حسابات بنكية لجنرالات جزائريين تكشفها أجهزة استخباراتية أوروبية.. وصحيفة فرنسية: أطراف داخلية تُفشل حملة مكافحة الفساد

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/21 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/21 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش
حملة مكافحة الفساد تطال جنرالات في الجزائر/ رويترز

قالت صحيفة Le Point  الفرنسية إن القبض على خمسة جنرالات من الجيش الجزائري واقتيادهم بعد إخضاعهم لعملية استجواب طويلة كان لها تأثير كبير على الضباط الشباب في إطار حملة مكافحة الفساد في الجزائر خاصة أن من بين هؤلاء الجنرالات اللواء حبيب شنتوف، القائد السابق للناحية العسكري الأولى، الذي أحيل على التقاعد خلال شهر أغسطس/آب الماضي، اللواء سعيد باي، القائد السابق للدرك الوطني، مناد نوبة، والقائد السابق لقسم المصالح المالية لوزارة الدفاع، اللواء بوجمعة بودواور. فيما تم إيقاف عقيد في الأمن العسكري في الليلة ذاتها دون الكشف عن هويته إلى حد الآن.

وكشفت صحيفة Le Point الفرنسية أن قاضي التحقيق العسكري خلال استجواب المتهمين وجه لهم عدة تهم أبرزها "الثراء غير المشروع، وسوء استخدام المنصب، والفساد..". كما تحدث قاضي التحقيق العسكري أيضاً عن تورط "أقرباء هؤلاء المتهمين في هذه القضايا"، الأمر الذي ينذر بتحقيقات معقدة للغاية.

وسبق أن تم إعفاء 20 جنرالاً ولواءً من الجيش الوطني

مع بداية فصل الصيف، ودون إصدار أي بيان رسمي، تم إعفاء قرابة 20 جنرالاً ولواءً من مهامهم في الجيش الوطني الشعبي الجزائري. وقد دفع جهاز الشرطة ثمن عملية التطهير هذه، التي انطلقت بإقالة المدير العام للأمن الوطني، عبد الغني هامل، على خلفية فضيحة حجز قرابة 701 كيلوغرام من الكوكايين في ميناء وهران على يد فرقة خاصة من البحرية الجزائرية في 29 مايو/أيار.

وفيما بعد، تمت إقالة مدير جهاز مخابرات الشرطة للأمن العام، لتتبعها إقالة رئيس شرطة الحدود، بالإضافة إلى مفوضين في الشرطة على مستوى محلي ووطني.

يشير ذلك إلى أن عملية التطهير ترتكز على سرعة الأحداث والحزم والعدد الكبير للمتورطين. وشملت هذه التحقيقات، التي تخضع لإشراف كل من مديرية الشرطة القضائية وتنسيقية أجهزة الأمن، والدرك الوطني، والمديرية المركزية لأمن الجيش، تتبع "الصلة بين بعض الأجهزة الأمنية والجريمة المنظمة، بما في ذلك الجريمة الدولية"، وفقاً لما صرح به أحد المسؤولين في الشرطة القضائية الجزائرية.

وتسبب الكشف عن قضية كوكايين، في إظهار العلاقة بين مسؤولين وشبكات مافيا

وفقاً لمصادر صحيفة Le Point  الفرنسية في الجزائر العاصمة، تسببت قضية حيازة الكوكايين التي أثيرت مع نهاية شهر مايو/أيار، والفضيحة السياسية والمالية التي أعقبت ذلك، في "تسريع عملية التحقيقات الجارية بخصوص كشف العلاقات التي تربط بين مسؤولين في أجهزة أمنية وبين شبكات مافيا".

اعتبر كمال شيخي، الملقب "بالبوشي" (الجزّار)، أحد أبرز المتهمين في قضية الكوكايين، حيث يمتلك شركة تعمل في استيراد اللحوم المجمدة التي تزود أيضاً المطاعم التابعة للجيش باللحوم.

