طلقة تحذيرية وتهديدات مُبطَّنة من جانب السعودية للإخلال بالاقتصاد العالمي.. دبلوماسيون غربيون: دوافع سياسية وراء خفض إنتاج أوبك

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/09 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/09 الساعة 20:23 بتوقيت غرينتش
Saudi Arabia's Oil Minister Khalid al-Falih talks to journalists at the beginning of an OPEC meeting in Vienna, Austria December 6, 2018. REUTERS/Leonhard Foeger

رغم دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبقاء إنتاج النفط ثابتاً، أعلنت منظمة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك)، التي تقودها السعودية إلى جانب روسيا وحلفائها، الجمعة 8 ديسمبر/كانون الأول، أنَّهم سيُخفِّضون إنتاجهم من النفط الخام لتقليص تدفّقه إلى الأسواق العالمية بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، وهو تخفيضٌ أكبر من المتوقع.

يقول مسؤولو أوبك حسب موقع VOA الأميركي، إنَّه لا يوجد دافع سياسي وراء القرار، مُجادلين بأنَّ تخمة النفط هي التي دفعتهم لاتخاذ هذه الخطوة، وإنَّ قرارهم كان مدفوعاً بمخاوف زيادة المعروض، وتوقعات تراجع الطلب، العام المقبل 2019، فضلاً عن الزيادة في إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة.

تراجع السعر

يتفق الاقتصاديون في مجال النفط على أنَّ هناك حاجة لتقليص الإنتاج، من أجل وقف مزيدٍ من التراجع في الأسعار، التي تراجعت فعلاً بمقدار 30%، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأشاد الكثير من محللي الأسواق بقرار أوبك.

فقال هاري تشيلينغيريان، مدير استراتيجية أسواق السلع في بنك BNP Paribas، لوكالة Bloomberg الأميركية: "بالنظر إلى مدى التقليل من سقف التوقعات بخصوص الإنتاج في هذا الاجتماع، فإنَّ هذه النتيجة تأتي كمفاجأة سارة. لقد منحت أوبك سوق النفط دفة توجيه بدا أنَّها كانت غائبة إلى حدٍّ كبير".

وارتفعت أسعار النفط عقب الإعلان، فقفز سعر برميل خام برنت قرابة 6%، ليبلغ 63.11 دولار.

لكن في ظل عزم مجلس الشيوخ الأميركي على معاقبة السعودية، بسبب قتل الصحافي جمال خاشقجي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة ومنتقداً بارزاً لولي عهد المملكة الخليجية، الأمير محمد بن سلمان، فإنَّ بعض الدبلوماسيين والمحللين الغربيين ليسوا واثقين تماماً من أنَّ تخفيض الإنتاج الذي تقوده السعودية يأتي دون دافع سياسي.

يجادل هؤلاء بأنَّ تصميم الرياض على فرض تخفيض أكبر من المتوقع يمثل جزئياً طلقة تحذيرية، تتماشى مع تهديدات مُبطّنة من جانب مسؤولين سعوديين لصدمة الاقتصاد العالمي إن تحرَّكت الولايات المتحدة لفرض عقوبات على المملكة، على خلفية القتل السافر لخاشقجي، وفق موقع VOA الأميركي.

التعهُّد بشأن العقوبات

تعهَّدت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بمعاقبة السعودية، بعدما أقنعتهم جلسة إحاطة من جانب مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) جينا هاسبل، بأنَّ ولي العهد السعودي أعطى الأمر بعملية القتل، التي وقعت في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في القنصلية السعودية بإسطنبول.

وقال السيناتور ليندسي غراهام، الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، إنَّه يريد "فرض عقوبات بالغة القوة" على الحكومة السعودية.

وقال دبلوماسي بريطاني كبير: "إنَّ تخفيض الإنتاج كان أكبر بكثير من المتوقع، واضطُرّ السعوديون للخروج عن طريقهم لإقناع موسكو بالموافقة".

