنت دول الخليج خلال اجتماعها في "قمة مكة" عقب احتجاجات شهدها الأردن في مايو/أيار الماضي، تقديم حزمة مساعدات اقتصادية لعمان يصل إجمالي مبالغها إلى 2.5 مليار دولار.

قطر هي الأخرى، أعلنت منفردةً في يونيو/حزيران الماضي تقديمها حزمة استثمارات في الأردن بقيمة 500 مليون دولار، وتوفير 10 آلاف فرصة عمل للشباب الأردني بالدوحة.

إلا أن تلك المساعدات مجتمعةً لم تمكّن الأردن من تفادي أزمة اقتصادية خانقة تشهدها البلاد، فاقمتها أحداث المنطقة، وما نجم عنها من أثر واضح على اقتصاد المملكة.

910 مليون دولار عجز الموازنة في العام الجديد

ويعد الأردن من أكثر الدول تأثراً بما تشهده سوريا، حيث يستضيف على أرضه نحو 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم يحملون صفة "لاجئ"، فيما دخل الباقون قبل الثورة السورية بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة.

الحكومات الأردنية أصدرت العديد من القرارات الاقتصادية التي أثارت ردود فعل واسعة في البلاد، تمثلت باحتجاجات شعبية، رافقت إصدار قانون ضريبة الدخل المعدّل.

ولم تأت تلك القرارات جزافاً، وإنما جاءت لسد العجز في موازنات الدولة المتتالية، وبلغ عجز الموازنة لعام 2019 نحو 910 ملايين دولار، وفق ما أعلنته الحكومة.

واعتبر الأردنيون في فعالياتهم الاحتجاجية التي شهدتها البلاد خلال العام 2018، أن القرارات الحكومية تطال جيوبهم بشكل مباشر، ما دفعهم لإعلاء شعار "تغيير النهج" في مطالبهم.

هل حان الوقت للبحث عن حلفاء جدد؟

وسط تلك المطالبات، بدأت الحكومة الأردنية توسّع نطاق علاقاتها الدولية؛ في محاولة على ما يبدو للبحث عن حلفاء جدد، يساعدونها في الخروج من مأزق اقتصادي، طال أمده.

فمن أنقرة إلى بغداد، جاءت تلك الانطلاقة، بزيارة عمل رسمية قام بها رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، إلى تركيا في 26 ديسمبر/كانون الأول، كان النهوض بالعلاقات الاقتصادية على سلم أولوياتها.

وكان الأردن قرر في مارس/أذار الماضي، وقف العمل باتفاقية التجارة الحرة مع تركيا؛ لـ "عدم جدواها الاقتصادية"، وهو القرار الذي لاقى ردود فعل كبيرة بالنسبة للقطاع التجاري، الذي اعتبره "خاطئاً" في ظل إغلاق البوابات الرئيسية أمام منتجاته عبر سوريا والعراق، اللتين تشهدان تردياً في الأوضاع الأمنية.

تدرك عمان تمام الإدراك أن تركيا من أهم دول الإقليم على المستوى الاقتصادي، لكنها كانت تتوقع فائدة أكبر من اتفاقية التجارة بينهما، ما دفع لقرار إلغائها، فيما يقول خبراء إن دولاً خليجية كانت وراء إلغاء الاتفاقية، بحسب ما نقلت الأناضول.

أول زيارة خارجية للرزاز كانت إلى تركيا

تنسيق أردني تركي عالي المستوى على مختلف الأصعدة بين البلدين، شهده عام 2018، خاصة فيما يتعلق بأزمات المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأزمة السورية.

بل تعدى ذلك لمساهمة تركية في دعم المملكة بمحاربتها لقضايا الفساد، عندما سلّمت أنقرة المتهم الرئيس في القضية المعروفة إعلامياً بـ "مصنع السجائر"، عوني مطيع، في 18 ديسمبر/كانون الأول.

أيقن الأردن بأن تركيا حليف استراتيجي ومهم في المنطقة، ومن هنا جاءت زيارة الرزاز، كأول زيارة خارجية له منذ توليه مهام عمله في يونيو/حزيران الماضي.