خلال تفتيش مكتبه، عثر المحققون على أدلة لدى البوشي اعتمدها كوسيلة ابتزاز، حيث تعمد كمال شيخي تسجيل كل اللقاءات التي تجمعه بالأشخاص "الذين سهلوا عملية إدخال الكوكايين" (من بينهم مسؤولون محليون وقضاة وأبناء مسؤولين). كما كان يسجل يومياً في دفتر خاص كل التفاصيل المتعلقة بالرشاوى التي قدمها.   

لكن، لا يبدو أن قضية "البوشي" وحدها تقف وراء اندلاع الأحداث التي هزت الجزائر خلال الأشهر الأخيرة. وقد صرح وزير العدل الجزائري، الطيب لوح، بنفسه أنه قبل ظهور قضية الكوكايين، كانت التحقيقات جارية في تعقب سلسلة من التحويلات المالية الضخمة إلى بنوك في الخارج، وتحديداً إلى "دول في جنوب أوروبا ودول خليجية". كما أضحى البوشي محل متابعة منذ أن حول مبالغ تقدر بالمليارات نحو بلد أوروبي.

وداهمت قوات الدرك منازل العديد من الوزراء والمسؤولين المدنيين السابقين في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك وزير الصناعة والمناجم السابق، عبد السلام بوشارب، الذي ذُكر في أوراق بنما والذي كان مقرباً من الأخ الأصغر للرئيس، سعيد بوتفليقة.

ويهدد مصدر في وزارة المالية من أن "هناك حملة جديدة ستشمل قطاع الأعمال الخاص والعام. وعلى جميع من استفادوا من الأسواق العامة معرفة أن موعد المحاسبة قد حان".

ويقول وزير سابق إنه "في الوقت الحالي، ترفض الدوائر ترك صورة تكشف سوء الإدارة المالية والفساد المستفحل في كل القطاعات كإرث للأجيال القادمة التي لن تقضي على الفساد تماماً، ولكنها ستحمل على الأقل صورة لرئيس حاول القيام بذلك".

وسبق أن حذرت أجهزة مخابرات أوروبية من فتح حسابات مصرفية لنافذين في الجزائر

خلال العام الماضي، حذرت ثلاثة أجهزة مخابرات أوروبية دائرة الاستعلام والأمن الجزائرية، من أن "الحسابات المصرفية التي تضم مبالغ كبيرة تم فتحها لفائدة أشخاص يبدو أنهم من أصحاب المراكز الحساسة في الجزائر".

كما تساءلت المخابرات الأوربية أيضاً عن "السبب الكامن وراء امتلاك ابن لواء جزائري، لم يتجاوز عمره 30 عاماً، في حسابه الشخصي أكثر من 40 مليون يورو؟" حيث لمحت المخابرات الأوروبية إلى أنها تتعقب أعمالاً ترتكز على الثراء بطرق غير شرعية وتحويلات غير قانونية للأموال نحو بنوك في أوروبا.

واعترف مسؤول سابق في رئاسة الجمهورية بأنه "تم فتح تحقيقات عديدة قبل قضية المدعو "البوشي"، لكن حال تلاعب بعض الأطراف بهذه الملفات دون التوصل إلى أي نتيجة قضائية". ومن الضروري العودة إلى هذه الوقائع المقلقة التي جدت بين عامي 2008 و2013 على قضية سوناطراك، التي تُعتبر من أهم الفضائح السياسية والمالية في الجزائر الحديثة.

وتمت إقالة وزير الطاقة ورئيس شركة النفط العملاقة سوناطراك، شكيب خليل، من منصبه في عام 2010، بعد أن تخلى عنه صديقه عبد العزيز بوتفليقة، على خلفية فضيحة الاختلاس والفساد. في ذلك الوقت، كُلفت دائرة الاستخبارات والأمن، التي يترأسها محمد مدين، المعروف باسم "الجنرال توفيق"، بالتحقيق في هذا الملف. وصدرت مذكرة توقيف دولية في حق خليل، قبل أن يتم إلغاؤها بسبب خلل إجرائي.

وعلى إثر ذلك، تمت إدانة متعاونين مع شكيب خليل أو وسطاء له في هذه الفضيحة في إيطاليا في قضايا رشوة تورطت فيها شركة سايبم، في الوقت الذي لم يتم فيه إثبات تورط الوزير السابق في هذه القضية. في غضون ذلك، تم حل دائرة الاستعلام والأمن، وأُحيل رئيسها الجنرال توفيق على التقاعد، كما أُقيل النائب العام الذي أصدر أوامر الاعتقال الدولية.

