«صُنع في مصر» بدلاً من «صنع في الصين».. كيف ستستفيد القاهرة من الحرب التجارية بين واشنطن وبكين؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/13 الساعة 21:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/13 الساعة 21:21 بتوقيت غرينتش
A picture taken on July 29, 2018 shows tailors sewing at the Marie Louis textile clothing and textile factory in the 10th of Ramadan city, about 60 kms north of Cairo. (Photo by Khaled DESOUKI / AFP)

قال موقع  Middle East Eye البريطاني، الخميس 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، إن مصر قد تكون المستفيد الحقيقي من أي صراعٍ تجاريٍّ مستقبليٍّ يقع بين الصين والولايات المتحدة.

وكان يُفترض أن يكون التوتر بين البلدين قد هدأ، بعد الإعلان عن هُدنة الأشهر الثلاثة، بقمة العشرين التي عُقدت في بيونس آيرس، بوقتٍ مبكرٍ من ديسمبر/كانون الأول 2018.

ثم جاء اعتقال مديرٍ تنفيذيٍّ بارزٍ في الشركة الصينية العملاقة "هواوي" في أثناء وجوده بكندا، بناءً على مذكرة توقيفٍ صدرت بحقه من الولايات المتحدة الأميركية، وفقاً للعقوبات المُجددة التي فرضتها واشنطن على إيران- ليُشعل شرارة جولةٍ جديدةٍ من تبادل الاتهامات.

واستدرك الموقع البريطاني: "لكن مع حالة عدم اليقين الدائمة، وارتفاع تكلفة العمالة في شرق آسيا، والخطة التي تمنح المُصنّعين المصريين ولوجاً معفى من الضرائب إلى السوق الأميركي طالما يستخدمون مواد خاماً إسرائيلية، فإن مُصنعي المنسوجات والملابس الآسيويين، والشراة الغربيين يتجهون باطرادٍ نحو مصر"، وفقاً لما قالوه لموقع Middle East Eye البريطاني الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، في القاهرة.

حضرت وفودٌ وشركاتٌ صينيةٌ وأميركيةٌ مؤتمر Destination Africa للبحث عن فرص استثمارٍ ودعمٍ للتجارة.

الصين قد تنقل 20% من إنتاجها إلى مصر

وبحسب الموقع البريطاني، كان مديرٌ لإحدى المؤسسات المصرية التي تعمل في مجال النسيج، طلب عدم الإفصاح عن هويته، لقلقه من التعرض للمضايقات بسببه حديثه للصحافة، قد قال: "نسمع أن الصين قد تنقل نحو 20% من إنتاجها إلى مصر، عبر الدمج أو الاستحواذ الكلي على شركاتٍ محلية".

وتابع: "جزءٌ من عوامل الجذب هو العمالة الرخيصة، والزمن الأقل اللازم للشحن إلى أوروبا والولايات المتحدة".

كانت الأجور ترتفع في الصين حتى وصلت لنحو 600 دولارٍ للعامل شهرياً، وقد ارتفعت كذلك في مناطق صناعيةٍ أخرى بآسيا لتصل إلى 275 دولاراً في فيتنام، و130 دولاراً في بنغلاديش. أما في مصر، فأجر العامل 100 دولارٍ شهرياً أو أقل.

يقود التغييرَ في مصدر الملابس كذلك عاملٌ آخرُ، هو أن الصين نفسها بها سوقٌ محليٌّ مزدهرٌ للملابس يحتاج لتلبية طلبه، وهو سوقٌ من المتوقع أن يبلغ نحو 341 مليار دولارٍ عام 2020، متجاوزاً حجم سوق الاتحاد الأوروبي المتوقع أن يبلغ 303 مليارات دولارٍ، والسوق الأميركي المتوقع أن يبلغ 289 مليار دولارٍ، طبقاً لتوقعات شركة Euromonitor International، ومقرها مدينة لندن.

وفي المؤتمر، قال تشنغ جيان، مدير المشاريع الدولية بمكتب المسؤولية الاجتماعية للمجلس الوطني الصيني للأقمشة والملابس (CNTAC): "سوف تستثمر الصين بالخارج، وستنمو بسرعةٍ كبيرةٍ"، بحسب الموقع البريطاني.

لكن، ما قد يُطلق شرارة الاستثمار حقاً هو الحرب التجارية الأميركية-الصينية، وعدم اليقين حيالها هو ما يدفع المُصنّعين الصينيين للبحث عن محاور صناعيةٍ جديدة، لتجنب احتمال تطبيق رسومٍ جمركيةٍ على المنتجات الداخلة للسوق الأميركية تصل لنحو 25%.

من جانبهم، يتوقع الشراة الأميركيون كذلك أن تنخفض الواردات من الصين في المستقبل القريب، وفقاً لنحو 67% منهم، كما جاء في استطلاع الرأي الذي أجرته رابطة صناعة الأزياء في الولايات المتحدة (USFIA) مؤخراً.

