وول ستريت جورنال: محمد بن سلمان دفع مليارات الدولارات سراً لإنقاذ البورصة السعودية من الانهيار بسبب قضية خاشقجي

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/14 الساعة 17:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/15 الساعة 05:42 بتوقيت غرينتش

قالت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية إن الحكومة السعودية أنفقت مليارات الدولارات سراً لدعم سوق الأسهم ومواجهة الارتفاع في عمليات بيع الأسهم التي أعقبت الأزمات السياسية المتتابعة خلال الشهور الأخيرة.

ووفقاً لتحليل أجرته الصحيفة لبيانات التداول في البورصة السعودية، ومقابلات أجرتها مع أشخاص عدة على دراية مباشرة بتدخلات الحكومة السعودية، تقدَّمَت هذه الأخيرة بطلبات شراء أسهم ضخمة، جاءت غالباً في الدقائق الأخيرة السابقة لإغلاق جلسات التداول التي هيمن عليها أداءٌ سلبي؛ وذلك بهدف دعم السوق المالية.           

وتشكِّل سوق البورصة السعودية إحدى ركائز خطة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لتطوير اقتصاد المملكة. ومنذ صعود الأمير إلى منصبٍ قيادي أعلى منذ 3 سنوات مضت، واجه الحاكم الفعلي للمملكة ونوابه سلسلة من المآزق في العلاقات الخارجية السعودية -آخرها مقتل الصحافي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018- دفعت المستثمرين للهروب من سوق الأسهم السعودية.

وتُفصِح البورصة السعودية عادةً عن حجم تداولات الحكومة في الأسهم، لكنها أخفت عمليات الشراء التي أعقبت الأزمات السياسية الأخيرة عن أنظار العامة. وأرجع الأشخاص المطلعون الذين أجرت صحيفة The Wall Street Journal مقابلاتٍ معهم، ذلك إلى أنَّ الحكومة لم تجرِ عمليات شراء مباشرة، بل ضخَّت أموالها عبر مديري إدارة أصول في مؤسسات مالية سعودية تدير صناديق مالية لا تتطلَّب الإفصاح عن بيانات عملائها.

محمد بن سلمان أراد أن يُظهر للعالم أنَّ السعودية لا تزال آمنة للمستثمرين

إلى ذلك، قالت مصادر على دراية مباشرة بجهود الحكومة السعودية للتلاعب بالسوق، إنه منذ منتصف عام 2016، سعى المسؤولون السعوديون للحفاظ على استقرار السوق من خلال شراء أسهم عبر صناديق مشتركة ومديري إدارة أموال، في أثناء الفترات التي شهدت تغطياتٍ إخبارية حرجة.

وتستمر البورصة في إيفاد تقارير عن العمليات الحكومية لشراء أسهم أو بيعها والأسهم المملوكة لها، غير أنَّ عمليات الشراء الضخمة الأخيرة لم يُفصَح عنها ضمن هذه التقارير.

وبيّنت الصحيفة الأميركية أنَّ هذه العمليات تأتي في إطار استراتيجية تبنَّتها الحكومة السعودية العام الماضي (2017)، عقب فرضها حصاراً اقتصادياً على قطر، سبقتها حملة اعتقال وتعذيب لسعوديين بارزين ضمن عملية صارمة لمكافحة الفساد، وصفها بعض مسؤولي الحكومة بالتطهير السياسي، وتلت هذه الحملة احتجاز ولي العهد الأمير محمد، رئيسَ الوزراء اللبناني في الرياض.

وخلال هذه الاضطرابات السياسية، حرصت حكومة الأمير محمد على أن تُظهِر للعالم أنَّ السعودية لا تزال آمنة للمستثمرين الأجانب. وقال مسؤولٌ سعودي: "نحتاج إلى أن نؤكد للعالم أنَّ الاستثمار السعودي جيد".

وعلى مدى سنوات، تدخَّلت الصين ودولٌ نامية أخرى في أسواق الأسهم المالية الخاصة بها، لكن التدخُّلات السعودية تختلف عنها، لكونها تستهدف جذب المستثمرين الأجانب إلى سوقٍ لا يمتلك الأجانب فيها سوى حصة ضئيلة، إذ لا تتعدى ملكية المستثمرين الأجانب من الأسهم نسبة 4% في السوق السعودية، حيث جميع الشركات مقرها السعودية، وتمتلك الحكومة نصيباً من الكثير منها.

