روسيا وإسرائيل كل منهما تريد فرض هيمنتها على سماء سوريا.. سقوط الطائرة الأخيرة كشف الصراع المكتوم

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/29 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/29 الساعة 17:06 بتوقيت غرينتش
Russia's President Vladimir Putin (L) and Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu speak before delivering their joint statements after their meeting in Jerusalem June 25, 2012. REUTERS/Jim Hollander/Pool (JERUSALEM - Tags: POLITICS)

اعتبرت موقع Lobe Log الأميركي أن هناك صراعاً خفياً بين روسيا وإسرائيل على السيطرة على سماء سوريا رغم حالة التوافق التي يحاول الطرفان إظهارها، وكذلك التنسيق العسكري بينهما.

واستند الموقع الأميركي على الحادثة التي وقعت قبل أيام عندما استهدفت الدفاعات الجوية التابعة للنظام السوري طائرة روسية وأسقطتها بالخطأ، وخلفت 15 قتيلاً من القوات العاملة الروسية.

وبحسب الموقع الأميركي يُشكِّل التوتُّر المفاجئ في العلاقات الإسرائيلية الروسية، بعد إسقاط طائرة مراقبة روسية، نوعاً من الحوادث التي يمكن أن تقع حال وجود تسوية مؤقتة بين أطراف لديها منظورات مختلفة اختلافاً كبيراً؛ فيتبنى أحدها منظوراً واسعاً، فيما يحمل الآخر منظوراً ضيقاً.

كيف ينظر كل من بوتين وإسرائيل للقصة؟

ويتبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المنظور الواسع. إذ إن سياساته تجاه كلٍّ من سوريا وإسرائيل تأتي ضمن استراتيجية لجعل روسيا طرفاً فاعلاً مهماً في الشرق الأوسط. تبدو استراتيجية واقعية وجيدة، وتستحق المحاكاة، إذ تتحدَّث روسيا إلى الجميع ولا تسمح بتقييد دبلوماسيتها من جراء أي تقسيم صارم للمنطقة إلى أصدقاءٍ وأعداء. استخدم بوتين بطاقات اللعب الخاصة به بمهارة وجعل حكومته مُحاوراً أكثر نفوذاً من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بالرغم من أن الموارد التي استخدمها وأنفق عليها في المنطقة أقل بكثير مما أنفقته الولايات المتحدة على مدار العقدين الماضيين.

لم يُقوِّض التعامل مع إسرائيل الالتزام الروسي تجاه النظام السوري، أو يتعرَّض لأسباب ذلك الالتزام. على العكس من ذلك، قدَّمَت المشاورات مع الإسرائيليين فائدةً مُمَثَّلةً في تفادي تضارب العمليات العسكرية، ومنعت على الأرجح أموراً على شاكلة حادث إسقاط الطائرة الروسية الذي وقع في الأسبوع الماضي، من أن تحدث في وقتٍ قبل ذلك. تحقَّقَت أهداف روسيا أيضاً لدرجةٍ تجعلها تستطيع أن تدفع إسرائيل للتركيز على أهدافها التي تتطلَّب بذل جهد كبير مع إيران وحزب الله ولا تتطلَّب القيام بالكثير تجاه النظام السوري، بحسب الموقع الأميركي.

المنظور الضيق لنتنياهو

وبحسب الموقع الأميركي تحمل حكومة نتنياهو -الذي سافر إلى موسكو للتشاور مع بوتين ثلاث مرات هذا العام حتى اللحظة الحالية- المنظور الضيق الساعي إلى الإلقاء بثقلها العسكري خارج حدودها دون التعرُّض لأيِّ عقاب. إذ إن تركيزها في سوريا منصبٌ على إيران وحليفها اللبناني حزب الله. ولا يمكن لأي من هذين الطرفين الفاعلين أن يتمنى تجاوز التفوُّق العسكري لإسرائيل في المنطقة، غير أن المسألة  المهمة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية تتعلق بالإفلات من العقاب بنفس قدر أهمية قدرتها على شنِّ الغارات.

وتنتمي غاراتها الجوية التي شنتها خلال العامين الماضيين -التي تصل الآن إلى 200 غارة جوية- على وجه التحديد إلى نوعية العمليات التي يريد الإسرائيليون ألا يكونوا مضطرين إلى القلق كثيراً بشأن كلفتها أو تعقيداتها.

