The New York Times: التهديدات السعودية بالرد على العقوبات الأميركية حال فرضها «فارغة» فاقتصاد المملكة أول المتضررين

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/19 الساعة 19:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/19 الساعة 19:34 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي/ رويترز

اعتبرت صحيفة  The New York Times الأميركية أن التصريحات السعودية الأخيرة، بشأن الرد على العقوبات الدولية إذا ما فرضت عليها بسبب مقتل الإعلامي جمال خاشقجي، تعد فارغة لأن المملكة باتت بلا نفوذ.

وقالت الصحيفة الأميركية مع استمرار تداعيات قضية خاشقجي، فإنَّ الحكومة في الرياض تُظهر الصلابة. يريد السعوديون أن يعرف العالم أنّه لو فُرضت عليهم عقوبات بسبب  قتل  خاشقجي، فإنَّهم سوف يردون.

أصدرت الحكومة السعودية، يوم الأحد الماضي 14 أكتوبر/تشرين الأول، بياناً قاسياً قالت فيه: "المملكة تؤكد أنَّها إذا تلقت أي إجراء فسوف ترد عليه بإجراء أكبر، وأنَّ لاقتصاد المملكة دوراً مؤثراً وحيوياً في الاقتصاد العالمي، وأنَّ اقتصاد المملكة لا يتأثر إلا بتأثر الاقتصاد العالمي".

لكنَّ هذه ليست سوى محض تهديدات فارغة. فالسعودية ليست في موضع يتيح لها إلحاق الضرر بالولايات المتحدة. في الحقيقة، ففيما يتعلق بالعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، فإنَّ واشنطن لها كل النفوذ. ولا ينبغي على صانعي القرار الأميركيين نسيان ذلك.

الاقتصاد سيمنعها من أي خطوة

وبحسب الصحيفة الأميركية، يُعتبر تنويع الاقتصاد السعودي وإيقاف اعتماد المملكة على النفط أحد الأهداف الأولية لولي العهد محمد بن سلمان. وتخطى معدل البطالة في السعودية الـ 12٪، كما أنَّ حوالي 70٪ من الموظفين السعوديين يعملون في الحكومة. وتُقدر وزارة العمل السعودية أنَّ الاقتصاد السعودي بحاجة إلى خلق 1.2 مليون فرصة عمل بحلول عام 2022 لتقليل البطالة إلى نسبة 9٪ التي لا تزال موحشة.

لكن بسبب افتقار البلاد للخبرة في مجال الأعمال والخبرات الخاصة خارج قطاعات النفط والبتروكيماويات، فهذا الهدف لن يكون قابلاً للتحقيق دون مشاركة أجنبية، وأميركية على وجه الخصوص. وهذا هو سبب عقد السعوديين للكثير من الصفقات مؤخراً: إذ دخل صندوق الاستثمارات العامة في شراكة مع شركة AMC لفتح وإدارة دور عرض سينمائي في جميع أنحاء البلاد لأنَّ AMC تعرف كيف تدير دور العرض. وتسعى السعودية لعقد صفقات مع شركتي Snap وAmazon لفتح مؤسسات في المملكة لأنَّ بإمكانهما تقديم فرص تقنية.

ولا يقتصر الأمر على القطاع الخاص، إذ تعتمد البيروقراطية الحكومية هي الأخرى بشكل كبير على الخبرة الأميركية في مجال الإدارة. إذ كانت الرياض توظف المستشارين الأميركيين منذ خمسينيات القرن الماضي، وفي السنوات الأخيرة عملت شركات أميركية مثل McKinsey وBoston Consulting Group وOliver Wyman على مئات المشروعات لصالح المملكة. وفي بعض الحالات عمل البيروقراطيون الحكوميون السعوديون جنباً إلى جنب مع هؤلاء المستشارين لتنفيذ المشروعات الحكومية.

وبحسب الصحيفة الأميركية، يرتبط كذلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي –وهو صندوق الثروة السيادي للمملكة المقدرة أصوله بأكثر من 250 مليار دولار- ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الأميركي. ولذكر أمثلة قليلة فحسب على أكبر استثماراته: فقد ضخ 3.5  مليار دولار في شركة Uber عام 2016، وحوالي نصف مليار دولار في الشركة الناشئة Magic Leap العام الجاري.

واستثمر الصندوق 45 مليار دولار في صندوق "Vision Fund" التابع لـ SoftBank's، الذي يستثمر بكثافة في الشركات الأميركية الناشئة في مجال التكنولوجيا. واستثمر الصندوق 5 مليارات دولار في صندوق Blackstone للبنية التحتية في الولايات المتحدة، مع احتمال ارتفاع الاستثمار إلى 20 مليار دولار. ولا يمكن سحب الكثير من عشرات المليارات هذه لمجرد نزوة. فهذه الشركات الناشئة شركات خاصة بلا أسواق مفتوحة لاستيعاب أسهمها. يبني الأمير محمد سمعة في الداخل بهذه المحافظ الاستثمارية في أسهم شركات التكنولوجيا، لذا فإنَّ نجاحها مهم سياسياً أيضاً.

