صحيح أن العالم غاضب من محمد بن سلمان بسبب مقتل خاشقجي، لكن الأمر يختلف في المناطق الريفية بالسعودية

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/01 الساعة 21:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/01 الساعة 21:10 بتوقيت غرينتش
Saudi Defence Minister, Prince Mohammad bin Salman (C), visits the International Defence Exhibition and Conference (IDEX) in Abu Dhabi February 22, 2015. The event, which aims to showcase the latest technology in defence, runs from from February 22 to 26. REUTERS/Stringer (UNITED ARAB EMIRATES - Tags: MILITARY SOCIETY ROYALS POLITICS)

أضرت الشكوك واسعة الانتشار التي تفيد بأنَّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان متورط في عملية قتل جمال خاشقجي -وهو أمر تنكره الحكومة السعودية بشدة– الصورة الوردية عن الأمير الشاب القوي، في واشنطن وأوروبا.

وفرضت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قيوداً على تأشيرات العملاء المتورطين في القتل، وتدرس فرض مزيد من العقوبات.

لكن الأمر يبدو مختلفاً جداً في القرى الريفية الزراعية بالصحراء السعودية، فهناك الكل وراء أميرهم الشاب محمد بن سلمان ، حتى وإن ثبت أنه هو مَن أمر بتنفيذ جريمة قتل جمال خاشقجي ، يقول تقرير لصحيفة The washington post الأميركية.

لا أحد يصدق أن محمد بن سلمان وراء قتل جمال خاشقجي

خرج عشرات الرجال من المسجد وعبَروا الشارع إلى سوق الخضراوات الذي يقام كل أسبوع، حيث كان يبيع المُزارع صالح عثمان الحقباني البصل الأخضر بمؤخرة شاحنته الصغيرة.

سار راشد العوضين تجاهه، ومسح الرجلان أنفيهما بعضها ببعض، في تحية تقليدية تُعرف باسم "الموايه بالخشوم"، وهي مشهورة هنا في هذه القرية الزراعية الريفية بالصحراء الحارة، التي تبعد 70 ميلاً جنوب العاصمة الرياض.

قال العوضين، وهو مجند متقاعد يبلغ عمره 50 عاماً، لزائر في حين كان يدفع ثمن البصل الذي اشتراه: "الحياة هنا جيدة، لأنَّ ولي العهد محمد بن سلمان يعمل دائماً، ويجتهد لأجلنا ولأجل جعل حياتنا أفضل. أدعمه ولا شيء يمكن أن يغير هذا، مهما حدث. سأتبع قيادته (للمملكة) طوال حياته".

في هذه البقعة النائية من السعودية والبعيدة عن المدن الكبيرة بالمملكة، قال أشخاص أُجريت معهم مقابلات في سوق الديرة، إنَّ حادث مقتل جمال خاشقجي كانت مأساوية، لكنها ليست ذات صلة بحياتهم اليومية.

وقال معظمهم إنَّهم كانوا على علم بها، رغم أنَّ أحدهم على الأقل قال إنَّه لم يسمع بها. لكن كل شخص أُجريت معه مقابلة، قال إنَّه يرفض تصديق تورط محمد بن سلمان.

قال القحباني، بائع البصل، الذي يبلغ من العمر 51 عاماً: "لا أحد يصدق هذه الأمور الغبية. لو أراد قتله، كان بإمكانه إعادته هنا. لكنه أكبر بكثير من هذا (التصرف)، وأذكى كثيراً من الإقدام على فعله".

سمع يحيى العوبلي، وهو أحد زبائن القحباني ويبلغ من العمر 55 عاماً، الحوار الدائر  بشأن قتل جمال خاشقجي بالصدفة في أثناء شرائه البصل، ليضيف قائلاً إنَّ الاشتباه في تورط محمد بن سلمان "غير منطقي. هذا فقط ما تقوله وسائل الإعلام". وأضاف العوبلي أنَّ وفاة خاشقجي لا بد من أنَّها كانت جراء حادثة.