وقال كريستيان شيندلر، المدير العام لاتحاد مصنّعي النسيج الدولي، في المؤتمر: "سياسة الحمائية موجودةٌ في خطة الجميع، وهي تؤثر على قرارات العمل… إنها شغلٌ شاغلٌ للمنتجين".

حافز الإعفاء الضريبي

وتُعتبر مصر جذابةً بشكلٍ خاصٍ، بسبب برنامج المناطق الصناعية المُؤهلة المعروف باسم "الكويز"، وهو برنامجٌ سيسمح للمُصنعين المصريين بتصدير الملابس إلى الولايات المتحدة بإعفاءٍ جمركيٍّ، في حال كانت نسبة 10.5% على الأقل من المنتج إسرائيلية المصدر.

كانت تلك المناطق قد أنشأها الكونغرس الأميركي عام 1996، بهدف "تطبيع العلاقات" بين مصر وإسرائيل، ودرّت من التصدير نحو 8.6 مليار دولارٍ منذ عام 2004، وفقاً للمجلس التصديري للملابس الجاهزة المصري، بحسب الموقع البريطاني.

غير أن المشروع أثار القلق كذلك بين المصريين، الذين رفضوا تطبيع العلاقات مع إسرائيل، واعترضوا تحديداً على برنامج "الكويز" خلال ثورة 2011.

وخلال العام الماضي (2017)، بلغ حجم الصادرات من مناطق الكويز 752.7 مليون دولارٍ، في حين زاد حجم الصادرات إلى الولايات المتحدة، خلال النصف الأول من عام 2018، بنحو 25%، وهو أكبر معدل زيادةٍ بين أكبر 25 دولةً مصدرةً للسوق الأميركي، وفقاً لبيانات كويز مصر. وتمثل صادرات الكويز نحو 46.7% من كل صادرات مصر للسوق الأميركي.

وفي حين تهدد إدارة ترامب باتخاذ إجراءاتٍ وقائيةٍ برفع التعريفة الجمركية على الواردات، يقول إيهاب الظاهر، مدير التصدير بشركة Sweet Girl وهي شركة ملابس مصرية، وعضوٌ في المجلس التصديري للملابس الجاهزة: "اتفاقية الكويز آمنةٌ تماماً، فهي اتفاقيةٌ دوليةٌ ثلاثيةٌ، ولن يمسها أحد"، بحسب الموقع البريطاني.

وتُريد مصر أن ترفع حجم صادرات الملابس والمنسوجات، البالغ 2.4 مليار دولارٍ، والمقسوم تقريباً بين سوق الولايات المتحدة والسوق الأوروبي، ليصل إلى 10 ملياراتٍ بحلول عام 2025. ولو تحقق ذلك الرقم، فإن نحو 5 ملياراتٍ أو أكثر ستعود للولايات المتحدة، وهو مبلغٌ يفوق بكثيرٍ ما ستحققه إسرائيل من خلال اتفاقية الكويز. ستستفيد المؤسسات الصينية بدورها من الاتفاقية، وسيعزز ذلك صادرات إسرائيل بشكلٍ مباشرٍ.

ويقول الخبراء إن تنامياً كهذا في حجم الصادرات يعتبر وارداً، بالنظر إلى المسار التاريخي لمصنعي الملابس الآخرين، الذين وصلوا لأكثر من 5 مليارات دولارٍ من الصادرات سنوياً.

وقال نافديب سودهي، الشريك بمنظمة Gherzi للنسيج في هولندا، بمؤتمر الوجهة الإفريقية: "لقد استغرقت بنغلاديش 8 سنواتٍ، وفيتنام 7 سنواتٍ، وكمبوديا 5 سنواتٍ، لذا فإن الأمر يستغرق ما بين 5 و10 سنواتٍ، لتنتقل الدولة من تصدير أول مليارٍ حتى تجاوز عتبة 5 مليارات دولارٍ".

وتعتبر بنغلاديش قصة نجاحٍ في عالم تصدير الملابس، وهي تُصدّر الآن ما قيمته 29 مليار دولارٍ من الملابس سنوياً، في حين تُصدر فيتنام ما قيمته 27 مليار دولارٍ.

مليارات من الصين

سيكون الاستثمار الصيني مفتاح التوسع المصري. وقالت شيرين حسني، المديرة التنفيذية في المجلس التصديري للملابس الجاهزة المصرية RMGES أن "الولايات المتحدة تقول نها قادمة لمصر لتكون بديلاً للصين، ونحن نرى أن الصين مهتمةٌ بالاستثمار في مصر".

لكن أعضاء في الهيئة العامة المصرية للاستثمار والمناطق الحرة كانوا غير قادرين على تزويد المستثمرين الصينيين بأرقامٍ دقيقة حول تكاليف البنية التحتية، في مؤتمر Destination Africa، ما دفع أحد مصنّعي الأنسجة الذين حضروا اللقاء المغلق إلى الإيحاء بأنه سيطلق النار على رأسه حين كان يحاول شرح ما حدث، لموقع ميدل إيست آي.

