يكرهه الإماراتيون والانفصاليون لكنهم يعملون معه، ويوصف بـ«انتهازي الحرب».. قصة رجل الأعمال اليمني الذي يحصل على 30 مليون دولار شهرياً

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/14 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/14 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: Photographer sits on a billboard poster of a Yemen's President Abd-Rabbu Mansour Hadi during a ceremony commemorating the anniversary of the 2011 uprising that toppled Yemen's former president Ali Abdullah Saleh in Taiz

سلطت صحيفة Le Figaro  الفرنسية الضوء على رجل أعمال يمني يوصف بـ "التمساح" حيناً وبـ "القرش" حيناً آخر، بسبب نفوذه القوي داخل اليمن وأيضاً خارجها، إذ أصبح هذا الرجل من الأثرياء في وقت قصير، حتى صار معروفاً بـ "انتهازي الحرب".

إنه رجل الأعمال أحمد صالح العيسى، الذي يحتل مكانة هامة في اقتصاد الحرب الذي ترسخ باليمن. ومنذ مارس/آذار 2015، أنفق التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية عشرات المليارات من اليوروهات في الحرب المتواصلة ضد المتمردين الحوثيين، بحسب الصحيفة الفرنسية.

وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإن الدولة اليمنية انهارت، وظهر العديد من "انتهازيي الحرب". ويُمثل هؤلاء عقبة أمام إقامة السلام بالبلاد، في وقت فُتحت فيه قناة الحوار بين المتمردين والحكومة في السادس من ديسمبر/كانون الأول في ستوكهولم. ووفقاً لمنتقديه، يُعتبر العيسى أحد هؤلاء الانتهازيين.

وينتمي العيسى، مستشار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلى الأوساط الضيقة المقربة من قصر الضيافة السعودي في الرياض، حيث يعيش الرئيس اليمني منذ 2015. وفي ظل هذه الأحداث، اتُّهم العيسى بممارسته نفوذاً مفرطاً. وقد لخص عضو في الحكومة بالرياض، رفض الكشف عن هويته، أن "العيسى يدير كل الأمور… دون استثناء".

يعد هذا الرجل، البالغ من العمر 51 عاماً والذي يمتاز بأدبه الشديد، واحداً من أكبر مستوردي المنتجات البترولية في اليمن، علماً بأن إنتاج هذه الدولة المحلي قد انخفض بشكل كبير خلال الحرب. ويحتكر العيسى فعلياً شحنات البنزين الموجهة إلى ميناء عدن الكبير (الواقع جنوب البلاد). ووفقاً لتقديراته الخاصة، تدفع له الحكومة مقابل هذه الخدمة من 30 إلى 40 مليون دولار شهرياً (ما بين 26 و35 مليون يورو).  

رجل أعمال غامض وناشئ في الحُديدة

وقبل عدة أشهر، تحدث العيسى للصحيفة الفرنسية عن نسبية نفوذه، قائلاً: "أنا أقدم المساعدة للحكومة وليس لشخص الرئيس. فقد وافقت على التعامل معها وفقاً لآلية تأجيل الدفع. وهي تُسلمني مستحقاتي متأخرة ستة أشهر أحياناً. وليس لهذا الأمر علاقة بالسياسة، فأنا أقوم به من أجل مصلحة الوطن". وقد جنى العيسى ثروته من ميناء الحديدة، الواقع على البحر الأحمر، بفضل خط أنابيب يقوم بنقل إنتاج النفط الخام من المناطق الصحراوية شرق اليمن.

وفي أوائل التسعينيات، تولى رجل الأعمال الغامض مسؤولية نقل النفط الخام والبنزين المكرر بين موانئ البلاد عن طريق البحر. وللعيسى علاقات مع أبرز شخصيات نظام علي عبد الله صالح (الذي تولى الحكم في البلاد من سنة 1978 إلى 2011). ووجهت إلى العيسى تهمة الاتجار بالنفط، الذي يمنحه لأطراف مقربة منه في المجال التجاري بأسعار مدعومة، قبل أن يُعيد بيعه في شرق إفريقيا. ويتم ذلك عن طريق جزيرة سقطرى اليمنية في المحيط الهندي، التي لا تزال إلى يومنا هذا أكبر مصدر يجني منه العيسى أرباحه.

وكان العيسى شخصية عامة في ظل النظام القديم. ويعتبره الرأي العام شخصاً سخياً ساعد على تطوير مدينة الحديدة. ويمتلك العيسى في هذه المدينة المحرومة مصحة، ومراكز تعليم، ومحطات وقود، ومحلات عامة، ومصنعاً للبلاستيك، فضلاً عن نادي كرة القدم. وبعد أن عُيِّن عام 2006 على رأس الفيدرالية الوطنية، أصبح يُجري بعض مواعيده في الملاعب، بحسب الصحيفة الفرنسية.

سيطرة الحوثيين

وعندما أطاح "الربيع العربي" بعلي عبد الله صالح عام 2011، تقرب العيسى من الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي (مثل العيسى) ينحدر من محافظة أبين الواقعة جنوب البلاد، والذي انتخِب لفترة انتقالية مدتها سنتان. وهكذا، طور العيسى المنشآت المرفئية الخاصة به في مستودع نفط رأس عيسى بالقرب من الحديدة، إلى جانب المنشآت الحكومية.

