أثار مقتل جمال خاشقجي خوفاً في أوساط المعارضين السعوديين في الخارج، وكشف بعضهم عن محاولات من السلطات السعودية لاستقدامهم إلى سفارات بلادهم بهدف الضغط عليهم للعودة إلى المملكة.
وبعد مرور ثلاثة أسابيع تقريباً على اختفاء خاشقجي الناقد للسلطات السعودية في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت السلطات السعودية السبت 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أنّ الصحافي السعودي قُتل في قنصليتها في إسطنبول إثر وقوع شجار و"اشتباك بالأيدي" خلال نقاش في القنصلية "لم يسر بالشكل المطلوب وتطوّر بشكل سلبي (…)، وتفاقم الأمر مّا أدى إلى وفاته".
وقالت مصادر قريبة من الحكومة إن النقاش المذكور كان على الأرجح محاولة لإقناع خاشقجي بتسليم نفسه لم تجر بشكل جيد.
محاولات سعودية للإيقاع بالمعارضين السعوديين
وروى بعض المعارضين السعوديين في ثلاث دول مختلفة ما بدا محاولات من مسؤولين للإيقاع بهم لدخول ممثليات دبلوماسية تابعة لبلادهم، مشيرين إلى أن ذلك كان يمكن أن يعرضهم لمصير مماثل لخاشقجي.
وقال المعارض السعودي عمر عبد العزيز (27 عاماً) المقيم في كندا، إن مسؤولين سعوديين تحدثوا معه في وقت سابق هذا العام وحاولوا استدراجه لزيارة سفارة بلاده للحصول على جواز سفر جديد.
وأضاف عبد العزيز الذي أثار غضب السلطات عبر برنامج على موقع "يوتيوب" يسخر فيه من القيادة السعودية، في تغريدة على موقع "تويتر"، تعليقاً على مقتل جمال خاشقجي ، "فعلوا الأمر نفسه معي ولما رفضت، اعتقلوا إخوتي وأصدقائي".
وروى في شريط فيديو نشره على "يوتيوب" أن المسؤولين كانوا يقنعونه بالقول إن الأمر لن يستغرق أكثر من ساعة. ولما رفض خوفاً من التعرض لكمين، قال إن السلطات أوقفت في السعودية، عدداً من اصدقائه وأشقائه.
مستغلين حاجة النشطاء لمعاملات قنصلية
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" التي كان خاشقجي يكتب فيها أنها حصلت على تسجيلات مدتها ساعات سجلها عبد العزيز بشكل سري خلال محادثاته مع المسؤولين السعوديين الذين قصدوه في كندا.
وروى عبد الله العودة، وهو باحث في جامعة جورج تاون، لوكالة الأنباء الفرنسية أنه قصد العام الماضي سفارة بلاده في واشنطن لتجديد جواز سفره، فطلب منه العودة إلى المملكة لإتمام ما بدا له إجراءات بسيطة.
وعبد الله هو نجل الداعية السعودي المعروف الشيخ سلمان العودة، أحد رجال الدين الذين أوقفوا العام الماضي ضمن حملة اعتقالات قالت السلطات إنها موجهة ضد أشخاص يعملون "لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها". وقد طلبت النيابة العامة السعودية الشهر الماضي الإعدام للداعية.
وقال العودة "عرضوا علي تصريحاً مؤقتاً يسمح لي بالعودة إلى السعودية، لكنني عرفت أنه فخ، وغادرت السفارة مع جواز سفري المنتهية صلاحيته".
فهناك برنامج واسع لإعادة المعارضين السعوديين إلى المملكة
وتوحي هذه الشهادات بوجود جهود سعودية متزايدة لإعادة المعارضين السعوديين إلى المملكة، وذلك منذ تولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منصبه العام الماضي.
ولم ترد وزارة الإعلام السعودية على طلب بالتعليق على الموضوع، ولكن مصادر مقربة من النظام ألمحت إلى وجود برنامج واسع لإعادة المعارضين إلى المملكة.
وكتب علي الشهابي، "مدير معهد الجزيرة العربية" في واشنطن المؤيد للسعودية، على حسابه على موقع "تويتر"، "على الأغلب، أجاز محمد بن سلمان القيام بعملية لاستعادته (خاشقجي). وإذا كان الأمر كذلك، فقد كان (قراراً) غير حكيم، ولكن القادة والحكومات يرتكبون الأخطاء، وفي بعض الأحيان تكون فظيعة".
وأضاف "التغطية على ما حصل كانت غير حكيمة وتفتقر إلى الكفاءة".
وكتب شريف منصور من لجنة حماية الصحافيين لصالح معهد "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط أن "أقوى الرسائل وأكثرها مدعاة للخوف في هذه القضية تتمثّل في أن ما من أحد بمنأى عن الوقوع في قبضة السعودية القاسية".
وروى أحد أصدقاء خاشقجي أن أحد مستشاري ولي العهد تواصل مع صديقه في الأشهر الأخيرة لعرض منصب رفيع عليه في الحكومة في حال عودته إلى المملكة. لكن خاشقجي رفض ذلك متخوفاً من أن تكون خدعة.
في ظل تضاعف عدد طالبي اللجوء السياسي السعوديين
وروت الناشطة السعودية منال الشريف التي تقيم في أستراليا أنها تعرضت لمحاولة مشابهة في أيلول/سبتمبر 2017، عندما حاول سعود القحطاني الذي كان يشغل منصب المستشار في الديوان الملكي برتبة وزير، استدراجها إلى السفارة السعودية.
