اختتمت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للجزائر بالتوصل لاتفاقية لإنشاء مجلس أعلى للتنسيق بين الجزائر والسعودية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية
وكان محمد بن سلمان قد وصل إلى الجزائر قادماً إليها من موريتانيا، خلال جولته العربية التي بدأت قبل حضوره لقمة العشرين G20 في الأرجنتين ولا زالت مستمرة بعدها.
البيان المشترك: إنشاء مجلس أعلى للتنسيق السعودي – الجزائري برئاسة #ولي_العهد ومن الجانب الجزائري الوزير الأول الجزائري؛ لتعزيز التعاون في المجالات السياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتطرف، وكذلك في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والتعدين والثقافة والتعليم
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) December 3, 2018
دخل خلسة هروبا من غضب الشارع
كان محمد بن سلمان قد وصل للجزائر ليلاً، متجنّبا رد فعل بعض الفاعلين والجمعيات، وكذا الأحزاب التي رفضت الزيارة، حيث كانوا ينوون التجمهر أمام مطار هواري بومدين الدولي
كما أن زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان مخطط لها أن تكون في 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن الموعد تغير فجأة، وتم إعلان ذلك من قبل رئاسة الجمهورية في الجزائر، ليصبح يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2018.
اعتبر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، جمال الدين بن فوغال، أن التغيير في موعد الزيارة "ما هو إلا مراوغة من قبل ولي العهد السعودي لتمرير الزيارة في هدوء، بعيداً عن حملات الرفض التي قام بها بعض السياسيين والإعلاميين والمثقفين".
وقال بن فوغال في تصريح لـ"عربي بوست "بأن مواعيد الزيارات الرسمية، خاصة الرئاسية والملكية عبر العالم تكون بمواعيد محددة وأيامها معروفة، فكنا ننتظر الزيارة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن الظاهر أن بن سلمان راوغ الجميع وقدم الزيارة أربعة أيام كاملة".
ويردّ بن فوغال سبب هذه المراوغات في تحديد الموعد "إلى محاولة الأمير بلوغ بر الأمان في زياراته الرسمية خاصة إلى الدول العربية التي فاحت منها رائحة الرفض من قبل مختلف الهيئات والناشطين".
وزير داخليته سبقه.. ومدة الزيارة تقلّصت
كان مبرمجا لزيارة ولي العهد السعودي إلى الجزائر أن لتدوم ليومين كاملين (2-3 ديسمبر/ كانون الأول 2018)، لكن بن سلمان غادر الجزائر بعد يوم واحد فقط نظرا لأنه لم يتمكن من لقاء الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بسبب حمّى أصابت الأخير.
وعلّق رئيس حزب حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، على هذا الموضوع في حديثه لـ"عربي بوست"، حيث قال: "الحديث عن يومين لزيارة ولي العهد السعودي تضخيم ليس في محله، ونحن نعلم طبيعة مثل هذه الزيارات التي لا تدوم بروتوكولياً سوى ساعات".
ويضيف بأن "الظرف الذي يزور فيه بن سلمان الجزائر وبعض الدول العربية، يجعله يبحث فقط عن الأجواء الهادئة وإنهاء الزيارات في أسرع وقت".
وكان وزير الداخلية السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، قد وصل الجزائر في 1 ديسمبر/كانون الأول 2018، على رأس وفد عالي المستوى في إطار الزيارة الرسمية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
الزيارة تدنّس أرض الثوار
أكد عبد الرزاق مقري بأن زيارة بن سلمان إلى الجزائر أتت في ظرف محرج للغاية، وكان على السلطات العليا في البلاد "مراعاة ذلك الظرف والاعتذار عن هذه الزيارة التي ستلطخ صورة الجزائر في حال تأكد ضلوع بن سلمان في مقتل الصحافي جمال خاشقجي".
وأضاف مقري "من العيب أن تستقبل الدول العربية هذا المسؤول، وفي هذا الظرف بالذات، فهو متهم بارتكاب إحدى أبشع الجرائم الإنسانية، ووقوفه وراء مقتل الصحافي جمال خاشقجي وبأي طريقة؟؟ دون نسيان ما يحدث في اليمن جنوب المملكة".
