إغلاق الأونروا يهدد الأمن الأردني .. National Interest: واشنطن أدارت ظهرها لأهم حلفائها في المنطقة

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/28 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/28 الساعة 17:17 بتوقيت غرينتش

انتاب مناصري التنمية الدولية واللاجئين الفلسطينيين الرعبُ عندما أعلنت الولايات المتحدة، في نهاية أغسطس/أيلول 2018، أنها ستوقف دعمها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). قرار لا يهدد فقط مصير اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية، إذ أن إغلاق الأونروا يهدد الأمن الأردني أيضاً.

كانت الولايات المتحدة المساهم الأكبر في المنظمة؛ إذ كانت منحتها ما يقرب من 360 مليون دولار في 2017. الأكثر من هذا أن "الأونروا"، حسبما ذكر موقع Christian Science Monitor، "ستضطر إلى وقف جميع خدماتها في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وغلق مدارسها ومراكزها الصحية"، إذا لم تتمكَّن المنظمة من سدِّ عجز ميزانيتها، البالغ 217 مليون دولار، بنهاية الشهر الجاري (سبتمبر/أيلول 2018.

ترمب يطبق "سياسة الحشر في الزاوية"، والفلسطينيون غير مقتنعين

يُعَد قرار الولايات المتحدة وقف تمويلها الممنوح لـ"الأونروا" سياسياً بالأساس. وفي حين تريد إدارة ترمب التوسُّط لإبرام صفقة سلام بين إسرائيل وفلسطين، جَعَلَ دعم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الصريح للموقف الإسرائيلي العديد من الفلسطينيين منهكين من التفاوض، ويخشون أن الولايات المتحدة ليست حَكَماً محايداً في النزاع بين الطرفين.

وبإلغاء التمويل الأميركي لـ"الأونروا"، يأمل ترمب دفع الفلسطينيين لقبول تسويةٍ أقل إرضاءً مقابل وعودٍ بدعمٍ مالي مستقبلي حالة الوصول إلى اتفاقٍ.

وفي حين يعتقد غاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، أن الإجراءات العقابية ستُجبِر فلسطين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، يبدو أن القيادة الفلسطينية غير مقتنعة بهذا التكتيك.

وهي سياسة تضر بالحليف الأردني الذي بدأ يتحرك

الأكثر من هذا أن إدارة ترمب توقَّعت أن قرارها إنهاء التمويل الممنوح لـ"الأونروا" سيُلحِق الضرر بالفلسطينيين، لكن ربما لم تتوقَّع التداعيات المضرة التي ستلحق بحليف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الأردن.

ومؤخراً، قاد الملك عبد الله، العاهل الأردني، جهوداً لحشد الدعم الدولي لـ"الأونروا"، مدفوعاً بمخاوف بشأن تداعيات انهيار البرنامج، على مليوني لاجئ فلسطيني يعيشون في الأردن، وبالأخص 370 ألف فلسطيني يقيمون حالياً في مخيمات لاجئين رسمية.

ووفق ما نشرته مجلة The National Interest الأميركية، فإن القرار الأميركي الانسحاب من دعم "الأونروا" يُعرِّض الأردن لمشكلاتٍ اقتصادية واجتماعية حادة قد تُلحِق به أضراراً خطيرةً.

لطالما كان الأردن حليفاً هاماً للولايات المتحدة في منطقةٍ يصعب العثور فيها على أصدقاء لأميركا يُعتَمَد عليهم؛ إذ يدعم الأردن الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب، ويستضيف قواتٍ أميركية على أراضيه ويتيح لها القدرة على الوصول إلى قواعد جوية حيوية، ويشارك في أنشطةٍ استخباراتية نشيطة مع الجانب الأميركي.

ومثلما يستنتج مركز التقدُّم الأميركي أو American progress: "ليس لدى الولايات المتحدة أيُّ حليفٍ عربي مُقرَّب منها في جهود مكافحة الإرهاب أكثر من المملكة الأردنية الهاشمية".

فالأردن مركز جيواستراتيجي وسياسي يحضن مليوني فلسطيني غاضبين

والأردن يُعد طرفاً مُعارِضاً لإيران يمكن الوثوق به أميركياً، وتُعارض عمَّان بقوة وجود الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة.

