يبيع ما نهبه من الذهب ويقاتل بأسلوب «الذئاب المنفردة».. داعش يتمسك بآخر قطعة من أرض سوريا، والتحالف يعترف بصعوبة إبادته

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/10 الساعة 15:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/10 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
Kurdish fighters from the People's Protection Units (YPG) run across a street in Raqqa, Syria, July 3, 2017. Goran Tomasevic: "They were members of Kurdish YPG militia. They were running across the street because ISIS fighters' positions were nearby. I shot the picture in a last day of my assignment. I was lucky to have that picture as YPG fighters were giving very restricted access to media." REUTERS/ Goran Tomasevic/File Photo SEARCH "POY IS" FOR THIS STORY. SEARCH "REUTERS POY" FOR ALL BEST OF 2017 PACKAGES. TPX IMAGES OF THE DAY

فَقد تنظيم داعش تقريباً كافة الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا، وقُصِف بحوالي 30 ألف غارة جوية. لكنَّ القضاء على داعش في سورية صعب ، فالتنظيم المتطرف استطاع الاحتفاظ بقطعة صغيرة من الأرض على زاوية الحدود السورية العراقية لأكثر من عام، حيث لم يعد يجد مفراً.

بل وأقدم المتشددون في بعض الأحيان على الرد باستخدام بعض قوتهم السابقة من موطئ قدمهم حول مدينة هجين السورية بمحافظة دير الزور.

 

ففي الأسبوع الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني، شنَّ أفراد التنظيم هجوماً مفاجئاً من منطقة هجين ضد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً في مدينة غرانيج السورية، التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية قبل عام.

كان هذا الهجوم المفاجئ الذي وقع في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بمثابة دفعة دعائية للمتطرفين، حتى بالرغم من قول مسؤولي التحالف الذي تقوده أميركا ويقاتل داعش إنَّهم تصدّوا للهجوم ودحروهم مجدداً.

وقال القائد العسكري الأميركي الجنرال باتريك روبرسون إنَّ داعش استغل الطقس السيئ والعواصف، حين لم يكن اللجوء للضربات الجوية ممكناً.

وأضاف الجنرال روبرسون: "بينما نقوض قدراتهم وندفعهم للانحسار في منطقة أصغر، يلجأ داعش لاستخدام تدابير يائسة على نحوٍ متزايد، لكنَّ هذه التكتيكات لن تنجح".

القضاء على داعش في سورية صعب

مع ذلك، حذَّر الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن ماكسويل ماركيوسن من التهاون بالأمر.

وكتب في تقرير نُشِر الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني على موقع الدراسات CSIS: "سارع سياسيون أميركيون وعراقيون بإعلان الانتصار على التنظيم، مستخدمين مصطلحات مثل (هُزِم) و (أُبِيد). لكنَّ تنظيم داعش تصعب إبادته".

ويواصل الذراع الإعلامي للتنظيم عمله بنفس درجة الحماس التي كان عليها خلال ذروة قوة التنظيم، ساعين لتحقيق نوعٍ من الخلافة الرقمية بعد اختفاء معظم الخلافة على الأرض.

وفي هجوم نوفمبر/تشرين الثاني، أسر التنظيم 30 فرداً على الأقل من قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وقطعوا رأس واحدٍ على الأقل وبثّوا مقاطع فيديو للأسرى عبر قنواتهم على الشبكات الاجتماعية.

كان يسيطر على مساحة تعادل بريطانيا

كان التنظيم في عام 2014 قد سيطر على منطقة في العراق وسوريا بحجم بريطانيا.

لكن بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تقلَّصت المنطقة إلى مجرد جيبٍ حول مدينة هجين السورية بحجم حي مانهاتن الأميركي.

وقدَّر المسؤولون الأميركيون مساحة هذه القطعة من الأرض التي يسيطر عليها داعش بحوالي 20 ميلاً مربعاً (52 كيلومتراً مربعاً تقريباً).

