الخسائر ستكون كارثية لو استمر خروج الاستثمارات الأجنبية.. مصر تفقد 11.7 مليار دولار في 6 أشهر، وبرلمانية: نحن بأمان

كانت صدمة للكثيرين بعد صدور تقرير البنك المركزي، الذي ذكر في نشرته الإحصائية أن الاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة المصرية مستمرة في تراجعها للشهر السادس

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/05 الساعة 08:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/05 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
خروج الأموال الأجنبية يثير تخوفات مستقبلية / ؤويترز

المتابع لأحاديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سيلاحظ مدى إدراك الرجل لأهمية الاستثمار الأجنبي في مصر. فعند افتتاحه لأيٍّ من المشاريع الضخمة التي شيّدها، من طرق وشبكات للطاقة المتجددة وخلافه، كان السيسي يؤكد على أهمية هذا المشروع أو ذاك "لجذب الاستثمارات الأجنبية"، التي تعول عليها مصر للخروج من أزمتها الاقتصادية الحالية.

لذلك كانت صدمة كبيرة للكثيرين بعد صدور تقرير البنك المركزي، الذي ذكر في نشرته الإحصائية الأخيرة أن الاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة المصرية مازالت "مستمرة في تراجعها للشهر السادس على التوالي"، ليبلغ إجمالي ما فقدته مصر في تلك الفترة 11.7 مليار دولار.

وبحسب بيانات التقرير الشهري للبنك المركزي عن نوفمبر/تشرين الثاني، سجلت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة حوالي 210.2 مليار جنيه (ما يعادل 11.7 مليار دولار) في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، مقابل نحو 380.3 مليار جنيه (ما يعادل 21.5 مليار دولار) في نهاية مارس/آذار الماضي.

هذا الرقم ليس بالهيّن، وكفيل بإثارة العديد من الأسئلة حول المخاطر التي قد يتعرض لها الاقتصاد المصري حال استمرار هذا النزيف.

وتعد "أذون الخزانة" أداة من أدوات الاقتراض قصيرة الأجل التي تصدرها الحكومة، على أن ترد تلك الأموال للمستثمرين خلال فترة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر بفائدة محددة، ويفضل البعض الاستثمار في تلك السندات؛ أولاً لأنها مضمونة، وثانياً لقصر مدة دورة رأس المال بها.

سبب الأزمة

كانت الأسواق الناشئة قد تعرضت لموجة خروج الأجانب من الاستثمارات في أدوات الدين الحكومية بدءاً من أبريل/نيسان 2018 مع ارتفاع الدولار الأميركي، والمخاوف المتصاعدة من اقتصادات هذه الأسواق خاصة بعد أزمات تركيا والأرجنتين.

تزامن هذا مع قرار الحكومة المصرية تقليل سعر الفائدة، بدأ المستثمرون الأجانب بالسندات الحكومية في مغادرة السوق المصري قاصدين تركيا، بعد أن قررت الأخيرة رفع سعر الفائدة إلى 24% في حين أنه بمصر لن يتجاوز 17.75%، وبذلك أصبحت تركيا جاذبة أكثر للمستثمرين في السندات الحكومية.

فقد ثبت البنك المركزي المصري أسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عند 16.75% للإيداع و17.75% للإقراض.

كيف عادلت الحكومة هذه الخسارة؟

الخروج الكبير لتلك الأموال ( 11.7 مليار دولار) من السوق كان لابد من تعويضه، وإلا أدى لانهيار سعر صرف الجنيه أمام الدولار.

لكن الإشكالية التي واجهت الحكومة المصرية كانت أنها -وفقاً لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي على تحرير سعر الصرف- لا يمكنها دعم العملة بشكل مباشر، وعليه قررت الحكومة اللجوء إلى البنوك التجارية المملوكة للدولة لضخ دولارات تعوّض ذلك العجز، بهدف المحافظة على استقرار الجنيه.

تزامناً مع تراجع استثمارات الأجانب، ارتفعت استثمارات البنك القومي في أذون الخزانة بشكل ملحوظ منذ بداية أبريل حتى نهاية أكتوبر الماضي، بقيمة 115.5 مليار جنيه، لتصل إلى نحو 166.5 مليار جنيه بنهاية أكتوبر/تشرين الأول مقابل 51 مليار جنيه في نهاية مارس/آذار.

كما زادت استثمارات البنوك العامة في أذون الخزانة خلال 7 أشهر بقيمة 53.4 مليار جنيه، إذ سجلت بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 386.3 مليار جنيه مقابل 333 مليار جنيه بنهاية مارس/آذار الماضي.