لذا اعتبر مقري زيارة بن سلمان بمثابة تدنيس لأرض الثوار الأحرار والمجاهدين الأطهار التي تسعى إلى تكريس حرية التعبير، وقال "بأن حركة مجتمع السلم ترفض تماماً هذه الزيارة".
وإن كان مثل هذا التصريح متوقّعا من حزب يعد حال لسان الإخوان في الجزائر كما يرى البعض، فإن حزب العمال الجزائري الاشتراكي بقيادة الأمينة العامة لويزة حنون، هو الآخر ندد بالزيارة واعتبرها تكريساً للجريمة والتضييقات.
حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية هو الآخر اعتبر استقبال ولي العهد السعودي وصمة العار في تاريخ الجزائر وعلاقاته الدولية.
وقال الحزب في بيان له "النظام الجزائري سارع إلى فرش البساط الأحمر لقائد سياسي يشار إليه بأصابع الاتهام في واحدة من أبشع الجرائم".
وانتقد الحزب بيان وزارة الخارجية حول مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، معتبراً أن "السلطة الجزائرية التي قالت على لسان دبلوماسيتها بأنها تثق في العدالة السعودية في قضية التهم الموجهة لولي العهد، محمد بن سلمان، في قضية اغتيال الصحافي خاشقجي، لا تنتظر حتى نتائج هذه العدالة لتبرئة ساحته".
مثقفون وإعلاميون ندّدوا بالزيارة
رفْضُ زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يتوقف عند الفاعلين السياسيين ورؤساء الأحزاب، بل امتد ليشمل المثقفين، الإعلاميين، والناشطين في مجال حقوق الإنسان.
حيث وقّع عدد من الفاعلين في حقول الثقافة والإعلام وحقوق الإنسان بياناً قبل الزيارة تحت عنوان "لا لزيارة محمد بن سلمان" ، جاء فيه أن زيارة محمد بن سلمان للجزائر أتت "في وقت يتيقن فيه كل العالم بأنه الآمر بجريمة فظيعة في حق الصحافي جمال خاشقجي، جريمة لن نجد لها مثيلاً في تاريخ البشرية المتحضرة".
وأوضح الموقعون، ومنهم كتاب بارزون أمثال رشيد بوجدرة وكمال داود وناصر جابي، أنه "بقتل جمال خاشقجي بطريقة بربرية وقاسية تفوق الخيال على يد أتباع ولي العهد، يظهر وجهه الحقيقي الكاتم لأي إحساس إنساني، الذي يريد به إرسال فرق الموت إلى اليمن من أجل قنبلة السكان العزل".
كما عبّر الناشط والكاتب عدة فلاحي عن رفضه القاطع لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من خلال مقطع فيديو منشور عبر صفحته الرسمية بفيسبوك.
وقال بأن "المجتمع المدني يرفض هذه الزيارة، التي تأتي في ظرف الكل يعلم فيه بأن ولي العهد السعودي متهم بارتكاب جريمة شنعاء، في حق حرية التعبير والإنسانية".
مصلحة الجزائر تفرض قبول الزيارة
في المقابل، ذكر الإعلامي والمحلل السياسي نصر الدين معمري بأن زيارة بن سلمان إلى الجزائر لها أبعاد سياسية واقتصادية مهمة، ولم يمكن في أي حال من الأحوال إلغاء الزيارة أو رفضها بسبب حادثة مستهلكة وبدأ العالم يتناساها.
وفي تصريحه لعربي بوست اعتبر معمري أن زيارة محمد بن سلمان هي "زيارة مسؤول سامي والرجل الثاني، إن لم يكن الأول، في السعودية ومن غير المعقول رفضها لأي سبب".
والجزائر كما يردف "تنظر لمصالحها مع السعودية، فليس من المعقول أن يستغل ترامب الوضع فيحلب ويجلب الملايين لأميركا ونمتنع نحن لأي سبب".
وبخصوص قضية خاشقجي فاعتبرها معمري مستهلكة ونالت حصتها من التغطية. ويضيف: "أرى استغلال الوضع لعدم تكرارها والضغط على السلطات السعودية لإطلاق سراح العلماء والمعارضين وتخفيف حدة التوتر مع اتحاد العلماء وحتى جماعة الإخوان المسلمين، بما يعود بالنفع على الجميع ومحاولة إدخال قطر في مساعي التهدئة العامة الهامة في ظل الوضع الراهن".