أول بطاقة أضيفت بها كانت لجمال عبد الناصر.. قصة خانة الديانة التي تثير انقساماً في مصر

قبل أيام تقدم عضو مجلس نواب بمشروع قانون حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي وسط اعتراضات وتأييدات من جهات رسمية وحقوقية ونشطاء على صفحات التواصل

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/20 الساعة 15:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/20 الساعة 15:24 بتوقيت غرينتش
حذف خانة الديانة يثير جدلاً بمصر

"أمر طبيعي كان يجب تطبيقه من زمن طويل"، هكذا يرى المواطن المصري مصطفى سيد فيما يتعلق بحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي (بطاقة الهوية)، على خلفية تقدم برلماني مصري بمشروع قانون لهذا الغرض.

وقبل أيام تقدم عضو مجلس النواب، إسماعيل نصر الدين بمشروع قانون حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي ، وسط اعتراضات وتأييدات من جهات رسمية وحقوقية ونشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي، في بلد يعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع في دستوره الذي ينص أيضاً على مدنية الدولة.

يقول سيد (44 عاماً) الذي  يعمل في قطاع السياحة منذ سنين، إن "وجود خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي يعد تمييزاً، إذ إن دين الشخص لا يخص أحداً غيره".

اعتراضات على "طمس الهوية"

لكن على الجانب الآخر ترى أسماء معوض، أن مشروع القانون "طمس للهوية".

أسماء (32 عاماً) وتعمل مرشدة نفسية، قالت إن الاسم نفسه يوضح الانتماء الديني من دون ذكر خانة الديانة، كما أن قوانين مثل الزواج والميراث تتطلب ذكر الديانة. وأضافت: "الأمر متعلق بالهوية.. هويتي  وبلدي إسلامية في المقام الأول، وكل ما يحدث هو محاولات لطمس هذه الهوية".

وأعلن النائب صاحب مشروع القانون المكون من أربع مواد، حصوله على توقيع أكثر من 200 نائب لإدراجه للمناقشة في اللجان المختصة، إذ يلزم لأي مشروع قانون توقيع 60 نائباً للمناقشة.

أول بطاقة هوية في مصر كانت من دون خانة الديانة

وأصدرت مصر بطاقات الهوية منذ أواخر القرن التاسع عشر. وقال نصر الدين، في بيان صحافي، إن "أول بطاقة هوية في مصر صدرت في عهد الملك فؤاد لم تدوَّن بها خانة الديانة"، مشيراً إلى أن "حذف خانة الديانة من الرقم القومي يُعلِي من شأن المواطنة، ويلغي أي تمييز بين المواطنين على أساس ديني".

ورداً على تخوف البعض من التلاعب فى حال الزواج، قال نصر الدين، إنه "من السهل الاعتماد على شهادة الميلاد لإثبات الديانة في حالة الزواج، وشهادة الوفاة لتوضيح الديانة للمواريث".

لكن مراقبين حذروا من أن المقترح يثير انقساماً حاداً في المجتمع بين المسلمين والأقباط.

ويشكل الأقباط نحو 10% من سكّان مصر، البالغ عددهم 100 مليون نسمة، وهم يشكون من التمييز وعدم تولي المناصب العليا في أجهزة الدولة.

تاريخ خانة الديانة

وصدرت أول بطاقة هوية مصرية في العصر الملكي، وكانت تشتمل على بيانات الاسم، اللون، الطول، لون العيون، الشعر، مع صورة شخصية كبيرة فى الجهة الأخرى، ولم تكتب بها خانة الديانة في ذلك الوقت.

وبحسب تقرير منشور بصحيفة الشروق، الشهر الفائت، تغير شكل البطاقة الشخصية التي أصدرت من جانب وزارة الداخلية بعد إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية، وأصبحت البيانات بها هكذا: الاسم، تاريخ الميلاد، الديانة، الحالة الاجتماعية، الوظيفة، محل الإقامة، فصيلة الدم.

