العقوبات على إيران تضرب دبي في مقتل.. موانئ أُغلقت، ورجال أعمال يغادرونها إلى عُمان وقطر

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/12 الساعة 15:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 18:33 بتوقيت غرينتش

قالت صحيفة Le Figaro الفرنسية إنه في الوقت الذي لا تزال فيه ناقلات النفط الإيرانية تتنقل عبر مياه الخليج، غادر عدد من رجال الأعمال الإيرانيين دبي.

وأضافت الصحيفة أن مدخل ميناء الفجيرة  الإماراتي، الواقع جنوب مضيق هرمز والذي يبعد نحو 100 كيلومتر عن السواحل الإيرانية، قد أُغلق بواسطة حاجز معدني. ويعمد أفراد من رجال الشرطة إلى تفتيش المركبات التي تمر من المدخل.

وتضيف الصحيفة أن المنطقة الشاسعة الحرة المجاورة للميناء تخضع أيضاً لحراسة مشددة. وهناك، تظهر مستودعات هائلة، من بينها مستودعات تابعة لشركة النفط الإيرانية Nico International. وصرح أحد العاملين الإيرانيين في الإمارات بأن "ناقلات النفط الإيرانية، الراسية في البحر منذ بضعة أشهر، لن تتمكن من دخول الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة؛ نظراً إلى أن المراقبة أصبحت شديدة الصرامة "مذ قررت الولايات المتحدة، في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، منع إيران من بيع نفطها".

وفسّر المغترب الإيراني ذلك بأنه "عند الوصول إلى محطة الفجيرة، يجب على السفن، من الآن فصاعداً، إظهار تصريح يثبت مصدر حمولتها لدى المصالح الجمركية".

وبسبب بعدها عن الأنظار، تضم هذه المنطقة الحرة نحو 6 شركات يونانية وبنمية وهمية تساعد إيران على تصدير نفطها. وقد اختارت هذه الشركات الطابق الأول من مبنى موجود داخل هذا الميناء مقراً لها. لكن، مذ وُضعت أسماء هذه الشركات على قائمة سوداء أميركية، لم يعد بالإمكان التواصل معها.

كيف يتم نقل النفط الإيراني إذن؟

يقول سمير مداني، المسؤول بشركة  Tanker Trackers، إنه "في البحر، رست ناقلات النفط الإيرانية العملاقة بالقرب من الفجيرة. في الأثناء، عمدت ناقلات أخرى تنتظر بالميناء إلى التوجه إلى مكانها. وبهذه الطريقة، يمكن القيام بعملية نقل النفط". وتتفحّص هذه الشركة تحركات ناقلات النفط في الخليج الفارسي، الذي يُشكل المركز الاستراتيجي لتجارة الذهب الأسود العالمية، والذي هددت طهران بإغلاقه في حال تم منعها من تصدير نفطها.

في الوقت الذي توقفت فيه ناقلات النفط التابعة للشركات الوهمية في الفجيرة عن التحايل على العقوبات، عمدت شركات أخرى إلى حمل المشعل عنها. وفي اليوم الذي أجرينا فيه المقابلة معه، نشر سمير مداني صورة على موقعه بشبكة الإنترنت، "حيث  تظهر عملية نقل نفط من ناقلة نفط ضخمة تَسَعُ مليوني برميل إلى ناقلة أخرى تبلغ طاقة استيعابها مليون برميل"، الأمر الذي أكده هذا الخبير، الذي رفض الكشف عن الموقع الدقيق للعملية.

وتستغرق هذه العملية بعض الوقت، حيث أوضح مداني أنها "قد تستغرق أكثر من يوم واحد في بعض الأحيان؛ نظراً إلى أنها عملية دقيقة، إذ من الضروري إقامة طوق حماية حول السفن". وتُمكن هذه العملية من إخفاء مصدر النفط أو الوجهة التي سيرسل إليها.

