«جميعهم لصوص».. وول ستريت جورنال ترصد قصص سوريِّين فقراء تعرضوا للنهب والابتزاز بنقاط التفتيش

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/24 الساعة 20:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/24 الساعة 20:52 بتوقيت غرينتش
قصص لسوريين تعرضوا للنهب في نقاط التفتيش /رويترز

قضت الحرب السورية التي دامت ما يقرب من 8 أعوام، على اقتصاد البلاد، إذ زاد معدل التضخم وتهاوى الإنتاج. وتحولت المناطق الصناعية والمصانع إلى ركام، ما جعل عمليات النهب على جانبي الطريق في سوريا تشهد رواجاً. وقد صارت تلك الحرفة سمة ملازمة للاقتصاد السوري وقت الحرب.

وحسب تقرير نشرته صحيفة  Wall Street Journal الأميركية، فإن الجنود والميليشيات الموالية للنظام وكذلك المعارضين يستغلون انعدام الأمن من أجل تزكية نقاط التفتيش، حيث تنتشر الرِّشا وعمليات الخطف. وأحياناً ما يُشار إلى نقاط التفتيش التي تحقق أعلى الأرباح بـ "نقاط التفتيش المليونيرية"، والتي غالباً ما تستغل الحاجة الإنسانية من جرّاء معركة أو حصار.

قصة امرأة تعرضت للسرقة

وتحكي الصحيفة الأميركية قصة منى المُخلِف، التي حملت في صباح أحد الأيام الدافئة من شهر أكتوبر/تشرين الأول، كل ما تملكه في الحياة واتجهت إلى مدينة الرقة للعيش مع ولديها. وبعد مرورها بالعديد من نقاط التفتيش على جانب الطريق، نفد منها المال تقريباً وتقطعت بها السبل، مع أنها لم تكن قد تخطت ثلث الطريق إلى وجهتها بعد.

وبينما تجلس على صخرة إلى جانب الطريق محاطةً بأوانٍ وقلايات ومراتب إسفنجية وعربة أطفال، قالت منى، التي تبلغ من العمر 55 عاماً: "أنا عالقة هنا حتى يشفق عليّ أحد. إنهم جميعاً لصوص".

وعرض سائق شاحنة صغيرة أن يقلّها إلى ميدان بلدة قريبة مقابل 1000 ليرة سورية، أي نحو دولارين أميركيين، حيث يمكنها أن تستقل حافلة إلى الرقة.

وكان السائق سيقرب عليها المسافة إلى وجهتها قليلاً، لكنها على الأقل يمكنها تحمّل ثمن هذه الرحلة. ولم تكن متأكدة مما إذا كان سيتبقى معها ما يكفي من نقود لتوصلها إلى أولادها، لكنها صعدت على متن الشاحنة على أية حال، ووضعت ممتلكاتها برفق على ظهر الشاحنة التي شقت طريقها وسط سحابة من الغبار.

انتشار عمليات السرقة في نقاط التفتيش

وفي هذا الصدد، قال أليكس سيمون، وهو مدير برنامج سوريا في شركة Synaps للأبحاث ببيروت التي تتقفى الأثر الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن الصراع السوري: "باتت هذه العمليات منتشرة للغاية حتى إنها أصبحت صناعة قائمة بذاتها". وصدر تقرير عن الشركة يصف الاقتصاد السوري بأنه "آكل لحوم البشر"، إذ تحيا "القطاعات المُعدَمة من المجتمع السوري بدرجة كبيرة بافتراس بعضها بعضاً".

وتعني الحدود الداخلية التي تفصل بين الأطراف المتناحرة، أنه يتعين على المدنيين السوريين الدفع حتى يتمكنوا من الاستمرار في شؤون حياتهم اليومية، حتى مع تراجع وطأة الصراع. وتؤدي ممارسات النهب أيضاً إلى رفع أسعار البضائع التي تعبر البلاد؛ نظراً إلى أن نقاط التفتيش ذاتها التي تنتزع الرِّشا من المدنيين تفرض بدورها ضرائب داخلية.

إلى جانب ذلك، يقول السكان إنَّ سائقي الحافلات وسيارات الأجرة يضيفون إلى أجرتهم الرِّشا التي يضطرون إلى دفعها عند مرورهم بنقاط التفتيش هذه. ففي أثناء مرورهم بنقاط التفتيش، غالباً ما يبادر السائقون الذين اعتادوا ذلك بدفع المبلغ المخصص، أحياناً نقداً وأحياناً أخرى في صورة علب سجائر.

وأشار البنك الدولي إلى أنَّ الاقتصاد السوري تضرر كثيراً نتيجة تعطيل الحرب للصناعة وانخفاض الدافع للعمل. ويُقدّر البنك الدولي أنه على مدار القتال منذ عام 2011 وحتى نهاية عام 2016، خسرت سوريا ما يُقدّر بـ226 مليار دولار من ناتجها الاقتصادي، مشيراً إلى أنَّ انتعاش الاقتصاد يمكن أن يستغرق عقوداً.

وفي ظل تراجع حدة القتال، يقول النظام السوري إنه يحاول معالجة مختلف أشكال الفساد لتحفيز أي انتعاش.