قال العوبلي عن وفاة خاشقجي، الذي كان يعيش في منفاه الذي اختاره بنفسه في ولاية فيرجينيا الأميركية: "ربما أصيب بسكتة دماغية. لا أظن أنَّ ولي العهد سيترك عمله المهم ليأمر بقتل رجل!".

وحتى من يشك في ذلك لا يستطيع الحديث علناً!

بشكل عام، يُحجم السعوديون عن نقد محمد بن سلمان الذي اعتقلت حكومته بصورةٍ متكررةٍ نشطاء حقوق الإنسان، ورجال الدين، ورجال الأعمال، وحتى أفراداً من العائلة المالكة جرؤوا على انتقاده أو تحدّيه.

تصف جماعات حقوق الإنسان وآخرون، بينهم بعض السعوديين الذين يتحدثون سراً، كيف أنَّ المملكة يسودها مناخ مليء بالخوف، يخشى الناس فيه من أن يُعتقلوا بسبب التجاوز الطفيف بحق الأمير الذي يبلغ فقط 33 عاماً، وعزز لنفسه سلطة غير مسبوقة.

قال ناقدون أجانب إنَّ محمد بن سلمان لم يعد يتحلى بالمكانة الأخلاقية التي تؤهله ليكون ولياً للعهد، وإنَّه ينبغي أن ينحّيه والده الملك سلمان عن منصبه، ويتمنى بعض السعوديون ذلك سراً أيضاً.

لكن العديد من المعلقين قالوا إنَّ إطاحة محمد بن سلمان بسبب قضية قتل جمال خاشقجي أمر مستبعد للغاية، وإنَّ معظم السعوديين يفضلون الاستقرار على الفوضى التي قد تصاحب عزله.

وبعضهم خائف من أن يتركهم محمد بن سلمان في "فراغ وفوضى"

قال دبلوماسي غربي سابق في الرياض، إنَّه لم يلحظ تقريباً أي رغبة بالسعودية في عزل ولي العهد محمد بن سلمان ، وإنَّ السعودية تقاوم الضغط الخارجي في قضية قتل جمال خاشقجي . وأضاف أنَّ هذا كان واضحاً بوجه خاص في المناطق الريفية، حيث يوجد دعم قوي للملكية.

وتابع: "يتخذ السعوديون من كل الأطياف تقريباً موقفاً دفاعياً إزاء عالَم معادٍ يرونه ظالماً. جميعهم تقريباً يقولون: (من سيحل محل محمد بن سلمان ويحافظ على استمرار المضي قدماً في  الإصلاحات؟). بصراحة شديدة، أكبر مخاوفهم هو أن يصيبه شيء فيتركهم في فراغ وفوضى".

في السوق الأسبوعي، الذي يقام تحت خيمة قماشية بجوار البقايا المتهدمة من جدران المدينة القديمة المصنوعة من الحجر الرملي، كان الدعم الذي يحظى به محمد بن سلمان قوياً. د

أشار معظم الناس إلى وسائل ملموسة استخدمها محمد لتحسين حياتهم هنا، بعيداً عن المتاجر التجارية الكبيرة في جدة والرياض. قال كل شخص أُجريت معه مقابلة تقريباً، إنَّه ممتنُّ لبرنامج محمد بن سلمان للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي المسمى "رؤية 2030".  

تُظهر لوحة إعلانات كبيرة في شارع التسوق الرئيسي بالمدينة، صورةً لمحمد بن سلمان وللملك، وتشكرهما على جهود محمد لتمدين المجتمع السعودي وتنويع الاقتصاد بعيداً عن عائدات البترول.

في مقابلات جرت على مدى الأسبوعين الماضيين، أشاد سكان الرياض بالخطوات الكبيرة التي اتخذها محمد لإجازة دور السينما ووسائل الترفيه الأخرى، وتوفير المزيد من الوظائف للنساء، والسماح لهن بقيادة السيارات، وسحب السلطة من الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وإلغاء وجودها في مراكز التسوق التي كانت تسيّر بها دوريات.