في ذلك الوقت، وافق بوتفليقة على الانفصال عن شكيب خليل. كما كانت دائرة الاستعلام والأمن ورئيسها آنذاك في نزاع مع خليل، الذي فوضه بوتفليقة بإدارة قطاع الطاقة في البلاد. ولم يتقبل هذا الوزير القوي فكرة إصدار هذه الدائرة لأوامر عديدة  في كل المجالات، بما في ذلك التعيينات ومنح العقود، وفقاً لما أفاد به المسؤول السابق في رئاسة الجمهورية.

حينها، صرّح حسين مالطي، الشريك المؤسس لشركة سوناطراك ومؤلف كتاب "التاريخ السري للبترول الجزائري" أنه "تم استخدام قضية الفساد لنقل السلطة من شق إلى آخر. فقد استولت دائرة الاستعلام والأمن على قطاع النفط، الذي كان يسيطر عليه سابقاً الشق الرئاسي".

وللخروج من انتشار الفساد، قامت الحكومة بتدشين حملة لمكافحة الاحتيال على المال العام

كان سبيل الدوائر الرئاسية الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو تعميم "حملة" مكافحة الفساد، التي يبدو أن دائرة الاستعلام والأمن قد قادتها برئاسة الجنرال توفيق. وفي ذلك الوقت، قال بوتفليقة للأطراف المسؤولة عن مكافحة الفساد في دائرة الاستعلام والأمن: "حسناً، سنقوم بالتحقيق مع الجميع".

كما أصدر بوتفليقة تعليمات بضرورة تصريح جميع ضباط الجيش وأجهزة الأمن، فضلاً عن أقاربهم، بأصولهم وممتلكاتهم. وقال مصدر مطلع على التحقيقات حينها إن هذا القرار يُعد "أساساً جيداً للتحقيقات، حيث يتم البدء بتصريحات على الشرف تخص المهتمين أنفسهم". وشملت أولى التحقيقات عشرات المسؤولين الكبار منذ عام 2013، وقد ظلت هوياتهم ومواقعهم سرية نظراً لحساسية مهامهم.

مسؤول سابق في المخابرات قال أنه "من ناحية الإجراءات، تم تجميع كل الأدلة التي تم إرفاقها بوثائق تُثبت تهم الفساد، خلال جلسة عرض بيانات وعروض مطولة. وتزامنت هذه التطورات مع ذروة الأزمة التي شهدتها العلاقات بين الرئاسة ودائرة الاستعلام والأمن، الأمر الذي أوحى بوجود أسباب خفية وراء حملة التطهير هذه، بما في ذلك الولاية الرابعة التي كانت تلوح في الأفق في ذلك الوقت".

لطالما تم التلاعب "بحملات" مكافحة الفساد وتوظيفها لمآرب معينة، وتتعدد الأمثلة الدالة على ذلك كقضية عزل مصطفى بلوصيف في أواخر الثمانينيات والشبهات التي ارتبطت بكبار الضباط المعارضين للولاية الثانية لبوتفليقة في عام 2004.

لكن رغم ذلك ينظر البعض بالشك، تجاه هذه الحملة التي تسعى لمحاربة الفساد

أورد أستاذ العلوم السياسية، عابد شارف، أن "هذه الحملة ليست عبارة عن عملية تطهير "الأيادي البيضاء"، حتى وإن تبين أن هناك انتهاكاً للقانون، وهو أمر محتمل".

ويُضيف عابد أن "القضاء لا يعتبر قوة مستقلة، ذلك أنه يتم توظيفه، على غرار الإدارة، والمصالح الأمنية، لإضفاء الشرعية على القرارات التي تتخذها السلطة. في الواقع، كيف يمكن منح المصداقية لنظام أعطى نفوذاً واسعاً لسلطة المال؟ وبسبب بطء التحقيقات وسريّتها، أصبحت صورة هذه الحملة، التي يبدو أنها مستمرة منذ ستة أعوام على الأقل، غامضة".

علامات:
تحميل المزيد