دفع آلاف الدولارات كفدية للمهربين

وفي يوليو/تموز 2018، أقرّ  نظام بشار الأسد عدداً من الإجراءات لكبح فساد الأفراد والمؤسسات، وصرح بأنه لا أحد فوق القانون، وأنه لن يكون هناك تساهل في التعامل مع المشكلة بعد أن أصبحت البلاد على أعتاب إعادة الإعمار، وفقاً للإعلام السوري.

ولم تردّ الحكومة السورية على طلب الحصول على تعليق.

وتنقل الصحيفة الأميركية عن عبد الرحمن أحمد، الذي دفع مليون ليرة سورية، أو تقريباً 2000 دولار، ليفتدي نفسه هو وزوجته، قوله إنَّ السكان الذين حاولوا الفرار من القتال في شمال محافظة إدلب، مطلع العام الجاري (2018)، وجدوا أنفسهم مطالَبين بدفع آلاف الدولارات للمهربين، لعبور نقاط التفتيش التي يسيطر عليها النظام. وأضاف أنَّ المهربين بدورهم دفعوا رِشا للجنود السوريين.

وعكس "نقاط التفتيش المليونيرية"، تغتنم بعض جماعات المعارضة من عمليات النهب الأبسط ما يسمح لها بدفع الرواتب وشراء الطعام والأسلحة. وقال قائد جماعة معارضة في شمال سوريا، إنَّ جماعته وغيرها لجأوا إلى نقاط التفتيش لتعويض خسارة التمويل الأجنبي.

وفي الواقع، الرِّشا التي تُجمَع من على جوانب الطرق ليست الوسيلة الوحيدة لسلب الأموال من المدنيين السوريين.

منع السوريين من مغادرة المخيمات

في أغسطس/آب 2018، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً تتهم فيه السلطة الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا بالتقييد غير المشروع لحركة الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات النازحين الداخلية، عن طريق مصادرة بطاقات الهوية ومنعهم من مغادرة المخيمات بحسب رغبتهم.

وأفاد التقرير بأن بعض سكان المخيم اضطُروا إلى دفع رشوة للمسؤولين في المخيمات أو المهربين ليسمحوا لهم بالرحيل من أجل الحصول على الرعاية الصحية أو الاجتماع بعائلاتهم.

وفي هذا الصدد، قالت لمى فكيه، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط بمؤسسة هيومن رايتس ووتش: "لسوء الحظ، رأينا أشخاصاً يحاولون الانتفاع من الخسارة الفادحة والمعاناة الشديدة التي يعانيها السوريون. لم يكن هناك سقف لمستوى الاستغلال".

ودافع مسؤول أحد المخيمات المذكورة في التقرير عن هذه السياسة، معللاً تطبيقها بأسباب أمنية، وأصر على سهولة حصول سكان المخيمات على تصاريح مرور، تُجدد كل 10 أيام، للدخول والخروج. ونفى إجبارهم على الدفع مقابل المغادرة.

السرقة والرِّشوة ليستا الأزمة فقط، بل الخطف أيضاً

وتقول الصحيفة الأميركية إنَّ عمليات الخطف تزداد شيوعاً، إذ أصبح من بين ضحاياها الآن عمال الإغاثة وموظفو المجال الطبي، بعد أن كانت تقتصر سابقاً في الغالب على رجال الأعمال الأثرياء بالبلاد، إذ يُنظر إلى عمال الإغاثة وموظفي المجال الطبي باعتبارهم وسيلة أساسية لتحقيق ثروة يومية كبرى؛ بالنظر إلى أنَّ المساعدات الإنسانية هي أحد مصادر التمويل القليلة في بعض مناطق سوريا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، اختُطِف رئيس مؤسسة خيرية كبيرة بسوريا من إحدى نقاط التفتيش، بحسب ما كشف عنه المشرف الأمني للمؤسسة، الذي رفض الكشف عن اسمه أو اسم منظمته؛ خشية استهدافه هو أو منظمته. وقال المشرف الأمني إنَّ الخاطفين سألوا الرجل بينما هو معصوب العينين كم يطلبون للفدية.

وأشار المشرف الأمني إلى أنه عقب ذلك بساعات، أطلق الخاطفون سراح رئيس المؤسسة الخيرية دون الحصول على فدية؛ نظراً إلى الاهتمام المحلي الذي حظيت به تلك القضية.

وقبل تلك الواقعة، تحديداً في سبتمبر/أيلول 2018، اختُطِف صهر أحمد، وهو أب لأربعة أطفال يعمل في وكالة الإعلام التابعة للنظام السوري، على أيدي جماعة من المعارضين بعدما أنزلوه عنوة من إحدى الحافلات عند نقطة تفتيش. وقال أحمد إنَّ الخاطفين طلبوا فديةً قدرها 5 آلاف دولار أميركي.

وأكمل: "إذا دفعنا لهم فسيطلقون سراحه، وإن لم ندفع فسيُبقون عليه رهينة لديهم. من أين لنا أن نحصل على 5 آلاف دولار؟".

لكن على ما يبدو، لم يكترث الخاطفون لحالتهم. وحتى حلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لم يكن الخاطفون قد أطلقوا سراح صهر أحمد بعد، وارتفع سعر الفدية إلى 6 آلاف دولار.

وعلّق أحمد: "السمك الكبير يلتهم السمك الصغير".

تحميل المزيد