قضية الطالب البريطاني المعتقل في الإمارات تصل إلى مقاطعات أكاديمية وأدبية وسياحية ورياضية لأبوظبي.. فهل تتراجع الأخيرة وتفرج عنه؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/23 الساعة 16:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/23 الساعة 17:39 بتوقيت غرينتش
الطالب البريطاني ماثيو هيدجز الذي كان محتجزاً في سجون الإمارات / رويترز

قالت صحيفة The Telegraph البريطانية إن أكاديميين يعملون بجامعة برمنغهام البريطانية، صوَّتوا أمس الخميس 22 نوفمبر/تشرين الثاني، على مقاطعة فرع الجامعة الجديد في دبي، احتجاجاً على سَجن الطالب ماثيو هيدجز بالإمارات، والذي حكم عليه، أمس الأربعاء، بالسجن المؤبد في أبوظبي بتهمة التجسُّس.

وكان هيدجز يُجري بحثاً بالإمارات في سياق أطروحته عن "العلاقات المدنية-العسكرية في المنطقة بعد الربيع العربي"، حيث حُجِز بالحبس الانفرادي طوال الأشهر الخمسة الماضية.

ويقول المُحاضرون المقيمون بمدينة برمنغهام في بريطانيا إنهم يرفضون التدريس في دبي، ولن يزوِّدوا الفرع الجديد بأيِّ دعمٍ أكاديمي، مثل المواد الدراسية وتصحيح الامتحانات.

وجاءت تلك الخطوة التصعيدية بعد تصويتٍ أجراه اتحاد الجامعة والكليَّات (UCU)، لتكون أول رد فعل احتجاجي ملموس ضد الإمارات على سَجن هيدجز، وهو طالب دكتوراه بجامعة "Durham University" البريطانية.

فيما قال متحدثٌ باسم جامعة برمنغهام لصحيفة "التليغراف" إنَّ الجامعة "تحترم" وجهات نظر العاملين بها ممَّن "لا يريدون أن تكون لهم صلةٌ بفرعنا في دبي".

أعضاء بالبرلمان البريطاني يصعّدون أيضاً

دفع التوتُّر الناشئ بين المملكة المتحدة وحليفتها المقرَّبة الإمارات جرَّاء سَجن هيدجز أعضاء البرلمان البريطاني لمطالبة بريطانيا بإعادة النظر في علاقاتها العسكرية مع الدولة الخليجية.

فقد قال عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين، جوني ميرسر، وهو قائدٌ عسكري سابق وعضوٌ في لجنة الدفاع بالبرلمان: "يجدر بالمساعدات الدفاعية التي نقدِّمها، وعلاقاتنا الإرشادية والاستخباراتية وحدها مع هذه الدولة أن تمنع وقوع مثل هذه الحوادث السخيفة. أن يصدر هذا من دولةٍ صديقة وشريكة، فهذا ببساطةٍ أمرٌ غير مقبول ولابد أن تكون عواقبه فورية حتى يُطلَق سراح هيدجز".

ويُقدَّر أنَّ أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية تُدرِّب قرابة 10 ضباط إماراتيين كل عام، بينما يوجَد للملكة المتحدة نحو 200 فردٍ من طاقم القوَّات المسلحة البريطانية متمركزين بشكلٍ دائم في الإمارات. وتفيد تقارير بأنَّ ميناء زايد هو أكثر الموانئ زيارةً من البحرية الملكية البريطانية.

قضية هيدجز قد تؤثر على السياحة في الإمارات

كذلك قد تؤثِّر الضجة على السياحة في دولة الإمارات الخليجية. وقد قضت مدينة دبي بشكلٍ خاص الأعوام العشرة الماضية في تنويع اقتصادها وعدم الاعتماد على النفط لتحوِّل نفسها إلى منتجعٍ رائج، لكن يعتقد الخبراء أنَّ السيَّاح قد يؤجِّلون خططهم بالذهاب إليها.

وسحبت وكالة سفريات بريطانية، أمس الخميس أيضاً، عرضاً لقضاء عطلةٍ في دبي من نشرتها الشهرية المُرسَلة إلى زبائنها.

وقال مارك هودسون لـ"التليغراف"، وهو أحد مؤسسي شركة 101holidays السياحية في بريطانيا: "كنَّا قد أرسلنا نشرةً ترويجية لمشتركينا وعددهم 30 ألف شخص لكننَّا قرَّرنا سحبها".

وأضاف: "بدأ الناس يفكِّرون بأنَّ أموراً عدة قد تحدث لنا في الإمارات وربما علينا الذهاب لمكانٍ آخر".

ذهب مليون بريطاني لقضاء العطلة في الإمارات عام 2017، ما يضعها في المرتبة رقم 13 بين وجهات العطلة الرائجة في المملكة المتحدة، بعد اليونان وتركيا.