لذا فإن تفادي التضارب، في ظل نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية والروسية في سوريا، كان مفيداً لإسرائيل مثلما كان مفيداً لروسيا. وقد حاولت إسرائيل أيضاً ممارسة بعض من إيعازاتها، ولا سيما كي تجعل الروس يُبعِدون الإيرانيين عن خط سيطرتها بطول هضبة الجولان المحتلة.

قد يكون هناك بعضٌ من سوء التفاهم في إسرائيل مثلما يبدو أحياناً أن هناك سوء تفاهم في الولايات المتحدة، حول ذلك البعد الأخير الذي يتضمَّن العلاقات الروسية الإيرانية. بالرغم من أن روسيا وإيران والنظام السوري يعملون باعتبارهم حلفاء في الحرب السورية، لدى كلِّ طرفٍ منهم مصالحه الخاصة التي تتباين تبايناً جزئياً. لا يمكن لأيٍّ منهم أن يأمر الآخرين بالقيام بما يعتقدون أنه على النقيض من مصالحهم. وهنا تكمن مُكوِّنات ما يمكن أن يُشكِّل تموُّجات إضافية في العلاقة الإسرائيلية الروسية.

إسرائيل لا تثق في أحد

بيد أن الحادث الذي وقع الأسبوع الماضي يتعلَّق أكثر بنزعة إسرائيل نحو السعي إلى تحقيق الأمن المطلق لنفسها، حتى إن كان على حساب انعدامٍ أمنيٍ مطلق للآخرين. فقد واصلت سلسلة هجماتها ضد دولة مجاورة حتى عندما شعرت تلك الدولة -في هذا الحادث تحديداً- بتهديدٍ كافٍ يدفعها لبدء الرد بإطلاق الصواريخ. فقدت روسيا 15 شخصاً من أفراد الخدمة العسكرية لديها نتيجة لذلك.

واضطرت روسيا -التي لا تستشعر أي ضغوطاتٍ سياسية داخلية، على عكس الولايات المتحدة، من إخفاء فقدان حياة أبنائها بسبب التصرُّف الإسرائيلي في منطقة حرب- في نهاية المطاف إلى الرد بقوة. وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إن روسيا كانت "مُجبَرة" على المضي في الرد على ما حدث عن طريق إمداد سوريا بنظام الدفاع الجوي الروسي إس-300، وهو نظام أكثر تطوُّراً من نظام الدفاع الجوي الذي تمتلكه سوريا، بحسب الموقع الأميركي.

لا يزال الغموض قائماً في ما يتعلَّق بتفاصيل ما حدث تحديداً في سماء سوريا الأسبوع الماضي، وقد يكون هذا الغموض وراء التضارب المبكر في الاستجابة الروسية، التي بدأت قوية ثم تحوَّلت إلى استجابةٍ هادئة، ثم صارت قويةً مرة أخرى. تزعم روسيا أن الطيارين الإسرائيليين استخدموا الطائرة الروسية لتكون "غطاءً" أمام نيران الدفاع الجوي السوري. وتنكر إسرائيل تلك المزاعم وتقول إن طائراتها عادت فعلياً إلى المجال الجوي الإسرائيلي عندما أُطلِقَت صواريخ الدفاع الجوي. وفي نهاية المطاف، كان الشيء المهم لروسيا هي الحقيقة التي تفيد بأنه إذا لم تهاجم إسرائيل أهدافاً في سوريا، لم تكن الصواريخ ستُطلَق من الأساس.

ليس من المُرجَّح أن يؤدي هذا النزاع وسوء النية الذي صاحبه إلى تغيُّراتٍ جوهرية في العمليات العسكرية في روسيا ولا في الدبلوماسية الروسية الإسرائيلية. سوف يؤدي تطوير منظومة الدفاع الجوي السورية إلى تعقيد الهجمات الإسرائيلية ولكنه لن يوقفها. قد تقع حوادث مشابهة في المستقبل بسبب الصعوبة العملية في الفصل بين ما ينتمي إلى سوريا (فقد صارت إسرائيل غير منزعجة من نظام الأسد؛ لأن "الشيطان الذي نعرفه" -حسب وصفهم- لا يسعى حالياً لخوض حرب ضدها) عمَّا ينتمي إلى حلفائها الإيرانيين وإلى حزب الله. (ذكر الجيش الإسرائيلي أن عمليته في الأسبوع الماضي استهدفت منشأة سورية كانت على وشك نقل أسلحة إلى حزب الله نيابة عن إيران). غير أن إسرائيل وروسيا سوف تواصلان امتلاك نفس الأسباب السابقة التي جعلتهما يتعاونان مع بعضهما.

علامات:
تحميل المزيد