فورين بوليسي: السيسي لن يقدم أي نجاحات لمصر رغم سيطرته الكاملة على البلاد، واحتمال التغيير وارد.. ولكن!

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/20 الساعة 17:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/20 الساعة 21:28 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

قال الباحث الأميركي المتخصص بالسياسة الخارجية، ستيفن كوك، إن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لن يتمكن من تحقيق نجاحات تُذكر رغم كل ما يشاع عن المشروعات العملاقة في البلاد، وحالة الرضا عن الحكومة، لكن الأمر غير ذلك، مشيراً إلى أنه في حالة حدوث تغيرات فإن الأمر لن يصل إلى حد الثورة.

وأضاف كوك في مقال بمجلة Foreign Policy الأميركية، إن يفعله الرئيس المصري الحالي لا يختلف عما قام به رؤساء مصر السابقون: عبد الناصر والسادات ومبارك، في القمع وتضييق الحريات والاعتقالات، لكن بعضهم حقق نجاحات لمصلحة مصر، لكن السيسي لم يفعل ذلك.

وتهكم كوك قائلاً: "حقَّق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إنجازاً جديراً بالإعجاب في الأسابيع الأخيرة، إذ أدلى بتصريحاتٍ تمكَّنت، من فرط جنونها، من أن تفوق ما قيل في تجمُّعات الحشد السياسي في أثناء الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب. ففي خطابٍ متلفز صرَّح الرئيس المصري بقوله: (الحكاية كانت كده، وإحنا كنا كده، وبالرغم من كده، عملنا كده. ودي المعجزة). وبعدها ببضعة أيام، وفي حين كان يناشد المصريين فقدان الوزن وزيادة اهتمامهم بممارسة الرياضة، أضاف: (الإعلام لازم يختار ضيوف واخدة بالها من جسمها وصحتها)".

سيطرة لكن دون نجاح

وتابع الكاتب الأميركي: "على المرء أن يتساءل ما إذا كان السيسي ينهار تحت الضغط الهائل مِن تولِّيه مسؤولية بلدٍ يبدو عصياً على الحُكم. لا شك في أنَّه قد أرسى لنفسه بعض السيطرة السياسية على البلاد منذ أن تولَّى السلطة، لكن يصعُب كذلك القول إنَّ السيسي يحكُم مصر فعلاً. وفي الأشهر الستة الأخيرة، فُرِضَ على المصريين تحمُّل نقصٍ في البطاطس والمياه. وبدلاً من التطرُّق إلى قضايا أشارت لها المقرَّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنيَّة بالحق في السكن اللائق مؤخراً، هاجمتها الحكومة المصرية هي ومَن أجرت معهم مقابلات في سياق بحثها".

وبحسب الكاتب الأميركي، يواجه السيسي أزمة سُلطة، يبدو كما لو كان غير قادرٍ على ممارسة السُّلطة التي يملُكها بالفعل. والآن يسعى مؤيدوه لحل تلك المشكلة بأن يمنحوه المزيد والمزيد من السُّلطة، إذ يريدون تعديل دستور عام 2014: إما بمدّ الفترة الرئاسية للرئيس في منصبه، وإما بإلغاء القيود على عدد الفترات الرئاسية تماماً.

وأشار الكاتب الأميركي إلى أنَّ المسؤولين المصريين ومؤيدي السيسي تعهَّدوا من قبلُ بأنَّ هذا لن يحدث أبداً، زاعمين أنَّ مصر قد تغيَّرت، ولكن لم يصدقهم أحد، وكان ذلك التشكيك مُبرَّراً لأسبابٍ واضحة. قد يكون واقع أنَّ المصريين يمهدون الطريق الآن حتى يبقى السيسي رئيساً لأكثر من الفترتين الرئاسيتين بموجَب 4 أعوامٍ لكل فترة، والمنصوص عليها في الدستور- هو التطوُّر الأقل مفاجأةً في الشرق الأوسط على مرِّ السنوات الأخيرة. ومن المُغري هنا القول إنَّ التاريخ يعيد نفسه، لكنَّ ما يحدث حقيقةً غير ذلك، بل إنَّ مصر لم تحِد يوماً عن مسار الحُكم الاستبدادي برغم كل الأحداث التي شهدتها قرابة الأعوام الثمانية الأخيرة.

