من المقاطعة إلى التعاون السري ثم التطبيع بلا حرجٍ مع إسرائيل.. تمهَّل فتخلي العرب عن القضية الفلسطينية ليس سهلاً

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/26 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/26 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش
بنيامين نتنياهو يزور السلطان قابوس بن سعيد في سلطنة عمان

جاءت كلمات ممثلي العديد من الدول العربية والإسلامية في مؤتمر حوارات المتوسط في روما يوم الخميس 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 لتشير إلى تراجع اهتمام دول عربية وإسلامية بقضية العرب المركزية "فلسطين" بحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.

الصحيفة أشارت في تقريرها إلى أن الحصار السعودي المستمر لقطر والحروب الدامية في اليمن وسوريا والفوضى في ليبيا والاضطرابات السياسية في لبنان كانت الملفات التي انشغلت بها العديد من الدول العربية في المؤتمر السنوي الذي استضافته وزارة الخارجية الإيطالية بالاشتراك مع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، وهيئة الإذاعة والتلفزة الإيطالية RAI، والذي خصص خلاله جلستين للقضية الفلسطينية.

في نظر البعض إسرائيل لم تعد سبب تدهور المنطقة بل الربيع العربي

وبدأ أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بسرد الأسباب المحتملة لاستمرار تدهور الوضع في المنطقة، قائلاً إنَّ السبب قد يكون الحرب العراقية الإيرانية، أو احتلال العراق للكويت عام 1990، أو أحداث 11 سبتمبر/أيلول أو الغزو الأميركي للعراق. ووفقاً لأبي الغيط، الذي شغل منصب وزير الخارجية في نظام حسني مبارك في مصر حتى عام 2011، فالسبب الأكثر ترجيحاً هو "ما يسمى بالربيع العربي الذي تسبَّب في تدمير العالم العربي" على حد تعبيره.

في البداية، لم يذكر الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، مع أنه قال في وقتٍ لاحق إنه إلى جانب "التعدي" الإيراني على الدول العربية، فلا تزال القضية الفلسطينية إحدى مشكلتين تطاردان المنطقة، وإنه "بدون تسوية القضية الفلسطينية سيستمر الاضطراب في المنطقة".

لكن بعد الاستماع إلى ممثلين آخرين من الدول الأعضاء في الجامعة العربية في المؤتمر، الذين تجاهلوا أو قلَّلوا من شأن القضية الفلسطينية، بدت كلمات أبوالغيط جوفاء.

وتؤكد الصحيفة الإسرائيلية أنه قد بدا عوضاً من ذلك، على المسرح وخلف الكواليس، أن هناك رغبةً أكثر في التطبيع مع إسرائيل. وعبَّر وزير خارجية عُمان عن هذه الرغبة بوضوح تام عندما دعا العالم العربي إلى "التصالح مع واقع أن إسرائيل هي إحدى حقائق الحياة في المنطقة"، وبالتالي ينبغي أن يكون لها نصيبها من "الحقوق والواجبات".

هل لم تعد فلسطين قضية المسلمين المركزية؟

وتعتقد الصحيفة الإسرائيلية أنه قد أصبح من الواضح إلى أي درجة لم تعد قضية إسرائيل والفلسطينيين قضية مركزية حتى في كلمة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي ركَّز انتقاداته على السعوديين والولايات المتحدة، وامتنع عن ذكر إسرائيل في حديثه. فحتى ظريف بدا أنه يدرك أن هذا لم يكن مكاناً لانتقاد إسرائيل.

وتجنَّب معظم العالم العربي الدولة اليهودية منذ تأسيسها عام 1948، ولعقود استمرت المقاطعة بين الدول العربية والإسلامية وبين تل أبيب، وتنكروا منها في الأمم المتحدة دعماً للفلسطينيين النازحين، الذين يطالبون باستعادة دولتهم.

