ماذا يعني انتهاء التحالف بين الشيخين المتنافسين في تونس؟.. Stratfor : الغنوشي والسبسي أنقذا البلاد 4 أعوام، لكن الأيام القادمة ستشهد اضطرابات

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/29 الساعة 19:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/29 الساعة 19:45 بتوقيت غرينتش
Image processed by CodeCarvings Piczard

على مدى السنوات الأربع الماضية، كانت السياسة التونسية في حالةٍ من شبه الفوضى المستمرة وعلى مشارف الدخول في أزمة. لكنَّ التحالف المضطرب بين الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي ينتمي لحزب نداء تونس العلماني، وراشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي، هو ما ساعد الحكومة الواهنة على الاستمرار في عملها إلى الآن.

والإثنين الماضي 24 سبتمبر/أيلول، أكد قائد السبسي الشائعات بأنَّ التحالف الذي دام أربع سنوات بين الرجلين، اللذين غالباً ما كان يُطلق عليهما اسم "شيخا تونس"، قد انتهى. ويأتي الانشقاق بين هذين السياسيين النافذين قبل فترةٍ قصيرة من عودة البرلمان التونسي للانعقاد مرةً أخرى في أكتوبر/تشرين الأول، بعد توقفٍ استمر لمدة شهرين، ما سيجعل تنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية الضرورية في البلاد أمراً شبه مستحيل، بحسب تقرير لموقع Stratfor الأميركي.

المشاكل التي تواجهها تونس بعد رحيل بن علي

بدأت الاضطرابات الأيديولوجية في الحكومة التونسية عام 2011، بعد سقوط الديكتاتور زين العابدين بن علي، الذي استمر حكمه لفترة طويلة من الزمن. وقد أدى انتصار حزب النهضة الإسلامي عام 2011  إلى إثارة الجدل على مستوى البلاد حول دور الإسلام، واستمر هذا الجدل بعد أن شكل حزب النهضة الحكومة إلى جانب حزبين علمانيين، وكانت الحكومة تعتزم صياغة دستور تونسي جديد. شملت عملية صياغة الدستور مشاركة الساسة التونسيين في نقاشٍ حيوي حول القضايا الرئيسية، مثل حقوق المرأة وقوانين الشريعة الإسلامية والعلمانية مقابل الإسلام السياسي.

وقد شككت بعض الأحزاب العلمانية، ولا سيما تلك التي كانت قريبة من حكومة بن علي السابقة أو جزء منها، في التزام حزب النهضة بالديمقراطية، وخشيت من أن يتبع الحزب خطى الإخوان المسلمين في مصر عن طريق استبعاد الأحزاب العلمانية. وللتصدي لذلك، شكلوا أحزاباً معارضة، والتي من ضمنها حزب نداء تونس الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي، بحسب الموقع الأميركي.

وصلت التوترات بين حزب النهضة والأحزاب العلمانية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بعد اغتيال سياسييْن علمانييْن شهيريْن عام 2013. ونظمت الأحزاب العلمانية احتجاجاتٍ ضخمة، مما تطلب تدخل منظمات المجتمع المدني في نهاية المطاف. واقترح الوسطاء أن يبدأ الغنوشي وقائد السبسي العمل معاً. وافق الغنوشي وحزب النهضة الذي يتزعمه بمرونة على التنحي لحل الأزمة السياسية، وسرعان ما أقرت الدولة دستوراً جديداً قبلت به جميع القوى السياسية الرئيسية.

عندما أُجريت انتخابات عام 2014 بموجب الدستور الجديد، فاز نداء تونس بـ86 مقعداً من أصل 217 مقعداً في البرلمان، وفاز قائد السبسي بالانتخابات الرئاسية. شكَّل حزب نداء تونس حكومةً ائتلافية مع حزب النهضة، ومنذ ذلك الحين، تعاون القائد السبسي والغنوشي في حل خلافات حزبيهما للحفاظ على التوازن السياسي الدقيق في تونس. لكنَّ تونس تواجه الآن خلافاتٍ حتمية حول السياسة الاقتصادية التي تسبب انقسامات داخل حزب نداء تونس الذي تضعف قدراته باستمرار، وهو حزب يضم سياسيين علمانيين من اليسار واليمين. وانشق عددٌ من الشخصيات اليسارية، مشيرين إلى عدم موافقتهم على النظرة الاقتصادية المحافظة لكلٍ من حزبيّ النهضة ونداء تونس.

