المغرب «يضمن» الصحراء بالتنمية.. استثمارات بمليارات الدولارات، أسلحة المملكة لتعزيز ثقلها أكثر في الأقاليم المتنازع عليها

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/12 الساعة 19:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/12 الساعة 19:58 بتوقيت غرينتش
الملك محمد السادس يفتتح بالصحراء/ أرشيف

قبل أقل من شهر على تنظيم اجتماع حول قضية الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو وموريتانيا، المقرر انعقاده يومي 5 و6 ديسمبر/كانون الأول 2018 في جنيف- أنهى المغرب مشروعه الجديد "النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية"، وهو عبارة عن مجموعة من المشاريع الاقتصادية التي تهدف إلى إخراج هذه المنطقة من عزلتها وتطبيع وضعها الاجتماعي والسياسي.

ويهدف المغرب من خلال هذا المشروع، إلى تعزيز ثقله أكثر على ميزان القوى، الذي تميل كفته لصالحه.

مضت 3 سنوات منذ إطلاق المغرب مشروع "النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية"، الذي بدت ملامحه تتشكل أخيراً. وتركز الرباط على هذا المشروع لتعزيز موقفها في قضية الصحراء الغربية .

برنامج تنموي للصحراء بنحو 8 مليارات دولار

حسب مجلة Jeune Afrique الفرنسية، تستأثر كل من منطقة العيون وبوجدور والساقية الحمراء بأكثر من نصف الاستثمارات، التي تقدَّر قيمتها بنحو 81 مليار درهم (أي ما يعادل 8 مليارات دولار)، والتي تم التخطيط لها خلال إعلان البرنامج العملاق الذي دعا إليه العاهل محمد السادس، في العيون، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015، بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء.

وأكد رئيس المجلس الإقليمي، حمدي ولد الرشيد، أن "هذا المشروع العملاق يأتي في إطار رؤية متكاملة لتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي، باعتبارها همزة وصل بين المغرب وامتداده الإفريقي".

في المقابل، ما زال وضع و قضية الصحراء الغربية يعيق هذه الاستراتيجية الإفريقية، ولكن العاهل المغربي عازم على تحدي هذه الصعوبات.

في تقريره الأخير عن هذه القضية، والذي عُرض خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، أشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى أنه "بالنسبة لجبهة البوليساريو، فإن هذه الاستثمارات والأنشطة التنموية، فضلاً عن استغلال الموارد الطبيعية للصحراء الغربية،  تنتهك القانون الدولي ووضع الصحراء الغربية باعتبارها منطقة لا تتمتع بحكم ذاتي".

ومن المرجح ألا تلقي هذه الحجج التي قدمتها الجبهة بثقلها علىقضية الصحراء الغربية ، خاصة مع نفاد صبر الهيئات الدولية تجاه تواصل الوضع الراهن.

ورغم أن مجلس الأمن الدولي مدد مهمة بعثته بالبلاد في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، فإنها لن تتجاوز مدة 6 أشهر، تحت ضغط من الولايات المتحدة، التي تدفع نحو التوصل إلى حل نهائي وسريع لهذا الصراع. ومهما حدث، يبدو المغرب مصمماً أكثر من أي وقت مضى، على تأكيد منطقة الصحراء الغربية جزء من ترابه "الوطني".

هل ينجح المغرب في جعل الجنوب "وِجهة جذابة مثل الشمال"؟

خلال السنوات الأخيرة، طرأت عدة تغيرات على ملامح مدينة العيون، عاصمة الأقاليم الجنوبية، حيث تم إنشاء مراكز لعلامات تجارية دولية ووطنية، وفنادق جديدة، وتم تحديث حضري، وتهيئة البنى التحتية، وفتح مركز بعثات تعليمية أجنبية… ويفسر سبب هذا الاهتمام بقيمة العقار.

ذكر محمد سالم بنمسعود، نائب رئيس الفرع الجنوبي للاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، أن "متوسط سعر المتر المربع الواحد قد ارتفع بنسبة 40% خلال السنوات الخمس الماضية.