فيما قالت رادا ستيرلينغ، مؤسِّسَة منظمة "Detained in Dubai – محتجز في دبي"، التي تُقدِّم العون لضحايا الظلم في الإمارات: "لاحظتُ على مدار العام الماضي أشخاصاً فضَّلوا إعادة تخطيط أو إلغاء عطلاتهم في الإمارات، أعتقد أنَّ الأمر يؤثِّر جدياً على السياحة".

الرياضة قد تتأثر أيضاً

كذلك قد تُضرَب الرياضة إذا ما استمرت الأزمة. سوف تستضيف أبوظبي سباق فورمولا وان للجائزة الكبرى F1 Grand Prix في عطلة الأسبوع المقبلة مع أنَّ من المُرجَّح ألَّا يحضره أيٌّ من كبار الشخصيات البريطانية التي خطَّطت لحضور الحدث.

وحاول فريق مانشستر سيتي، لمالكه الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وهو فردٌ من العائلة المالكة بالإمارات، الابتعاد عن الجدل، رافضاً التعليق على الحُكم الصادر بحق هيدجز في وجه الدعاوى المنتشرة على الشبكات الاجتماعية مُناديةً بمقاطعة النادي.

العلاقات الأكاديمية ربما تكون في خطر، ولكن

ويُحتَمَل أن تكون العلاقات الأكاديمية بين بريطانيا والإمارات عُرضةً للخطر أكثر إذا ما استمر حبس هيدجز

وقال جيمس براكلي، وهو رئيس فرع اتحاد الجامعة والكليَّات بمدينة برمنغهام، إنَّ الأكاديميين "ثائرون" مِن المعاملة التي تلقَّاها هيدجز ومِن "رفض الجامعة التطرُّق لقضايا خطيرة عرضناها بخصوص فرعها في دبي" على حدٍّ سواء. حاثًا الجامعة على أن "تقدِّم ضماناتٍ لسلامة طاقم وطلَّاب الجامعة في دبي وحريَّتهم الأكاديمية".

وتمتد علاقاتٌ قديمة بين الجامعات البريطانية والإمارات، إذ فتحت عدة جامعاتٍ بريطانية فروعاً تابعة لها في المنطقة، ومن بينها جامعات ميدلسيكس، وسيتي، وهيريوت وات، وبولتون، وستيرلنغ، وكلية لندن لإدارة الأعمال.

لكن سام غييماه، وزير الجامعات البريطاني، قال إنَّه لن يدعم حركة مقاطعةٍ أكاديمية للإمارات، مضيفاً أنَّه على التبادل الطلابي بين الدولتين الاستمرار حتى وإن كان هناك "اختلافٌ عميق بالسياسة" مع المملكة المتحدة.

وقال: "إحدى القضايا التي يُمكِنها حقاً أن تُسهِّل تغيير منظور الأفكار هي برامج التبادل الطلابي. كانت مِثل تلك البرامج ناجحةً حتى أثناء الحرب الباردة، لا أفهم لِمَ لا ينجح الأمر الآن".

وأشار الوزير البريطاني إلى أنَّ أيَّ نوعٍ من المقاطعة الأكاديمية للإمارات "يُحتَمَل أن يقوِّض قدرتنا على التأثير بشكلٍ إيجابي فيما يجري داخل تلك الدول بأن نُساعد قادتها المستقبليين على فهم الخبرات، ومشاركة القيم التي نعتز بها".

أدباء وصحافيون بريطانيون يقاطعون مهرجاناً كبيراً للآداب في الإمارات

في السياق نفسه، يعيد عدة مؤلفين بريطانيين النظر في تلبية الدعوات الموجَّهة لهم بحضور مهرجانٍ أدبي بالإمارات، إذ أكَّد المؤرخ أنتوني بيفور، والروائية سابين دورانت، والصحافي لدى هيئة الإذاعة البريطانية BBC فرانك غاردنير جميعاً انسحابهم من المشاركة.

ومهرجان طيران الإمارات للآداب، المعروف كذلك باسم DubaiLitFest، هو أكبر مهرجانٍ للأدب في العالم العربي يُقام في شهر مارس/آذار من كل عام. تَرعى الحدث شركة طيران الإمارات التابعة للدولة ويُديره كيانٌ غير هادف للربح أسَّسه رئيس الوزراء الإماراتي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

وتضمَّنت مجموعة المؤلِّفين البريطانيين المُنتَظَر حضورهم مهرجان العام المقبل الروائيين إيان رانكين و جاسبر فورد، والمؤرخين بيفور وبيتر فرانكوبان، ومؤلِّفي كتب الأطفال كايت بانكورست وليسا إيفانز. وقد تواصلت صحيفة The Guardian البريطانية معهم جميعاً لطلب التعليق.

وأعلن بيفور، الذي حضر المهرجان مرَّتين، قراره بالانسحاب من المهرجان في صحيفة The Times البريطانية يوم الخميس، 22 نوفمبر/تشرين الثاني، وقال إنَّه على اتصالٍ بجمعية المؤلفين والجمعية الملكية للأدب (RSL) لتنسيق الإدلاء بردٍ جماعي.