مواجهة الحقائق الاقتصادية

ويعد الاقتصاد التونسي ضعيفاً بطبيعته، إذ لا تستفيد البلاد من ثروتها من النفط مثل البلدان الأخرى في المنطقة. وحتى قبل سقوط بن علي، كان الاقتصاد القائم إلى حدٍ كبير على السياحة والخدمات والصناعات الخفيفة يعاني مشاكل عديدة، وكان دافعاً للثورة نفسها. لكن منذ تأسيس دولة ديمقراطية ناشئة عام 2011، سعى السياسيون التونسيون إلى تعزيز دعم الاقتصاد عن طريق زيادة فرص العمل في القطاع العام والإعانات. وقد استفاد من الوضع كذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يتألف من حوالي 5% من سكان تونس وله نفوذ سياسي كبير، وكان يستخدم سلطته السياسية لتأمين صفقات تعويض مربحة، لا سيما في القطاع العام، بحسب الموقع الأميركي.

ونتيجةً لذلك، بلغت فاتورة الأجور في تونس بحلول عام 2016 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين ارتفع عدد موظفي الخدمة المدنية من 600 ألف إلى 900 ألف. وتدين البلاد بمبالغ طائلة، إذ يبلغ معدل الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 80.1%، وتعاني البلاد عجزاً مالياً. ولمنع حدوث أزمة الاقتصادية، سعت تونس إلى الحصول على معونة مالية من صندوق النقد الدولي في أيار/مايو عام 2016. وقد تطلبت شروط الصفقة فرض تدابير تقشف شكَّلت تحدياً للتحالفات السياسية.

استمرت المفاوضات حول كيفية تلبية مطالب صندوق النقد الدولي لمدة شهرين، حيث أشرف الغنوشي وقائد السبسي على المناقشات التي دارت بين جميع الجهات الفاعلة، من الأحزاب السياسية إلى منظمات المجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل. وأسفرت تلك المناقشات عن ما سُمِّيَ باتفاق قرطاج في يوليو/تموز عام 2016. نص الاتفاق على إجراء إصلاحات وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، وعينت السياسي المغمور يوسف الشاهد من حزب نداء تونس بدلاً من رئيس الوزراء السابق، لكنَّه كان مقبولاً بدرجة كافية تخوله للحصول على تأييدٍ بإجماع الآراء.

عملت الحكومة المتفق عليها لفترة من الزمن، وتمكنت من تنفيذ أول إصلاحاتها، لكن خلال العام الماضي اندلعت التوترات. إذ طبقت تونس قانونها المالي لعام 2018 في يناير/كانون الثاني، الذي أدى إلى حزمة أخرى من تدابير التقشف، التي أدت بدورها إلى زيادة الضرائب وخفض الدعم، وحاولت تطبيق برامج تقاعد طوعية على العاملين الأكبر سناً في القطاع العام. ونتيجةً لذلك اندلعت احتجاجات واسعة النطاق، وأُلقيِ القبض على حوالي 800 متظاهر. وعارض القانون علناً الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تضرر أعضاؤه بشكلٍ خاص من الإصلاحات، بحسب الموقع الأميركي.

الوضع المضطرب لرئيس الوزراء

وعلى الرغم من احتجاجات يناير/كانون الثاني وتزايد الاضطرابات في تونس، لم يكن الشاهد راغباً في تخفيف إصلاحاته، وأصبح موقفه كرئيس وزراء حرجاً. وأدركت قطاعات كبيرة من حزب نداء تونس أنَّ بإمكانها توسيع قاعدة دعم الحزب بمعارضة الشاهد، ويدعم الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بشكلٍ علني إجراء تعديل حكومي من شأنه أن يعزل الشاهد من منصبه.

لكنَّ حزب النهضة اتخذ جانب رئيس الوزراء. وتمكن الشاهد من حشد الدعم من بعض أعضاء حزب نداء تونس والأحزاب المحافظة الأخرى من يمين الوسط، الذين يخشون من أن يؤدي عزل الشاهد إلى المزيد من الاضطرابات. وأعلن 33 مشرِّعاً في 7 سبتمبر/أيلول عن تشكيل حزب جديد يدعم الشاهد، وهو الائتلاف الوطني، وازداد عدد أعضائه إلى أن أصبحوا 41 عضواً على الأقل. وهو الآن بحجم حزب نداء تونس تقريباً، ومن الممكن أن يصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان بحلول الأول من أكتوبر/تشرين الأول.