ويصرُّ مؤيدو السيسي على أنَّ مدَّ فترة رئاسته أمرٌ ضروري لتعزيز كل التغييرات الإيجابية التي أحدثها منذ أن تولَّى السلطة في يوليو/تموز من عام 2013. ويزعمون أنَّ الاقتصاد في تعافٍ، وتطوير البنية التحتية آتٍ في الطريق، وأنَّ الاستقرار ومعه مكانة مصر الدولية قد عادا إليها. ففي العالم الذي يعيش فيه هؤلاء، كُل ما وعدت به حملة "مصر الجديدة" الدعائية في عام 2014 من "سلام، ورخاء، ونمو" قد تحقَّق بالفعل أو سيصبح واقعاً ما دام السيسي يواصل مسيرته بخُطا ثابتة. ويتَّفق معارضوه، في مصر وخارجها، مع حقيقة أنَّ البلد قد تغيَّر، لكنَّهم يصورون واقعاً أشد ظلمة، حيثما وُجِد الاستقرار فيه يكون مبنيّاً على خوفٍ متفشٍّ من جهاز الأمن المصري الجامح في البلاد بحصانةٍ مطلقة.

يقول هؤلاء من جهتهم، إنَّ المصريين يعانون لتدبُّر أمورهم، إذ جعلت إصلاحات الدعم الحكومي حياتهم أغلى. وتخفي مؤشرات الاقتصاد الكلي الإيجابية التي تروج لها الحكومة -خاصةً النمو الاقتصادي- وراءها الدَّين الذي لن يمكنها تحمُّله والذي استدانته الحكومة، كي تحسِّن هذه الأرقام والمؤشرات.

"منتقدو السيسي على حق"

وبحسب المقال، فإن نقاد السيسي بالطبع على حق. فمصر دولةٌ قمعية على أعمق المستويات، والكلام السعيد الصادر عن ألسنة مؤيدي النظام يصل إلى حد السذاجة. ومع ذلك، فإنَّ كلا المعسكرين مخطئٌ بشكلٍ ما، إذ لم تتغيَّر مصر كثيراً فعلاً كما يريد الكثيرون الاعتقاد. وقد يجادل أحدهم بأنَّه في عهد السيسي، صار الجيش أكثر استقلالاً وتغلغلاً في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلد. قد يكون هذا صحيحاً مقارنةً بولايتي الرئيسين السابقين أنور السادات أو حسني مبارك، لكن توجد  سابقةٌ لدورٍ مشابه تقلَّدته المؤسسة العسكرية في الأعوام ما بين 1954 و1967، عندما أدت القوات المسلحة وقتها أيضاً دوراً مهولاً في السياسة والاقتصاد.

وقال كوك: "بدلاً من تِلك المقارنة، يتمثَّل الفرق المهم تحليلياً بين عهد السيسي ومَن سبقوه، في الدرجة التي وظَّفت بها السلطات قوتها ضد شعبها نفسه. ونظراً إلى أنَّ السيسي لم يتبنَّ رؤيةً إيجابية ولم يُنفِّذ الوعود التي قطعها للشعب، لا يحظى بولاء المصريين. لذا اضطر الرئيس وحاشيته إلى الاعتماد فقط تقريباً على الاعتقالات والترهيب والعنف وحتى القتل، في جهودهم لإخضاع مصر لرغباتهم".

وتابع كوك: "في المقابل، كان جمال عبد الناصر رجلاً ذا رؤية ومحبوباً على نطاقٍ واسع، كذلك وفيما عانى السادات من بعده لإقناع المصريين بـ (دولة المؤسسات) -غالباً لأنَّه لم يكن صادقاً- والتحوُّل تجاه اقتصادٍ تجاري، فإنَّه كان (بطل العبور) من قناة السويس في عام 1973، وبذلك حظي بشرعيةٍ ولو لحين. وأخيراً، لم يكن لدى مبارك أية رؤية، ولكنَّه تعلَّم كيف يُدير مصر بمرور الوقت. وبالطبع، شهدت مصر قمعاً مروعاً خلال عصور عبد الناصر، والسادات، ومبارك، لكنَّه لم يُشبه في أي شيءٍ القسوة المتواصلة التي ميَّزت عهد السيسي إلى الآن. دافع مؤيدو الحكومة عن رئيسهم وحكومته، زاعمين أنَّهما بذلك يحميان البلاد من الإخوان المسلمين والتطرف، لكنَّهما استهدفا الجميع كذلك، وليس الإخوان وحدهم".