على الجانب العراقي من الحدود، استطاع المتطرفون إقامة حواجز على الطرق بشكل مفاجئ في محافظة ديالى شرقي العراق، واختطفوا وقتلوا مسؤولين في الحكومة العراقية واشتبكوا مع القوات، حسبما أفاد مسؤولون عسكريون.

ووسعوا الهجمات في محافظة كركوك مستغلين انسحاب قوات البيشمركة الكردية من المنطقة.   

والآن يبلغ عدد المقاتلين 30 ألفاً فقط

وقال ماركيوسن إنَّ هجمات داعش في العراق كانت أكثر في ذلك العام من هجمات عام 2016، فبلغت 75 هجوماً في الشهر مقابل 60 في عام 2016.

وبحسب ماركيوسن، فإنَّه على الرغم من مقتل واعتقال الآلاف من عناصر داعش العام الماضي، لا يزال لدى التنظيم بين 20 ألف إلى 30 ألف عنصراً في العراق وسوريا.

وهذا الرقم يقترب من الرقم الذي قدَّرته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) عام 2014، عندما كان التنظيم في أوج قوته.

وزعم مقاتل يُدعى يحيى لصحيفة The New York Times، يقول إنَّه من عناصر تنظيم داعش، بعد التواصل معه عبر تطبيق واتساب في سوريا أنَّه لم يُحبَط بسبب الهزائم.

وقال: "هل تعتقد أنَّ الأميركيين يمكنهم هزيمة الخلافة؟ إنَّها حرب استنزاف. عندما يوقف التحالف غاراته الجوية سنعود على الفور".

وينفق على نفسه من بيع ما نُهب من الذهب

مسؤول في المخابرات العراقية قال لقناة CP24 الكندية إن داعش فقد معظم الدخل الذي كان يحصل عليه من النفط والضرائب المفروضة في المناطق التي يسيطر عليها.

وتعتمد المجموعة الآن على بيع الذهب والاحتياطيات الأخرى التي تراكمت لديها بعد إعلان الخلافة في يونيو 2014.

وقال إن الأموال تُستخدم لشراء أسلحة وتمويل الهجمات في العراق وسوريا.

"عاصفة الجزيرة".. الهجوم النهائي ضد التنظيم

في سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر حالياً على الكثير من مناطق شرق سوريا، أنَّ هناك "هجوماً  نهائياً" يجري ضد فلول تنظيم داعش في هجين.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، نقلت قوات سوريا الديمقراطية 15 ألف مقاتل إلى هجين مدعومين بـ75 شاحنة تحمل عربات مدرعة.

بالإضافة إلى ذلك، أرسلت الولايات المتحدة ألفي مقاتل من قوات العمليات الخاصة إلى شرق سوريا والعراق، يُعتَقَد أنَّ معظمهم موجودون في سوريا.

يطلق التحالف بقيادة الولايات المتحدة على الجهود العسكرية الرامية إلى القضاء على المتطرفين في سوريا اسم "عاصفة الجزيرة"، والتي بدأت رسمياً في مايو/أيار الماضي وتستمر بوتيرةٍ سريعة.

وخلال الأسبوع الذي انتهى يوم 5 ديسمبر/كانون الأول، قال الجيش إنَّه قصف 151 هدفاً، جميعهم تقريباً في سوريا.

لكن في الميدان.. يختلف الوضع لصالح التنظيم قليلاً

لكن على الأرض، لم تشهد الأشهر الثلاثة الأخيرة من الهجوم النهائي إلا تغييرات تدريجية.

ووفقاً للمرصد السوري، وهو مجموعة مستقلة تراقب الأحداث في سوريا عبر شبكة من المتطوعين، شُوهِدت في الأيام الأخيرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وهي تحفر خنادق دفاعية حول بعض مواقعها خوفاً من تقدمٍ آخر لتنظيم داعش.

