على غرار عناصر الصحوات في العراق، سلَّح الجيش المصري عناصر من رجال البدو في سيناء؛ من أجل محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بعد سنوات من القتال المرير بين التنظيم والجيش المصري.
وسلطت صحيفة The Washington Post الأميركية الضوء على هذه القضية، بعد معلومات هامة -حصلت عليها من وكالة Associated Press الأميركية- عن إقدام الجيش المصري على هذه الخطوة، التي تردَّد فيها كثيراً؛ خوفاً من استخدام البدو السلاح في وجه الدولة.
وبحسب الصحيفة الأميركية، بدأ الجيش المصري تسليح رجال البدو من الأعراب، وجعلهم يسيّرون دوريات في العمليات ضد مسلحي تنظيم داعش بعمق شبه جزيرة سيناء، حيث تعطيهم معرفتهم بطبيعة المنطقة ميزة، بحسب أبو صفيرة وبدو آخرين.
وقال أبو إبراهيم صفيرة، أحد المسلحين، في مقابلة عبر الهاتف مع وكالة Associated Press الأميركية من نقطة تفتيش كان يديرها مع أكثر من 10 رجال آخرين من المنطقة، قرب جبل الحلال، حيث اشتهر الفرع المحلي لتنظيم داعش بتخزين الأسلحة والمعدات: "ينبغي أن نفعل ذلك، من واجبنا جعل الناس يشعرون بالأمان من الإرهابيين الذين يقتلوننا".
الجيش المصري لم يكشف عن هذه الخطة
ولم يعترف الجيش علناً بتسليح البدو واستخدامهم باعتبارهم قوة قتال، وإنَّما قال فقط إنَّهم يتعاونون ويقدمون المعلومات الاستخباراتية. وفي الماضي، كانت القوات الأمنية قلقة من إعطاء الأسلحة للبدو؛ بسبب التاريخ الطويل من التوتر مع رجال القبائل. ويبدو أنَّ ذلك التحول محاولة لزيادة استمالة سكان سيناء إلى صف الحكومة في هذا القتال.
وكانت مصر قد عانت لهزيمة التمرد الذي تقوده جماعة تابعة لـ"داعش" تُعرف بـ"ولاية سيناء". ولسنوات كان مركز الصراع مثلثاً من البلدات والمدن في الركن الشمالي الشرقي من سيناء على ساحل البحر المتوسط.
وقُتل الآلاف من قوات الأمن والمدنيين، وأُلقي القبض على آلاف آخرين فيما يصفه المنتقدون بأنَّه حملة أمنية شديدة الوطأة؛ إذ دُمرَّت منازل، وفُرضت قيود شديدة على حركة الناس والبضائع.
ودارت هذه الحرب على نحوٍ كبير بمنأى عن أعين الناس، حيث مُنع الصحافيون وغير المقيمين، والمراقبون الخارجيون من دخول المنطقة. كما أُبقي على الصراع بعيداً عن المنتجعات الساحلية في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة، بحسب الصحيفة الأميركية.
عمليات عسكرية في سيناء
وشن الجيش في شهر فبراير/شباط 2018، عملية ضخمة في سيناء، امتدت أيضاً لتشمل أجزاءً من دلتا النيل والصحارى على طول الحدود الغربية للبلاد مع ليبيا. ومنذ ذلك الوقت، تباطأت وتيرة هجمات تنظيم داعش في الساحة الرئيسية بسيناء لتصبح بضع هجمات معدودة.
وفي هذه العملية، استخدم الجيش قوة تُعرف بجماعة عبد السلام، مع عدة آلاف من البدو، نُشروا في الأجزاء الوسطى من سيناء. كان دورهم الأساسي مصاحبة القوات في الدوريات والمداهمات بحثاً عن مخابئ الأسلحة، فضلاً عن تزويد نقاط التفتيش بالقوة البشرية اللازمة للتحكم في الطرق، وذلك بحسب ما قاله رجال القبائل لوكالة Associated Press.
وقال أبو صفيرة، الذي يخرج في دوريات عدة مرات بالأسبوع مع الجيش، إنَّه عند اندلاع القتال عادة ما يتراجع البدو، في حين تقاتل قوات الأمن، لكن "بعضنا يبقون ويقاتلون في المقدمة".
