«المسيح لا يخُص المسيحيين فقط».. لماذا يحتفل حزب الله الشيعي بأعياد الميلاد مع مسيحيي لبنان؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/25 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/25 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش

أمسك المُلحق الثقافي الإيراني في بيروت، محمد مهدي شريعتمدار، الميكروفون على منصةٍ محاطة بلافتات تحمل وجوه أهم شخصين في السلطة الدينية الإيرانية: آية الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، وآية الله خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الحالي. وعلى يسار صورة آية الله الخميني، كانت هناك شجرة عيد ميلاد تزامنا مع احتفالات اللبنانيين بأعياد الميلاد ، متلألئة ذات قمةٍ مطلية باللون الذهبي تعلوها نجمة ذهبية.

وكانت هناك تماثيل صغيرة على هيئة ملائكة وقبعات بابا نويل مُصغرة مُعلَّقة بين فروعها. بينما كان الثلج الصناعي متناثراً على أوراق شجرة الصنوبر الصناعية التي تزين احتفالات اللبنانيين بأياد الميلاد .  

وصرَّح الملحق الثقافي الإيراني في الميكروفون، حسب ما نقله تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية، قائلاً: "نحتفل اليوم بميلاد السيد المسيح، وكذلك بالذكرى الأربعين للثورة الإسلامية الإيرانية". وهتف بصوتٍ عالٍ متحدثٌ آخر يُدعى إلياس هاشم مردداً "هلليلويا" -أي سبِّحوا الله- في أثناء إلقائه قصيدة كتبها بمناسبة هذا الحدث. وشدا هاشم بقصيدته قائلاً: "ولد المسيح المُخلِّص، ملك السلام، ابن مريم العذراء. حرَّر العبيد. داوى المرضى. حظي بحماية الملائكة. ذُكر في القرآن والإنجيل".

وقال متحدثٌ ثالث، وهو المفتي الجديد لطائفة الشيعة المسلمين في لبنان، في إشارة إلى السيد المسيح: "نحتفل بثائر".

المسيحيون والمسلمون في لبنان عائلة واحدة

واستمر المفتي، أحمد قبلان، في مشاركة الحضور بعض الأفكار السياسية والدينية، قائلاً إنَّ "المسيحيين والمسلمين عائلة واحدة في مواجهة الفساد والاستبداد وإسرائيل، ودعم العدالة الاجتماعية والجيش اللبناني والمقاومة".

لاقت تلك التصريحات المُعلنة من على المنصة استحساناً وإطراءً؛ ربما نظراً إلى أنَّ الجمهور في ذلك الحدث الذي أقيم برعاية إيرانية يوم السبت 22 ديسمبر/كانون الأول، تزامنا مع احتفالات اللبنانيين بأعياد الميلاد ، كان معظمه يتألف من شيعة مُلتزمين دينياً من الضواحي الجنوبية، التي يهيمن عليها حزب الله اللبناني في بيروت. وهتف الجمهور في بعض الأحيان بهتافات تمدح النبي محمد.

أحمد كابالان، مفتي الشيعة في لبنان، وباران فارتانيان بابا الكنيسة الأرمنية ، في حفلة عيد الميلاد برعاية إيرانية في بيروت
أحمد كابالان، مفتي الشيعة في لبنان، وباران فارتانيان بابا الكنيسة الأرمنية ، في حفلة عيد الميلاد برعاية إيرانية في بيروت

وعندما بدأت فرقتان إيرانيتان جاءتا إلى بيروت لإحياء تلك المناسبة في إنشاد تراتيل عيد الميلاد باللغتين الفارسية والآشورية، بادلهم الجمهور بالتصفيق الحاد.

تبنَّت لبنان، منذ تأسيسها جمهوريةً مستقلة، حرصاً وحذراً شديدين، حتى وإن فشلت أحياناً، لإدارة التنوع الطائفي الموجود في البلاد، إذ يُشكِّل سكانها المسلمون والمسيحيون طائفتين فقط من 18 طائفة معترف بها رسمياً في البلاد.

وبعد مرور نحو 30 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية، التي انشطرت فيها بيروت إلى نصفين مسيحي ومسلم، متصلين فقط عبر منطقة عازلة مؤسفة، عادةً ما يختلط اللبنانيون من جميع الطوائف حالياً في المنزل والعمل والأماكن العامة يومياً.

