الثمن 55 مليون دولار.. هكذا أغرى الإسرائيليون المسؤولين السعوديين بصفقة «مثيرة» لمراقبة المعارضين

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/25 الساعة 22:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/25 الساعة 22:06 بتوقيت غرينتش

قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن شركة NSO Group Technologies الإسرائيلية أمدَّت السعودية بنظامٍ يخترق الهواتف المحمولة، قبل أشهر قليلة من بدء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حملته التطهيرية ضد معارضي نظامه، حسبما أفادت شكوى مقدمة إلى الشرطة الإسرائيلية وقيد التحقيقات في الوقت الحالي.

وكشف تحقيقٌ أجرته الصحيفة الإسرائيلية استناداً إلى شهادات وصور، إضافة إلى وثائق القانونية ووثائق سفر، عن محاولات دارت خلف الكواليس من جانب السعوديين لشراء التكنولوجيا الإسرائيلية.

لكنَّ شركة NSO، التي تقع مقرات التطوير الخاصة بها في مدينة هرتسيليا الإسرائيلية المحتلة‎، تقول إنها تحركت في إطار القانون وإن منتجاتها تُستخدم في مكافحة "الجريمة والإرهاب".

ففي يونيو/حزيران من العام الماضي 2017، التقت مجموعة متنوعة في أحد فنادق مدينة فيينا، حيث وصل إلى الفندق عبدالله المليحي، وهو شخصية مقربة من الأمير تركي الفيصل -الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي- ومسؤول سعودي بارز آخر، وهو ناصر القحطاني، الذي قدم نفسه باعتباره نائب رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك. وكان طرف اللقاء الآخر رجلي أعمال إسرائيليين يمثلان شركة NSO، التي أمدت السعوديين بتكنولوجيا شديدة التطور.

تفاصيل "العرض والطلب"

بحسب الصحيفة الإسرائيلية، وأثناء الاجتماع الذي عُقد في يونيو/حزيران 2017، عرض مسؤولا NSO عرضاً تقديمياً عبر برنامج Power Point لقدرات النظام. ومن أجل عرض هذه القدرات، طلب من القحطاني الذهاب إلى سوق تجاري قريب، وشراء هاتف آيفون وإعطاءهما رقمه. وخلال الاجتماع، أظهرا له كيف كان ذلك كافياً لاختراق الهاتف الجديد وتسجيل ما قاله المشاركون في الاجتماع وتصويرهم.

يُذكَر أنَّ شركة NSO كانت تروج آنذاك بحماسةٍ لمنتجها التكنولوجي الجديد، وهو برنامج Pegasus 3، الذي يُمثِّل أداة تجسس شديدة التطور لدرجة أنها لا تحتاج إلى الاعتماد على ضغط الضحية على رابط قبل اختراق هاتفه.

لم يكن الاجتماع في فيينا هو الأول بين الجانبين. فقد عقد عدة اجتماعات بينهما، وقد عبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موخراً عن فخره بتوطيد العلاقات مع دول الخليج، في ظل تعزيز إسرائيل التكنولوجيا التي تقدمها. تبدو الرسالة واضحة: إسرائيل عازمة على بيع تكنولوجيا أمنية إلى هذه الدول، مقابل أن توطِّد هذه الدول علاقاتها مع إسرائيل في معركتها الاستراتيجية ضد إيران.

اجتماعات متتالية لإغراء السعوديين بالمنتج الجديد

وفي اجتماع عُقِد في فيينا في أبريل/نيسان من العام نفسه، قدَّم السعوديون قائمة بـ23 نظاماً سعوا لاقتنائها. وانصبَّ اهتمامهم الرئيسي على الأنظمة السيبرانية. ومقابل مبلغٍ لا يتعدى عشرات الملايين من الدولارات، يمكنهم اختراق هواتف معارضي النظام في السعودية وجميع أنحاء العالم وجمع معلومات سرية عنهم.

مرَّر السعوديون بالفعل في الاجتماع الأول إلى ممثلي إحدى الشركات تفاصيل عن أحد حسابات موقع تويتر لشخص ينشر تغريدات ضد النظام. وأرادوا أن يعرفوا من المسؤول عن هذا الحساب، لكنَّ الشركة الإسرائيلية رفضت أن تقول.

وفي اجتماع آخر عُقد في يونيو/حزيران، عبَّر السعوديون عن اهتمامهم بتكنولوجيا شركة NSO.

