«ميدل إيست آي»: الإمارات تستضيف فعالية عن التسامح وهي لا تعرف عنه شيئاً.. رحِّبوا بالقمة وإلَّا

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/14 الساعة 16:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/15 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد/ رويترز

شنَّ المحلل السياسي بموقع Middle East Eye البريطاني، بيل لو، هجوماً حاداً على الإمارات، بسبب قمة التسامح التي تعتزم دبي استضافتها، الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بسبب انتهاكات أبوظبي لحقوق الإنسان، في الوقت الذي تدعو فيه للتسامح.

وقال "لو" في مقال بالموقع البريطاني، سأتقبَّل أنَّ كلمة التسامح لا تعني نفس الشيء للجميع. لذا فكرتُ في أن ألجأ للطريقة التقليدية وأبحث عن معناها في القاموس، عندما عرفتُ أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة تستضيف قمة التسامح الأولى في دبي، في يومي 15 و16 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. يُعرِّف القاموس كلمة "التسامح" بأنَّها "قدرة المرء أو استعداده لتقبل وجود آراء أو سلوكيات لا يحبها أو لا يوافق عليها".

لا مفرّ من القول إنَّ هذا التعريف عند التفكير في الإمارات يثير في داخلي قدراً مما يحب أن يطلق عليه علماء النفس "التنافر الإدراكي"، لأنَّ آخر ما قد تبديه الإمارات -وهي دولة خليجية عربية تضم سبع إمارات، أهمها دبي وأبوظبي- هو الاستعداد لتقبُّل الآراء أو السلوكيات التي تتحدى أو تنتقد سلطة النظام الحاكم.

"معلومات خاطئة"

وبحسب الكاتب البريطاني: لكن لا تثقوا بكلامي ثقةً عمياء، بل اسألوا ناصر بن غيث، أو أحمد منصور، أو تيسير النجار. عفواً أعتذر، لا يمكنكم ذلك؛ لأنَّ ثلاثتهم يقبعون في السجن لأنَّهم تجرأوا وانتقدوا السلطات، إلى جانب عشرات الآخرين ممن اعتُبروا تهديداً لأمن الدولة.

يُذكر أنَّ ابن غيث، وهو خبير اقتصادي ومُعلِّق معروفٌ عالمياً، اختفى منذ ما يقرب من عام، وسُجِن في زنزانة انفرادية في مكانٍ مجهول، دون أن يُسمح له بمقابلة محامٍ أو عائلته، قبل تقديمه للمحاكمة والحُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات.

وقد أُدين بجريمة "نشر معلومات كاذبة" عن قادة الإمارات وسياساتهم، و"نشر معلومات كاذبة بهدف الإضرار بسمعة الدولة ومكانتها".

فيما يُعد أحمد منصور أحد الناشطين الشجعان والمميزين في مجال حقوق الإنسان. وحصل على جائزة مارتن إينالز للمدافعين عن حقوق الإنسان لعام 2015 عن عمله في الإمارات. وفي شهر مارس/آذار من العام الماضي، اعتُقِل وسُجِن في مكانٍ مجهول قبل تقديمه للمحاكمة، والحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، مثل ابن غيث.

وكانت الجريمة مرةً أخرى نشر "معلومات كاذبة" تتعلق بالتغريدات التي نشرها عن شخصٍ آخر اتُّهم وأدين بنفس التهمة: "نشر معلوماتٍ كاذبة".

السجن بتهمة انتقاد إسرائيل

وبحسب الكاتب البريطاني، ليس من الضروري أن تكون مواطناً إماراتياً لتكون واحداً من المتهمين بجريمة نشر معلومات كاذبة، التي يتفاقم أعداد مرتكبيها. ليس من الضروري حقاً؛ إذ إنَّ الصحافي الأردني تيسير النجار حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة كبيرة "لإهانة مؤسسات الدولة". وإذا حسبتم أنه أهان مؤسسات الدولة في الإمارات، فأنتم مخطئون.

إذ سُجِن النجار بتهمة إهانة مؤسسات الدولة في مصر وإسرائيل ودول الخليج "الصديقة". ولجأت السلطات في محاولاتها للنيل من الصحافي الفني، الذي عمل لمدة 15 عاماً في الإمارات، إلى تفقّد حساباته على الشبكات الاجتماعية، وخرجت منها بانتقاداته للحرب الإسرائيلية على غزة، والتعامل -أو بالأحرى سوء التعامل- مع الاحتجاجات في مصر تحت حكم الرئيس السيسي.