فالكل لا يفوت فرصة احتفالات اللبنانيين بأعياد الميلاد

لكن هناك بضعة مواسم تُشكِّل التعامل اليومي الخاص بالتعايش الديني، تماماً مثل وقت الاحتفال بعيد الميلاد في لبنان.

ليس مفاجئأ أنَّ عيد الميلاد يُعد حدثاً مهماً في لبنان، التي يُشكِّل المسيحيون أكثر من 40% من سكانها، لكنَّ عطلة عيد الميلاد في لبنان تتسم أيضاً بجاذبيةٍ أكثر شمولاً بكثير، ربما بسبب الهدايا والولائم والأضواء المتلألئة.

إذ كانت نصف النساء، اللاتي كُنَّ يلتقطن صوراً لأنفسهنَّ مع شجرة عيد الميلاد الضخمة التي توجد في أحد شوارع وسط العاصمة اللبنانية بيروت بالقرب من جامع محمد الأمين الأضخم ذي القباب المطلية باللون الأزرق، يرتدين الحجاب.

بينما كان الأطفال ينتظرون مع أمهاتهم المحجبات وغير المحجبات في صفوفٍ في مركز التسوق التجاري "سيتي سنتر"  ليهمسوا بقائمة أمنياتهم لبابا نويل الموجود في مركز التسوق، وكان تلاميذ المدارس من جميع الطوائف يتبادلون هدايا بابا نويل السرية في الفصول المدرسية في إطار احتفالات اللبنانيين بأعياد الميلاد .

وقد شهدت احتفالات عيد الميلاد مشاركة جميع الطوائف حتى حزب الله، وهو الحركة السياسية الشيعية والميليشيا التي صنفتها الولايات المتحدة الأميركية ضمن التنظيمات الإرهابية.   

ويُذكَر أنَّ حزب الله كان يستورد في بعض السنوات السابقة تمثال شخصية بابا نويل إلى الضواحي الجنوبية في بيروت لتوزيع هدايا.

وكان بعض ممثلي حزب الله حاضرين في احتفالية عيد الميلاد الإيرانية على استعدادٍ للمساعدة في أي وقت، وقد تميزت تلك الاحتفالية أيضاً بوجود مشغولاتٍ يدوية لفنانين إيرانيين، لكنَّ حزب الله لم يجلب تمثال بابا نويل هذا العام بسبب المعوقات المالية.  

لكن لماذا يُصر حزب الله على الاحتفال بميلاد المسيح؟

ويقول محللون إنَّ تلك المظاهر التي تصاحب احتفالات اللبنانيين بأعياد الميلاد تبدو مُتعمَّدة لإظهار أنَّ حزب الله بصفته قوةً سياسية وعسكرية رئيسية في المجتمع اللبناني يتبنِّى سياسة دمج جميع الطوائف الأخرى، ولإبراز تحالفاته السياسية مع الاحزاب المسيحية.  

لكن مثلما حدث مع العديد من الأميركيين العلمانيين، أثبتت الجاذبية التجارية لعيد الميلاد قوتها في استمالة الكثيرين من غير المسيحيين في بيروت.

إذ قالت رُبى زيعور، امرأة مسلمة جاءت إلى مركز التسوق التجاري "سيتي سنتر" في جنوب بيروت مع عائلتها وعائلة أختها لالتقاط صور مع الشجرة وتعريف الأطفال على بابا نويل: "نحن لبنانيون. نريد هدايا!".

زيَّنت رُبى زيعور شجرة عيد ميلاد صغيرة في المنزل، لكنَّها كانت تفقد أحد فروعها يومياً بسبب تلاعب ابنها الفضولي. وكان ابنها الأكبر، وهو طالب في الصف التاسع الدراسي، يحتفل بطلب لعبة بلاي ستيشن 4 من بابا نويل السري الخاص به في المدرسة.

بينما لم تكن ندى سويدان، المحاسبة التي كانت تتسوق في مركز التسوق التجاري، على يقين من عدد الأمنيات التي سيحقّقها بابا نويل من قائمة أمنيات ابنها هذا العام.