وكانت أول مرة تكتب فيها خانة الديانة في البطاقة عام 1958 أي بعد ثورة يوليو/تموز 1952 وكانت أول بطاقة تصدر بهذا الشكل هي بطاقة هوية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

بطاقة الرئيس عبد الناصر الشخصية

Gepostet von ‎جمال عبد الناصر‎ am Sonntag, 24. September 2017

ويتداول المصريون منذ عقود مقولة تفيد أن "الدين لله والوطن للجميع".

لكن أحمد خليل قال لـ "عربي بوست" متسائلاً "هو إلغاء خانة الديانة في البطاقة هيحل إيه بالظبط؟ هو مين بيشوف البطاقة أصلاً؟".

قبل أن يتابع "وهي خانة الديانة ماتخصكش دي عايدة على مين؟ أنا المواطن المصري والأمر يخصني، وأرى أن هذا الجدل لا فائدة منه".

مدنية الدولة

مطور المواقع الإلكترونية محمد خالد، يؤيد مقترح حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، لأن مصر بحسب رأيه "دولة مدنية".

يرى خالد (33 عاماً) أن مصر دولة "تقوم على أساس المواطنة وليس على الأساس الديني"، وهو ما يخالف الواقع الآن بإدراج خانة الديانة في الهوية الشخصية، على حد تعبيره.

وأضاف الشاب طويل القامة لـ "عربي بوست"، أنّ فكرة الدين دائماً مقتصرة على المجتمعات الدينية، و"نحن لسنا مجتمعاً دينياً، مصر مجتمع ودولة مدنية تبنى على أساس المواطنة".

وضرب خالد مثالاً من خلال دفع الضرائب، إذ يوضح أن "الجميع يدفع ضرائب للدولة دون النظر لأي أنواع هوية دينية أو حتى جنسية، وهنا يكون التعامل معي على أساس أنني مواطن مصري فقط، دون أي تمييز".

يعتقد مطور المواقع الإلكترونية أن "كتابة الديانة في بطاقة الهوية تؤثر على الإحصائيات التي تساعد على هدم قواعد المواطنة، وأيضاً تهدم المساواة العادلة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، وتعطي لمحة عنصرية تجاه الأقليات بالدولة".

الإسلام لن يفرق

وحول الآراء التي تتحدث عن مخالفة حذف خانة الديانة للمادة الثانية للدستور، والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، يقول خالد: "هل الإسلام طالب بالتفرقة؟!، كما أن الدستور قال إنه المصدر الرئيسي للتشريع وليس المصدر الوحيد".

لا يظن خالد أن هذا المقترح سيتحول إلى قانون في الوقت الراهن "على الأرجح سيتم ذلك في المستقبل مع انتشار الوعي الثقافي والاجتماعي، لأننا نؤمن بحضارة التعايش".

محاولات إلغاء خانة الديانة

بداية التحرك الفعلي نحو حذف خانة الديانة من بطاقة الهوية، كانت في مارس/آذار 2006، عندما رفضت محكمة القضاء الإداري دعوى قضائية أقامها المحامي ممدوح نخلة، طالب فيها بإلغاء خانة الديانة من بطاقات الرقم القومي المصرية.

وفي أغسطس/آب من العام نفسه، نظّم المجلس القومي لحقوق الإنسان مؤتمراً حول اقتراح قدمه المجلس بشأن حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.

المؤيدون يرون مشروع القانون انتصاراً لمدنية الدولة
المؤيدون يرون مشروع القانون انتصاراً لمدنية الدولة

تحدث في المؤتمر ممثلون عن الحكومة والمجتمع المدني وأكاديميون وممثلون عن الجماعات والطوائف الدينية، بين مؤيد ومعارض لهذا الاقتراح، وقد خرج التقرير النهائي لورشة العمل هذه بحل ثالث، وهو جعل خانة الديانة في البطاقة الشخصية اختيارياً، مع السماح للمواطنين بإثبات دياناتهم ولو كانت "غير معترف بها"، ووقتئذ رفضت الحكومة هذا الاتجاه.

وقبل عامين تقدم عضو مجلس النواب علاء عبدالمنعم، وقت أن كان متحدثاً باسم ائتلاف دعم مصر (الأغلبية)، بمشروع قانون من 17 مادة، نصت إحدى هذه المواد على إلغاء خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي وكافة الوثائق والمستندات الرسمية.