هل أشرتُ إلى الأبناء الذين سُجنوا أو جُردوا من جنسيتهم لأنَّهم أعربوا على تويتر عن احتجاجهم على المعاملة الجائرة بحق آبائهم؟ أو إلى ما يسمّى بالمركز الاستشاري الذي أُرسل إليه بعضهم وسُجنوا فيه ضد إرادتهم، بعد قضاء مدة الأحكام الصادرة بحقهم؟

أو أشرتُ إلى الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز، الذي سُجن في الحبس الانفرادي لمدة خمسة أشهر قبل اتهامه بالتجسس؟ ماذا عن الطريقة التي تتسامح بها السلطات -ها هي نفس الكلمة تظهر مرة أخرى- مع المعاملة الفظَّة للعمال المهاجرين.

ستضم قمة التسامح مجموعة من المتحدثين من السعودية، حيث لا ينبغي أن تفكر حتى في انتقاد ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، الذي أغرق مع الإمارات دولة اليمن المجاورة في حربٍ كارثية، واعتقل المئات من النشطاء، من ضمنهم نساء بارزات في الحملة التي دعت إلى حق النساء في قيادة السيارات، وهو على أغلب الظن أيضاً مَن أمر بقتل الصحافي جمال خاشقجي.

الأسئلة الصعبة

سيتدفَّق إلى القمة الكثير من المتحدثين من صرح تسامحٍ آخر، وهي مصر السيسي، حيث اعتُقل الآلاف لتجاوزهم حدود القدر الضئيل من التسامح الذي يتمتع به الرئيس تجاه أي شكلٍ من أشكال النقد. وتشارك البحرين أيضاً بزوجٍ من المتحدثين، وهي التي أمعنت خلال السنوات السبع الأخيرة في إساءة معاملة الغالبية المسلمة الشيعية من شعبها، وشن حملات اعتقال ضدها، بينما تجبرها على التسامح مع عائلة حاكمة ظالمة، بحسب الموقع البريطاني.

وتتعهد قمة التسامح الإماراتية بتشجيع الشباب من خلال التعليم على السير في طريق الوئام، ما أعرب عنه أحد المنظمين بقوله: "سنطوّر مؤهلات المعلمين لتوجيه الشباب نحو قبول الاختلافات ومنع العنف، ودور المناهج في غرس ثقافة التسامح والسلام بين الطلاب".

لكن لا تخبروهم عن مداهمات منتصف الليل، وحالات الاختفاء، والحبس الانفرادي، والضرب، والمحاكمات الصورية. بدلاً من ذلك، علموهم فضيلة غض الطرف، وعدم التساؤل أو البحث عن الحقيقة، والابتعاد عن انتقاد السلطات بأي شكلٍ من الأشكال. واغرسوا فيهم بقوة فكرة أنَّ الجهل بما تفعله الدولة بأولئك الذين يدعون إلى التسامح الحقيقي هو أفضل سبيل للنأي بأنفسهم عن مصير السجن.

لا تسأل أي سؤال صعب عن السلطة، ولا تبحث عن إجاباتٍ صادقة من النخبة الحاكمة، وستشملك الإمارات أيضاً بدفء ما اختارت أن تسميه التسامح.

أما بالنسبة لي، فعليَّ أن أعترف بشعوري بقدرٍ من عدم التسامح. أنا متأكد أنَّ العديد من أولئك الذين جاؤوا إلى قمة التسامح، جاؤوا بأصدق النوايا، لكنَّني أتساءل حقاً: ألا يرون النفاق؟ ألا يدركون أنَّ هذه القمة ما هي إلا نشاط آخر من أنشطة العلاقات العامة المُغرِضَة والمكلِّفة، تقيمه دولة بوليسية ثرية لصالحها، أعتذر عن غِلظتي، لكنَّهم مجموعة من الحمقى سقطوا في فخ أفاقين، كما قال الكاتب.

وختم الكاتب مقاله يحضرني بيت من قصيدة للشاعر الأيرلندي ويليام ييتس يقول فيه: "فتر العزم في نفوس الكرام واتَّقد الجَلَد في نفوس اللئام". وأصدقكم القول إنَّني كلما كبرت في السن، أصبحتُ أقل تسامحاً، سواء مع الحمقى أو الأفاقين.

علامات:
تحميل المزيد