مراقبةٌ حذرة.. وحيلٌ كثيرة

في مياه الخليج، حيث تراقب البحريَّتان الأميركية والإيرانية إحداهما الأخرى بحذر، تلجأ طهران، منذ عدة أسابيع، إلى حيلة أخرى تهدف إلى الاستمرار في بيع نفطها، الذي يعتبر ضرورياً بالنسبة لاقتصادٍ تضرَّر للغاية من العقوبات الأولى التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية في شهر أغسطس/آب 2018.

تُغلق ناقلات النفط الإيرانية أجهزتها اللاسلكية. ويوضح سمير مداني: "لم نعد نلاحظ وجود ناقلات النفط الإيرانية في أنظمة التعرف الآلي الخاصة بنا. وفي السابق، كانت إيران قد لجأت في بعض الأحيان إلى هذا الأسلوب، لتزويد حليفها السوري بشار الأسد بالنفط. لكن، في الوقت الحالي، أصبح الإيرانيون يقومون بهذا الأمر بشكل ممنهج. وبات هذا (التعتيم التام) طريقتهم في العمل". خلافاً لذلك، تفطنت صور الأقمار الاصطناعية التابعة للولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق من خطر وقوع حوادث في مياه الخليج، إلى هذه الحيلة.

ومباشرة بعد سلسلة العقوبات الأولى التي تم فرضها في شهر أغسطس/آب 2018، صدّرت طهران نفطها بكثافة. وتمت هذه الصادرات بسرعة، قبل البدء في تنفيذ عقوبات شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وذكر سمير مداني أنه "في بداية الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، وفي غضون مدة لم تتجاوز الأسبوع، تفطنّا إلى وجود 15 ناقلة نفط إيرانية عملاقة بسعة مليوني برميل في الخليج". وتوجهت نحو نصف تلك الناقلات نحو الصين والهند، وهما البلدان اللذان منحهما دونالد ترامب إعفاءً وسمح لهما بشراء النفط الإيراني.

وأضاف مداني إلى أن "إيران تواجه مشكلة الآن. فقد أوصلت كميات كبيرة من النفط إلى محطة داليان الصينية، وأصبح يتعيّن على جميع ناقلات النفط العودة إلى إيران. في المقابل، ستستغرق رحلة العودة وعملية تفريغ الشحنات 8 أسابيع، ما يجعل إيران تفتقر إلى الناقلات، وعليها أن تنتظر عودة سفنها قبل إعادة إرسال سفن أخرى".

وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإنه إذا كان باستطاعة طهران مواصلة تصدير النفط، فسيواجه رجال الأعمال الإيرانيون في المقابل صعوبة في استخدام دبي كمكان للالتفاف على العقوبات، وهو ما كان عليه الحال طيلة سنوات، حيث تحولت الإمارة، التي تضم 200 ألف إيراني، إلى "هونغ كونغ" هذه الدولة "المنبوذة".

الأموال الإيرانية ما زالت في دبي

في الجون (أي الخليج الصغير)، تنتاب البحارة شكوكٌ عديدة، إذ تقلص عدد سفن "الداو" التي تنتقل إلى موانئ بندر عباس وبوشهر وعبادان الإيرانية، على الجانب الآخر من الخليج. ويصرح حافظ قائلاً: "أنا لا أغادر الجون إلا كل 3 أو 4 أيام".

كان هناك نحو 15 قارباً خشبياً في انتظار الشحن، على الرصيف الذي تتراكم فيه صناديق من الموز المستورد من الهند واللوز الأسترالي. لكن، تراجع النشاط التجاري بهذا المكان، لدرجة أن المقاهي استبدلت بأطباقها الإيرانية الأطعمة الهندية في جميع أنحاء هذا "الجون".

لفترة طويلة من الزمن، سلّم أسطول متكون من آلاف الزوارق الصغيرة، سلعاً من الأدوية والحواسيب والمواد الغذائية لإيران. ولم تخضع سفن الداو لمراقبة الجيش الأميركي المتمركز في دول الخليج، والأمر سيان بالنسبة لميناء جبل علي المجاور، الذي يعد "ملاذاً" لإعادة تصدير المنتجات إلى كل من آسيا وإيران.