وقال حمدي ولد الرشيد، الذي يشغل منصب رئيس بلدية العيون: "خلال السنوات الأخيرة، حازت مدينتنا العديد من الجوائز على مستوى الأمن البيئي والمناطق الخضراء التي تمنحها منظمة المدن العربية".

يدرك حمدي ولد الرشيد، الذي انتُخب في عضوية مجلس المستشارين، مدى أهمية نطاق الاستثمار العام بالمنطقة، الذي يعتبره علامة على توجه جديد في التعاطي مع قضية الصحراء الغربية .

وبيَّن حمدي ولد الرشيد أن "السياسة التي ترتكز على مد يد العون من خلال توزيع بطاقات المساعدة الذاتية الوطنية التي تتيح الوصول إلى الإيجار الشهري أو السلع المدعومة، قد بلغت حدودها".

وأضاف حمدي ولد الرشيد أن النهج الحالي يتمثل في خلق ثروة يستفيد منها الجميع، يمكن أن تجعل الجنوب وِجهة جذابة مثل الشمال".

ويبدو أن المملكة أدارت ظهرها للإدارة التقليدية في قضية الصحراء الغربية

فقد كانت إدارة الأقاليم الصحراوية تقوم أساساً على تحقيق السلام الاجتماعي من خلال الدعم الحكومي. ويتابع القطاع الخاص المحلي والمستثمرون الأجانب من كثب، الفرص التجارية بالصحراء.

في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2018، جمعت بعثة التنقيب، بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة الفرنسية في العيون، نحو 100 مستثمر.

تنتاب المستثمرين المحتملين بعض الشكوك بشأن تحقيق هذه الأهداف، خاصة بعد إطلاعهم على الإرادة السياسية للمغرب التي تصاحب هذه المشاريع الكبرى؛ خاصة أن "النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية" مراقَب باستمرار.

ولكن تأخر تنفيذ هذه المشاريع الملكية ستكون له عواقب وخيمة، وخير دليل على ذلك سلسلة الإقالات التي تلت فشل مخطط الحسيمة للتنمية، الذي تم إطلاقه قبل أسابيع قليلة من إطلاق مشاريع الأقاليم الجنوبية.

ومن جهته، فإن "يحضيه بوشعاب"، والي منطقة العيون وبوجدور والساقية الحمراء، مستعد يومياً لإنهاء المهمة الموكلة إليه وإزاحة أي عقبة تقف في طريق تقدم المشاريع.

وهو ما يتأكد من خلال الأرقام المتداولة بالمنطقة

وفقاً للجنة الوطنية للاستثمار، "تعتبر الأرقام المتداولة خير شاهد على الجهود التي تبذلها الدولة المغربية، حيث إن 53% من التمويل الذي يقدمه المغرب بالمناطق التابعة له يتمركز في الصحراء".

ومن جهته، أكد مدير وكالة البرمجة والتتبع، رشيد حدادي، أن "من بين 279 مشروعاً تم التخطيط لها في المنطقة بتكلفة إجمالية قُدرت بنحو 43.2 مليار درهم [نحو 4 مليارات يورو]، حققنا معدل انطلاق بنسبة 60%، ومعدل التزام مالي بنسبة 43%".

ويسهم ذلك في تعزيز هذه الخطة الاستثمارية التي تمتد حتى سنة 2021 لتصل إلى ملياري درهم (182 مليون يورو، منها 850 مليون "77 مليون يورو") تم دفعها هذه السنة.

ولفت حمدي ولد الرشيد إلى أن "هذا الرقم يعكس ضعف ميزانية المنطقة، ونحن بصدد التمتع بقرض من صندوق القروض والجماعات المحلية، للوفاء بالتزاماتنا".

وفي إطار تحقيق التكامل الاقتصادي بين مختلف الأقاليم، يعد التكوين المهني للشباب المحلي قضية رئيسية. كما تسهم مجموعة Groupe OCP إلى حد كبير، في هذا النظام الجديد الذي تروج له السلطات المغربية.

