محارب إلكتروني أنشأ جيشاً على تويتر لترويع المعارضين.. من هو «أمير الظلام» الذي سيحدد مصير رجال محمد بن سلمان؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/19 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/19 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
سعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد السعودي

حين فرضت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عقوبات على 17 سعودياً، لتورُّطِهم  في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، أوضحت واشنطن أنها تعتقد أن سعود القحطاني قام بدورٍ محوري في التخطيط للجريمة.  

تصدَّر اسم القحطاني، الذي عمل سابقاً مستشاراً للعائلة الملكية السعودية، ويُشار إليه في الدوائر الدبلوماسية باسم "أمير الظلام"، قائمةَ العقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية، إذ ترى أنه كان له دور في "تخطيط العملية وتنفيذها".  

مصيره يحدد مستقبل رجال ولي العهد

وكان القحطاني (40 عاماً)، الذي أقيل الشهر الماضي (أكتوبر/تشرين الأول 2018)، من منصب المسؤول الإعلامي للديوان الملكي، أرفع مسؤول سعودي بين الشخصيات التي استهدفتها العقوبات الأميركية، وأقربهم إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.        

وتشير صحيفة The Financial Times البريطانية إلى أن مصير القحطاني سيصبح الآن مؤشراً على ما إذا كان مقتل الصحافي المخضرم سيدفع السعودية لتعمل جدياً على تغيير الديوان الملكي والنفوذ الذي تحظى به عصبة من المعاونين المحيطين بوريث العرش.      

وقال محلِّلٌ سعودي: "اسم (القحطاني) سيئ السمعة، لذا فمن غير الوارد أن يعود ليشغل منصباً رسمياً… ومع ذلك، فقد يكون له دور في (توجيه) الرأي العام".

وأضاف أنَّ القحطاني "تربطه علاقة صداقة شخصية مع الأمير محمد بن سلمان. ولأنه لا يوجد نظام قضائي شفاف في السعودية؛ فإنَّ مفهوم المساءلة، عندما يتعلق الأمر بأصدقاء (الأمراء)، غير موجود".
وكانت تقارير إعلامية أميركية قد ذكرت أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلصت إلى أنَّ الأمير محمد بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي. غير أنَّ الوكالة لم تعثر على دليل يثبت ضلوع ولي العهد السعودي مباشرةً في عملية القتل. إلى جانب ذلك، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أنَّ الولايات المتحدة لم تصل إلى "استنتاج نهائي" حول المذنب الفعلي في مقتل خاشقجي.  

وفي تصريحٍ الأحد 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه خلال 5 محادثات مختلفة أجراها مع الأمير، أنكر الأخير تورُّطَه في القتل. وفي سؤال بلاغي، قال الرئيس الأميركي: "هل سيستطيع أيُّ شخصٍ معرفة الحقيقة؟".

وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ التورُّط المزعوم للرجل المعروف بأنه "مُنَفِّذ" أوامر ولي العهد جعل من الأصعب على الرياض إبعاد الأمير محمد بن سلمان عن عملية القتل، وكذلك على حلفاء المملكة في الغرب تقبُّل رواية السعودية، التي قالت فيها إنَّ قتل خاشقجي جاء نتيجة عملية مارقة.

ويوم الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، طالب النائب العام السعودي بتنفيذ عقوبة الإعدام في 5 أفراد من بين 11 متهماً بقتل الصحافي. وأضاف أنَّ النيابة توصَّلَت إلى أنَّ "مستشاراً سابقاً" -يُعتقَد أنه القحطاني نظراً إلى أنه المستشار الوحيد الذي أشير رسمياً إلى تورطه في القضية- التقى قائد الفريق الذي نفَّذ الجريمة قبل سفره إلى تركيا.     

إلا أنَّ القحطاني لم يُعتَقَل. وبسؤال نائب المدعي العام السعودي عن وضع القحطاني، قال إنه ممنوع من السفر ولا يزال يخضع للاستجواب.      

ويُعَد ذلك تحوُّلاً صادماً في مصير القحطاني، الذي انتفع من قرار ولي العهد (33 عاماً)، بمخالفة أسلوب الإجماع التقليدي الذي يتبناه آل سعود في إدارة المملكة، وإحاطة نفسه بدلاً من ذلك بمجموعة من المستشارين الأصغر سناً الذين يستوعبون قوة شبكات التواصل الاجتماعي.      