ونشرت الشريف على حسابها على موقع "تويتر" صوراً لمحادثاتها الخاصة مع القحطاني. وكتبت "لولا لطف الله لكنت من المغدور بهم".
وتمت إقالة القحطاني السبت مع مسؤولين آخرين على خلفية قضية خاشقجي.
وتضاعف عدد السعوديين الطالبين للجوء السياسي منذ تولي الأمير محمد بن سلمان منصبه. وكان هناك 575 ملف طلب لجوء في عام 2015، ارتفع إلى 1256 في عام 2017، بموجب أرقام صادرة عن الأمم المتحدة.
لكن قصة مقتل جمال خاشقجي أرعبت المعارضين السعوديين
وبات معارضون يتخوفون من زيارة الممثليات الدبلوماسية التابعة لبلادهم خارج المملكة.
وقالت الناشطة أماني الأحمدي (27 عاماً) التي تقيم في سياتل إن "قصة جمال خاشقجي المرعبة تسببت بحالة من الصدمة لدى الكثير من الناشطين".
وتابعت أن كثيرين من المعارضين السعوديين "لا يتحدثون علناً خوفاً من إيذاء عائلاتهم في الوطن، أو خسارة منحهم الدراسية، أو الأسوأ تعرضهم للخطف أو الاعتقال".
كما يتخوف كثيرون من هجمات إلكترونية تقوم بها حسابات وهمية مؤيدة للنظام فتلاحق المنتقدين. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن البرنامج من صنع القحطاني.
وقال عبد الله العودة "كان منفذو هذا الفعل المروع ضد خاشقجي يوجهون رسالة مفادها أن أي شخص يعبر عن أدنى خلاف مع الحكام سيتم استهدافه".
وتابع "هل نجح هذا العمل المتهور في إسكات الأصوات المعارضة؟"، مجيباً "صوت جمال أعلى من أي وقت مضى".
وشعر الكثير من المعارضين السعوديين بضغط الحكومة
ففَقَد البعض المنح الدراسية الحكومية، في حين أُغري آخرون للعودة إلى البلاد، ليجدوا الاعتقال أو التهديد إن لم يلزموا الصمت.
والبعض الآخر اعتُقِل أقاربه أو مُنِعوا من السفر. وقال عددٌ منهم إنَّهم يتجنَّبون السعوديين الآخرين في الخارج الآن خوفاً من الجواسيس، وإنَّهم لا يسافرون إلى أيِّ بلد عربي آخر، خشية تعرُّضهم للاعتقال والترحيل إلى السعودية.
قال عمر عبدالعزيز، المعارض المقيم في كندا في تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية: "إنَّهم لا يكترثون بما إذا كنت مشهوراً أو لديك متابعون كثر أم لا. إن انتقدتنا، حتى ولو قليلاً، سنلاحقك".
ولا يمثل المعارضون معارضةً مُنظَّمةً ومتجانسة، بل هناك عدد صغير من النشطاء والكُتَّاب وروَّاد الشبكات الاجتماعية من شرائح مختلفة يُعبِّرون عن آرائهم حيال مجموعة من القضايا. ويتراوحون بين أولئك الذين ينادون بإسقاط المَلَكية، وحتى أولئك الذين يرغبون في مزيدٍ من الحريات داخل النظام الحالي.
فقد يصل بهم الأمر إلى الخطف والاعتقال في أي مكان
برز اسم لجين الهذلول، وهي ناشطة جريئة في مجال حقوق المرأة، في 2014 حين سُجِنَت لمدة 73 يوماً بسبب محاولتها قيادة سيارتها إلى داخل السعودية قادمةً من الإمارات، حيث كانت تعيش.
وقال أصدقاؤها إنَّ الحكومة حاولت في مناسباتٍ عدة بعد ذلك إسكاتها أو اعتقالها أو استجوابها. لكن في مارس/آذار الماضي، أوقفتها سيارات مليئة بضباط الأمن على الطريق السريع في الإمارات، حيث كانت تدرس للحصول على درجة الماجستير. قيَّدوها، واقتادوها إلى المطار، ووضعوها على متن طائرة خاصة مُتَّجهة إلى السعودية، وهناك سُجِنَت لبضعة أيام.
كان زوجها فهد البتيري، وهو ممثل وكوميدي سعودي مشهور، يُمثِّل في مشروعٍ بالأردن. اعتقلته قوات الأمن هناك. ووفق بعض الأصدقاء، قيَّدوه، وعصبوا عينيه، ووضعوه على متن طائرة متجهة للسعودية.
وقالت منال الشريف، وهي ناشطةٌ وصديقة للزوجين، عبر الهاتف من أستراليا حيث تعيش الآن: "الأمر كما لو أنَّك لست بمأمن. فيمكن أن تُعتَقَل في أيِّ مكانٍ وتُرحَّل بالقوة".
وبعد إطلاق سراحها، بقيت لجين هادئةً، إلى أن اقتحم ضباط الأمن منزلها في مايو/أيار الماضي واعتقلوها كجزءٍ من موجة اعتقالات لنساءٍ دافعن عن حق قيادة المرأة للسيارة. لا يزال معظمهن محتجزات، وليس واضحاً إن كُنَّ اتُّهِمن رسمياً بأي جريمة.
انتهى زواج لجين، وحذف البتيري حسابه على موقع تويتر، وكان يكتب في سيرته الذاتية بالحساب أنَّه فخور بكونه زوجاً للجين. وفي يوليو/تموز الماضي، بلغت عامها الـ29 وهي داخل السجن.