أيام عصيبة تمر بها البورصة السعودية

وعلى الرغم من التعتيم على معاملات شراء الحصص الأخيرة، يناقش المتعاملون السعوديون في البورصة هذه العمليات علناً، إذ قال عبد الله المرشد، متداول في أسهم مجموعة سامبا المالية السعودية: "في الأيام العصيبة التي تمر بها السعودية، حين تكون هناك مشاكل تتعلق بالحكومة، سترى الأموال تتدفق. وكأنها تخبر الناس: لا تقلقوا".     

وفي هذا الصدد، علَّق أنطوان فان اجتميل، الذي صاغ مصطلح "الأسواق الناشئة" منذ نحو 40 عاماً مضت، والذي يعمل الآن مستشاراً لدى مجموعة Foreign Policy الأميركية للنشر، قائلاً إنَّ تدخلات الحكومة تجعل من البورصة السعودية "سوقاً زائفة، ما يسهم إلى حدٍّ ما، في تقويض ثقة المستثمرين بها على المدى البعيد".                      

وتنشأ الأهمية المُلِحَّة لحفاظ السعودية على نزاهة بورصتها، المعروفة باسم "تداول"، من حقيقة أنه تقرَّر أن تُدرَج العام المقبل (2019) ضمن مؤشرات الأسواق الناشئة العالمية. وسيُفضي هذا الإدراج إلى ضخِّ مليارات الدولارات من رؤوس الأموال الأجنبية إلى البورصة السعودية، التي يُقدَّر رأس المال السوقي لها حالياً بنحو 500 مليار دولار.    

ومنذ بداية العام الحالي (2018) إلى يومنا هذا، ارتفع المؤشر العام للسوق المالية السعودية (تداول) بنسبة 9.67%، في حين انخفض مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة (MSCI All-Country World Equity Index) بنسبة 5.47%.   

الرياض اشترت أسهماً من صندوق الاستثمارات العامة السيادي

وبحسب الصحيفة، قال أشخاصٌ مُطَّلِعون على المسألة إنَّ الحكومة السعودية، سعياً منها نحو تدعيم السوق المالية، ابتاعت أسهماً من خلال صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي (PIF)، الذي يُعَد الذراع الاستثمارية الأساسية للأمير محمد، سواء داخل المملكة أو خارجها، وهو ما انعكس في شراء حصة ضخمة بشركة Uber Technologies Inc واستثمار مليارات الدولارات في شركة SoftBank Group اليابانية للخدمات المصرفية.

ورفض متحدث باسم الصندوق السعودي الرد على طلب للتعليق على ممارسات الشراء الحكومية التي تستهدف تنشيط السوق. وقال المتحدث، في بيان مكتوب، إنَّ الصندوق السيادي لديه صناديق عدة تابعة له تجري استثمارات داخلية وخارجية، ومن ثم فإنَّه "من المتوقع أن أي هبوط في مؤشر تداول (يمثل) فرص شراء ستستجيب لها بعض هذه الصناديق".               

وتُظهِر بياناتٌ عامة أنه اعتباراً من الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وصل حجم الأسهم التي امتلكتها كيانات مملوكة للحكومة السعودية في شركات مُدرَجة بالبورصة إلى 200 مليار دولار، أي ما يزيد على نسبة 40% من إجمالي قيمة البورصة. أما القيمة الفعلية للأسهم المملوكة للحكومة، فقد بيَّنت الصحيفة، من خلال ما أجرته من مقابلاتٍ وتحليلات بيانات، أنها تزيد على النسبة المُعلَنة بمليارات الدولارات؛ نظراً إلى عمليات الشراء التي يجريها صندوق الاستثمارات العامة السيادي سراً.         

ومن الصعب تحديد القيمة الإجمالية لهذه الأسهم بدقة، لأنَّ عمليات الشراء الأخيرة تمَّت من خلال ضخ صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي أموالاً إلى صناديق مشتركة أو مديرين ماليين لا يكشفون عن هويات مستثمريهم. ومثل هذه الاستثمارات التي يجريها الصندوق تُدمَج مع غيرها من الاستثمارات التي يجريها مديرو إدارة الأصول، في تقارير المؤشر "تداول" حول بيانات معاملات سوق المال.

