من دجوكوفيتش ونادال إلى نيمار وديبالا.. The Independen: هكذا تستخدم السعودية الرياضة لتجميل صورتها

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/11 الساعة 18:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/11 الساعة 18:35 بتوقيت غرينتش
إلغاء مواجهة ديوكوفيتش ونادال في السعودية

قبل نحو عامين، بدأت السعودية الإلقاء بثقلها جدياً في الرياضة، عبر إنشاء صندوق تنمية الرياضة، الذي كان هدفه توجيه جزء من الثروة النفطية الهائلة للبلاد إلى بناء بنية تحتية رياضية جديدة بالكامل: أندية رياضية، ومرافق شعبية، وساحات راقية، وجذب كبريات الفعاليات الرياضية الدولية والترويج لها، بهدف تجميل صورة السعودية في الخارج .

وحسب تقرير صحيفة The Independent البريطانية، فعلى مدار عقود، لم تبذل الدولة السعودية الإسلامية المتشددة جهداً كبيراً للانخراط في المجتمع الرياضي الدولي، ونظرت إلى الرياضة بالطريقة نفسها التي تنظر بها إلى العديد من أشكال الترفيه الأخرى: باعتبارها  أمراً غير ذي أهمية في أفضل الأحوال، وتهديداً ثقافياً في أسوئها.

كان هذا موقفاً يعكس بطريقةٍ ما سلوك المملكة تجاه بقية العالم: لا مبالاة متغطرسة تعززها حقيقة أنَّها يمكنها ببساطة في أي لحظة إيقاف إمدادات النفط وإصابة الاقتصاد العالمي بهبوط حاد.

استثمارات ضخمة من أجل تجميل صورة السعودية في الخارج

لكن يوماً ما سينفد النفط بالتأكيد، يقول تقرير للكاتب المتخصص في الرياضة بصحيفة الإندبندنت البريطانية،  جوناثان ليو. ويوضح أنه من أجل تقليل اعتماد اقتصادهم على النفط، يحتاج السعوديون إلى التنويع. ومن أجل التنويع، كانت المملكة بحاجة إلى استثمارات خارجية.

وللحصول على استثمارات خارجية، كانت المملكة بحاجة إلى كسب ود دول العالم. وكما هو الحال مع الطفل الثري في المدرسة الذي يكرهه الجميع، هل هناك طريقة لكسب ود الآخرين أفضل من تنظيم حفل ضخم ودعوتهم إليه؟ بطبيعة الحال، تُعَد هذه نظرة مُبسَّطة للأمور، يقول الكاتب.

إذ اتخذ الاستثمار السعودي أشكالاً عديدة: فالمملكة تُعد من أكبر المستثمرين في شركة Uber، ومستثمراً كبيراً في تويتر، ومن الإنصاف أن نشير إلى رجل الأعمال السعودي محمد أبو الجدايل الذي يملك حصة أقلية في الشركة الأم لصحيفة The Independent البريطانية.

لكنَّ الرياضة اضطلعت بدورٍ مهم، ليس فقط بسبب قدرتها على جذب السياحة -وهو جزء آخر من استراتيجية التنويع- بل وكذلك بفضل سهولة وصولها إلى الجمهور العالمي وأبطالها الذين يمكن شراء صمتهم بسهولة ما يسهل تجميل صورة السعودية في الخارج .

وكما اكتشفت كلٌ من قطر وأبوظبي وروسيا وغيرهم كثيرون قبل السعودية، اغرس نفسك بعمق في المجتمع الرياضي الدولي، ولن يتمكَّن حتى أسوأ أعدائك من اقتلاعها.

ورأت الحاجة إلى تغيير صورة السعودية الشائعة كدولة وحشية محافظة وقمعية -رغم أنها لا تزال فعلياً كذلك- في الرياضة نوعاً من اختصارات لوحة المفاتيح لتجميل هذه الصورة.

وهو ما وضع رموز الرياضة العالمية في موقف "حرج"

وبعد بضعة أشهر، كان نجما التنس الصربي نوفاك دجوكوفيتش والإسباني رافاييل نادال يجلسان في قاعة مؤتمرات صحفية بالعاصمة الفرنسية باريس، وبدا أنَّهما يستشعران الحرج. إذ كانا يدافعان عن قرارهما لخوض مباراة استعراضية مربحة بمدينة جدة السعودية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، في مواجهة دعوات بإعادة النظر في الأمر على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في تركيا.

وأشار نادال قائلاً: "أعلم أنَّ شيئاً سيئاً للغاية قد حدث بالداخل هناك"، في حين قال دجوكوفيتش: "في الوقت الحالي، لا تتوفر لدينا معلومات كافية. علينا أن ننظر في ذلك أكثر قليلاً".

وفي ذلك الوقت، تساءلنا ما هي بالضبط المعلومات الإضافية التي يحتاجها دجوكوفيتش لإصدار حكم على بلدٍ تُحرَم فيه المرأة من حقوق الإنسان الأساسية، ويتعرَّض فيه العمال المهاجرون للإساءة بشكل روتيني دون اللجوء للقضاء.

 وهو البلد الذي -وفقاً للعديد من الخبراء- يرتكب جرائم حرب في اليمن تحت ستار محاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، إلا ان ذلك لم يمنعه من المضي قدما في تجميل صورة السعودية في الخارج .