أعقبت زيارة الرزاز لتركيا، إعلان وزير خارجيته أيمن الصفدي، عن اتفاق البلدين على إطار للتبادل التجاري كبديل عن الاتفاقية الملغاة، وهو ما فسره مراقبون بحرص كلا البلدين على ديمومة العلاقة بينهما، والرقي بها إلى مستويات متقدمة.

العراق أهم الأسواق للأردن

أما العراق البلد الغني بالنفط والبوابة التجارية المهمة للأردن، فكان الوجهة الثانية لـ "الرزاز"، حيث قام بزيارة بغداد على رأس وفد وزاري كبير في 28 ديسمبر/كانون الأول.

وكان الأردن قد فقد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 أهم الأسواق التجارية له، فضلاً عن كميات النفط الكبيرة التي كان يحصل عليها بأسعار تفضيلية.

وبعد أن بدأت بغداد باستعادة عافيتها، أعادت المملكة جارتها الشرقية إلى دائرة الاهتمام.

العراق ليس أقل حرصاً من الأردن على إعادة العلاقات مع عمان إلى ذروتها، فقد بادر الرئيس العراقي برهم صالح، بإجراء أول زيارة له إلى عمان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تبعها زيارة أخرى لنائب رئيس الوزراء وزير المالية العراقي فؤاد حسين، في 19 ديسمبر/كانون الأول.

من الصعوبة الاستمرار بالاعتماد على المساعدات

بدري الماضي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، يرى أن "الاحتجاجات في الأردن يفترض أنها ستدفع باتجاه التفكير داخلياً قبل البحث عن تحالفات دولية جديدة أو قديمة".

ويقول "الماضي" في حديثه للأناضول: "على الحكومة الأردنية أن تعيد تقييمها للأمور استراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط، وإن ما يجري يستدعي التفكير بعمق في ضرورة الاعتماد على المشروع الداخلي".

ويستدرك: "إن المساعدات والهبات أصبح من الصعوبة بمكان الاعتماد عليها؛ بسبب تغير الظروف الداخلية للدول المانحة".

ويعتبر "أن دور الوساطة الذي كان يلعبه الأردن سابقاً لم يعد يحظى باهتمامات دول الجوار؛ كونها تستطيع أن تمرر رسائلها دون وساطة الأردن الذي لعب هذا الدور باحتراف".

ويشدد الخبير السياسي على أنه "على الأردن الالتفات للمشروع الوطني، ومن ثم البحث عن علاقات اقتصادية جديدة دون التخلي عن تحالفاته القديمة، مما يتيح الفرصة له للتحرك بمرونة أكثر".

ويوضح: "يبدو أن مؤشرات التنويع بدأت تظهر، بحيث أن هناك توجهات جادة لإعادة التفاوض مع تركيا حول العلاقات التجارية بين البلدين، كما أن هناك تحركات جادة تجاه علاقات اقتصادية مميزة مع العراق".

محددات تحكم التحالفات

الخبير الاقتصادي مازن مرجي، يؤكد "أن الأردن محكوم بتحالفاته الخارجية بمجموعة من المحددات الأساسية التي تحكمه سياسياً واقتصادياً".

ويلفت مرجي إلى أن "القضية الفلسطينية تتربع على رأس تلك المحددات والارتباط المباشر بها لكل الأسباب المعروفة تاريخياً".

ويضيف: "الأردن محكوم لمحدد ثان يتمثل بقدراته الاقتصادية وقدرته على التقدم والإنجاز الاقتصادي، ضمن المعطيات المتوفرة، ونمط الفكر الاقتصادي الذي يحكم الاقتصاد الأردني".

ويشير إلى "أن المحور الإقليمي وعلاقته وتداخله مع الجوار القريب والبعيد من حيث اعتماد الأردن عليه تجارياً واقتصادياً وبشرياً، ومن ثم ما يحدث في هذه الدول من حروب وازدهار وتراجع وأي تغيّرات، تؤثر على المملكة سلباً وإيجاباً".