البنك المركزي المصري / رويترز
البنك المركزي المصري / رويترز

وارتفعت استثمارات بنوك القطاع الخاص خلال الفترة من بداية أبريل حتى نهاية أكتوبر بقيمة 22.7 مليار جنيه، لتصل بنهاية الفترة إلى 302.4 مليار جنيه مقابل 279.8 مليار جنيه بنهاية مارس الماضي.

منير واصف، مدير أحد فروع البنوك الخاصة، أكد ذلك لـ"عربي بوست" قائلاً إن البنك الأهلي وبنك مصر هما اللذان قدَّما دعماً للسوق منذ فترة ولا يزالان.

وأضاف: "أكثر من مرة تواجهنا أزمة في الفرع في تدبير الدولارات المطلوبة لعميل لدينا، ولا نجد الدولارات الكافية، فنلجأ إلى البنك الأهلي الذي يدبر لنا الدولارات المطلوبة".

وقال إن هذا الأمر يحدث بشكل مُعتاد منذ اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف، إذ إن البنك المركزي لا يمكنه الاشتباك بشكل مباشر الآن للمحافظة على استقرار العملة المحلية.

وضع خطير لو استمر

11.7 مليار دولار فقدها الاقتصاد المصري في 6 أشهر، يرى البعض ذلك مؤشراً شديد الخطورة على مستقبل الاقتصاد المصري، في حين يرى الآخرون أن لا داعي للقلق وأن هذه الأزمة لن تستمر طويلاً، وأن مازال لدينا الحل الأخير متمثلاً في رفع سعر الفائدة.

هنا اختتم حديثه قائلاً: "لا أعتقد أننا حتى الآن نواجه مشكلة حقيقية، فالاحتياطي الأجنبي بلغ 44.5 مليار دولار، وهو رقم مطمئن ويمكّننا من الصمود أمام انسحاب المستثمر الأجنبي من قطاع أذون الخزانة لمدى متوسط". لكنه أضاف: "المشكلة الحقيقية ستكون إذا استمر ضعف الطلب على  العملة المصرية دون أي تعديل في سعر الصرف، لأن ذلك سيؤدي بشكل مباشر إلى تراجع القدرة التنافسية للصادرات المصرية، واستنفاد احتياطيات النقد الأجنبي تماماً، وهذا هو الكارثي".

وتوقع بنك استثمار إتش سي تراجع الجنيه أمام الدولار بنسبة تتراوح بين 5 و10% على مدار العام المقبل، تأثراً بإنهاء البنك المركزي آلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب اعتباراً من يوم 4 ديسمبر الجاري.

وأوضح إتش سي أن البنوك غطت خروج حوالي 8 مليارات دولار من استثمارات الأجانب، خلال الشهور الأخيرة، وهو أدى إلى عجز في أصولها الأجنبية بقيمة 3.9 مليار دولار في سبتمبر/أيلول، وأن صندوق تحويلات أموال الأجانب لدى البنك المركزي غطى المبلغ المتبقي بقيمة 1.7 مليار دولار، الذي انخفض إلى 7.8 مليار دولار أميركي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول مقارنة بـ 9.7 مليار دولار أميركي في مارس/آذار.

عامل الوقت هو المحدد

وعلقت بسنت فهمي، الخبيرة المصرفية عضوة لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان المصري، لـ"عربي بوست" على الأزمة الحالية، قائلة إنه حتى الآن لا يمكن وصف الوضع بـ"الأزمة الكبيرة"، فخروج هذه الأموال الأجنبية من الاستثمار في أذون الخزانة -في نظرها- أمر منطقي جداً نتيجة لتخفيض سعر الفائدة، في حين يرفعها الآخرون، "في الأخير المستثمرون في هذا القطاع يهمهم تحقيق أعلى مكسب، وهذا طبيعي وحقهم".

ورداً على المخاوف لدى البعض من أن استمرار هذا الانسحاب سيكون له أثر كارثي على الاقتصاد المصري، تقول النائبة: "نحن في أمان تام والأمور تحت السيطرة، المتخوفون يقصدون أنه لو استمر الوضع لأكثر من خمس سنوات على حاله هكذا، حينها سنكون في خطر، وهؤلاء أشاركهم الرأي طبعاً".

وأضافت: "لكن دعني أقل لك إنه في ظل التغيرات العالمية السريعة التي نشهدها، يصعب جداً التنبؤ بما سيحدث بعد خمس سنوات، الأمور تتغير سريعاً لذا التكهنات المستقبلية أراها مستحيلة وغير منطقية الآن".

علامات:
تحميل المزيد