20 عاماً على عرش المغرب.. «جون أفريك» تروي كيف نجح محمد السادس في أن ينجو ببلاده من العواصف السياسية

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/25 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/25 الساعة 08:32 بتوقيت غرينتش
French President Emmanuel Macron and Moroccan King Mohammed VI review the honor guard at the station of the first High Speed Train to operate in Africa, in Rabat, Morocco November 15, 2018. REUTERS/Youssef Boudlal

مع حلول 30 يوليو/تموز 2019، سيحتفل الملك محمد السادس بمرور 20 عاماً على توليه عرش المملكة المغربية، في ذكرى أهم الأحداث التي عرفتها البلاد.

وفي سن الخامسة والخمسين وبعد قضائه عقديْن من الزمن في الحكم، لا زالت الأحكام المسبقة التي تُسندها افتتاحيات التقارير ووسائل الإعلام الغربية لمحمد السادس، خاصة في فرنسا وإسبانيا (القوتين الاستعماريتين السابقتين)، حادة وقطعية.

في تقرير كتبه فرانسوا سودان، مدير تحرير صحيفة Jeune Afrique  الفرنسية، أشار في تقرير لها إلى أن بعض وسائل الإعلام تتمتع بقدرة مذهلةٍ على مواصلة ارتكاب الأخطاء وتضليل الرأي العام.

صيغت السيناريوهات التي ذُكرت في كتبٍ مثل: "الملك الأخير" (أضيف إليه عنوان فرعي "غسق إمارة")، و"متى سيُصبح المغرب دولة إسلامية" (الذي يحتوي على مقطع صادم بعنوان: "المغرب، هو روسيا 1916")، و"الملك المفترس"، و"محمد السادس، وراء الأقنعة"، فضلاً عن تداول أطروحة تخلّيه عن منصبه مؤخراً، بطريقةٍ تُنبئ بأن حكم ملك المغرب الحالي سيكون كارثياً.

مرونة

ويرى فرانسوا سودان أن أياً من تلك التنبؤات التي تكهنت بها هذه الكتب لم تتحقق، فلم نشهد انقلاباً عسكرياً ولم تنتشر موجة "اللحي" أو ثورة أو استقالة. وهذا يدفع إلى التساؤل عما إذا كانت تعليقات المحللين الأوروبيين تستهدف، في طياتها، نموذج الحوكمة المغربية وتجعل مواطني هذه الدولة أكثر تعلقاً بالمؤسسة الملكية.

 

مغرب الملك محمد السادس وابنه ولي العهد الأمير الحسن في قصر الإليزيه
مغرب الملك محمد السادس وابنه ولي العهد الأمير الحسن في قصر الإليزيه

في الواقع، يعجز السياسي الجمهوري الأوروبي عن فهم مرونة حاكم يتميز بشعبيته وقدرته على توحيد صفوف شعبه، ونجاحه في ضمان التوازن في الصحراء الكبرى وإضفاء الطابع المغربي عليها.

ولا يستطيع هذا الأوروبي استيعاب قدرة ملك المغرب على التحكم في صراعات النفوذ، وعدم اهتمامه بالتفاهات وتجسيده لنظام ملكي تنفيذي بصدد التحول من ديمقراطية شكلية إلى ديمقراطية حقيقية.

ويري فرانسوا سودان أنه إذا لم يطالب أي شخص، حتى خلال الفترات التي توسّعت فيها رقعة الاحتجاجات الاجتماعية طيلة السنوات العشرين الماضية، بسقوط النظام، فإن ذلك يعود إلى الحب الذي يكنه الشعب لمحمد السادس. ولطالما خشي المغاربة والده الحسن الثاني طيلة سنوات حكمه.

اختبارات صعبة عبرها بسلام

خلال عقدين، تعددت الاختبارات التي خاضها الملك، على غرار الهجمات الإرهابية، وحركة 20 فبراير/شباط، وحراك الريف. وفي مواجهته لمثل هذه الأحداث، قطع محمد السادس مع سياسة والده، وأحسن التصرف في الوقت المناسب. وفي أعقاب الربيع العربي، ظهر غضب جماعي في الشارع المغربي، الذي كانت له مطالب عديدة.

قادت أطراف متحضرة ونخبوية هذه التحركات. وقد أدت حركة 20 فبراير/شباط إلى إحداث إصلاحات عميقة في الدستور تهدف إلى "إعادة المُلك إلى الأمة"، وفقاً للعبارة الطريفة التي استخدمها خليل الهاشمي الإدريسي ومصطفى السحيمي (في كتابهما "المغرب في مواجهة الربيع العربي").

ويشير فرانسوا سودان إلى تعامل الأجهزة الأمنية بحذر ومهنية مع حراك الحسيمة، الذي كان في أغلب الأحيان تعبيراً عنيفاً عن المشاكل الاجتماعية والوجودية التي تُعاني منها هذه المنطقة المهمشة، خلافاً لما حدث خلال "سنوات الرصاص". وقد تفاعل الملك بطريقةٍ فورية مع هذا الملف عبر تحفيز المشاريع الاقتصادية وخلق مواطن الشغل.

متظاهرون يلقون الحجارة على شرطة مكافحة الشغب خلال مظاهرة في بلدة الحسيمة
متظاهرون يلقون الحجارة على شرطة مكافحة الشغب خلال مظاهرة في بلدة الحسيمة

وتجدر الإشارة إلى أن موضوع السلفية، الذي يثير العديد من المخاوف في المملكة، هو الملف الوحيد الذي اعتمدت فيه الشرطة حلولاً أمنية خاصة، لاسيما بعد الهجمات التي وقعت في الدار البيضاء في مايو/أيار 2003، علماً بأن كفاءة وفعالية الأجهزة الأمنية قد تطورت بشكل كبير منذ 15 عاماً.