تشابهوا في كل شيء إلا درجة القمع

وبحسب كوك، فحتى في قمع الحكومة المصرية الطلاب، والصحافيين، والناشطين، والأجانب، إلى جانب أعضاء جماعة الإخوان، لا تختلف مصر السيسي كثيراً عن مصر العصور السابقة، ويقتصر الاختلاف هنا على شدة القمع. وكما قال أحد معارضيه ساخراً: "ليس السيسي سوى نسخةٍ مِن مبارك تتعاطى المنشطات". إلَّا أنَّ ذاك التشبيه يتعدَّى هذا العهد الحديث، حتى وإن كان بعض المراقبين يرون أنَّ التاريخ المصري بدأ يوم 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، الذي حمل اسم "يوم الغضب" وكان بداية إسقاط مبارك.

وبحسب المقال، يُعد السيسي امتداداً منطقياً لنظامٍ موجود منذ أن أعلن الضباط الأحرار عام 1953 إلغاء الملكية وقيام الجمهورية. وعرف ذلك النظام كيف يُعيد خَلق نفسه حتى بعد مواجهة تحدياتٍ ضخمة مثل هزيمة يونيو/حزيران عام 1967 في حرب الأيام الستة، وموت عبد الناصر، واغتيال السادات، والثورة التي أسقطت مبارك. وبعد كلِّ تلك اللحظات الفارقة، كانت مصر تُعاد إلى الوضع الاستبدادي. لم يكن رؤساء مصر يملكون نظريةً مثالية في الإدارة السياسية. فلو كانت لديهم نظرية كهذه، ما كان عبد الناصر ليطالب بانسحاب الأمم المتحدة من سيناء في مايو/أيار من عام 1967، وما كان السادات ليخطِّط لخفض الدعم في يناير/كانون الثاني من عام 1977، وما كان مبارك ليمنح ابنه دوراً بارزاً في تسيير البلاد.

وبدلاً من ذلك، يُميِّز مصر امتلاكها مجموعة ذاتية الدعم من مؤسساتٍ سياسية تعكس النظام الاجتماعي السائد في البلاد. ومع أنَّ الحُكَّام تغيَّروا وتذبذبت معهم درجة القمع الواقع على البلاد، فإنَّ نمط السياسة في مصر ظلَّ متشابهاً بشكلٍ لافت للنظر على مرِّ 65 عاماً، كما يقول المقال.

لا يُقال هذا بغرض التلميح إلى أنَّ الرئيس السيسي حصين، إذ يُشير استطلاع رأي أجراه جيمس زغبي مؤخراً، إلى أنَّ المصريين ساخطون بشدة على أوضاعهم، وأنَّ حتى الجيش -قُدس الأقداس- غير موثوقٍ به كما كان. لا يعني هذا كذلك أنَّ التغيير آتٍ أو أنَّه -إذا أتى- سيكون من النوع الذي يُطيح النظامين السياسي والاجتماعي ذاتيي التعزيز، أي بمعنى آخر: ثورة، وهذه ظاهرةٌ يزداد احتمالها نُدرة. بالطبع يُمكن حدوث تغيير جاد بطرقٍ أخرى أقل درامية، بل ويحدث بالفعل، لكنَّ نظام مصر يُحبط هذه الجهود أو يُشتتها أو يقوِّضها.

في غضون بضعة أسابيع، سيحلُّ الموعد السنوي لذكرى ثورة  25 يناير/كانون الثاني. ولا شكَّ في أنَّ تلك الذكرى ستحمل نوعين من المشاعر: رثاءٌ لما كان ممكن الحدوث، واحتفالٌ بما تمَّ تحقيقه. دائماً كانت احتمالية تحقيق "العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية" ضعيفةً، وتُشبه تصريحات الاحتفاء بالتقدُّم هي الأخرى هوساً بالسيسي الذي أحكم قبضته على البلاد في خريف عام 2013؛ فهي مبنيةٌ على لا شيء. لذا فالسياسة في مصر الآن ما زالت عند مرحلة الاستبداد، كما كانت دوماً وكما ستظل على الأرجح.

علامات:
تحميل المزيد