باستثمار مليون هكتار زراعي في باديتي الأنبار والسماوة.. السعودية تسعى لإيجاد موطئ قدم في العراق

تسعى السعودية إلى استثمار مليون هكتار من الأراضي الزراعية غربي العراق، من ضمنها باديتي الأنبار والسماوة. وذلك بهدف تحويل الأراضي إلى حقول ومزارع

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/25 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/26 الساعة 07:24 بتوقيت غرينتش

بموافقة من الحكومة العراقية الجديدة، تسعى السعودية إلى استثمار مليون هكتار من الأراضي الزراعية في المنطقة الغربية من العراق، من ضمنها بادية الأنبار وبادية السماوة، وذلك بهدف تحويل الأراضي إلى حقول ومزارع لتربية الأبقار والماشية والدواجن، على غرار تجربة شركة المراعي السعودية.

المشروع يأتي بدعم ورعاية مباشرة من المجلس التنسيقي المشترك بين العراق والسعودية، يهدف إلى تطوير وتأهيل الثروات الطبيعية في القطاع الزراعي في تلك المناطق، حيث تشكل المنطقة الغربية عمقاً استراتيجياً نظراً لاتصالها بمنطقة الشمال الشرقي من السعودية.

ويهدف المشروع إلى السيطرة على المنطقة الغربية من العراق، مع أجزاء من صحراء النجف وبادية النجف، وصولاً إلى الخط الواصل بين منطقة الرمادي/الأنبار المؤدي إلى السماوة.

وذكرت مصادر خاصة لـ "عربي بوست" أنّ المشروع يأتي بتمويل سعودي كامل، وبتغطية ورعاية أميركية، بسبب الخوف من الميليشيات الشيعية الموجودة في تلك المنطقة، التي تعارض مثل هذه التوجهات. إذ تهدف السعودية من تلك الخطوة إلى تأمين الحدود السعودية الشمالية، وتحقيق غرض الاستثمار الاقتصادي، إضافة إلى تحقيق مكاسب للجانب الإسرائيلي لأجل كسب دعمه من قبل السعودية.

ويضيف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أنّ هدف الخطة الحقيقي ليس الاستثمار الزراعي وحسب، لكنه يهدف من وراء ذلك إلى إحكام السيطرة على المنطقة وتنفيذ الخطة بطريقة احترافية، تمهيداً فيما بعد للوصول إلى المرحلة الثانية، وهي دخول الإسرائيليين للشمال السعودي والاستثمار به عبر الشركات الإسرائيلية.

ويوضح المصدر أيضاً أنّ الهدف الحقيقي من وراء المشروع هو تسليم المنطقة إلى إسرائيل في المستقبل، حيث يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الدخول من بوابة الاستثمار الزراعي للسيطرة على الأراضي العراقية، مشدداً على أنّ الميليشيات الشيعية لن تكون عقبة حقيقية أمام تنفيذ المشروع، لأنه من الممكن استمالتها وتحييدها بالمال والمكاسب السياسية والاقتصادية، كما فعلوا مع مقتدى الصدر.

خلال زيارة برهم صالح للسعودية تم الاتفاق على تفعيل مجلس للتنسيق بين البلدين / رويترز
خلال زيارة برهم صالح للسعودية تم الاتفاق على تفعيل مجلس للتنسيق بين البلدين / رويترز

جزء من الاتفاق مع الحكومة العراقية السابقة

يأتي المشروع كجزء من الاتفاق الذي تمّ مع الحكومة العراقية السابقة. فقد تمت المباشرة في مناقشته وطرحه من قبل المجلس التنسيقي العراقي-السعودي، بعد زيارة وفد عراقي رسمي كبير إلى السعودية.

وبهذا الخصوص صرّح رئيس مركز التفكير السياسي العراقي د. إحسان الشمري لـ "عربي بوست"، على أنّ المشروع القادم سيعمل على استغلال صحراء بادية الأنبار والسماوة بشكل صحيح، وسيوفر فرص عمل لآلاف العراقيين. وخلال زيارة الرئيس العراقي برهم صالح إلى السعودية كان هناك تأكيد على تفعيل مجلس التنسيق بين البلدين.

سيكون أثر هذا المشروع إيجابياً من الناحية الاقتصادية على البلدين، خصوصاً أنّ العراق والسعودية تجدان فيه فرصة استثمارية مهمة، حيث يؤكدّ الشمري أنّ السعودية تريد توثيق علاقاتها السياسية مع العراق من خلال البوابة الاقتصادية، وهي تجد بمثل هذا المشروع وغيره خير ما يعزز هذه العلاقة، فضلاً عن حاجتها لتفعيل دورها السياسي والاقتصادي في العراق واستثمار أموالها فيها.

ويرى الشمري أنّ العراق في المقابل سيعدها فرصة اقتصادية كبيرة، في استقطاب الاستثمار الخارجي واستغلال واستصلاح الأراضي الصحراوية المتروكة، وبالتالي تحريك الاقتصاد العراقي. فالاستثمار السعودي سيشجع على استقطاب استثمارات خارجية أخرى للدخول إلى السوق العراقية، إضافة إلى فرص العمل التي سيوفرها المشروع للأيادي العاملة العراقية.