في البداية، رفض الكرملين تخفيض إنتاجه في الاجتماع الذي انعقد في فيينا، واضطُرّ المبعوث الروسي ألكسندر نوفاك للإسراع بالعودة إلى موسكو لإجراء مباحثات. ووفقاً لمسؤولين بأوبك، تفاوض الجمعة المبعوثين السعودي والروسي في فيينا لساعتين، وتشاورا مع حكومتيهما هاتفياً خلال عملية التفاوض.

وينظر بعض المحللين إلى الموافقة الروسية على تخفيض الإنتاج، باعتبارها دليلاً آخر على العلاقات الدافئة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي، اللذين تصافحا مصافحة ضرب الكف بالكف بحماسة، في قمة مجموعة العشرين، الأسبوع الماضي، في مدينة بيونس آيريس الأرجنتينية.

وقُبيل الاجتماع الذي شاركت فيه دول أوبك ومجموعة من 10 دول منتجة للنفط تقودها روسيا، من بينها كازاخستان، كان المحللون يتوقعون الاتفاق على مسار وسطي مشوش، يُرجَّح أن تكون فيه السعودية أكثر حذراً بشأن تحدي ترامب أثناء تحرُّكها لرفع الأسعار.

وغرَّد الرئيس الأميركي، يوم الأربعاء 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأنَّه يأمل من أوبك "أن تحافظ على تدفُّق النفط كما هو دون تقييد". وأضاف: "العالم لا يريد، ولا يحتاج، أن يرى زيادة أسعار النفط".

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين ثار الحديث في واشنطن عن فرض العقوبات، حذَّر المسؤولون السعوديون من أنَّ المملكة الخليجية قد تستغل مكانتها النفطية للإخلال بالاقتصاد العالمي إذا أرادت. وهدَّدت الحكومة السعودية بالرد على أي إجراءات عقابية مثل العقوبات الاقتصادية، والضغط السياسي الخارجي، أو حتى "الاتهامات الكاذبة المتكررة" بشأن مقتل خاشقجي، ولو أنَّها تراجعت عن التهديد لاحقاً، بعد ظهور إشارات على أنَّ إدارة ترامب لا رغبة لديها لفرض عقوبات على الحليف طويل الأمد للولايات المتحدة.

لا تتمتع السعودية بالمستوى نفسه في سوق الطاقة، الذي كانت عليه في 1973، حين فرضت حظراً نفطياً على الدول الغربية بسبب دعمها لإسرائيل، والفضل يعود في ذلك جزئياً إلى إنتاج النفط الصخري الأميركي. لكنَّها بحسب المحللين لا تزال تتمتع بنفوذٍ هائل. وتُعَد الولايات المتحدة ثالث أكبر وِجهة للنفط السعودي الخام، ويبلغ إنتاج أوبك من النفط الخام العالمي نحو الثلث.

في حال قرَّر الكونغرس الأميركي فرض عقوبات، يتوقع بعض خبراء السوق أنَّ السعوديين قد يردّون بتخفيض صادرات النفط ودفع الأسعار للارتفاع إلى 100 دولار للبرميل.

إعفاءات للمستوردين

قال المسؤولون الأميركيون إنَّهم كانوا يتوقعون أنَّ أوبك ستُقرِّر تخفيض الإنتاج. وقالوا إنَّ هذا هو ما دفع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لمنح إعفاءاتٍ، الشهر الماضي، لثماني دول مستوردة للنفط؛ كي تواصل هذه الدول شراء النفط من إيران، عندما أعلن تفاصيل إعادة فرض العقوبات على إيران.

ومن المقرر، هذا الأسبوع، أن يُوجِّه أعضاء الكونغرس انتقاداتهم للتحالف الذي يقاتل في اليمن بقيادة السعودية، وسيُجري الكونغرس تصويتاً غير مسبوق على إنهاء الدعم الأميركي للحرب.

تحميل المزيد