ومن غير المسموح به للإسرائيليين زيارة دول الخليج، على الرغم من دخول العديد منهم بجوازات سفر من دولٍ أخرى، ومع ذلك، فالعديد من دول الخليج لديها علاقات أمنية غير رسمية، وتعقد صفقاتٍ تجارية مع إسرائيل.

وعلى الرغم من أنَّ إسرائيل حافظت على علاقات سرية مع دول الخليج منذ عشر سنوات على الأقل، لم يُعلن عن تلك العلاقات لأنَّ الزعماء العرب يشعرون بالقلق من إثارة غضب مواطنيهم ما دام النزاع الإسرائيلي الفلسطيني قائماً من دون حل يراهن نتنياهو على أنَّه يستطيع إقامة علاقات أقوى مع دول الخليج المؤثرة، على أساس المخاوف المشتركة بشأن إيران والمصلحة المشتركة في تعزيز العلاقات.

وكانت المقابلة على خشبة المسرح مع وزير الشؤون الخارجية للسلطة الفلسطينية، رياض المالكي، توبيخاً طويلاً لا يكاد يخفى للمجتمع الدولي والدول العربية لتخليهم عن الفلسطينيين، وهو ما يمكن تلخيصه بتحذيره من أن القضية الفلسطينية "ستبقى لتقض مضجع كل واحد منكم".

هل العالم لم يعد يهتم؟

ووعد المالكي بأن الدول العربية لن "تطبع" مع إسرائيل طالما أن احتلال الأراضي الفلسطينية لم ينته. ولكن في مؤتمر حوارات المتوسط 2018 كان هناك فرصةٌ للسماع عن التعاون المحتمل مع إسرائيل حول الطاقة وتحلية المياه، بقدر فرصة السماع عن الصراع المستمر.

وعلَّق أحد كبار الدبلوماسيين في الشرق الأوسط على حديث المالكي قائلاً: "الحقيقة الأساسية، مهما كانت عواقبها، هي أنَّ العالم لم يعد يزعج إسرائيل بشأن الفلسطينيين. إنَّه تغييرٌ كامل للنظام".

وتأكدت هذه الحقيقة في المقابلة التي أُجرِيَت مع أحد ممثلي إسرائيل البارزين، رئيس الكنيست يولي إدلشتاين؛ التي ضمت سؤالاً واحداً هامشياً عن بالقضية الفلسطينية، وهو عن توقُّعاته حول نجاح خطة سلام ترامب (منخفضة جداً). ودار باقي الحديث حول كيف يمكن للتكنولوجيا الإسرائيلية أن تساعد المنطقة، والتهديد الإيراني- وماذا أيضاً؟

وفي جلسة جانبية صغيرة مكرسة لمستقبل غزة، بدا المتحدثون أكثر تركيزاً على الحاجة إلى التقارب بين حماس وفتح كطريقةٍ لحل أزمات غزة المتعددة، بدلاً من الضغط على إسرائيل في هذا الشأن.

وقد ردَّد أحد الخبراء الأوروبيين البارزين في الشرق الأوسط، الذي أمضى عقوداً في الكتابة عن إسرائيل والفلسطينيين، الشعور الأساسي الكامن: "من الصعب بالنسبة لي الآن إقناع المحررين الصحافيين ومديري المؤسسات الفكرية بالحاجة إلى كتابة أبحاث عن إسرائيل وفلسطين. لا أحد يستطيع رؤية أي هدف من هذا، وبصراحة تامة، لست متأكداً من أنني أستطيع كذلك".

ونبَّه دبلوماسي إسرائيلي سابق في المؤتمر: "يبدو أن حلم نتنياهو أصبح حقيقة، لقد حاول دائماً إخراج الفلسطينيين من جدول الأعمال. لكن كن حذراً مما تتمنى، إذ لن يرحل الفلسطينيون، وستعود هذه القضية لتلاحقنا بضراوة".

 

 

 

تحميل المزيد