في المقام الأول، تزامنت عمليات تفكيك الشبكات الإرهابية مع تقبل نتائج الانتخابات التي جعلت حزب العدالة والتنمية "الإسلامي" يترأس التشكيلة الحكومية.

كما خضع ملك الدولة التي تنتهج الإسلام المالكي المعروف بقيمه "المعتدلة" لقواعد الديمقراطية التي ضمنت بدورها انتخابات شفافة. وتُعد هذه الديمقراطية أيديولوجياً غريبة عن المملكة، حيث كان من الصعب تصوّر تطبيقها في البلاد قبل عام 1999.

فقدان البصيرة

يُفسّر الادعاء بأن المغرب لم يتغير وأن الانتقال بين حكم الحسن الثاني ومحمد السادس لم يكتمل بعد (كما يفعل ذلك بعض المراقبون) بفقدان البصيرة (أو سوء النية). ومن المؤكد أن السنوات الأولى لحكم محمد السادس تميزت بنوعٍ من "العاطفة العقلانية". لكن أصبح المغرب اليوم واضح الملامح والمبادئ، وحراً ومنفتحاً، أكثر من أي وقتٍ مضى.

ويعتقد فرانسوا سودان أنه بفضل حنكة الملك فقد نجح في دفع البلاد نحو الحداثة الاقتصادية، من خلال دعم الطبقة المتوسطة التي تُعزز تماسك النظام الاجتماعي؛ والمجتمعية بعد إصلاح مجلة الأسرة؛ والثقافية من خلال الانفتاح على المشهد الفني والحضري والاعتراف بالدارجة المغربية وإدراج الأمازيغية في المناهج التعليمية. كما أرسى الملك حداثة جيوسياسية، من خلال إيلاء أولوية للمنطقة الإفريقية، ما عاد بالنفع على الطرفين. ومع ذلك، لا يزال الطريق نحو إرساء دولةٍ أكثر عدلاً وجاذبية، خاصة بالنسبة لشبابها، طويلاً.

على الرغم من أنه لم يكن مجبراً على القيام بذلك، تحمل محمد السادس مسؤوليته في الفشل الجماعي للسياسات التعليمية في المغرب الكبير والعالم العربي، التي تُعتبر أساس جميع المشاكل. وقد اعترف الملك بذلك في خطاب تحليلي لهذه المشكلة ألقاه بتاريخ 20 أغسطس/آب 2018. كانت هذه الخطوة شجاعةً منه لأنه لا وجود لحلول فورية لمشاكل هذا المجال، ولأن "الإصلاح الحقيقي والدائم" يستغرق بعض الوقت.

احدى مدارس مدينة الرباط بالمغرب
احدى مدارس مدينة الرباط بالمغرب

ويشير فرانسوا سودان إلى أن ملف التعليم يحظى بشغف الملك، وهو يتابعه بصفة دورية. كما يولي الملك اهتمامه بالمشاريع الكبرى للبنية التحتية، والسياسة الخارجية والأمن والشؤون الدينية على حد السواء. وليس من قبيل الصدفة أن نلاحظ براعة محمد السادس (الذي يدعي منتقدوه أنه "لا يحب وظيفته")، في الإمساك بزمام القضايا المعقدة، على غرار الصندوق الأزرق لحوض الكونغو، أو مؤشرات التنمية البشرية، فضلاً عن دقته في الحديث عن الدَواوير التي أزيلت من المملكة الشاسعة، على شاكلة المختصين في رسم الخرائط.

الغموض

يقول فرانسوا سودان إن عدداً ضئيلاً من الصحافيين حظي بفرصة محاورة الملك، ويبدو أنه لا يتواصل عبر وسائل الإعلام، في عالم يولي الكثير من الاهتمام لسياسات الحكومة على الصعيد الإعلامي. وبينما تواصل الصحافة نقد نوبات غضبه وإطلاق الأحكام بشأن أيام عطلته، علاوةً على التطفل على حياته الخاصة، يفضل محمد السادس الاستمرار في التقاط صور السيلفي مع المهاجرين المغاربة في جميع أنحاء العالم، مع الحرص على إضفاء طابعٍ تعليمي وتوجيهي على خطابه.

وتتجلى ندرة الظهور الإعلامي للملك في إجرائه 6 مقابلات صحافية فقط، كانت إحداها لصالح صُحف من دولة مدغشقر بمناسبة إحياء ذكرى جده الذي نُفي إلى هذا البلد، وفي عدم مشاركته في أي مؤتمر صحافي طيلة 20 عاماً.

ومن الواضح أن الطرف الوحيد الذي أبدى امتعاضه من هذا الأمر هو وسائل الإعلام الأجنبية. أما المغاربة، الذين من الصعب حُكمهم دون كسب قلوبهم، فيشعرون بالامتنان تجاه ملكهم؛ لأنه عمد إلى محاسبة نفسه أولاً قبل ممارسة سلطته على شعبه. وفي إطار هذه العلاقة الفريدة بين العرش والشعب، هناك نوع من الغموض لا يُمكن وصفه. ولنكن متواضعين ونعترف بأننا عاجزون عن فهم حقيقة هذا الغموض.

 

 

 

تحميل المزيد