سيعمل المشروع على تشغيل اليد العاملة من أبناء الأنبار والسماوة، وتزويد السوق المحلية بالمنتجات الزراعية والحيوانية، خاصة أنّ العراق في أمسّ الحاجة لمثل هذا المشروع الاستراتيجي. ومن المرجح أن يقوم المشروع بتشغيل ما لا يقل عن خمسة آلاف عراقي من مدن ومناطق الأنبار كمرحلة أولى.

نجاح المشروع يتمثل في توفر الأمان وقربه من المدن الكبيرة

لكنّ نجاح المشروع مرهون بالدرجة الأولى في توفير الأمن والحماية له، وهذا ما يؤكده مصدر رفيع المستوى بوزارة الدفاع العراقية، رفض الكشف عن اسمه لـ "عربي بوست"، مشدداً على أنّ عوامل نجاح المشروع تتمثل في مدى قربه من المدن الكبيرة في محافظة الأنبار، لأنّ عمق الصحراء الغربية غير مؤمّن بشكل تام من الناحية الأمنية، مؤكداً أنّ مثل هذا المشروع يحتاج إلى توفر عنصر الأمان، فلا تزال عناصر داعش تنتشر في عمق الصحراء على شكل عصابات.

ويتابع المصدر قائلاً: "لا بأس أن يكون هذا المشروع يبعد بمسافة 30 كم إلى 50 كم عن مراكز المدن الكبيرة مثل الفلوجة والرمادي وهيت، وحديثة في الأنبار، أما إذا كان أبعد من هذه المسافات في عمق الصحراء فسيكون المشروع في خطر، مع المعطيات الحالية الموجودة على الارض"، مشيراً إلى أنّه في الوقت الحالي يوجد طريق سريع في الأنبار بدايته من الرمادي ويصل إلى الحدود السعودية أو منفذ عرعر الحدودي المسمى بطريق الحج البري.

ويعدّ طريق الحج البري، الذي يعبر منطقة النخيب، حلقة الوصل بين مدينة الرمادي ومنفذ عرعر على الحدود السعودية. حيث تبلغ المسافة بين النخيب والرمادي حوالي 290 كم، وبين النخيب ومنفذ عرعر حوالي 120 كم.

نقطة تفتيش على الحدود العراقية السعودية / رويترز
نقطة تفتيش على الحدود العراقية السعودية / رويترز

وكانت محافظة الأنبار قد شرعت في إنشاء الطريق في عام 2011 وأنجز أقل من الربع منه، فعندما وصل سير المشروع إلى عمق صحراء الأنبار تعرض لعدة هجمات مسلحة من تنظيم داعش، الأمر الذي أوقف العمل فيه عام 2012، كما عمد داعش إلى إيقاف العمل في الطريق وحرق الآليات وخطف الكوادر بشكل مستمر في العام نفسه.

ويشير نفس المصدر الرفيع بوزارة الدفاع، أنّ هذا الطريق يختصر المسافة بين مركز الأنبار/الرمادي ومنفذ عرعر على الحدود السعودية، حيث تشكل المنطقة مفتاحاً مهماً لمحافظة الأنبار مع السعودية، وبالتالي فإنّ أهمية إعادة إحياء المنطقة عبر المشروع المطروح من السعودية يعدّ أمراً مهماً للعراق، مؤكداً على أنّ ذلك يخدم منطقة الأنبار وسيعود بمردودات اقتصادية كبيرة، بل سيكون نقطة تحول كبيرة لها.

ويرى المصدر نفسه أن نجاح المشروع مرتبط بمدى قربه من المدن الرئيسية في منطقة الأنبار، وأن يكون بعيداً عن عمق الصحراء، وذلك لتسهيل حمايته من قبل القوات والأجهزة الأمنية العراقية، ما يضمن ويؤمن تشغيل الأيادي العاملة من أبناء مدن الأنبار.

لكن في المقابل يحذر المصدر من استغلال المشروع للتدخل بسياسة العراق واقتصادها، مشدداً على أنّ سعي السعودية لتنفيذ المشروع من الممكن أن يكون بهدف السيطرة على الاقتصاد العراقي والتوغل في الداخل العراقي، لا سيّما أن المشروع كان بدفع من وزير التخطيط السابق سلمان الجميلي، الذي كانت تربطه علاقة وطيدة مع السعودية. إضافة إلى ذلك فإنّ الرياض يمكن أن تستغل علاقاتها الوطيدة بالإدارة الأميركية الحالية، المتمثلة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.

لقطع الطريق على المطامع الإيرانية

تأتي التوجهات السعودية الجديدة تجاه العراق لقطع الطريق على المطامع والسياسات الإيرانية تجاه العراق، وخاصة فيما يتعلق بإضعاف الاقتصاد العراقي عن طريق جلب وزراء غير أكفاء للصناعة والتجارة والزراعة، فهي من تدير المشهد.