من هو " أمير الظلام"؟

تخرج القحطاني في كلية الحقوق، وانضم ببادئ الأمر إلى الديوان الملكي في أثناء حكم الملك الراحل عبد الله. وفي تغريدةٍ العام الماضي (2017)، قال القحطاني إنه ينفذ أوامر الملك وولي العهد.  

وقال معارض في المملكة المتحدة، بحسب الصحيفة البريطانية، إنَّ وضع القحطاني -باعتباه محارباً إلكترونياً لديه 1.35 مليون متابع على تويتر- توسع ليصبح أحد أقرب أعوان الأمير، مضيفاً: "الأمير محمد بن سلمان يفوضه للتعامل مع قضايا مثل المعارضين، وأفراد من العائلة الملكية، والسيطرة على وزير الخارجية، فهو يعتمد عليه كثيراً".   

وتشير الصحيفة البريطانية إلى ما أكده ناشطون سعوديون بأنَّ القحطاني أمعن، على مدى العامين الماضيين، في إرهاب مدونين سعوديين وناشطين وصحافيين، وأنشأ كذلك جيشاً إلكترونياً من المتصيَّدين على تويتر، لشن هجمات على منتقدي الحكومة السعودية وترويعهم.

وقد ازداد عدد متابعي حسابه كثيراً عقب الحصار الذي فرضته السعودية على قطر العام الماضي (2017)، إذ قال مسؤولون غربيون إنَّ القحطاني نشر رسائل كراهية ضد قطر، متهماً أي أحد يتعامل معها بالخيانة، حتى الإرهابيين.    

وكان خاشقجي نفسه قد أعرب علنياً عن مخاوفه من القحطاني قبل أشهر من وفاته. ففي شهر فبراير/شباط 2018، كتب جمال إنَّ المستشار لديه "قائمة سوداء، ويدعو السعوديين إلى إضافة أسماء إليها".  

إضافة إلى ذلك، كان للقحطاني دورٌ مؤثر في حملة ولي العهد لمكافحة الفساد العام الماضي (2018)، التي احتجز خلالها مئات من أفراد العائلة الملكية ورجال أعمال سعوديين في فندق ريتز كارلتون بالرياض، إذ قال أشخاص مطلعون على الواقعة إنَّ القحطاني جذب المستهدفين بالحملة بتنظيم اجتماعات تحت ذرائع واهية واستجوبهم.    

وحش إلكتروني تصعب السيطرة عليه

وأضاف ناشطون أنه منذ مقتل خاشقجي لم تتغير لهجة الخطاب الذي يستخدمه جيش القحطاني الإلكتروني على تويتر -المعروف باسم "الذباب الإلكتروني"- وهو ما يشير إلى أنَّ عزله من منصبه لم يكن سوى تغيير شكلي، بحسب ما أفادت به "الفايننشيال تايمز".   

فعلى سبيل المثال، انهال سيلٌ من الإهانات عبر تويتر، مستهدفاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد تصريحٍ أخير له قال فيه إنَّ أوامر قتل خاشقجي صدرت عن "مستوياتٍ عليا" في الحكومة السعودية، وهو ما واجهته أيضاً صحيفة Washington Post الأميركية، التي نشرت المقال الذي جاءت فيه تصريحات أردوغان.        

وقال ناشطٌ حقوقي سعودي: "جيش الذباب الإلكتروني لا يزال نشطاً؛ ما يعني أنه (القحطاني) لا يزال نشطاً".    

ولم يدلِ القحطاني بأيِّ تصريحٍ رسمي حول إقالته أو مقتل خاشقجي. لكنه غيَّر معلوماته الشخصية بحسابه على تويتر مرات عديدة منذ إقالته؛ ففي البداية حذف منصبه في الديوان الملكي، وأبقى على دوره رئيساً للاتحاد السعودي للأمن السيبراني. ثم بعدها بأيام، أبدل نوع الحساب على تويتر إلى "حساب شخصي".   

وأضاف صحافي سعودي أنَّ مناخ النزعة القومية المتطرفة الذي روَّج له القحطاني سيستمر، موضحاً أنهم "أطلقوا سراح وحش لم يعد بالإمكان السيطرة عليه. لا يمكنك أن تكتفي بإعادته إلى قفصه، آملاً أن يتوقف عن الصراخ".    

 

تحميل المزيد