فولي العهد الذي "حسّن حياتهم" لا يمكن أن يتورط في القتل

لكن هؤلاء الذين أُجريت معهم مقابلات في قرية الدلم أشاروا إلى منافع تؤثّر في حياتهم اليومية، مثل: وجود طرق أفضل، وحرم جامعي جديد، ومركز تسوق جديد، وإعادة الهيكلة الإدارية التي وفرت ميزانية واهتماماً حكومياً أكبر بالقرية التي لطالما شعرت بأنَّها مهمشة.

وقال هؤلاء الأشخاص إنَّ التحسينات سرعان ما أثرت في حياتهم أكثر مما فعل قتل جمال خاشقجي في تركيا، وهو ما أصروا على أنَّ بن سلمان لا علاقة له به.

حين سُئل عما إذا كان من الممكن أن يكون محمد بن سلمان قد أمر بالقتل، قال العوبلي: "لا. مستحيل"، وأصدر صوتاً بفمه معبراً عن رفضه هذه الاحتمالية.

وأضاف: "إننا دولة فطنة، وعلى دراية بالعالم الخارجي. ما حدث لخاشقجي كان فظيعاً، وضد تعاليم الإسلام. لم يفعل ولي عهدنا هذا. نحن نثق به ونشعر بالتغييرات التي قام بها لأجلنا".

جلس عبد الله، الذي رفض الإفصاح عن اسم عائلته، على سجادة حمراء مفروشة على الأسفلت في السوق بين سيارتين مرتفعتين فارهتين، وأمامه كومة من العود الهندي، بالإضافة إلى 4 حقائب متفاوتة مليئة أيضاً بالعود.

وقال عبد الله وهو يزن بعض العود الباهظ الثمن ويضعه في كيس ورقي لزبون: "ولي العهد يجعل كل شيء أفضل؛ أشعر بالامتنان لكل ما يفعله".

وأضاف مشيراً إلى تعليقات قالها محمد بن سلمان في مؤتمر استثماري كبير بالرياض الأسبوع الماضي: "قال بالأمس إننا سنكون أوروبا أخرى، وهذا شيء ندعمه كلنا".

وتابع: "لطالما كانت السعودية والولايات المتحدة حليفتين منذ عهد روزفلت (الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت). نحن والأميركيون على الشاكلة نفسها: كلانا ضد الإرهاب. إننا أناس سلميون".
حين سئل عن قتل جمال خاشقجي ، قال عبد الله: "نحن ندعم عَلَمنا، وملكنا، وولي عهدنا، وبلادنا".

وحتى لو ثبت أنه مَن أمر بقتله، فإن ذلك لن يُغير من دعمهم لولي العهد

بعد أن هدأ السوق، وسار الرجال بعيداً بأكياسهم البلاستيكية المليئة بالمشتريات، جلس محسن محمد المحسن، الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، في شاحنته الصغيرة "ماركة تويوتا" عند مدخل السوق. وقال: " قتل جمال خاشقجي بالخطأ. نحن لا نصدق وسائل الإعلام؛ وسائل الإعلام تكذب دائماً".
يشتبه العديد من السعوديين في أنَّ منافسي السعودية، مثل إيران أو تركيا أو قطر على وجه الخصوص، متورطون بشكل ما في قتل جمال خاشقجي ، رغم أن السلطات السعودية الآن تقول إنَّ قتل خاشقجي كان مخططاً له ونفذه سعوديون.

يقول المحسن، الذي تخرج في جامعة الرياض ويبحث عن وظيفة مُعلم دين في مدرسة حكومية، إنَّ قتل خاشقجي "يقلقه"، لأنَّه ينتهك التعاليم الإسلامية.

لكنه مثل العديدين الذين جرت معهم مقابلات على مدى الأيام الماضية، قال إنَّه حتى لو ثبت أنَّ محمد بن سلمان هو مَن أمر بقتل خاشقجي، فلن يغير هذا دعمه لولي عهد.

وقال في حين كان يفرك مسبحة حمراء بيده: "يجب ألا يكون الناس على خلاف مع ولاة أمورهم، مهما حدث. هناك مقولة إسلامية تقول: أن تكون صبوراً وتعيش مع قائد غير عادل 50 عاماً أفضل من أن تعيش بلا قائد يوماً واحداً".

تحميل المزيد