ثم تواصل المليحي مع رجل الأعمال الإسرائيلي من شركة NSO لدعوته إلى الرياض لتقديم البرنامج إلى أفرادٍ من العائلة المالكة. بيد أن القسم الذي يشرف على صادرات الأسلحة في وزارة الدفاع الإسرائيلية والقسم المسؤول عن المساعدات الدفاعية داخل الوزارة، وهو المسؤول عن تشجيع الصادرات، رفض الموافقة على رحلة المسؤول الذي سمته الصحيفة بـ"و".

ويقال إنَّ "و" عبر عن رفضه قرار القسم قائلاً: "سحقاً لقسم المساعدات العسكرية"، واستأجر طائرة صغيرة واصطحب معه مؤسس شركة NSO، شاليف هوليو، من أجل حضور اجتماعات في الخليج. موضحاً أنه ظل هناك لثلاثة أيام، بدءاً من 18 يوليو/تموز 2017.

وأضاف للصحيفة أنَّ اتفاقاً جرى التوصل إليه خلال هذه الاجتماعات، يقضي ببيع Pegasus 3 إلى السعوديين مقابل 55 مليون دولار.

النظام السعودي يستخدم النظام الجديد ضد المعارضين

في الأشهر اللاحقة، واصل السعوديون ملاحقتهم معارضي النظام الذين يعيشون في الخارج، ولم تُثِر هذه الملاحقة انتباهاً دولياً إلَّا عند تسليط الضوء على اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية في أكتوبر/تشرين الأول.

وزُعِم مؤخراً أنَّ شركة NSO ساعدت النظام السعودي في مراقبة معارضيه. وأشار مقالٌ نُشر في مجلة Forbes الأميركية وتقارير من مؤسسة Citizen Lab البحثية المختصة بالموضوعات المتعلقة بالمجال السيبراني، إلى أنَّ الشخصيات المستهدفة التي خضعت للرقابة تضمَّنت المُعلِّق الساخر غانم المصارير، والناشط الحقوقي المقيم في لندن يحيى عسيري، وعمر عبد العزيز الذي يعيش في منفاه بكندا.

وكان هؤلاء الثلاثة على اتصال بخاشقجي. وفي الشهر الماضي، زعم إدوارد سنودن، الذي كشف عن برنامج مراقبة سري تابع لوكالة الأمن القومي الأميركية، أنَّ السلطات السعودية استخدمت برنامج Pegasus لمراقبة خاشقجي.

وقال سنودن: "إنهم الأسوأ على الإطلاق"، متحدثاً عن شركة NSO، التي اتهم المسؤولون فيها بالمساعدة والتحريض على انتهاكات حقوق الإنسان.

يُذكَر أنَّ الإسرائيليين عمري لافي وشاليف هوليو هما مؤسسا شركة NSO ومديراها التنفيذيان. وصحيحٌ أنَّ الشركة مُسجَّلة في قبرص، لكنَّ مقرات التطوير الخاصة بها موجودة في مدينة هرتسيليا‎. وقد بيعت الشركة في عام 2014 إلى شركة الأسهم الخاصة Francisco Partners بقيمة تقديرية بلغت 250 مليون دولار. ولم ترد شركة Francisco Partners على طلبٍ أرسلته الصحيفة الإسرائيلية للتعليق.

ما هو نظام Pegasus؟

كان نظام Pegasus، الذي طورته شركة NSO، "نظام ضغطة واحدة"، أي أنَّ الضحية كان عليه الضغط على رابطٍ يرسل إليه عبر محاولة تصيد. بيد أنَّ النظام الجديد لم يعد يتطلب هذا. فكل ما يتطلبه الأمر رقم شريحة المحمول من أجل اختراق الهاتف. ولا يعرف أحدٌ كيف يفعل برنامج Pegasus ذلك.

وتعتقد مصادر تكنولوجية أن هذه التكنولوجيا إما أنها تستغل ثغرات في مودم المحمول، وهو الجزء الذي يستقبل الرسائل عبر الهوائي، أو أن هناك ثغرات في التطبيقات الموجودة على أي هاتف. وفور اختراق الهاتف، يمكن استخدام السماعة والكاميرا لتسجيل المحادثات الصوتية. بل يمكن حتى مراقبة التطبيقات المشفرة، مثل واتساب. وتُعَدُّ عمليات NSO مربحة للغاية.