ويذكر الأمين العام للحراك المدني المستقل في العراق د. علي الذبحاوي، في حديث خاص لـ "عربي بوست"، أنّ إيران عملت على عدم السماح لأي مشروع استثماري في العراق سواء كان من داخله أو خارجه، مشيراً إلى أنّ المشاريع الاستثمارية لا تتعدى المشاريع الترفيهية والمأكولات والمولات والمحال التجارية.

ويرى الذبحاوي أنّ الهدف من ذلك هو إضعاف نمو الاقتصاد التجاري والزراعي، ليكون الاقتصاد والسوق الإيراني هو السائد، للحصول على العملة الصعبة لإكمال مشاريعها وطموحها السياسي في المنطقة.

وبالتالي فإنّ التوجهات السعودية تجاه العراق، وتحديداً عبر هذا المشروع، تأتي لتقوية السوق العراقي، وبناء استثمارات يكون الهدف منها دعم اقتصاد البلد بالمرتبة الأولى بحسب الذبحاوي، عن طريق توفير منتج بديل للبضائع الإيرانية، وتوفير وظائف لخريجي كليات التجارة والزراعة التي عمدت الأحزاب الإيرانية في العراق على عدم تقديم وظائف، الأمر الذي دفعهم للتقديم على وزارتي الدفاع والداخلية بدلاً من التعيين بمجال اختصاصهم، ليكون فكرهم مشغولاً بالحرب وليس بالزراعة أو التجارة.

ويهيب الذبحاوي بضرورة الانفتاح على البلدان العربية، وخصوصاً المقتدرة منها مالياً، بتبادل الخبرة والاستثمار بمجال الزراعة والصناعة والتجارة، لصد المطامع الإيرانية ولإعادة ثقة المواطن العراقي بالأمة العربية، ومنها السعودية، كونها حاضنة لمشاريع اقتصادية استثمارية في العراق، بدلاً من الفكرة المأخوذة عنها بأنّها داعمة للإرهاب فقط.

باديتي الأنبار والسماوة بيئة جاذبة وهي البداية

تعدّ بادية السماوة والأنبار هي إحدى المناطق المهمة لجذب الاستثمارات السعودية، لكون تلك المناطق تحتوي على أراضٍ شاسعة وتعداد سكاني ذي طبيعة عربية أصيلة، يمكن التعاون معهم أكثر من بقية المناطق، أضف إلى ذلك كونهم بعيدين عن الصراعات السياسية، ويعشقون الزراعة، والتي دائماً ينشدونها في أغانيهم.

لكنّ الجهود السعودية في تحويل تلك المناطق إلى حقول ومزارع  على غرار تجربة شركة المراعي السعودية، سيصطدم بحواجز وعراقيل الإدارة الإيرانية، وخصوصاً الأحزاب الإسلامية التابعة لها، التي ستسعى إلى إضعاف تلك الجهود في بداية الأمر. وبحسب الذبحاوي قد يتم ذلك من خلال الترويج الإعلامي المغرض، والقول إن السعودية ستسعى لإقامة معسكرات تدريب من أجل صدّ التوجهات الشيعية ودعم السنة ضد الشيعة تحت شعار تقوية ودعم العراق.

لكنّ الذبحاوي يرى أنّه من الممكن استقطاب مناطق أخرى تُضم إلى الأنبار والسماوة، لتصل إلى بادية صحراء النجف وكربلاء أيضاً، حتى لا يفسر ذلك الشيء على أنّه فقط لدعم مناطق الأراضي السنية، منوهاً إلى أنّ هذا سيكون لهُ مردود إيجابي أفضل لرد الوسائل الخبيثة التي من الممكن أن تتبعها إيران إذا أحست بالخطر.

ترحيب عراقي بالمشروع

يحذر الذبحاوي من خطر الميليشيات الشيعية المسلحة في إفشال مثل هذا المشروع، فهي دوماً ما تستخدم إعلامها ضد أي مشروع اقتصادي عربي، ليبقى العراق مستعمرة إيرانية.

ويرى الذبحاوي أنّ توفير الأمان والحماية للمشروع يمكن أن يكون بالاتفاق مع الحكومة العراقية، عن طريق توفير حماية لهذه المشاريع من خلال انخراط عناصر الحشد الشعبي المنضبطة والمنشقة عن الإدارة والقرارات الإيرانية، مشيراً إلى أنّه يمكن اختيار تلك العناصر من خلال سكّان المناطق التي ستقام فيها المشاريع.

وأضاف الذبحاوي أن هناك ترحيباً كبيراً من الأوساط الشعبية العراقية بالاستثمارات السعودية، خاصة في ظل المحاولات السعودية منذ سنوات، للدخول إلى العراق من بوابة الاستثمارات والاقتصاد، لكنّ الخشية من السطوة الإيرانية والميليشيات التابعة لها حالت دون ذلك.

مشدداً على أنّ توفير المشاريع والبيئة الاقتصادية سيؤدي إلى إيجاد مصالح مشتركة بين الجانب العراقي-السعودي، وهذا سيغلق الباب أمام إيران والميليشيات التابعة لها بدلاً من التخوف منها.

تحميل المزيد