وقال إنه "لا يجوز إجبار أي مواطن على الإفصاح عن ديانته، إلا إذا كان الإفصاح ضرورياً لترتيب مركز قانوني كالميراث والزواج، إلا أن مشروع القانون لم يقر، بانتظار أخذ رأي الجهات القضائية المعنية، فضلاً عن مؤسستي الأزهر والكنيسة".

جدال كبير

وعلى هاشتاغ #خانة_الديانة_متخصكش، دخل مصريون في جدال عنيف حول الأمر.

وقال محمود عبدالعليم "الدين مثل الاسم تماماً. إذا كان لا يجوز أن نحذف الاسم فلا يجوز أن نحذف خانة الديانة".

لكن نشوى سعفان كتبت "الاسم لينا والوطن والدين لله… لا يوجد أي مشكلة أن تحذف (خانة الديانة) من البطاقة".

فيما وضع آخرون كلمة خانة البطاقة ما تخصكش تحت صورهم الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك.

"لن يغير شيئاً"

لكن السفير إبراهيم يسري يختلف مع خالد في الرأي، إذ يرى أن حذف خانة الديانة لن يؤثر على هوية الدولة، سواء كانت "علمانية أو دينية أو مدنية".

وكتب يسري عبر حسابه الرسمي على موقع فيسبوك "فكرة الدولة العلمانية جاءت للتخلص من نفوذ البابا والكنائس الأخرى، ومع ذلك استمرت الكنائس في مسارها، واحتفظت لتابعيها بالخدمات الدينية العديدة، دون مساس بالعقيدة المسيحية بكل أطرافها".

لأول مرة يطرح التساؤل عن هوية مصرقدم احد النواب اقتراحا بإصدار قانون يلغي خانة الديانة من البطاقات الشخصية و المعني …

Gepostet von ‎السفير / ابراهيم يسرى‎ am Donnerstag, 13. Dezember 2018

أما عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، حافظ أبوسعدة، فاعتبر أن هذا المقترح "لن يؤثر على مكافحة التمييز".

وقال أبوسعدة في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، إن "خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي لا تعبر عن تمييز ديني بين المواطنين، ولكن في حالة إقرار هذا المقترح وتحويله إلى قانون، سيستفيد منه البهائيون".

ولا تعترف مصر بالبهائية ديانة، ورفض القضاء العديد من الدعاوى التي طالبت بالاعتراف بالبهائية ديانة، وكتابتها في بطاقة الرقم القومي والأوراق الرسمية.

ولا يتوقع أبوسعدة إقرار هذا المقترح في مجلس النواب: "لن يتطور الأمر كما حدث قبل عامين".

قرار جامعي ونقابي غير مسبوق

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، أصدرت جامعة القاهرة قراراً وُصف بالتاريخي، بإلغاء خانة الديانة من كل الأوراق الرسمية المستخدمة في الجامعة، وقال آنذاك رئيس الجامعة الدكتور جابر نصار وهو أستاذ مرموق في القانون: "ماينفعش أسأل طالب العلم دينك إيه؟".

وعلى نهج جامعة القاهرة، أعلنت نقابة المهندسين، التي كانت تحت الحراسة لعدة عقود لسيطرة جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، على مجلس إداراتها، أعلنت إلغاء خانة الديانة من أوراقها المعتمدة.

وأشاد بطريرك الكرازة المرقسية البابا تواضروس الثاني، في تصريحات تلفزيونية، بخطوة جابر نصار، وقال إن وجود الديانة كخانة بالبطاقة الشخصية أمر غير لازم، ومن المفترض احتواؤها على الجنسية فقط، كما اعتبر البابا أن هذا القرار خطوة جيدة من أجل تحقيق المساواة وعدم التمييز.

ولكن وكيل الأزهر الشريف السابق عباس شومان، رأى في تصريحات صحافية وقتها، أن الحديث عن خلاف بين الأزهر والكنيسة حول خانة الديانة "هو أمر صادر من عقول مريضة، وبقاء خانة الديانة في البطاقة مسألة تنظيمية لا أكثر".

وتنص المادة رقم 53 من الدستور المصري، الذي تم إقراره في كيناير 2014 على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض."

علامات:
تحميل المزيد