السعوديون يشعرون بالخيانة والاستغلال من قبل ترامب، فهل سيصيغون سياسة نفطية أكثر استقلالاً عن الأهداف الأميركية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/18 الساعة 19:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/18 الساعة 21:10 بتوقيت غرينتش
U.S. President Donald Trump delivers remarks as he welcomes Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed bin Salman in the Oval Office at the White House in Washington, U.S. March 20, 2018. REUTERS/Jonathan Ernst

تسببت الاتفاقيات التي عقدتها الولايات المتحدة مع بعض الدول، لاستثنائها من العقوبات الأميركية على إيران ، والسماح لها باستيراد نفط طهران، في خلاف بين واشنطن والرياض ، يُضاف إلى التوترات التي تهيمن على العلاقات السعودية الأميركية بسبب قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

وأوضحت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية في تقرير نشرته الجمعة 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن مسؤولين سعوديين قالوا "إنَّهم يشعرون بالتعرُّض لخيانة بسبب عدم شفافية إدارة دونالد ترامب حول العقوبات، وإنَّهم سيصيغون سياسة نفطية أكثر استقلالاً عن الأهداف الأميركية"، وأضافت أن المسؤولين في الرياض "يشعرون بأنَّهم استُغِلوا".

هل تجرؤ الرياض على خفض الإنتاج ومخالفة رغبات ترامب؟

تسعى السعودية إلى خفض إمدادات النفط العالمية بعد أن سمحت اتفاقيات أبرمتها الإدارة الأميركية بتدفق مئات الآلاف من براميل النفط الخام الإيراني يومياً إلى الأسواق العالمية، ما تسبب في انخفاض سعره.   

وأثارت هذه الاتفاقيات خلافاً في العلاقات السعودية الأميركية يُضاف إلى التوترات التي تشوب العلاقات بين البلدين بالفعل على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي. ويقول مستشارون سعوديون إنَّ المملكة ترغب في خفض الإنتاج لرفع أسعار النفط إلى نحو 80 دولاراً للبرميل الواحد سعياً لدعم اقتصادها.

وفي المقابل، حذَّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خفض الإنتاج ودعا إلى خفض الأسعار.    

كانت إدارة ترامب قد هدَّدت بوقف صادرات النفط الإيرانية بالكامل، وشجَّعت المنتجين الآخرين على زيادة معدل إنتاجهم لتعويض أي نقص قد يطرأ في حجم المعروض.

لكن في مطلع الشهر الجاري نوفمبر/تشرين الثاني، توصَّلت الولايات المتحدة إلى اتفاقات مع 8 دول للسماح لها بالاستمرار في شراء النفط الإيراني بعد دخول العقوبات الأميركية ضد طهران حيز التنفيذ، دون الإفصاح عن شروط هذه الاتفاقات.             

لكنَّ أشخاصاً مطلعين على هذه الاستثناءات من العقوبات صرَّحوا بأنَّ المسؤولين الأميركيين يتوقعون وصول مبيعات إيران من النفط إلى 900 ألف برميل يومياً بحلول أبريل/نيسان المقبل، أي أقل بنسبة 40% على الأقل من مستويات ما قبل العقوبات.   

بعد أن تسببت تغييرات الرئيس الأميركي اضطراباً في أسواق النفط

فخلال فترة تزيد عن شهر بقليل، هبط مؤشر خام برنت العالمي بنسبة تزيد عن 21%. وفيما لا تزال الإدارة الأميركية ترغب الوصول بحجم صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، فإنَّها لم تعلن عن حجم النفط الإيراني المسموح لهذه الدول الثماني شراؤه.

إذ تفاوضت هذه الدول، التي تضم الصين والهند، سراً مع الولايات المتحدة حول سقف الشراء المسموح.            

من جانبهم، يقول مسؤولون سعوديون إنَّهم ينظرون تأييد خفضٍ للإنتاج بواقع نحو 1.4 مليون برميل يومياً خلال اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) القادم في 6 ديسمبر/كانون الأول، وهو ما يرفضه ترمب ومن شأنه أن يؤثر سلبا على العلاقات السعودية الأميركية   

   لكنَّ مسؤولين بأوبك يقولون إنَّهم يجدون صعوبة في تحديد مقدار ما سينتجونه نتيجة التعتيم الأميركي على جهود واشنطن المتعلقة بعقوباتها ضد إيران. وأضافوا أنَّ هذا الغموض أضرَّ بالفعل بتحالف تشكَّل بين روسيا وأوبك لضخ مزيد من النفط إلى الأسواق للحفاظ على استقرار المعروض والأسعار.    

قالت سارة فاخشوري، رئيس شركة SVB Energy International للاستشارات ومقرها واشنطن، إنَّ نقص التفاصيل حول حجم الإعفاء الممنوح "مُربِكٌ للأسواق".   

تمتنع كذلك الدول الثماني المُستثناة عن الكشف عن تفاصيل مقدار الخفض في حجم وارداتها من النفط الإيراني الذي اتُفِقَ عليه. وحين سُئِل وزير النفط الهندي دارميندرا برادان حول الاتفاق الذي توصلت إليه بلاده مع الولايات المتحدة، قال "هذا أمر سري".       

بدورهم، يقول مسؤولون أميركيون إنَّهم لن يُفصِحوا عن اتفاقاتهم مع الدول المُستورِدة للنفط الإيراني خشية مواجهة شكاوى من أنَّ بعض هذه الدول سُمِح لها بشراء كميات أكبر من الدول الأخرى.   