لكنَّ ندى كانت متيقنةً من عدم حُرمانية احتفال أسرتها بعيد الميلاد، الذي ضم جميع أفراد الأسرة معاً وكان أخوها يرتدي زي بابا نويل من أجل الأطفال. فعلى الرغم من كل الاختلافات العقائدية، يُعد السيد المسيح نبياً ورسولاً وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي. وقالت ندى: "السيد المسيح لا يخص المسيحيين فقط".

على الرغم من أن البعض كان "يُحرم" ذلك!

وفي سنوات سابقة، كان المسلمون اللبنانيون يتلقون أحياناً رسائل نصِّية جماعية أو كتيبات تحثّهم على عدم المشاركة في احتفالات اللبنانيين بأعياد الميلاد .

ووفقاً لتقرير إخباري تلفزيوني، أُضرِمَت النار عام 2015 في بعض أشجار عيد الميلاد في مدينة طرابلس اللبنانية الواقعة في الجزء الشمالي المحافظ  ذي الأغلبية السنية.

لكنَّ مثل هذه الحوداث لم تقع قط في الجنوب اللبناني الشيعي، حتى في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت من عام 1975 إلى 1990.

وقال أحمد ترجمان (48 عاماً)، الذي يعمل مراسلاً للتلفزيون الحكومي الإيراني في بيروت: "نتبع الإمام علي، الذي أمرنا باحترام الثقافات الأخرى". وحضر ترجمان حفلة عيد الميلاد يوم السبت مع زوجته وابنته تسنيم البالغة من العمر خمس سنوات، التي ارتدت طوقاً على شعرها على شكل قرون غزال صغيرة.

وتضع العائلة شجرة عيد ميلاد صغيرة في المنزل، ويُصطحب والدا تسنيم طفلتهما لترى بابا نويل في أحد مراكز التسوق المحلية كل عام.

ونتيجة لذلك، كان استغلال تسنيم لمناسبة عيد الميلاد أقل فلسفيةً بعض الشيء من والدها. إذ قال ترجمان: "إنَّها تعشق بابا نويل. وتريد منه هدية دمية باربي هذا العام، مع أنَّها تمتلك بالفعل 50 دمية باربي".

و"حالة الاكتئاب" التي يشعر بها اللبنانيون

وبقدر ما يبدو أنَّ أضواء احتفالات اللبنانيين بأعياد الميلاد المتلألئة في جميع أنحاء بيروت تتحدى الواقع المثير للسخط الممتمثل في حال شبكة الكهرباء في لبنان المُثقلة للغاية لدرجة جعلت انقطاعات الكهرباء أمراً مُقرَّراً يومياً عبر المدينة بأكملها، يُمكن قراءة الاحتضان اللبناني لعيد الميلاد على أنَّه إرجاء مؤقت لحالة الكآبة الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية القاتمة.

إذ قال محمد إبراهيم، وهو كهربائي شاب كان يلتقط صورة لنفسه مع زوجته الجديدة تغريد إبراهيم، أمام مشهد عيد الميلاد الاحتفالي في مركز التسوق التجاري: "نريد أن يأتي بابا نويل حقيقي ويصطحب جميع اللبنانيين معه إلى مكانٍ آخر".  

بينما قالت زوجة إبراهيم، التي تعمل مُعلّمة، مازحةً: "أينما يريد الذهاب، فأيُّ مكان أفضل من هنا".

تربَّت زوجة إبراهيم على الاحتفال بعيد الميلاد في المدرسة وفي قريتها، حيث كان هناك رجل محلي يرتدي زي بابا نويل كل عام، موضحة أنَّهم كانوا يضعون شجرة عيد ميلاد في المنزل. وقالت: "عيد الميلاد هو الوقت الوحيد، الذي ترى فيه الجميع مع عائلاتهم". وقال إبراهيم: "يحتفل الجميع. تشعر وكأن الجميع سواسية متشابهون".

لا يُعد عيد الميلاد جزءاً شائعاً على الإطلاق في تقويم أيام العطلات للمسلمين المُلتزمين في جميع أنحاء العالم، لا سيما المحافظين منهم، الذين ينظر بعضهم إلى زينة عيد الميلاد وغيرها من الطقوس المرتبطة به على أنَّه أمر مُحرَّم.

تحميل المزيد