يفضل الإماراتي فيصل جاسم، بصفته مدير المبيعات في هذه المنطقة التجارية الحرة التي كانت سبباً رئيسياً في نجاح دبي، التحفظ على الإدلاء بمعلومات، حيث تساءل قائلاً: "العمل مع إيران؟ أنا لا أملك أية أرقام بشأن هذا الأمر".

ويقر جاسم بأن إيران هي سابع أكبر الشركاء التجاريين في المنطقة الحرة، حيث تتم عمليات المراقبة بصفة عشوائية. وأردف جاسم مبتسماً: "اسألوا الأميركيين، فلديهم نفوذٌ هنا". ونظراً إلى امتداد شبكة علاقاتها في جميع أنحاء العالم، يؤكد جاسم أن هذا المركز المهم لإعادة تصدير البضائع، يُطلَق عليه في بعض الأحيان اسم "جمهورية جبل علي"، مشدداً على أن هذا الميناء سيخضع مع ذلك للعقوبات الأميركية.

أصبحت هذه العقوبات صارمة في دبي، حتى إنها طالت المستشفى الإيراني القديم. وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تلقت شركات التأمين في دبي تعليمات بعدم سداد النفقات المتعلقة برعاية المرضى فيه. ووفقاً لباحث مغترب، "يجرؤ الأميركيون في الأثناء على تأكيد أن عقوباتهم لا تستهدف الجانب الإنساني".

يشير برهم غولاري، مؤسس شركة Frontier Partner، التي تُعنى أساساً بتقديم النصح والمشورة للشركات في إيران، إلى أن "عدداً كبيراً من رجال الأعمال الإيرانيين بصدد مغادرة دبي"، بسبب تشديد العقوبات، "وهم يعيدون التمركز في عُمان وقطر وجورجيا وتركيا".

ما مصير الأعمال الإيرانية في دبي؟

تم تعزيز عمليات المراقبة، بسبب ضغط إمارة أبوظبي، المقربة من الإدارة الأميركية، علماً أنها تتولى قيادة السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أضاف برهم غولاري أنه لم يتم تجديد تصاريح الإقامة بالنسبة لبعض الإيرانيين.

أما بالنسبة لآخرين، خاصة أولئك الذين سافروا إلى إيران منذ فترة لم تتجاوز 6 أشهر، فلم يتم السماح لهم باستخراج تصاريح عمل جديدة. ولم تعد البنوك المحلية تُبرم اتفاقيات تتعلق بالاعتماد المالي مع إيران، كما أُغلقت مكاتب صرف العملات، بسبب اتهامها بتبييض الأموال لمصلحة الحرس الثوري الإيراني.

إلى ذلك، صرَّح مدير بنك الشارقة، فاروج فارغيزيان، بأن "إدماج ضريبة القيمة المضافة، في بداية العام، سمح للدولة بوضع قائمة بجميع الشركات الموجودة في السوق. لكن، ما طبيعة المعاملات التي تقوم بها هذه الشركات؟ ومن أين تأتي السلع وإلى أين تذهب؟ من الأفضل التحقق مما يحدث مع إيران".

فهل يعتبر هذا الأمر نهاية العلاقات مع الجمهورية الإسلامية؟ علَّق أحد المصرفيين قائلاً: "بقيت الأموال الإيرانية في دبي 30 عاماً. ولقد تزامن وصولي إلى دبي عام 2004 مع انطلاق أشغال بناء الميناء.

ومن جهتهم، استثمر الإيرانيون أموالهم في شراء مبانٍ بأكملها، في حين لا تزال هناك طرق عديدة للالتفاف على العقوبات. وبالنسبة إلى الشركات، فهي على استعداد لتعويض الفارق، أي إنها ستؤمّن تحويل 100 ألف دولار في هذا المكان مقابل القيمة ذاتها بالوقت ذاته في طهران.

ومن المؤكد أن هناك عدداً أقل من سفن الداو. ولكن، عند الإبحار في الخليج، شاهدنا قدوم قوارب تهريب إيرانية إلى دبي، تحمل على متنها السجائر وربما مخدرات".

تحميل المزيد