وفي هذا الصدد، علَّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: "لا نناقش المحادثات الدبلوماسية الخاصة التي قادت إلى اتفاقات ذات حدود مختلفة في ما يتعلَّق بحجم واردات النفط".   

وتهدف العقوبات الأميركية ضد إيران، التي أعلنها الرئيس ترامب في مايو/أيار الماضي بعد انسحابه من الاتفاق النووي، إلى تقويض نفوذ طهران وقدراتها العسكرية، وهو الهدف الذي تشاركه فيه السعودية.     

خاصة وأن السعوديين يشعرون بـ"التعرض للخيانة" من إدارة ترامب

بيد أنَّ المسؤولين السعوديين قالوا إنَّهم يشعرون بالتعرُّض لخيانة بسبب عدم شفافية إدارة ترامب حول العقوبات، وإنَّهم سيصيغون سياسة نفطية أكثر استقلالاً عن الأهداف الأميركية.   

ويقولون إنَّ الرئيس ترمب دفع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لضخ مزيد من النفط وصولاً إلى مستويات قياسية بهدف خفض الأسعار قبل إعادة تفعيل عقوبات مشددة ضد صناعة النفط الإيرانية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني.

ولفت المسؤولون إلى أنَّ ترامب أخبر القادة السعوديين أنَّه لن تكون لأية دولة مُستورِدة للنفط الإيراني استثناءات من العقوبات، وهو ما كان سيتسبب في سحب ما يزيد على مليون برميل من السوق، وبالتالي زيادة الأسعار بصورة حادة.  

 وقال المستشارون إنَّ ترامب هدَّد بأنَّه في حال لم يرفع السعوديون الإنتاج لتعويض النقص، فإنَّه سيوافق على مشروع قانون من الكونغرس يسمح باتخاذ إجراءات لمكافحة الاحتكار ضد الدول أعضاء أوبك التي يقول ترامب إنَّها منظمة تتصرف كاتحادٍ احتكاري.      

وهو ما أثر على العلاقات السعودية الأميركية

لكن ما حدث هو أنَّ الإدارة الأميركية أصدرت إعفاءات للدول الثماني، في خطوة هدَّأت من مخاوف سوق النفط إزاء توقف إمدادات النفط الإيراني، لكنَّها في المقابل دفعت السعر للهبوط بسرعة. من جانبه، قال مستشار سعودي لدى قادة المملكة: "يشعرون بأنَّهم استُغِلوا".

وأحال البيت الأبيض التساؤلات بشأن تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في وقتٍ سابق هذا الأسبوع أثناء وجوده في سنغافورة، حين قال إنَّ الهدف من الاستثناءات هو "خفض صادرات النفط من إيران إلى الصفر"، إلى مستشار الأمن القومي.

إذ قال بولتون: "لا نريد إلحاق ضرر غير ضروري بأصدقائنا الذين يساعدوننا، لكنَّنا، كما أقول، نعتزم الضغط على (إيران). لذا تحدثنا مع الكثير من الدول، وسنستمر في فعل هذا لأنَّنا قلقون ليس فقط بشأن استمرار مساعي إيران لامتلاك سلاح نووي، بل أيضاً إزاء دعمها للإرهاب الدولي".   

وتحوَّل انتباه ولي العهد السعودي إلى اقتصاد بلاده المعتمد على النفط في ظل مواجهة قيادة المملكة أكبر أزمة تمر بها منذ جيل نتيجة قتل خاشقجي في مدينة إسطنبول التركية على يد مجموعة من العملاء الحكوميين.

ففي غضون ما يزيد عن شهر بقليل، انخفضت أسعار النفط إلى أقل بكثير من 88 دولاراً للبرميل الواحد، وهو السعر الذي قال صندوق النقد الدولي إنَّ السعودية تحتاج للوصول إليه لإحداث توازن في ميزانيتها.          

ما قد يؤجل إصلاحات السعودية الاقتصادية إلى وقت لاحق

وقال أحد كبار مستشاري الطاقة السعوديين: "يقع على عاتق السعودية التزامات مالية ضخمة، وهبوط السعر لا يساعدها على الوفاء بها. ووصول السعر إلى 80 دولاراً للبرميل يصب في صالح الحكومة".   

ويُعد امتلاك الحكومة السعودية لاقتصادٍ قوي أمراً ضرورياً في ظل الحرب الباهظة التي تخوضها المملكة في اليمن، واستعدادها للدخول في مواجهة اقتصادية مع إيران.

وقال عادل حميزية، زميل باحث في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني، إنَّ عوائد النفط باتت أكثر أهمية الآن بعدما تسبَّبت تداعيات مقتل خاشقجي في تعقيد محاولات الأمير محمد بن سلمان تعزيز القطاعات غير النفطية في المملكة.

وأضاف حميزية، الذي عمل سابقاً مستشاراً للحكومة السعودية، أنَّ موجة الغضب على خلفية مقتل الصحافي السعودي أسفرت عن "خليطٍ من المشكلات" بما في ذلك وضع العلاقات السعودية الأميركية .

وقال إنَّ السعودية قد تؤجل إصلاحاتها الاقتصادية، مثل رفع الدعم الحكومي عن الوقود تدريجياً، بهدف جذب المستثمرين الصناعيين.

تحميل المزيد