وقال مسؤولون أميركيون إنَّ العملية النهائية ضد تنظيم داعش صعبةٌ للغاية، لأنَّ المقاتلين المحاصرين لم يعد لديهم شيء يخسرونه، ولا ملاذ آخر يلجؤون إليه.

القوات الأميركية: "معركة أطول وأصعب مما كنا نتوقع"

ومع أنَّ الجيش يُقدِّر عدد مقاتلي داعش المتبقين في مدينة هجين بحوالي 2000 إلى 2500 مقاتل، قال الجنرال روبرسون إنَّ الجيش قضى وقتاً طويلاً لبناء دفاعات مُعدّةً بشكلٍ مدروس، بما فيها الأنفاق والفخاخ الخداعية.

وقال الكولونيل شون ريان، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بغداد: "لم نعتقد أبداً أنَّها ستكون معركةً سريعة. لكن ثَبُتَ أنَّها أطول وأصعب مما كنا نتوقع".

اتهم مسؤولون أميركيون ومسؤولو قوات سوريا الديمقراطية المسلحين باستخدام المدنيين المتبقين في المنطقة -البالغ عددهم حوالي 7 آلاف شخص وفقاً للأمم المتحدة- دروعاً بشرية وتهديد أي شخصٍ يحاول مغادرة مدينة هجين.

وقال ريان إنَّ تنظيم داعش استخدم أيضاً المستشفيات والمساجد للقتال من داخلها.

وأضاف أنَّ الخوف على حياة المدنيين يعني "أنَّنا يجب أن نتحرك ببطء وببطريقة منهجية".

مدنيون يسقطون ضحايا غارات التحالف الجوية

وخلال محاولة تنظيم داعش الفرار من المنطقة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خسر التنظيم 50 من مقاتليه، لكنَّ تقارير أفادت بمقتل 79 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب 30 مدنياً، يُزعَم أنَّهم سقطوا خلال ضربات جوية. وقال المرصد السوري إنَّ هذه الخسائر كانت إلى جانب أسر 30 مقاتلاً أو أكثر من قوات سوريا الديمقراطية.

وقال المرصد إنَّ 827 مقاتلاً من داعش و481 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى 308 مدنيين، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال، قُتِلوا منذ بداية "الهجوم  الأخير" في سبتمبر/أيلول الماضي.

وحمَّل المرصد مسؤولية التسبب في معظم وفيات المدنيين للقصف الجوي، وهو ما أنكره التحالف مراراً.

وداعش يتبنى طريقة "الذئاب المنفردة" ويهدد بعمليات انتحارية

وتمكَّن المقاتلون المتطرفون أيضاً من التواري في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها سابقاً، حتى في محافظة ديالى العراقية التي تبعد 300 ميل تقريباً (483 كيلومتراً تقريباً) عن آخر معاقل تنظيم داعش.

وقال الفريق الركن في الجيش العراقي مزهر العزاوي، قائد العمليات في محافظة ديالي: "إنَّهم يبدأون حالياً في استخدام الذئاب المنفردة، مدعومين بخليةٍ مكونة من ثلاثة أو أربعة أشخاص، في هجماتهم".

وقال الكولونيل ريان، المتحدث الأميركي، إنَّ قوات سوريا الديمقراطية أحرزت تقدماً مشجعاً ضد المتطرفين خلال الأسبوع الماضي.

وأضاف: "إنَّهم يسيطرون على كيلومتر من المنطقة في اليوم، وهو أمرٌ مهم فعلاً. أنا متأكد من أنَّهم (أعضاء تنظيم داعش) يعرفون أنَّ نهايتهم ستكون قريبة".

لكنَّ يحيى، مقاتل تنظيم داعش في سوريا، تحدى ذلك.

فقال: "لم نغادر للأبد. ما زلنا موجودين في سوريا، حتى في المناطق التي تعتقدون أنَّنا غادرناها. لا يزال لدينا مُفجِّرونا الانتحاريون جاهزين للهجوم. ومُخبرونا نشطون".

تحميل المزيد