تُكثّف أميركا وبريطانيا، أكبر موردي الأسلحة للسعودية، ضغوطهما من أجل وقف حرب اليمن ، التي تُعد أسوأ كارثة إنسانية من صُنع الإنسان في العالم.
وتأتي الدعوات إلى وقف النزاع من جانب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مساء الثلاثاء 30 أكتوبر/تشرين الأول، ونظيره البريطاني جيريمي هانت يوم أمس الأربعاء 31 أكتوبر/تشرين الأول، في الوقت الذي تصاعدت فيه الانتقادات الدولية ضد السعودية بسبب حملة قصفها لليمن، وقتل الكاتب السعودي المُعارض جمال خاشقجي بحسب تقرير لصحيفة صحيفة The New York Times الأميركية.
تحوُّل في الموقف الأميركي أحد أكبر موردي الأسلحة السعودية
في تقرير لها اعتبرت وكالة الصحافة الفرنسية تلك التصريحات تحولاً في الموقف الأميركي بالدعوة إلى وقف حرب اليمن ، وتعكس أيضاً حجم الاستياء المتزايد للحكومة الأميركية ضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نتيجة الغضب الذي أثارته قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، في 2 أكتوبر/تشرين الأول، في قنصلية المملكة في إسطنبول.
إليزابيث كيندال، وهي باحثة يمنية في جامعة أكسفورد، أكدت في تصريح لها لصحيفة الواشنطن بوست الأميركية، أن الرواية السعودية حول خاشقجي فتحت أبواب الشك، لما تعلنه الرياض بالكامل عن حربها في اليمن، إذ لم تعد قادرة على إخبار العالم بما تريده دون أن يتشكك العالم فيها.
وإلى حين انتهاء مدة الشهر التي حدَّدها الجانب الأميركي لإنهاء النزاع في اليمن، فسوف تكون السعودية وحليفتها القوية الإمارات تحت أعين العالم.
وتدعم أميركا التحالف الذي تقوده السعودية، وتشارك فيه الإمارات بفاعلية، في حربها ضد الحوثيين، من خلال إعادة تزويد طائراتهم بالوقود، ومن خلال توفير الدعم الاستخباراتي واللوجستي، بالإضافة إلى مليارات الدولارات في مبيعات الأسلحة.
وتشبه مناورات الرياض بشأن قضية اليمن مناوراتها في قضية خاشقجي إلى حدٍّ مخيف. ففي أعقاب تفجير حافلة مدنية إثر غارةٍ سعودية، وصف مسؤولون سعوديون هذا التفجير في البداية بأنَّه هجومٌ على هدف مشروع. ثم قالوا بعد ذلك إنَّه كان حادثاً بالخطأ. ومع تصاعد الغضب الدولي بعد ذلك وصفوه بأنَّه عملية مارقة، ووعدوا بالتحقيق ومعاقبة المسؤولين عنه.
ومن ثَمَّ، فإذا كانت إدارة ترمب جادة في وضع حدٍّ لهذه الحرب الكارثية، يجب عليها -بحسب نيويورك تايمز- إيجاد طريقة لمواجهة هذا "الكذب"، وكذلك التصدي لقسوة نظام محمد بن سلمان.
وكانت حملة القصف التي قادتها السعودية سبباً رئيسياً في وفاة الآف المدنيين، وتدمير اليمن، في أثناء الصراع المستمر منذ ثلاثة أعوام ونصف العام، في أفقر دولة في العالم العربي.
وتتواجه في حرب اليمن القوات الموالية للحكومة المعترف بها من قبل الأسرة الدولية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين سيطروا في 2014 و2015 على مناطق واسعة في البلاد، بينها صنعاء.
ضغوط من الكونغرس من أجل وقف حرب اليمن
وتواجه الرياض، في الأشهر الأخيرة، ضغوطاً متزايدة في الكونغرس. ففي آذار/مارس 2018، رفض مجلس الشيوخ اقتراحاً بوقف أميركا الحملة السعودية في اليمن، لكن الفارق في أصوات المؤيدين والرافضين لم يكن كبيراً.
ومؤخراً، طالب بعض الأعضاء من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالكونغرس، المنزعجين بالفعل من حرب اليمن والغاضبين بسبب مقتل خاشقجي، إدارة ترمب بمعاقبة السعودية.
وفي خطاب أذاعته شبكة تلفزيون NBC الأميركية، طلب 5 أعضاء جمهوريين بمجلس الشيوخ من ترمب الأربعاء 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تعليق المحادثات المتعلقة بالطاقة النووية المدنية مع السعوديين.
بدا اقتراح الإدارة الأميركية لوقف إطلاق النار يهدف -ولو جزئياً على الأقل- إلى تهدئة غضب الكونغرس والحفاظ على العلاقات مع السعودية.
وقال مايكل نايتس، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "من الواضح أنَّ ذلك شيءٌ مدفوعٌ بأحداثٍ تريد الحكومة الأميركية تجاوزها".
أميركا شعرت بالإحباط فتحركت
ويرى وليد الحريري، الخبير في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن الموقف الأميركي الجديد من أجل وقف حرب اليمن "قد يكون مؤشراً على شعور الحكومة الأميركية بالإحباط من فلتان الوضع، أو طريقة للقول إنهم يحاولون أن يفعلوا شيئاً لكنهم عاجزون، ويلومون أطراف النزاع لإخفاقهم في تسويته".
وأضاف الحريري لوكالة الصحافة الفرنسية: "إنه إعلان سياسي جيد، لكنه ليس مدعوماً بتحرك حقيقي وملموس أو جهد على نطاق واسع لتسوية النزاع".
ولم يتضح ما إذا كانت الدعوات التي وجهتها أميركا وبريطانيا ستكون مدعومة بإجراءات أقوى للضغط على السعوديين والأطراف المُقاتلة الأخرى المنخرطة في الصراع الدائر باليمن.
لكن دينيس روس، وهو دبلوماسي سابق مخضرم عمل مع إداراتٍ تابعة لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يرى أن "النفوذ هو أحد الأشياء الرئيسية التي تسهم في نجاح الجهود الدبلوماسية. وبومبيو لديه الآن بعض النفوذ على السعوديين لم يكن يمتلكه من قبل".
يُذكَر أنَّ مسؤولي إدارة ترمب يحثون السعودية، منذ أكثر من عام، على رفع الحظر المفروض على قطر، الجارة الخليجية التي تستضيف أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط، وفعل شيءٍ ما لإنهاء الحرب باليمن، التي تمثِّل كارثة متأزمة وفقاً للعديد من التقارير.