"ما حدث أمر مخيف"

أخبر بيفور صحيفة The Guardian إنَّه عبَّر للمرة الأولى عن قلقه لمنظِّمة المهرجان إيزوبيل أبوالهول عندما أُطلِع العامة على قضية هيدجز في أكتوبر/تشرين الأول. وقال بيفور: "أرسلت لها خطاباً إلكترونياً بمجرَّد أن سمعت الأنباء قلتُ فيه: أنا آسفٌ لكِ وللمهرجان لكن علينا اتِّخاذ خطوةٍ ما. لا يمكننا السماح بحدوث مِثل هذا دون اتخاذ أي فعلٍ على الإطلاق"، واصفاً سجن هيدجز بأنَّه "أكثر تعدٍّ مخزٍ شهدنا حدوثه في عصرنا الحديث على الحرية الأكاديمية".

وقال: "أرى ما حدث أمراً مخيفاً. لا أدري لم تصرَّفت الإمارات على نحوٍ جامدٍ كهذا.. نحن نعرف حق المعرفة أنَّ دبلوماسية المنابر تِلك تأتي بنتيجةٍ عكسية كلياً في العالم العربي، لكنَّ الأمر يصل إلى مرحلةٍ يتحتَّم عليك أن تقوم بفعلٍ ما. لا يمكنك السماح لهم الإفلات بفعلتهم".

ودعا بيفور زملاؤه من المؤلفين للانسحاب أيضاً. وقال: "أؤمن أنَّه على المؤلفين ألَّا يذهبوا. لا لشيءٍ ضد المهرجان بعينه، لكن لأنَّه يجدر بهم ألَّا يفكِّروا بالسفر حتى إلى الإمارات في ظل الظروف الراهنة. أدعو العامة البريطانيين كذلك ألَّا يذهبوا لقضاء عطلاتهم في دبي، لأنِّي أظن أن هذا من شأنه إثبات أنَّها حكومةٌ شديدة القمعية. كُل مزاعم الإمارات بالحداثة والانفتاح أبطلها كلياً هذا الفعل بعينه".

ومن جانبها أخبرت روائية كُتُب الإثارة سابين دورانت صحيفة The Guardian البريطانية مساء الخميس: "لا أرى بأي شكلٍ كيف يمكنني حضور المهرجان إذا ما ظلَّ هيدجز سجيناً"، فيما أكَّد غاردنر مراسل شؤون الأمن لدى هيئة الإذاعة البريطانية BBC، الذي كان مقرراً ظهوره بالمهرجان للتحدُّث عن مسيرته المهنية الصحفية وروايته الأخيرة، هو الآخر أنَّه لن يحضر.

وقال فرانكوبان إنَّه مصدومٌ من حُكم سِجن هيدجز. وقال: "أشعر بالصدمة وأدين أي هجومٍ يطال الحريات الأكاديمية. أتابع هذه القضية عن كثب وأنتظر ما سيحدث في الأيام التالية قبل اتِّخاذ قراري".

سجل طويل من انتهاكات حقوق الإنسان

إلى ذلك، فقد وُجِّهَت للمهرجان الأدبي انتقاداتٍ أخرى من قبل، إذ ناشدت حملة "فكِّر مرتين" Think Twice المؤلِّفين بأن يرفضوا دعوات حضور المهرجان نظراً لسجل دولة الإمارات بانتهاكات حقوق الإنسان وسلبية خطوط طيران الإمارات تجاه التغير المناخي.

وقال منظِّم الحملة جوناثان إيميت: "بقدر ما قضية ماثيو هيدجز قضية مقلقة، فإنَّه على المؤلفين المدعوِّين للمشاركة بالمهرجان إدراك أنَّ حكومة الإمارات تعتقل، وتسجن، وتعذِّب أكاديميين إماراتيين، وصحافيين، ومدافعين حقوقيين أبرياء على نحوٍ اعتيادي منذ عام 2011. يجب ألَّا تكون حقوق المواطنين الإماراتيين أقل قيمةً من حقوق مواطن بريطاني"، مستشهداً في ذلك بقضية الناشط الحقوقي الحاصل على جوائر عالمية أحمد منصور.

هل تستوعب أبوظبي هذا التصعيد وتتنازل؟

إلى ذلك، أعلن السفير الإماراتي في لندن، سليمان المزروعي، الجمعة 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن بلاده "تدرس" طلباً للعفو قدمته عائلة الطالب هيدجيز. وقال السفير الإماراتي في تصريح مقتضب لشبكتي "بي بي سي" و"سكاي نيوز" البريطانيتين، إن "عائلة هيدجيز قدمت طلب عفو والحكومة تدرس هذا الطلب" مدافعاً أيضاً عن النظام القضائي في الإمارات.

وأضاف أن "الحكومة الإماراتية لا تُملي الأحكام على المحاكم"، رداً على الانتقادات لمسار القضاء في الإمارات من جانب عائلة هيدجيز، ومشدداً على أن عدة باحثين تمكنوا من زيارة بلاده "بِحريّة".