ويقدر رجال القبائل أنَّ نحو 100 بدوي قُتلوا، إما في المعارك وإما بفعل القنابل المزروعة على جانبي الطرق. وقالوا إنَّهم يعملون تحت إمرة الجيش الثالث الميداني، وإنَّهم يرتبطون بشكل منتظم مع وحداته، التي تمتلك سيارات دفع رباعي وعربات مصفحة.
ويشير دور البدو إلى أي مدى امتد القتال إلى ما وراء المدن الساحلية وصولاً إلى العمق الصحراوي لشبه الجزيرة؛ إذ تحدث رجال القبائل عن العمل في مناطق على بُعد يصل إلى 90 ميلاً (150 كيلومتراً) إلى الجنوب من الساحل.
وقال صالح بن راشد، أحد الأعضاء الآخرين في قبيلة التياها: "جرى تطهير معظم وسط سيناء". وأضاف أنَّ الجيش وفَّر لوحدته بنادق هجومية، وبنادق آلية خفيفة، ودروعاً وخوذات. وقال: "يعاملوننا مثل الجنود ويعطوننا كل ما نحتاج إليه"، مضيفاً أنَّ رجاله قد اكتشفوا متفجرات، وإمدادات وقود وسيارات ومعدات أخرى في بيوتٍ وكهوف.
البدو أدرى بطبيعة مدنهم
وقالت أليسون ماكمانوس، مديرة قسم الأبحاث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، ومقره الولايات المتحدة، إنَّ الجيش يستفيد من إلمام البدو بطبيعة الأرض والمعلومات الاستخباراتية المحلية.
وقالت أليسون إنَّ التعاون "ينبغي أن يكون جزءاً من استراتيجية طويلة المدى تشتمل على خطط لنزع السلاح، والتسريح وإعادة الاندماج، لتجنب صراع مسلح ممتد فور هزيمة التمرد".
وقد كان رجال القبائل يوفرون، بالفعل، كشافة ومعلومات استخباراتية للجيش تحت مظلة منظمة أوسع، وهي اتحاد قبائل سيناء. كما كانت هناك ترتيبات محلية أيضاً مع مسلحين بدو في مناطق القتال الرئيسية بالقرب من حدود غزة، بحسب الصحيفة الأميركية.
يمثل العمل مع جماعة عبد السلام تعاوناً أكثر مباشرة؛ إذ تَسلح البدو -الذين لا يخدمون بالجيش- في تنظيم أشبه بالميليشيا يغطي مساحة أوسع.
يُذكِّر هذا التطور بحركة الصحوات في العراق، حين سلَّحت القوات الأميركية رجال قبائل سُنة لقتال تنظيم القاعدة بعد اندلاع القتال الطائفي في العراق عام 2006، لكن من المرجح أنَّ الأسلحة المستخدمة في الحالة المصرية أخف وأقل عدداً. وقد أشارت بيانات تنظيم داعش إلى قوات قبائل سيناء بـ"الصحوة"، وهو ما يشير في لغة الجهاديين إلى التنديد بهم باعتبارهم "خونة".
وتقدم تجربة الصحوات في العراق أيضاً تحذيراً؛ إذ انضم بعض المقاتلين في الميليشيات السُّنية لاحقاً إلى المسلحين بعد أن رفضت الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة "الصحوات".
تردَّد الجيش المصري من قبلُ ثم وافق لاحقاً
امتنع الجيش المصري في الماضي عن تسليح البدو؛ خوفاً من استعمال الأسلحة ضد قوات الأمن. ولطالما اشتكى البدو من تمييز الحكومة ضدهم، وغياب التنمية وانتهاكات قوات الأمن.
وقال رجال القبائل الذين تواصلت معهم وكالة Associated ،Press إنَّهم يشتركون طواعية دون مقابل مادي. وأشار أحدهم، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إلى أنَّهم يعتقدون أنَّ نهاية المسلحين تعني بناء الجيش المزيد من البنية التحتية في هذه المنطقة الفقيرة.
وقال Greenfly، وهو اسم مدون على الإنترنت يتتبع المعلومات مفتوحة المصدر المتعلقة بالجيش المصري، إنَّ هذا التعاون يُظهر، على أقل تقدير، أنَّ السكان المحليين يتوقعون أن ينتصر الجيش في نهاية المطاف.
وأضاف: "ليسوا هناك بسبب طيبة قلوبهم؛ بل هي مصلحة ذاتية خالصة، وهم يريدون الانحياز إلى المنتصرين".