زار حائل لإنقاذ إنجازات الجد من أفعال الحفيد.. الملك سلمان يعود إلى الوسائل التقليدية لحشد الولاء بالزيارات والأموال

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/15 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/15 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
الملك سلمان وولي عهده يستقبلان أهل مدينة حائل لحشد الولاء في المملكة المتأزمة/ و ا س

مرّ أكثر من 10 سنوات على زيارة أي ملك سعودي منطقة حائل، التي كانت فيما مضى محطة في طريق الحج القديم إلى مكة. وأظهر وصول الملك سلمان الأسبوع الماضي، إلى المنطقة الواقعة شمالي البلاد، والتي كان والده غزاها منذ قرن من الزمان، أهمية حشد الجبهة الداخلية في ظل تراجع الدعم الدولي للمملكة السعودية.

 

السعودية تعود إلى الوسائل التقليدية مع الشعب

في الوقت الذي يتصاعد فيه غضب عالمي بشأن مقتل الصحافي جمال خاشقجي إلى مطالبة الولايات المتحدة، السعودية بإنهاء حربها في اليمن، يلجأ الملك سلمان إلى الوسائل التقليدية لبناء الولاء المحلي.

استُقبِلَ العاهل السعودي، البالغ من العمر 82 عاماً، بحشودٍ من المُهنِّئين، في أول جولة له بالبلاد منذ توليه العرش عام 2015.

أمر بإطلاق سراح السجناء المتعثرين بالديون، وكشف عن مشاريع بمليارات الدولارات بالمناطق النائية، التي شعرت في بعض الأحيان بنسيان الرياض إياها.

والملك يستخدم هيبته لتعزيز الدعم لابنه

في حين أنَّ هذا السخاء ليس جديداً بالنسبة للنظام الملكي السعودي، فهو يمثل عودةً إلى الطرق القديمة، في الوقت الذي يراهن فيه ولي العهد، محمد بن سلمان، بسمعته على إصلاح الاقتصاد المعتمد على النفط وتخفيف القيود الاجتماعية.

أدى دور الأمير في تسيير الشؤون اليومية للمملكة، وهو مهندس حربها المكلِّفة باليمن ومقاطعتها قطر، إلى وضعه في مركز الأزمة السياسية الناتجة عن مقتل خاشقجي.

قالت كريستين ديوان، باحثة مقيمة أولى بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن لوكالة Bloomberg الأميركية، إنَّ الملك سلمان "يستخدم الأشكال التقليدية للشرعية، ورعايته الملكية وهيبته لتعزيز الدعم لابنه".

وأضافت: "في الوقت نفسه، لو كان هناك خطر وشيك على قيادته، لما قام بمثل هذه الجولات في المناطق السعودية".

الملك سلمان يزور حائل لتعزيز الولاء بعد 100 عام من غزو والده إياها

وفقاً للتقويم الهجري، جاءت زيارة حائل بعد 100 سنة تماماً من يوم غزو الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة السعودية الحديثة، المنطقة.

واليوم، في حين يعيد الأمير محمد تشكيل المملكة التي بناها جده، يواجه تحديات مختلفة.

لمَّحت تركيا إلى أنَّ الأمير محمد كان وراء مقتل خاشقجي، وهو اتهامٌ نفته السلطات السعودية بشدة.

فتحالفاته الرئيسية مع أميركا تخضع الآن للاختبار

قبل أيام من جولة الملك، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تردد بالبداية في الضغط على حليفه بقضية خاشقجي، إنَّ السعودية أساءت استخدام الأسلحة التي استوردتها من الولايات المتحدة في حملة القصف التي قادتها قوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن.

ومع فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب الأميركي الأسبوع الماضي، من المرجح أن يزداد الضغط على السعودية.

لكن في ريف السعودية ما يهم هو فرص العمل

ولكن في المناطق الريفية بالمملكة، حيث ترتفع البطالة وتقل الفرص، فإنَّ التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقها الأمير هي الأهم.

وفي هذا السياق، قال عيد الشمري، (68 عاماً)، وهو مُعَلِّم متقاعد وعضو سابق في مجلس الشورى: "نأمل أن يسرّع الملك سلمان خطط التنمية، بمشاريع تكون مربحة ومناسبة لمنطقة حائل".

كان سلمان في الواجهة ومركز الثقل

على مدى السنوات القليلة الماضية، كثيراً ما كان الملك سلمان يتلاشى في الخلفية منذ تولى ابنه القيادة.

إنَّه الأمير محمد الذي جذب المستثمرين الأجانب، وخفف القيود الاجتماعية في المجتمع الإسلامي المحافظ، واستخدم القمع السياسي، إذ همَّش أفراد العائلة المالكة ذوي النفوذ وزجَّ بمنتقديه في السجن.

على الرغم من أنَّ توطيده السريع لسلطته أمَّن منصبه، كان الملك سلمان واجهةً ومركزاً للثقل في أثناء الجولة، وكان الأمير محمد إلى جانبه.