وأضاف دجوكوفيتش قائلاً: "لا أحب أن أقحم نفسي في أي حوارات أو مواقف سياسية"، وهو أمر نعتقد أنَّ الكثير من الضحايا المذكورين أعلاه كانوا يحرصون عليه أيضاً.

إلا أن ذلك لم يمنع السعودية من استضافة نجوم العالم

لكن بعد أسبوعين حصلنا على الإجابة التي نريدها، إذ أُعلِن الجمعة 9 نوفمبر/تشرين الثاني عن تأجيل مواجهة دجوكوفيتش ونادال بشكلٍ مفاجئ بسبب إصابة نادال في الكاحل.

ولم يكن إلغاء المباراة، أو ربما تأجيلها (إذ أضاف تصريح دجوكوفيتش بشأن أنَّها "لن تُجرى هذا العام" بعض الغموض البنَّاء بشأن المباراة)، سوى حيلة بسيطة في استراتيجية السعودية لاستخدام الرياضة وأبطالها لتعزيز علاقاتها العامة.

فقبل أسبوعين، خاض المنتخبان البرازيلي والأرجنتيني لكرة القدم مباراةً ودية في مدينة جدة، في مواجهةٍ كانت غير مهمة إلى حدٍ كبير بالنسبة للجميع، باستثناء الحسابات المصرفية لاتحاديّ كرة القدم في البلدين، وللسعوديين أنفسهم، الذين تمكَّنوا من نشر صور نجوم المنتخبين -مثل نيمار وفيليبي كوتينيو وباولو ديبالا- وهم يلعبون على الملاعب السعودية ليراها الجمهور العالمي.

واستضافت جدة، ثاني أكبر مدن المملكة العربية السعودية، أيضاً نهائي بطولة السوبر العالمي للملاكمة في سبتمبر/أيلول الماضي، حين فاز الملاكم البريطاني كالم سميث على مواطنه جورج غروفز بالضربة القاضية؛ ليحرز لقب رابطة الملاكمة العالمية للوزن المتوسط.

ومستعدة لاستقبال المزيد من الفعاليات الرياضية الدولية تحسين صورتها

وهناك المزيد مما هو قادم من أجل تجميل صورة السعودية في الخارج . ففي ديسمبر/كانون الأول المقبل، تستضيف العاصمة السعودية الرياض السباق الافتتاحي لموسم سباقات فورمولا إي للسيارات الكهربائية.

وفي يناير/كانون الثاني المقبل، تستضيف الرياض أيضاً مباراة كأس السوبر الإيطالي بين فريقي يوفنتوس وإيه سي ميلان، وهي البطولة التي أُقيمت في السنوات الأخيرة في قطر والصين وليبيا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي.

ولم يتبقَّ الآن إلا أن تُقام في كوريا الشمالية وجنوب السودان لاستكمال قائمة الدول ذات السجل السيئ في حقوق الإنسان والفوز بإمدادات عام كامل من عِظام المعارضين.

وبالطبع تَسهُل رؤية ما يحصل عليه نجوم الرياضة من هذا. فحياة الرياضيّ قصيرة في النهاية، ومن الصعب أن نحمل ضغينة تجاه الأشخاص الذين يحاولون تحقيق أقصى استفادة في وقتهم المحدود للربح. لكن السؤال المثير للاهتمام حقاً هو ماذا يحدث على الجانب الآخر من الصفقة.

بمباركة من مسؤولين دوليين، خاصة إذا كانت الرياض هي الممول

وبينما تنشغل الطائرات الحربية السعودية في قصف اليمن، يطوف السويسري جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد لكرة القدم (فيفا) دول العالم للترويج لمسابقته الجديدة لكأس العالم للأندية التي تمولها السعودية.

وفي حين يجري القبض على معارضي النظام السعودي واعتقالهم دون محاكمة، تستعد المملكة لاستضافة الجولة الأوروبية للغولف لأول مرة في يناير/كانون الثاني المقبل، بمشاركة نجوم اللعبة العالميين مثل الأميركيين داستن جونسون وباتريك ريد. ارفع صوت الموسيقى عالياً بما فيه الكفاية، ولن يتمكَّن أحد من سماع الصراخ.

كانت الرياضة أداة للسياسة الخارجية منذ التقى هنري الثامن ملك إنكلترا مع فرانسوا الأول ملك فرنسا عام 1520 في بلدة كاليه الفرنسية للمبارزة والمصارعة والتحدث في الأمور السياسية بينما يتناولان سيقان السمان. لكن في عصرٍ أصبحت فيه رائحة رأس المال الفاسد منتشرة وعلى نطاق عالمي للغاية لدرجة يكاد يكون من المستحيل تفاديها، تصبح ضرورة المجاهرة بالرأي أكثر أهمية.

وعلى أولئك الذين يتلقون الأموال أيضاً واجبٌ لقول الحقيقة.

كتب خبيرٌ في السياسة السعودية في وقتٍ سابق من العام الجاري قائلاً: "إنَّ عدم انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان يخلق أجواءً تُمكِّن الحكام المستبدين من حرمان مواطنيهم من حقوقهم المدنية". هذا الكاتب كان اسمه جمال خاشقجي!

تحميل المزيد