ولكن الحرب جعلته يخسر هذه المنشآت، حين سيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمبر/أيلول  2014، بحجة أنهم يريدون "تنظيف" العاصمة، التي تُصنفها منظمة الشفافية الدولية في المرتبة 171 بقائمة أكثر المناطق فساداً في العالم من جملة 180 منطقة. وإثر ذلك مباشرة، سيطر الحوثيون على العديد من المناطق عسكرياً، ليقصوا بذلك العيسى. نتيجة لذلك، ظهر تجار جدد أشرفوا على عمليات تسليم النفط إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، على الرغم من الحصار الجزئي المفروض عليهم من قبل التحالف السعودي، كما تقول الصحيفة الفرنسية.

ومنذ أغسطس/آب 2017، لم يعد بإمكان ناقلات نفط هؤلاء التجار الوصول إلى رأس عيسى، بينما حظر التحالف إجراء أي عمليات تسليم في هذا الميناء.

ويقول العيسى إن قوات التحالف "أرادت تضييق الخناق على الحوثيين". وتنتظر القوارب أسابيع عديدة أحياناً على السواحل المحاذية لميناء الحديدة. وفي البر، يُحاول التحالف منذ يونيو/حزيران 2018، السيطرة على المدينة؛ إذ تُطوق قواته هذه المنطقة وتُهدد بالهجوم على المناطق الحضرية. ومن شأن هذا الأمر أن يدعم أعمال العيسى، لأن جزءاً من حركة نقل النفط قد تُحوّل إلى ميناء عدن جنوباً، حيث أسس رجل أعمال منطقة نفوذه الجديدة، بحسب الصحيفة الفرنسية.

وبحسب الصحيفة الفرنسية، يتحكم العيسى بمفرده في شحنات النفط، وهذا الاحتكار قانوني. لكن وفقاً لما ورد في تقرير حديث صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مستقلة في صنعاء، "تنتهي الإجراءات المزورة (العمومية والشهرية) بمنح كل عقود التسليم في عدن إلى العيسى". ويُشتبه في تعامل رجل الأعمال مع ابن الرئيس جلال، الرجل الوحيد الذي سمح العيسى لنفسه بانتقاده، قائلاً: "لا يمتلك جلال القدرة على إدارة الشؤون الرسمية في البلاد. فهو لا يعمل، ولا يغادر منزله".

في عدن، يثير هذا الوضع موجات غضب عديدة. ويُتهم العيسى بإيقاف نشاط المصفاة السوفييتية القديمة في المدينة، التي يسيطر عليها، من أجل مواصلة تزويد المولدات الخاصة في عدن بالوقود. وتتعدد حالات العجز عن توفير الكهرباء. ويصرح هشام باشراحيل، نائب رئيس تحرير صحيفة "الأيام" اليومية في عدن، أنه "في الصيف الماضي، كان يتم قطع الكهرباء 15 ساعة في اليوم، في أوقات كانت فيها درجات الحرارة شديدة الارتفاع".

محل كره الانفصاليين في الجنوب

وتشتكي من هذه الأوضاع القوة الأشد تسليحاً في عدن، وهي المجلس الانتقالي الجنوبي، الحركة الانفصالية التي تحارب من أجل استقلال "جنوب اليمن". وتزدهر هذه الحركة المتحالفة مع الميليشيات السلفية بفضل الحرب. ويعارض المجلس الانتقالي الجنوبي عودة الرئيس هادي لبلاده، ويُجبر القلة القليلة من وزرائه الناشطين في المدينة على عدم الظهور على الساحة السياسية في البلاد.   

يكره انفصاليو الجنوب العيسى، الذي لا يُبدي أي اهتمام بذلك، حيث صرح: "لا يُمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي السيطرة على عدن. ولا يمكنه فعل أي شيء ضدي؛ فأعضاؤه يعلمون أن المصفاة معطلة وأن عدن لن تتمتع بالكهرباء من دوني. بالإضافة إلى ذلك، لم يلحقوا أي أذى بممتلكاتي في المدينة"، بحسب الصحيفة الفرنسية.

ويُذكر أن العيسى ما زال على علاقة جيدة بالإمارات العربية المتحدة، العضوة في التحالف الذي يشن الحرب في اليمن، علماً وأن هذه الدولة تُمول وتُسلح انفصاليي المجلس الانتقالي الجنوبي. وتوقفت أبوظبي عن دعم الرئيس هادي، الذي بات يعتبر مقرباً جداً من شخصيات على علاقة بالإسلام السياسي الذي يتبناه الإخوان المسلمون. ويعترف العيسى بأن "مسؤولي الإمارات لا يحبونني، ومع ذلك يعملون معي: وهذا دليل على أنني أقدم أرخص العروض"، كما تقول الصحيفة الفرنسية.  

وفي الواقع، تزود ناقلات النفط التابعة للعيسي المنشآت العسكرية الإماراتية في اليمن وقاعدتها الخلفية بإريتريا الواقعة على الضفة المقابلة للبحر الأحمر، بالوقود. وتقع شركته "مجموعة العيسى" في دبي، على غرار معظم الموردين الذين يتعامل معهم وبنوكه واثنان من أبنائه. في المقابل، تعيش زوجته ووالده الطاعن في السن بالرياض، ذلك أن المملكة العربية السعودية حليفه الأكثر أماناً.

يقدم العيسى نفسه على أنه رجل "محترف"، قادر على مواصلة إدارة أعماله بغض النظر عن القوة التي ستتسلم مقاليد الحكم في البلاد بعد نهاية الحرب، هذا إن انتهت يوماً. وقد أفاد العيسى: "كنت رجل أعمال عندما كان صالح في السلطة، وبقيت كذلك في ظل حكم هادي وسأظل هكذا أيضاً في المستقبل".

تحميل المزيد