اعتبر بعض السعوديين ذلك رسالةً بأنَّ الملك سلمان لا يزال يمسك بزمام الأمور.

دشن مشاريع في القصيم بـ4.3 مليار دولار

في البداية، توجه الوفد الملكي إلى مدينة القصيم، أكثر المناطق محافظةً بالمملكة السعودية، حيث دشَنَّ وافتتح مئات المشاريع التي تزيد قيمتها على 16 مليار ريال سعودي (4.3 مليار دولار). علماً أن حجم الاستثمارات السعودية في أميركا يفوق 400 مليار دولار.

ثم ذهبوا إلى منطقة حائل، وهي منطقة يسكنها نحو 700 ألف شخص، على بُعد 6 ساعات بالسيارة من العاصمة، حيث يزرع المزارعون أشجار النخيل والبرتقال وأشجار الزيتون والبطاطس في المناخ الأكثر برودة نسبياً.

وأهل حائل تمنوا لقاءه ليشكوا حالهم

عندما وصل الملك، أُضيئت المباني بألوان العَلم السعودي، وأعلنت اللوحات الإعلانية أنَّه نبض قلب الأمة، وكان مئات المواطنين قد تجمعوا لحضور حفل الترحيب.

وبينما كان يصطف للمرور عبر جهاز الكشف عن المعادن، كان محمد الرشيدي على وشك البكاء.

وقال الرشيدي، وهو رجل عاطل عن العمل يبلغ من العمر 29 عاماً جاء لحضور الحفل من على بُعد 200 كيلومتر: "أريد أن أصافح الملك سلمان وأن أُقَبِّل جبينه".

سبقه عبد الله بمشروع هناك لم يكتمل

على مدى عقود، بنى الملوك السعوديون الولاء السياسي من خلال الدعم الاقتصادي.

في عام 2006، وبعد توليه العرش رسمياً، قام الملك الراحل عبد الله بجولة في البلاد، وأعلن عن مشاريع كبرى.

وفي منطقة حائل، التي عانت مثل العديد من المناطق السعودية تفاوت فرص التنمية، أطلق مشروعاً تنموياً كبيراً لجعل حائل مدينة اقتصادية، وكان يهدف إلى تحويل المنطقة إلى مركز صناعي.

إلا أنَّ المشروع تداعى لاحقاً، وقُلِّص حجمه.

والربيع العربي أسهم في ضخ المليارات بمشاريع محلية

ومع انتشار الثورات بالشرق الأوسط في عام 2011، ضخ النظام السعودي عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع اجتماعية وإسكانية.

ومع ذلك، لا تزال البطالة مشكلة مُلِحَّة، إذ تُخرج الجامعات خريجين لا يجدون وظائف كافية في انتظارهم.

قال الشمري: "في الرياض، ربما لا يشعرون بمشاكل حائل أو إمكانات حائل".

أهل حائل يرحبون بالتغييرات الاجتماعية وينتظرون الدعم المالي

أما هاجر العتيبي، (20 عاماً)، فقالت في حين كانت تستمتع بنزهةٍ مع عائلتها في حديقة محلية، إنَّها متحمسة أيضاً لوصول التغييرات الاجتماعية التي خطط لها الأمير محمد، مثل الترفيه، والاختلاط بين الجنسين، ومنح المزيد من الحقوق للمرأة، إلى مسقط رأسها.

لكن الوصول إلى الديوان الملكي بات أمراً صعباً

ومع ذلك، يقول بعض السعوديين في أحاديثهم المغلقة، إنَّه أصبح من الأصعب الوصول إلى الملك والديوان الملكي خلال السنوات القليلة الماضية.

وبينما كان متوقفاً في المرور ليلة وصول الملك، تحدث عبد المجيد، وهو مُدَرِّس بمدرسة ثانوية وسائق في "أوبر"، يبلغ من العمر 33 عاماً، عن شعوره بعدم القدرة على الانتقال إلى المرحلة التالية من حياته.

فبعد أن أثقل كاهله الدَّين، بسبب نفقات إجراء إحدى إجراء العمليات الجراحية لأبيه، وإنفاقه على أخيه العاطل عن العمل، لا يستطيع أن يتزوج، لعدم قدرته على تحمُّل التكاليف.

عندما طلب المساعدة من الحكومة منذ أكثر من عام، طُلِب منه إرسال طلب بالبريد إلى الديوان الملكي.

لم يصل له أي رد قط، وكان يأمل التقاء الوفد الملكي في حائل، لكنه لم يعرف كيف يتواصل معه.

والأربعاء 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وصل الملك مع الوفد إلى المدينة، فرقص أهلها "العرضة" ترحيباً به، وأمر بأن يكون اليوم إجازة رسمية لجميع الطلاب، في حين أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية إلى أن الملك ينوي افتتاح "عدة مشاريع تنموية".

تحميل المزيد