فضلاً عن أن دور الأردن كحليفٍ مستقرٍ ومعتدل في مركز بلاد الشام هو دورٌ مهم؛ إذ يمنح هذا الدور الولايات المتحدة وجوداً عسكرياً على طول حدود سوريا والسعودية والعراق وإسرائيل والضفة الغربية.

و1.4 مليون لاجئ سوري تحت خط الفقر بالتوازي مع الوضع الاقتصادي المتوتر

مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن

ويعد الأردن أيضاً مهماً؛ لدوره الخارجي في إيواء اللاجئين السوريين. والأردن موطنٌ لنحو 658 ألف لاجئ مُسَجَّلين، وتُقدِّر الحكومة الأردنية إجمالي عدد اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها بنحو 1.4 مليون لاجئ.

وهناك مشكلةٌ تتعلَّق بأن الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر بكثير، ويُشكِّل تدفُّقهم ضغطاً كبيراً على موازنة الخدمات الاجتماعية في الأردن.

بالإضافة إلى هذا، أدى عدد اللاجئين المرتفع إلى ارتفاع معدل البطالة وخفض الأجور، نتيجةً للتشبُّع المُفرِط في سوق العمل بالأيدي العاملة وإثارة مخاوف اقتصادية بين الأردنيين.

ولا يزال الأردن ملتزماً بإدارة المساعدات الممنوحة للاجئين السوريين، واضطلع بدورٍ حيوي في إدارة أزمة اللاجئين الإنسانية.

وقطعُ المساعدات يهدد جذرياً أوضاع الفلسطينيين ومعهم الأردنيون

وإذا خَفَّضَت "الأونروا" خدماتها الممنوحة للفلسطينيين في الأردن أو ألغتها، فسيُترَك اللاجئون الذين يعتمدون على الخدمات التعليمية والصحية الحيوية التي توفرها المنظمة فجأةً لتصريف أمورهم بأنفسهم.

في الأردن فقط، تشير "الأونروا" إلى أنها "توفر تعليماً أساسياً لأكثر من 118500 طالب في 174 مَدرسة تابعة لـ(الأونروا)"، وتوفر خدماتٍ لآلاف الفلسطينيين ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتخدم عيادات "الأونروا" أيضاً أكثر من 1.1 مليون فلسطيني سنوياً، وقدرة العديد منهم على الاستفادة من نظام التأمين الصحي الأردني محدودة أو معدومة.

فضلاً عن هذا، توفر "الأونروا" قروضاً متناهية الصغر للفلسطينيين في الأردن؛ إذ منحت قروضاً بنحو 14.24 مليون دولار في 2015 فقط.

وسيؤدي أيُّ قطعٍ أو خفضٍ لجودة هذه الخدمات بسبب نقص التمويل، إلى تدهورٍ جذري في الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين الذين يعيشون في الأردن.

وأزمة الديون تزيد الأعباء على كاهل المواطن الأردني الذي طفح كيله

احتجاجات وإضرابات الأردنيين ضد السياسات الاقتصادية تحت عنوان "معناش"

وتضيف الصحيفة أنه يمكن أن تحاول عمَّان تحمُّل تكلفة تقديم الخدمات للسُكَّان الفلسطينيين المحاصَرين، لكن هذا لن يؤدي إلا إلى تفاقُم وضعها الاقتصادي الهش بالفعل.

إذ مُنِيَ الأردن بأزمة ديون هائلة، وسيكون من الصعب عليه إنشاء وإدارة هيكل خدمات اجتماعية كامل دون مفاقمة هذه الأزمة.

وحاولت عمَّان فرض إجراءاتٍ اقتصادية تقشُّفية لمعالجة الأزمة، لكن توسُّع المظاهرات ضد مقترح زيادة الضرائب أدى إلى استقالة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، ولاقت محاولاتٌ لمعالجة أزمة الديون مؤخراً -ومنها إجراءات خفض الإنفاق الحكومي- ردودَ فعلٍ شعبية مماثلة.

وفي ظلِّ معاناة الاقتصاد الأردني بالفعل لاستضافة اللاجئين السوريين، ستجد المملكة الهاشمية صعوبةً في تحمُّل التكلفة المتزايدة لرعاية السكان الفلسطينيين إذا فشلت في تأمين تمويلٍ كافٍ لـ"الأونروا".

