أمسك صالح الفقيه بذراع رضيعته الهزيلة، في حين لفظت آخر أنفاسها، الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعنبر علاج حالات سوء التغذية بالمستشفى الرئيس في العاصمة اليمنية صنعاء، الذي كان شاهدا على مآسي آلاف من أطفال اليمن .
ووصلت هاجر الفقيه، التي كانت تبلغ من العمر 4 أشهر، لمستشفى السبعين في العاصمة، قادمة من محافظة صعدة الأسبوع الماضي، وهي واحدة من آلاف الأطفال اليمنيين الذين يعانون سوء التغذية في البلاد، التي دفعتها أكثر من 3 سنوات من الحرب إلى شفا المجاعة.
ويرقد جثمانها في العنبر ذاته الذي شهد وفاة رضيع آخر، هو محمد هاشم، من شدة الجوع في اليوم نفسه أيضاً. وأكد الأطباء أنهما توفيا بسبب سوء التغذية.
11 مليوناً من أطفال اليمن يواجهون الجوع والأمراض والتشرد
وقال والد هاجر: "قضت شهرين بمستشفى في صعدة.. لكن كان علينا نقلها إلى صنعاء". وصعدة معقل للحوثيين المتحالفين مع إيران، الذين يقاتلون الحكومة المدعومة من السعودية منذ ما يقرب من 4 سنوات، في صراع أودى بحياة نحو 10 آلاف شخص على الأقل.
وقالت ميرتسيل ريلانو، مندوبة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) باليمن، في سبتمبر/أيلول 2018، إن أكثر من 11 مليون من أطفال اليمن أو ما يمثل نحو 80% من سكان البلاد تحت سن الـ18، يواجهون خطر نقص الغذاء والإصابة بالأمراض والتشرد والافتقار الشديد إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية.
وخاطرت أسرة "الفقيه" بقطع رحلة في طرق جبلية وعرة تشهد ضربات جوية من التحالف الذي تقوده السعودية. وقال والد الرضيعة الراحلة: "عملت في البناء، وأنا أيضاً سائق. أفعل كل ما أستطيع، لكني عاطل الآن".
وقال فؤاد الريمي، وهو ممرض في مستشفى السبعين، إن هاجر كانت واعية عندما جاءت للمستشفى، لكنها كانت تعاني نقصاً في مستوى الأكسجين. وأضاف: "كان جسدها مثل عظام لا يكسوها إلا الجلد.. كان هزيلاً جداً".
أطفال اليمن لا يرون أملاً في دعوات وقف القتال
يرقد الطفل غازي محمد، الذي يبلغ من العمر 10 أعوام، على سرير يعلوه الغبار في جناح بأحد المستشفيات في مدينة تعز اليمنية، وقد خارت قواه فلم يكد يستطع مراقبة الأطباء والممرضين وهم يفحصون جسده الهزيل.
ويزن الصبي 8.5 كيلوغرام فحسب، أي أقل من ثلث متوسط وزن صبي في عمره. وهرب غازي من الجوع والفقر في قريته الجبلية العام الماضي (2017)، ليجد المزيد من المعاناة بانتظاره في تعز، ثالث أكبر مدينة بالبلاد.
وقال طبيبه أمين العسلي: "هذا يعطيك انطباعاً بأنه مثلاً المساعدات الغذائية التي تأتي للشعب اليمني لن تصل لأهلها أو للمحتاجين لها، يعني.. توزيع عشوائي، يعني.. أطفال اليمن لا يوجد لهم ما يأكلونه بالبيت، يعني.. وجبة واحدة".
لتتصاعد الدعوات الدولية لوقف القتال
وبعد أن كانت القوى الغربية تمد التحالف الذي تقوده السعودية، بالأسلحة والمعلومات في حربه ضد الحوثيين باليمن منذ نحو 3 سنوات، تضغط هذه القوى الآن لإنهاء الصراع الذي قتل أكثر من 10 آلاف شخص، ووضع البلد على شفا المجاعة.
وشدد الغرب مواقفه بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بقنصلية الرياض في إسطنبول يوم الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وأثار موته غضباً عالمياً، وسلّط الضوء على الحملة التي تشنها السعودية على المعارضة وسياساتها الخارجية، وضمن ذلك دورها في حرب اليمن، التي انتقدتها جماعات حقوق الإنسان ومشرعون أميركيون بعد مآسي أطفال اليمن .
لكنها دعوات جاءت "بعد فوات الأوان"
لكن الدعوات لإنهاء القتال جاءت بعد فوات الأوان بالنسبة لملايين المدنيين اليمنيين، ومنهم أطفال اليمن الذين يعانون سوء تغذية حاداً والجوع في الحرب المعقدة المتعددة الأطراف.
ويقول يوسف الصلوي، وهو طبيب آخَر: "هو (الطفل) يحتاج إلى رعاية كاملة بدءاً بالمستشفى وبعدين بالمنزل"، مضيفاً أن الأمر يتوقف على الوضع المادي للأسرة؛ نظراً إلى أن سوء التغذية يمكن أن يصيب الأسرة بأكملها.
وفي تعز، يعاني أطفال اليمن الذين يصارعون الموت بالمستشفيات الصدمات، بسبب القصف المدفعي المستمر، وإطلاق الصواريخ والمدافع المضادة للطائرات، في حين تقاتل قوات الحكومة، المدعومة من السعودية، الحوثيين المتحالفين مع إيران في الشوارع المدمرة.
وتقول الأمم المتحدة إن من بين نحو 29 مليون يمني، يحتاج 22 مليوناً إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، وإن 18 مليوناً تقريباً منهم يعانون الجوع، في حين يعاني 8.4 مليون الجوع الشديد.