تدير شركة Phosboucraa التابعة لهذه المجموعة واحداً من بين أكبر المشاريع في المنطقة. وعلى بُعد 30 كيلومترا من مدينة العيون، تتم إعادة تهيئة ميناء الفوسفاط التابع لمجموعة OCP.

ومن المنتظر أن يتم استثمار ما يقارب 20 مليار درهم (1.8 مليار يورو) في بناء ميناء جديد، إلى جانب العمل على إنشاء تيكنوبوليس (مدينة تكنولوجية) في منطقة فم الواد، ووحدة إنتاج أسمدة متكاملة، بشكل مماثل للمشاريع التي إنشاؤها في منطقة الجرف الأصفر.

أفاد مدير شركة Phosboucraa محمد شحتان، بأن "مشاريع الأنابيب ستخلق أكثر من 1200 وظيفة مباشرة. وبالفعل، يتلقى نحو 500 شاب من منطقة الجنوب حالياً تدريباً في مواقع مختلفة من المكتب الشريف للفوسفاط، إلى أن تصبح منشآتنا جاهزة".

ويشكل هذا الأمر متنفساً لمنطقةٍ، 16% من سكانها من العاطلين عن العمل، (مقابل 10% من العاطلين على المستوى الوطني). وهذه الفئة الهشة من شباب المنطقة معرضون لخطر التوجه نحو تهريب المخدرات والإرهاب.

كما تسعى لتعزيز "الشعور الوطني" بالنسبة لسكان المنطقة

يتم تنفيذ مشاريع أخرى هامة في منطقة العيون، من ضمنها إنشاء مركز استشفائي جامعي، فضلاً عن أشغال تطهير المياه، وإقامة سد على الساقية الحمراء.

وفي الوقت الحالي، يجري بناء طريق سريع تربط بين تيزنيت والعيون، وتوسيع الطريق الوطني بين العيون والداخلة.

ويقول ممثل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مفتخراً برؤية شركات مغربية محلية تفوز بأسواق عديدة، إن "حالة الطريق المؤدي إلى العيون قد جعلت قدرتنا التنافسية تتراجع. ونحن نشتري موادنا الخام بمبلغ أغلى بنسبة 25% من أسعارها في بقية المغرب".

وأضاف ممثل الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن "العديد من المشغلين في المنطقة قد فازوا بعقود مهمة في إطار هذه المشاريع، لكن يجب تعزيز هذا التوجه من خلال تفضيل الأطراف المحلية".

وينبغي أن تدعم الهياكل الأساسية للطرق الجديدة وعملية تعزيز التجارة الترابط بين السكان، وهذا أمر ضروري لتعزيز الشعور الوطني، وبالتالي التأثير إيجابا على موقف الرباط في قضية الصحراء الغربية .

لكن، لا يقتصر النموذج الجديد للتنمية في الأقاليم الجنوبية على هذه المشاريع الكبرى. ففي القطاع الزراعي مثلاً، تنضاف مشاريع الهيكلة الكبرى، على غرار تهيئة منطقة زراعية سقوية جديدة تبلغ مساحتها 1000 هكتار في منطقة جريفية (بتكلفة 450 مليون درهم).

إلى جانب مشاريع صغرى مثل إنشاء وحدة إنتاج الزبادي بتكلفة بلغت 36 مليون درهم، في منطقة فم الواد، وتحديداً في مقر تعاونية حليب الساقية الحمراء.

وأوضح دحان السباعي، رئيس هذه التعاونية التي تضم 52 عضواً، قائلاً: "لقد وصلنا إلى مرحلة لا نحتاج فيها إلى تعزيز مكانتنا في السوق فحسب، وإنما إلى تقديم منتجات ذات قيمة مضافة عالية أيضاً".