وهاجم الائتلاف الوطني قيادة نداء تونس، التي منحت الشاهد مهلة مدتها 24 ساعة في وقتٍ سابق من هذا الشهر لتفسير علاقته بالائتلاف الوطني وحزب النهضة. وعندما تجاهل رئيس الوزراء الإنذار، علَّق نداء تونس عضويته في الحزب. وستكون هناك دعواتٌ متزايدة في المستقبل لتنحي الشاهد، لكن في الوقت الحالي قد يكون الشاهد قادراً على اجتياز تصويتٍ بحجب الثقة طالما أنَّ الائتلاف الوطني وحركة النهضة يدعمانه، بحسب الموقع الأميركي.

دقَّ الشاهد إسفيناً بين السبسي والغنوشي، وزاده الرئيس السبسي بمحاولته توحيد الأحزاب العلمانية التي تزداد انفصالاً حول قضيةٍ اجتماعية. وأعلن القائد السبسي في 13 أغسطس/آب أنه سيدعم اقتراح حصول النساء والرجال على قدرٍ متساوِ من الميراث، ويعتزم الضغط لتحويله إلى قانون بمجرد إعادة عقد جلسات البرلمان.

التحديات المستقبلية

على خلفية هذه الأحداث، أعلن القائد السبسي والغنوشي إنهاء تحالفهما، مما يعني أنَّ البرلمان التونسي سوف يعقد اجتماعاً الشهر المقبل في خضم تحولٍ رئيسي، بينما سيبدأ في معالجة القضايا العديدة المثيرة للجدل في جدول أعماله التي يطالب الشاهد بالعمل عليها.

ستكون القضية الأكثر أهمية هي القانون المالي للبلاد لعام 2019، وهي قضية خلافية بالفعل. قضى الشاهد عدة أشهر في التفاوض مع الاتحاد العام التونسي للشغل -الذي يتمتع بسلطةٍ كبيرة عليه- حول خططه الإصلاحية المقبلة، التي تشمل خصخصة العديد من الشركات المملوكة للدولة (التي يمكن أن تؤثر على الآلاف من موظفي الاتحاد العام التونسي للشغل)، والزيادات الضريبية، وتوقف الأجور والتعيينات. لكنَّ هذه المحادثات قد فشلت بالفعل، ووافق الاتحاد العام التونسي للشغل في الآونة الأخيرة على تنفيذ إضرابين: الأول في 24 أكتوبر/تشرين الأول في جميع الهيئات الحكومية والشركات المملوكة للدولة، والثاني يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني في جميع مؤسسات الدولة ومؤسسات الخدمة العامة.

الفرصة لاتفاق قائمة

وبحسب الموقع الأميركي، لا تزال هناك فرصة بأن يتوصل الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة إلى اتفاق، لكن بالنظر إلى أجندة إصلاحات الشاهد التي لا تحظى بسوى شعبيةٍ ضعيفة، من المرجح أن تشهد تونس احتجاجاتٍ وإضراباتٍ واسعة النطاق. والأهم من ذلك، أنَّ الشاهد سيعاني لإحراز أي تقدم ملموس في طريق إصلاحاته.

دعم النهضة للشاهد هو دعم براغماتي إلى حد كبير في هذه المرحلة: فالحزب يوافق على دعم الشاهد ضمنياً بينما يسمح لرئيس الوزراء بالحفاظ على عملية الإصلاحات الاقتصادية في تونس، التي هي الموضوع الرئيسي لانتقاداتهم. وهو يأمل أيضاً في الاستفادة من انقسام الأحزاب العلمانية في انتخابات عام 2019 الوطنية.

ويُرجَّح فشل إجراءات الإصلاح الاقتصادي الصارمة التي يضطلع بها الشاهد مع وجود مستقبله السياسي على المحك وتلقيه دعماً محدوداً من حزب النهضة، وإذا حدث ذلك، فإنَّ عدم تنفيذ تدابير التقشف قد يمنع البلاد من الوفاء بمتطلبات صندوق النقد الدولي.

على الرغم من أنَّ الحكومة التونسية لم تكن أبداً مثالاً للاستقرار، لكنَّ تحالف السبسي والغنوشي سمح للبلاد بأن تظل صامدةً في وجه التحديات السياسية المختلفة خلال السنوات الأربع الماضية. والآن بعد أن توقف الخصمان عن العمل معاً، فإنَّ الحكومة التونسية ستشهد صراعاً أكبر بكثير.

تحميل المزيد