وأحال ممثلٌ عن الديوان الملكي السعودي الأسئلة بخصوص عمليات الشراء إلى مُتحدِّثين باسم الحكومة، وجاء ردهم كالآتي: "صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي كيانٌ مستقل يتمتَّع بإدارةٍ وصلاحيات خاصة". في حين رفض ممثل عن "تداول" الإجابة عن أسئلة تتعلق بشراء الحكومة أسهماً.

وتنطوي عمليات الشراء الحكومية هذه على آثارٍ سلبية محتملة للصندوق السيادي السعودي، إذ إنه من المفترض أن يُركِّز على المشاريع الدولية الكبيرة. لكن بدلاً من ذلك، يقول أشخاصٌ مُطَّلِعون على المسألة إنَّ بعض مسؤولي الصندوق يشعرون بالاستياء، لأنَّ الديوان الملكي للأمير محمد أمر رئيس الصندوق، ياسر الرميان، بضخِّ ما يكفي من أموالٍ، لضمان ألا يهبط مؤشر التداول المحلي.

مع إزاحة الستار عن تفاصيل واقعة مقتل جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول، شهد المؤشر العام السعودي "تداول" تقلبات في المعاملات المالية استمرت 10 أيام.

ويقول أحد الأشخاص المطلعون إنه حين تتعثَّر أسعار الأسهم المحلية، يخبر الرميان نوابَه ليشرعوا في عمليات شراء الأسهم. ويستخدمون تطبيق الرسائل "واتساب" للتواصل مع المديرين في مؤسساتٍ تشمل شركة NCB Capital المملوكة للحكومة السعودية، المسؤولين عن إدارة أموال تابعة لصندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي.

خطة الأمير الاقتصادية تسببت في خلق تقلُّبات بالسوق

وكشف أشخاص مِمَّن أجرت الصحيفة مقابلاتٍ معهم، أنَّ الأمير محمد قال لهم إنَّه جنى الملايين من خلال الاستثمار في البورصة السعودية، خلال سنوات شبابه الأولى. ومنذ عام 2015، حين اعتلى والده الملك سلمان العرش، جعل الأمير محمد مؤشر "تداول" في محور خطته لتحديث الاقتصاد السعودي. واقترحت حكومته طرح شركة النفط الوطنية السعودية "أرامكو" للاكتتاب العام بفي البورصة، فيما ستكون أضخم عملية طرح أوليّ في العالم، وهو ما زاد من أهمية الحفاظ على صورة السوق مستقرةً وآمنة في أعين المستثمرين الأجانب.  

وتسبَّبَت أجزاءٌ من خطة الأمير الاقتصادية في خلق تقلُّبات بالسوق. فمثلاً، أطلق إعلان رفع الدعم الحكومي عن الوقود ومنتجات أخرى عام 2016 العنان لأول موجة ضخمة من عمليات شراء الأسهم من جانب الحكومة.

وتوضح بيانات السوق، أنه خلال الفترة من 21 أكتوبر/تشرين الأول إلى 15 ديسمبر/كانون الأول من هذا العام (2018)، باع مستثمرون سعوديون وأجانب أسهماً في البورصة السعودية بقيمة تقارب 7 مليارات دولار. وفي المقابل، ابتاع مديرو إدارة أموال وصناديق مشتركة سعودية أسهماً بقيمة تزيد على 8 مليارات دولار خلال الفترة ذاتها، وهو معدل شراء أعلى بكثير من المعدل الطبيعي لهم. ويقول أشخاصٌ مُطَّلِعون إنَّ أموال الشراء هذه جاءت من صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي.

تكرَّر النمط ذاته في شهر يونيو/حزيران من عام 2017، بعد أن تزعَّمَ الأمير جهود الحصار الاقتصادي على قطر وانتزع منصب ولي العهد قسراً من ابن عمومته، إذ أسفر هذان التطوران عن سحب المستثمرون ملياري دولار من السوق السعودية، وهو ما واجهته الصناديق المشتركة بشراء أسهم بقيمة 2.3 مليار دولار.

