The Telegraph: تركيا أدارت أزمة خاشقجي ببراعة وستخرج منها أول المنتصرين على حساب السعودية

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/19 الساعة 18:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/19 الساعة 18:14 بتوقيت غرينتش
العاهل السعودي في لقاء سابق بالرئيس التركي/ رويترز

اعتبرت صحيفة The Telegraph البريطانية أن أزمة الصحافي السعودية جمال خاشقجي ستصب في النهاية في مصلحة تركيا، التي كانت على خلاف كبير مع واشنطن، لكن مقتل الإعلامي البارز ساهم في تحسن العلاقات بين أنقرة وواشنطن.

وقالت الصحيفة البريطانية إن "الأسوأ من ارتكاب جريمة هو الوقوع في خطأ أثناء ارتكابها". كان هذا هو الحكم الساخر الذي أطلقه السياسي الفرنسي تاليران على اختطاف نابليون لأحد الملكيين المهاجرين وقتله بإشراف القضاء.

لم يُفسِد قتلة جمال خاشقجي عملهم عندما ذبحوه بينما كان لا يزال حياً، وإنما كانوا ينفذون الأوامر التي لطخت سمعة أسيادهم الملكيين تلطيخاً يتعذر إصلاحه. والمستفيد الأساسي من سوء التقدير السعودي البشع هذا هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

تركيا والخلاف مع الغرب

فقبل أسبوعين فقط، كانت تركيا على خلاف كبير مع الغرب. إذ كان استراتيجيو حلف شمال الأطلسي (الناتو) يشعرون بالانزعاج من تقارب تركيا وروسيا، خاصة بعد تعاون أنقرة مع موسكو وطهران في سوريا.

لكن الآن خفَّ الضغط عن أنقرة. إذ خرجت تركيا من محنتها بسمعةٍ أفضل، مقارنةً بالمقبرة التي خلَّفها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بحسب الصحيفة البريطانية.

يشعر الإعلام الغربي ونشطاء حقوق الإنسان بالغضب، لأسباب مفهومة، من جراء جريمة مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي والعمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية الذي أدى إلى  تدمير اليمن. لكنَّ قدرة الغرب على التركيز على شريرٍ واحد فحسب في كل مرة، والجرائم التي يرتكبها، تشوه تعقيدات إعادة تشكيل سياسات الشرق الأوسط.

وربما تطلق الطبيعة المروعة الفريدة لقتل خاشقجي سلسلة من ردود الفعل حول من قام بذلك. غير أنَّ السياسة حاضرة هنا، وكذلك الحال مع استمرار السعي لتحقيق العدالة لرجلٍ قتيل. لكن في العالم الواقعي، على الأرجح سيكون لتشويه السعودية نتائج مزلزلة.

تركيا تعاملت مع الأزمة ببراعة

وبصرف النظر عما قد يحدث في المملكة، فإنَّ إعادة موضعة تركيا لنفسها خلال هذه الأزمة كانت بارعة. إذ استخدم الرئيس أردوغان اطلاعه على المعلومات السرية كما لو كان مخرجاً خبيراً في السينما فهو يدرك أنَّك لا تُظهِر المشاهد الأكثر رعباً في البداية. وأدَّى التقطير البطيء للتفاصيل المروعة للحظات خاشقجي الأخيرة إلى إبقاء العالم منتظراً للجديد على أحرِّ من الجمر، فيما سارع السعوديون إلى التواصل مع تركيا بعد صراع مكتوم معها، بحسب الصحيفة البريطانية.

وبحسب الصحيفة البريطانية، يُمثِّل جعل السعوديين ينتظرون بقلقٍ انتقاماً لذيذاً منهم لقاء محاولتهم انتزاع السيطرة على جارة تركيا، سوريا. إذ أراد أردوغان عام 2011 أن تحل نسخته من السياسة الإسلامية محل الأسد. لكنَّ السعوديين أقحموا نسختهم من الجهاديين هناك بهدف إحباط الإخوان المسلمين المؤيدين لتركيا تماماً بقدر رغبتهم في إجبار النظام السوري على الرحيل.

أحبط أردوغان الطموحات السعودية عندما انتقل للشراكة مع روسيا وإيران، لكنَّه في الوقت ذاته أثار حفيظة الأميركيين. غير أنَّ تركيا استغلت فضيحة السعوديين لتجبر واشنطن على التودد إليها. فوصل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على عَجَلٍ من الرياض، لكنَّه لم يتمكن من سماع التسجيلات التي تُورِّط السعوديين في تعذيب خاشقجي. ومن المحتمل أنَّ الرئيس أردوغان عَلِمَ من بومبيو مدى رغبة الأميركيين في إنهاء هذه الأزمة.

من وجهة نظر تركيا، كانت أميركا تدعم طرفاً "خاطئاً" آخر في سوريا. فالدعم الأميركي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" خطٌ أحمر بالنسبة للرئيس التركي، وتريد تركيا نزع سلاح الفصائل المسلحة والتي تصنفها أنقرة إرهابية في سوريا. كما أنَّها أكثر توقاً من الإيرانيين لرؤية الأميركيين يخرجون من سوريا.

تركيا وإيران مستفيدتان

هذا النبذ الغربي المتزايد للسعودية جاء في صف تركيا وإيران. فلو سحب الغرب البساط من تحت المملكة، سيكون هذا أفضل لهما بكثير. وقد تلقَّفت كلٌ من أنقرة وطهران تصريح الرئيس ترمب عشية الأزمة، عندما حذَّر الملك سلمان قائلاً: "لن تبقى أسبوعين في السلطة دون دعمنا". لكن حتى إذا لم تتعرض الأسرة الحاكمة في السعودية للانهيار، فإنَّ موقع تركيا في المنافسة على دور الزعامة للمسلمين السُنَّة سيتعزز، بحسب الصحيفة البريطانية.

إذ يمكن للرئيس التركي أن يطرح نفسه بصفته نموذج الزعيم المُجدِّد للمسلمين على نحوٍ مقبول أكثر من سراب الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد في الصحراء. ومن المفارقات أنَّ السعوديين ربما يخلُصون إلى أنَّ أفضل آمالهم للنجاة هو الاحتذاء بأردوغان والتطلُّع شمالاً لروسيا بوتين. إذ أخذت تركيا سبق شراء الأسلحة الروسية، لكن لدى الكرملين بالفعل موظفي مبيعات في الرياض يحاججون بأنَّ موردي الأسلحة الغربيين غير موثوقين لأنَّ جماعات الضغط الحقوقية قد تعيق إمدادات السلاح وقِطَع غيارها في المستقبل.

ليس ثمة نتائج مرضية للغرب في الجراح التي أحدثتها السعودية في نفسها. ولن يؤدي هذا الأمر إلى تقارب مع تركيا. لكنَّ حليفنا المغرد خارج السرب، تركيا، ومنافستينا روسيا وإيران يكسبون أرضاً، في حين تتهاوى في الرمال ركيزة الغرب في الخليج التي كان يُعوَّل عليها فيما مضى، بحسب الصحيفة البريطانية.

تحميل المزيد