«تطوير كورنيش الإسكندرية».. مخاوف السكان تتصاعد من حجب البحر في عروس المتوسط

يعاني أهل الإسكندرية من عدم رؤية البحر، ويعمد شاغلو هذه المطاعم لوضع حواجز حديدية تمنع الجلوس والاستمتاع بالبحر، لكن بناء حواجز خرسانية عالية في منطقة سيدي جابر أصبح يمنع رؤيته من الأساس.

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/19 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/19 الساعة 14:13 بتوقيت غرينتش

لم تعد الموظفة الإسكندرانية منى تتمكن من رؤية بحر مدينتها، المسمّاة عروس البحر المتوسط، بحُرية كما اعتادت لسنين، إذ تغوَّلت الإنشاءات والحواجز الحديدية والخرسانية على الكورنيش الممتد بطول البحر في المدينة الساحلية، وسط مخاوف من حجب رؤية البحر في عموم المدينة للبسطاء.

ويعاني أهل الإسكندرية من حجب رؤية البحر بسبب بناء مقاه ومطاعم على شاطئ البحر في عدة أحياء، ويعمد شاغلو هذه المطاعم لوضع حواجز حديدية تمنع الجلوس والاستمتاع بالبحر في عدة شواطئ، لكن بناء حواجز خرسانية عالية في منطقة سيدي جابر أصبح يمنع رؤيته من الأساس.

إذا كنت تخطط للسياحة في مصر.. فلماذا ينبغي عليك تجاهل القاهرة والتوجُّه إلى الإسكندرية؟

وتقول منى، وهي تعمل بائعة في محل أزياء في منطقة ميامي في شرقي الإسكندرية بينما كانت تسير ونجلتها قبالة الكورنيش في منطقة المندرة، في شرقي المدينة، إن "البحر يمتص كبت الناس وتعبهم، نذهب له لنتحدث معه ونشتكي له هموم الدنيا".

وتابعت منى البالغة 32 عاماً، التي تتقاضى راتباً لا يزيد عن 2000 جنيه: "حتى هذا سنُحرم منه. لم نعد نرى البحر مثل الماضي".

وأضافت بحزن "البحر سيكون حكراً للأغنياء".

وتقول هدى الخمسينية التي تعيش في القاهرة، إن "البحر صار لمن يدفع أكثر، الوضع لا يعجب أحداً، البحر لنا كمصريين متنفس ورائحة ومشهد جميل".

وتضيف بغضب إثر زيارتها المدينة، الأسبوع الفائت، أن "مساحات البحر تتقلص، أين البحر المفتوح، هناك أماكن قليلة بلا سور، والسور يحجب البحر، من يستطيع الدفع سيرى البحر، غير ذلك فلا".

وقضت هدى ليلتها في فندق على البحر كلّفها 700 جنيه في الليلة وهي تقول بأسى: "لا يمكن رؤية البحر بحرية في الاسكندرية إلا من أعلى. هذا شيء غير عادل".

متنفس زهيد الثمن

ويعتبر السَّكندريون كورنيش البحر متنفساً زهيد الثمن؛ إذ لا يكلف الجلوس على البحر شيئاً على الإطلاق، وهو ما جعله ملاذ الفقراء الذين يقضون سهرات ليلية طويلة عليه، خصوصاً في الصيف.

ما يشكل تخفيفاً لأعباء الحياة وسط ظروف اقتصادية صعبة.

كلما شُيّد سورٌ جديد تندَّر السكندريون على ما تبقَّى، وأعادوا الحديث فيما بينهم في الشوارع، أو على شبكات التواصل الاجتماعي عن الإسكندرية التي كان بحرها مُتسعاً مد البصر، لكنه بين ليلة وضحاها صار ملكية خاصة لمن يدفع أكثر.

وتنصُّ المادة 45 من الدستور المصري، الذي تم إقراره في يناير/كانون الثاني 2014، على أن "الدولة تلتزم بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدي عليها أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول".

لكن هذا لم يمنع من تخصيص السلطات منذ سنوات طويلة مساحات كبيرة من البحر لشواطئ خاصة، يتطلَّب الدخول لها دفع مبالغ كبيرة لاستخدام الكراسي والشمسيات.

وقال محمد، وهو يعمل أخصائي اجتماعي في مدرسة حكومية، بينما كان يصطحب ولديه للسير على البحر بجوار منطقة الإبراهيمية، التي تحيطها أمام الكورنيش مقاه مستأجرة، تمنع الاستمتاع بالبحر: "انتهيت منذ دقائق من شراء مستلزمات المدرسة، ولم يتبق معي سوى بضع مئات من راتبي".

ويتقاضى محمد 3 آلاف جنيه، إلا أن إيجار مسكنه يلتهم نصف هذا المبلغ تقريباً.