ثم عقب ذلك بـ4 أشهر، عاودت الحكومة تكرار هذه العملية، بعد حملة الأمير محمد ضد الفساد، إذ تسبَّبَت أنباء الحملة في خروج 1.2 مليار دولار من "تداول" خلال الأسبوع المنتهي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني. لكن في كلِّ يوم، بدايةً من 8 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 13 نوفمبر/تشرين الثاني، كان المؤشر يتباين ما بين الهبوط والاستقرار، إلى أن تحين الساعة الأخيرة من جلسة التداول، إذ تحدُث طفرةٌ في معاملات الشراء تمحو ما مُنِيَت به البورصة قبلها من خسائر. ويقول الأشخاص المُطَّلِعون إنَّ عمليات الشراء هذه تمَّت من جانب الحكومة.         

وفي مارس/آذار 2018، أعلنت شركة FTSE Russell البريطانية، وهي منصةٌ لمؤشرات الأسهم العالمية، أنها ستُدرِج "تداول" ضمن مؤشرها للأسواق الناشئة العام المقبل (2019). ووفقاً لتقديرات FTSE، ستسهم هذه الخطوة في ضخِّ 5.4 مليار دولار من الصناديق المعنيَّة بمتابعة المؤشرات إلى السوق السعودية، إضافة إلى مليارات الدولارات من مستثمرين نشطين. ويمكن أن يدفع تعزيز أسعار الأسهم في البورصة، قبيل تدفُّقات رؤوس الأموال المُتوقَّعة، إلى أن يعاود صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي بيع هذه الأسهم إلى مستثمرين أجانب بأسعارٍ متضخمة.

إضافة إلى ذلك، أظهر تحليل البيانات الذي أجرته صحيفة The Wall Street Journal الأميركية والمقابلات التي أجرتها مع أشخاصٍ مُطَّلِعين على المسألة، تدخُّلاً هائلاً من جانب الحكومة السعودية بالبورصة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وذلك عقب مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية. وفي بادئ الأمر، نفت السلطات السعودية أنها مُتورِّطةٌ في مقتل الصحافي. لكن بعدها بأيام، كشفت السلطات التركية عن أدلةٍ تثبت أنَّ أشخاصاً مُقرّبين من ولي العهد السعودي هم من قتلوا خاشقجي.

188 شركة فقدت ما يقرب من 90% من قيمتها في البورصة

خلال الأيام العشرة التي تلت أنباء مقتل خاشقجي، شهد المؤشر العام لسوق تداول الأسهم السعودية (TASI) أدنى معدلات هبوط متتابعة له عام 2018. ووفقاً لتحليل بيانات أجرته The Wall Street Journal، فقدت 188 شركة ما يقرب من 90% من قيمتها بالبورصة. في حين أغلقت أسهم الشركات الخمس صاحبة أعلى قيمة سوقيةٍ جلسات التداول على ارتفاع أو استقرار، واستأثرت بنسبة 37% من إجمالي قيمة البورصة.

وتراجع مؤشر "تداول" إلى أدنى مستوى هبوط له في 2018، إذ هبطت أسعار الأسهم إلى 5% من قيمتها في يومي 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول 2018. وخلال الأسبوع التالي لذلك، كان مديرو إدارة الأصول المالية والصناديق المشتركة من بين كبار المشترين بالبورصة، في الوقت الذي كافحت فيه البورصة لاستعادة مكانتها. ويقول أشخاصٌ مُطَّلِعون على الأمر إنَّ صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي هو من أجرى غالبية عمليات الشراء هذه.                      

وأسفرت موجة بيع الأسهم الهائلة عن فقدان البورصة 2% من قيمتها في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2018. ثم قبل موعد إغلاق جلسة التداول لذلك اليوم بنحو 40 دقيقة تقريباً، أسهمت عملية شراء ضخمة في رفع قيمة السوق بنسبة أعلى من 3%.

واستمرت هذه النماذج ذاتها في التكرار خلال النسخة الثانية من المؤتمر الاستثماري السنوي الذي استضافه الأمير محمد بفندق ريتز كارلتون وانطلق في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018. وعقب ذلك بيومين، حين وصف ولي العهد السعودي جريمة مقتل خاشقجي بأنها "جريمةٌ بشعة"، أغلقت أسهم البورصة السعودية على ارتفاع. وتكشف بيانات صحيفة The Wall Street Journal والمقابلات، أنَّ الحكومة السعودية عزَّزت البورصة بشراء أسهم بقيمة ملياري دولار خلال ذلك الأسبوع. في حين أنَّ وسائل الإعلام المحلية عَزَتْ هذا الارتفاع في البورصة إلى تصريحات الأمير.

تحميل المزيد