رغم كل ذلك، ارتفع الاستثمار الصيني الإجمالي في مصر إلى ما يقرب من 6 مليارات دولار، تم توظيفها خلال السنوات الأربع الماضية، في حين تم توقيع صفقات بـ18 مليار مع شركاتٍ صينية خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لبكين، في شهر سبتمبر/أيلول 2018، وضمن ذلك مشاريع خطوط سكة حديدية وعقارات وطاقة.

ووفقاً لرجل أعمال صيني -رفض الكشف عن اسمه- يعمل بشركة كبرى يقع مقرها في مدينة شانغهاي الصينية وتصدّر الألبسة على نطاق عالمي، فإن مصر ستكون مركزاً كبيراً للمواد الخام بالنسبة للشركات الصينية، إذ توقَّع أن 50% من الإنتاج الصيني سيتم نقله إلى خارج الصين. وقال رجل الأعمال نفسه: "أعتقد أن الكثير من الإنتاج سينتقل إلى خارج الصين، ومصر ستستفيد من ذلك، بسبب (اتفاقية التجارة الحرة). وبسبب الحرب التجارية مع أميركا، ولكون الشركات لا تحبذ الأوضاع غير المستقرة، فإنها ستزيد استثمارها بمصر".

وحين سُئل عن ترحيب الشركات الصينية باستيراد المواد الخام من إسرائيل في سبيل استيفاء شروط برنامج  "المناطق الصناعية المؤهلة"، أجاب بأنه إجراء شكلي، فـ "المسألة بالأساس هي القيام بتجهيز الأوراق المناسبة، وهو ما يمكن إنجازه، إذ يجب ألا تستورد ما هو منصوص عليه بالضبط (10.5%) من إسرائيل. ما يهم هو المنطقة التجارية الحرة"، بحسب الموقع البريطاني.

ولجذب الاستثمار الأجنبي، أسست مصر مدينةً صناعية جديدة في السويس الجديدة، مقرر افتتاحها بنهاية العام الحالي (2018)، وخصصت 1.2 مليون متر مربع من الأرض في المنطقة الصناعية بالمنيا للاستثمار الأجنبي. كما يحق للشركات الأجنبية أن توظف 25% من القوى العاملة لديها من غير المصريين.

صُنع في إثيوبيا؟

وبحسب الموقع البريطاني، فإن ما يمكن أن يشكل دفعةً تنموية خاصة لصادرات الألبسة المصرية هو توسيع نشاط شركة "Li & Fung" -التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها- في مصر. فهي إحدى كبرى الشركات العالمية بمجال حلول سلاسل التوريد التي تربط المشترين، باعة التجزئة والمورّدين. خلال العام الماضي (2018)، ومن أصل 16 مليار دولار و5 مليارات قطعة ملابس من تجارة الشركة على مستوى العالم، كانت فقط 1.62 مليون قطعة (ما يعادل 30 مليون دولار) منها من مصر. ترغب الشركة في مضاعفة الرقم خلال عام 2019، وهدفها أن تصل حصة مصر في عام 2022 إلى 90 مليوناً.

وقال جيسون كرا، رئيس قسم الموارد الأجنبية بشركة Li & Fung، خلال حديثه في مؤتمر Destination Africa، إن "تركيزنا على المدى القصير منصبٌّ على كيفية زيادة إنتاجنا بمصر، ومن ثمَّ الانطلاق في بلدان إفريقية أخرى بشكل أكبر".

لكن وفي حين تَعرض مصر شروط استثمار مفضلة للشركات الأجنبية -الشركات التركية والكورية الجنوبية موجودة بالفعل في المناطق الصناعية المؤهلة- قد تشعر الشركات المحلية المصرية بالضغط، وهي تدرس فكرة الانتقال إلى الجنوب. وقال مدير الإنتاج في شركة منسوجات مصرية تملكها عائلته، رافضاً الكشف عن اسمه، لأنه أيضاً يخشى من العواقب التي قد يواجهها في مصر نتيجة حديثه للصحافيين، قال إن "إثيوبيا تعطينا خياراتٍ أكثر. خلال سنتين أو ثلاث، قد تقتل الشركات الصينية السوقَ هنا، وهي لا تدفع الضرائب مقابل إنشائها، في حين نحن ليس لدينا هذه الميزة. سننتقل إلى إثيوبيا، لأن سعر الكهرباء فيها يعادل نصف سعر الكهرباء في مصر، الرواتب تنخفض إلى 30 دولاراً في الشهر، كما أن الأرض مجانية (في المناطق الصناعية)، وهُم أيضاً لديهم اتفاقية المنطقة التجارية الحرة مع أميركا".

علامات:
تحميل المزيد