وقد تنفجر مشاعر العدائية ضد اللاجئين على أنهم مصدر الاستنزاف الاقتصادي

على الرغم من هذا، قد يتكبَّد الأردن تكلفةً اجتماعية خطيرة إن لم يستطع توفير الخدمات الملائمة للسكان اللاجئين.

وإذا اعتبر الفلسطينيون الأردن غير راغب في توفير الخدمات الملائمة لهؤلاء اللاجئين، الذين رفضت عمَّان منحهم الجنسية الأردنية، فقد يطفو على السطح التوتُّر المتأجِّج بين الفلسطينيين والأردنيين منذ وقتٍ طويل.

وبالمثل، قد تتولَّد مشاعر عدائية ضد السكان اللاجئين إذا بدأ الأردنيون في اعتبار اللاجئين السوريين والفلسطينيين مصدر استنزاف للاقتصاد الأردني ويسهمون في تراكم الدَّين القومي.

استقرار الأردن كل هذه الفترة يواجه أكبر امتحان

مَثَّلَ الأردن نموذجاً للاستقرار في منطقةٍ مضطربة وقتاً طويلاً. لكنَّ هناك أسباباً تدعو للقلق بشأن المجتمع المدني الأردني على المدى الطويل، وسط المخاوف الاقتصادية المتعلِّقة بالبطالة وأزمة الديون والعدد المتزايد لمُسلِّحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) العائدين إلى الأردن.

انخفض عدد الأردنيين الذين يعتقدون أن حكومتهم تفعل أقصى ما في وسعها لخدمة شعبها إلى 35%، مقارنةً بنحو ثلثي تعداد السكان في 2011.

وحذَّرَ أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، من أن وقف خدمات منظمة الأونروا "سيُعمِّق مناخ اليأس، ما سيخلق أرضاً خصبةً لمزيدٍ من التوتُّرات"، ولا ينبغي الاستخفاف بهذه المخاوف.

وقمع الأميركيين للفلسطينيين لن يولّد إلا التطرف

وفي حين تعتقد إدارة ترمب أن قطع تمويلها عن "الأونروا" سيُضعِف من إصرار الشعب الفلسطيني، فالحقيقة عكس ذلك.

كلَّما وجد الفلسطينيون أنفسهم محرومين من الحصول على تعليمٍ جيد وغير قادرين على تحسين وضعهم الاقتصادي، سيزداد سخطهم تجاه هياكل القوى الدولية والإقليمية التي تبدو غير مكترثةٍ بتوفير حياة جيدة لهم.

ويعني هذا أن هؤلاء الأفراد سيسعون، على الأرجح، إلى حلولٍ مُتطرِّفة لمشكلات الوضع الراهن الراسخة، ومن الانضمام إلى جماعاتٍ مُتطرِّفة عنيفة.

وبعدما كان الأردن حليفاً ضد الإرهاب.. سيصبح أرضاً خصبة له

وكلَّما استمرَّ وجود هذه المشكلات في الأردن وقتاً أطول، سيصبح أقرب حليف إقليمي للولايات المتحدة في ملف مكافحة الإرهاب كأرضٍ خصبة لتفريخ الإرهاب بدلاً من كونه حليفاً موثوقاً به لمكافحته.

لم يتسبَّب قرار واشنطن قصير النظر وقف تمويلها لـ"الأونروا" في تعريض الوضع الاقتصادي والصحي لملايين الفلسطينيين للخطر فحسب؛ بل يُهدِّد أيضاً بإلحاق أضرارٍ ممتدة لأحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

وفي حين قد تنجح قيادة الأردن في الحصول على تمويلٍ كافٍ لـ"الأونروا" للعمل دون خفضٍ كبير في الخدمات التي تُقدِّمها، تركت الولايات المتحدة المملكة الهاشمية معرضةً لأضرارٍ اقتصادية واجتماعية بالغة، قد تسهم في زعزعة استقرار البلاد.

ويبنغي أن تكون الكيفية التي سيجتاز بها الأردنيون الوضع المُحتَمَل المحفوف بالمخاطر -إذا ما كان ترمب سيولي الدعوات التي تطالبه بتغيير موقفه من "الأونروا" اهتماماً- محلَّ اهتمامٍ رئيسي لدى المراقبين الإقليميين في الشهور المقبلة.

علامات:
تحميل المزيد