وقد نجحت تعاونية حليب الساقية الحمراء، النشطة منذ عام 1997، في تطوير أنشطتها بفضل برامج "مخطط المغرب الأخضر". وقد مكنتها هذه البرامج من تحسين طاقة إنتاجيتها، لتبلغ 30 طناً من الحليب يومياً، علاوة على تمويل مرافق الري في مزارع مربي الحيوانات.

على الرغم من الرهانات المتعلقة بإشكالية "استغلال" موارد الصحراء

تأمل السلطة في أن تسهم هذه المشاريع في تأجيل المطالب السياسية الكبرى، على الأقل. فبغض النظر عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، يطرح استغلال الموارد الطبيعية للصحراء تساؤلات سياسية جوهرية.

ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وخلال النقاش العام المتعلق بقضايا إنهاء الاستعمار، على هامش اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، أفاد العديد من الأشخاص (الذين وقّعوا على عريضة بشأن هذا الموضوع) بأن استغلال المملكة هذه الموارد غير قانوني.

ويتمثل رهان المغرب في التركيز على واقع التنمية الاقتصادية بهذه المنطقة، لنفي هذه الادعاءات بشأن قضية الصحراء الغربية .

إلى التوقعات حول خلق 120 ألف موطن شغل وتحسين الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي مستقبلاً، بدأت النتائج الإيجابية للنموذج الجديد للتنمية في الأقاليم الجنوبية بالتجلي فعلاً.

وقد اعترف ممثلو الأمم المتحدة بذلك. فقد أشار أنطونيو غوتيريش في تقريره، إلى أنه زار "العديد من المشاريع التنموية التي يمولها المغرب، منها مركز للمؤتمرات ومستشفى ووحدة لمعالجة الفوسفات في العيون".

كما لاحظ غوتيريش أن السكان المحليين كانوا "ممتنين للدعم المالي"، الذي "ساعد على تحسين البنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية في جميع أنحاء المنطقة".

ويُعتبر هذا الامتنان ضامناً للاستراتيجية السياسية الاقتصادية للرباط على الأراضي الصحراوية. ومن المؤكد أن هذا النهج يندرج ضمن "النضال المستمر من أجل إتمام السلامة الإقليمية للبلاد".

كما تطرق الملك المغربي إلى هذه النقطة في خطابه، بالسادس من الشهر الجاري (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء.

فهل يغير جلوس الجزائر إلى طاولة الحوار ولقاء جبهة البوليساريو الوضع ؟

بعد اجتماع جنيف، ستُفتتح جولة جديدة من المفاوضات لحل قضية الصحراء الغربية . ستكون الجزائر حاضرة في هذه المفاوضات، الأمر الذي يُعد سابقة من نوعه.

فقد تطرق وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إلى أن "الجزائر ستجلس هذه المرة إلى طاولة الحوار".

وفي الوقت الذي اكتفت فيه الأمم المتحدة بالإشارة إلى "الدول المجاورة" منذ عام 2002، فإن قرارها الأخير حول قضية الصحراء الغربية ، الذي تم التصويت عليه في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، قد ذكر دولتي الجزائر وموريتانيا صراحة.

ويُرضي هذا النهج الجديد الدبلوماسية المغربية، التي لطالما جعلت من المشاركة الجزائرية شرطاً أساسياً لاستئناف المفاوضات.

وبالنسبة لناصر بوريطة، لا مجال لإعادة حدوث سيناريو مفاوضات مانهاست، "التي كانت فيها جبهة البوليساريو غير قادرة على اتخاذ قرارها". وقد أثبت الخطاب الأخير لمحمد السادس، الذي ألقاه في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن المغرب مستعد لمناقشة الأمر مع جاره الجزائري مرة أخرى.

كما دعا الملك إلى إنشاء آلية سياسية للتوفيق بين مصالح الشعبين. وأضاف بوريطة أنه "(…) ليست هناك حاجة لتدخل طرف ثالث، سواء كان من الشفعاء أو الوسطاء، بيننا". باتت الكرة اليوم في ملعب العاصمة الجزائرية.

تحميل المزيد