الاستثمارات السعودية عرضة للخطر

كل هذا معرض للخطر في حال ساء النزاع بين السعودية والولايات المتحدة بسبب اختفاء خاشقجي. وليس الأمر مقصوراً على عدم قدرة السعودية على الانتقام من الولايات المتحدة بسبب تشابك اقتصاديهما، وإنَّما لأنَّهم سوف يكونون أيضاً عرضة للضغوط. يمكن للعقوبات المستهدفة في حال وصل الأمر إلى ذلك الحد، أن تُجبر المستشارين على الانسحاب أو قطع وصول صندوق الاستثمارات العامة السعودي لأرباح استثماراته. ومع ذلك،  فالأمر الأكثر احتمالاً هو أنَّ استمرار الخصومة سوف يُجبر الشركات الأميركية مثل AMC على إعادة التفكير بجدية في دخولها في أعمال في البلاد بسبب الدعاية السلبية.

ماذا عن النفط؟ صحيح أنَّ السعودية كانت في وقت ما تستطيع إحداث صدمة في الاقتصاد العالمي بقطع صادراتها النفطية أو إنتاجها لزيادة الأسعار، فلم تعد لديها هذه السلطة. ذلك لأنَّ سوق النفط اليوم أكثر تنوعاً بكثير مما كان عليه عام 1973، عندما رفعت السعودية ومصدرين نفطيين عرب آخرين أسعار النفط من طرف واحد وسببوا اضطراباً في الاقتصاد الأميركي. في الحقيقة، فإنَّ الولايات المتحدة تنتج الآن نفطاً أكثر من السعودية، وتشكل الواردات نسبة أقل من النفط الخام المكرر محلياً، بحسب الصحيفة الأميركية.

لا تستطيع السعودية فرض حظر أو زيادة الأسعار من طرف واحد بالنسبة للولايات المتحدة دون إلحاق ضرر أكبر باقتصادها وعائداتها. فلو وجهت السعودية شركة النفط التابعة للدولة، أرامكو، لإيقاف الصادرات الموجهة إلى الولايات المتحدة اليوم، فسوف تؤذي أرامكو نفسها بشكل أساسي. ذلك أنَّ أرامكو تملك Motiva، وهي أكبر مصفاة في الولايات المتحدة، وهذه المصفاة تعتمد على النفط السعودي أكثر من اعتمادها على أي جزء آخر من النظام البيئي للطاقة في أميركا. لو حاولت أرامكو رفع الأسعار من خلال إيقاف إنتاج النفط أو تصديره، فسوف تواجه عملاء غاضبين في آسيا وستضر بمصافي التكرير التي تملكها في الصين وكوريا أيضاً.

ترمب يقر بمقتل خاشقجي

وتابعت الصحيفة الأميركية، إننا لا نعلم يقيناً حتى الآن ما جرى لخاشقجي، لكنَّ الرئيس ترمب قال إنَّه يعتقد أنَّ الصحافي السعودي ميت وأنَّه يوجد تورط حكومي سعودي من مستوى عال في الأمر. لو أقرت الولايات المتحدة بارتكاب السعودية خطأ، فسوف يكون ثمة فرصة حقيقية لإدارة ترمب. بالطبع، أشار الرئيس ترمب حتى الآن إلى أنَّه لا يهتم كثيراً بمحاسبة السعودية، لكن مع تنامي الدعوات المطالبة برد في الكونغرس، فينبغي أن يرى البيض الأبيض فرصة استراتيجية هنا.

يعتمد السعوديون على الولايات المتحدة، والرأي العام ضدهم بشكل متزايد. وقد انسحب وزير المالية ستيفن منوشين من مؤتمر مالي رفيع المستوى في الرياض الأسبوع المقبل. ويمكن لترمب استغلال ذلك بصفته فرصة للضغط على الرياض لتحقيق بعض من أولوياته الحقيقية: اتفاقية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي يحاول جاريد كوشنر التوسط فيها، وحل للنزاع مع قطر، التي تستضيف قاعدة أميركية مهمة، والحصول على مزيد من مليارات الدولارات من المشتريات من الصناعات الأميركية.

ليست السعودية في موضع يخولها بتهديد الاقتصاد الأميركي. في الحقيقة، ربما تبالغ المملكة في تقدير نفوذها الاقتصادي. وسوف يكون من الخطأ للرياض أن تحاول تنفيذ تهديداتها ضد الولايات المتحدة.

تحميل المزيد