أما المحدد الرابع وفق مرجي، فهو "اعتماد الأردن بنسبة عالية لا تقل عن 30% على موارد خارجية لدعم موازنته واقتصاده، من خلال المساعدات والمنح الخارجية".

ويعتبر مرجي أن "العراق من الشركاء الأساسيين للأردن، باعتباره سوقاً قريبة وعمقاً استراتيجياً اقتصادياً له، وهو تقليدياً من أهم أسواقه"، مضيفاً "ولكننا خسرناه بعد الحرب هناك".

"الرياض ضغطت على عمّان لإلغاء الاتفاقية مع أنقرة"

وعن العلاقات مع تركيا، يبيّن الخبير الاقتصادي أنه "يدخل بها عنصر التجاذب، وعلاقتنا بها كانت دائماً جيدة بشكل عام، وكثير من مستورداتنا تأتي من هناك".

ويتابع: "ما حدث من إلغاء اتفاقية التجارة مع تركيا كان بنظري خطأ، لأن الاتفاقيات عندما تعقد يجب أن تحترم، لأنه من المفترض أن تكون مبنية على مصالح مشتركة للطرفين".

ويؤكد مرجي أن "إلغاء الاتفاقية لم يأت لأسباب فنية، وإنما تجاوز ذلك"، مضيفًا: "أعتقد أن ذلك كان بضغوطات مباشرة من السعودية".

وقرر الأردن، في مارس/آذار الماضي، إيقاف العمل باتفاقية منطقة التجارة الحرة مع تركيا، في خطوة أرجعها آنذاك إلى ما قال إنه عدم تحقيق النتائج المرجوة من الاتفاقية.

وجرى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الأردن وتركيا، في ديسمبر/كانون الأول 2009، وبدأ العمل بها في مارس/آذار 201، فيما دخل إلغاء الاتفاقية حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويقول مرجي: "تركيا من الدول الإقليمية الكبرى ذات تأثير سياسي واقتصادي وعسكري.. الأردن له دور وظيفي في المنطقة ويستطيع أن يقوي هذا الدور من خلال حفاظه عليه، خاصة فيما يتعلق بموضوع القضية الفلسطينية".

واستطرد: "علاقتنا مع تركيا مبنية على المصالح الإقليمية، وأنقرة من أبرز الداعمين في هذا الجانب".

ومع ذلك، يلفت مرجي إلى أن "الأردن لا يستطيع أن يقرر أن يكون حليفاً لتركيا، بالشكل المتعارف عليه"، إلا أنه وصف العلاقة على المستوى الاقتصادي والسياسي والصداقة بـ "المميزة".

وفي ذات السياق، تساءل الخبير الأردني: "ماذا تقدم تركيا للأردن كي تجذبها لها حتى تكون حليفاً استراتيجياً قوياً ومقرباً؟".

ماذا عن الخروج من العباءة الأمريكية؟

يلفت الخبير الاقتصادي معن القطامين، إلى أن "الأردن يجب أن يسعى لتمتين علاقاته مع أي دولة في الجوار".

ويضرب القطامين مثالاً على ذلك سوريا، مُبيناً أن "اقتصادنا قبل الربيع العربي كان مرتبطاً بسوريا باعتبارها سوقاً تقليدية للصادرات الأردنية".

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعاد الأردن وسوريا فتح المعبر الحدودي بينهما، بعد إغلاق دام 3 أعوام.

وينوّه القطامين بأن "الأردن لا يحاول الخروج من تحالفاته التقليدية"، معتبراً أن "إعادة فتح الأردن سوق العراق وسوريا والتطور الكبير في العلاقة مع تركيا، لا يعني أن عمان ستخرج من العباءة الأميركية".

وعلى مستوى علاقات الدول الخليجية يبلاده، وصفها القطامين  بـ"الفاترة"، إلا أنه يؤكد أنها "لا تزال جيدة خاصة مع السعودية".

ويشير إلى أن "المعونات التي تحصل عليها الأردن تراجعت من الجميع، والخيار التركي والعراقي والسوري ممتاز جداً، وهو نوع من التنويع وليس التخلي عن العلاقات التقليدية".

تحميل المزيد