يضيف بخيبة أمل بدت على وجهه: "هذا العام لم نذهب إلى البحر، الأسعار مرتفعة بشكل صعب، وتدبير مبلغ كهذا يحتاج إلى نظام الجمعيات، التي بالأساس نقوم بها من أجل تدبير مصروفات التعليم فقط، لم يبق إلا بحر الإسكندرية الأرخص في سعره".

ويتساءل في دهشة: "حتى البحر المجاني يريدون أن يأخذوه منّا؟".

 "حجب رؤية البحر"

وتقدَّم البرلماني المعارض هيثم الحريري، بطلب إحاطة في مجلس النواب بشأن ما وصفه بظاهرة "حجب رؤية البحر".

وقال في طلبه "لم تكن البداية في منطقة سيدي جابر فقط، بل سبقتها منطقة جليم، وتخصيص شواطئ لمجموعة فنادق، وأصبح البحر لفئات بعينها دون الفئات الأخرى غير القادرة".

ورفع محامون في الإسكندرية دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، لوقف ما وصفوه بـ "مخالفة الدستور، والتعدي على حقِّ المصريين في رؤية البحر"، وما زالت القضية متداولة في المحاكم إلى الآن.

الأسوار الجديدة تحجب رؤية البحر لمعظم المصريين في الإسكندرية
الأسوار الجديدة تحجب رؤية البحر لمعظم المصريين في الإسكندرية

وغزت موقع "فيسبوك" الأيام الماضية صورة لخرسانات وسقالات حجبت البحر في منطقة سيدي جابر، وهي صورة مجتزأة لا تُعبر بالضرورة عن كامل الحقيقة التي تداولها السكندريون عبر فيسبوك، رغم قناعاتهم أن مخاوف حقيقية تواجههم من خصخصة البحر.

ورصد "عربي بوست" المشهد، إذ إن الأسوار والخرسانات لم تكن سوى بضعة أمتار ضمن أعمال التشييد لمشروع متكامل ضمن تطوير مشروع "تيوليب"، ضمَّت مشروعاً لإنشاء مجمع سياحي في الشاطئ، يتضمن فندقاً بجراج متعدد الطوابق.

وتقع المنطقة التي شهدت الجدل بجوار كوبري سيدي جابر، الذي تم إنشاؤه لتسيير الحركة المرورية هناك منذ قرابة عام.

لكن مواطنين بجوار المشروع قالوا لـ "عربي بوست" إن المخاوف الحقيقية ليست من هذه الخرسانة، والمشروع الذي صار أمراً واقعاً لا يمكن تغييره أو التراجع عنه، لكن المخاوف الحقيقية تتمثل فيما جرى بجوار لسان منطقة قلعة قايتباي وغلقه، وغلق منطقة لسان جليم.

وعلم "عربي بوست" أن المخطط للسان جليم هو عمل مبنى استثماري خاص.

  "ترويج شائعات"

وقال مسؤول مدني على صلة بما يجري على كورنيش الإسكندرية، لكنه فضَّل عدم ذكر اسمه، إن "الأمر فاق الحد، ونحن تحدثنا كثيراً دون جدوى، لكن أحداً لا يسمعنا".

وأضاف: "لم يعد لدينا وقت ولا جهد للاستمرار في حملة لم تأتِ بأية منافع، أوقفنا عملنا لأن آخرين يتخذون تلك الممارسات الخاصة ضد الكورنيش للترويج للعداء ضد الدولة".

وأوضح المسؤول الذي يشغل منصباً تنفيذياً في المحافظة، أن "مشروع سيدي جابر لن يستفيد منه السكندريون من أبناء الطبقات الدنيا والوسطى، هذا مشروع استثماري خاص ليس للجميع".

وأوضح المسؤول أن "المقاهي المستأجرة حتى على البحر تحجب الرؤية ككل، وهناك شواطئ صُودرت في سيدي بشر وميامي".

وحاول "عربي بوست" الوصول إلى اللواء أحمد حجازي رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية، لكنه لم يرد على هاتفه.

وفي تصريحات تلفزيونية قال حجازي، إن "السور المتداول أسفل الكوبري الذي يصل منطقة رشدي على البحر بسيدي جابر، لا يتجاوز طوله 20 متراً، وهو ضمن مشروع استثماري سياحي ضخم، سيوفر 4 آلاف فرصة عمل".

وأضاف أن "محاولة تسويق الأمر بغير ذلك هي محاولة لترويج شائعات".

لكن المسؤول الذي يشغل منصباً تنفيذياً في المحافظة أشار أن "الإجراءات التنفيذية بخصوص الشواطئ تنتفي فيها العدالة للمواطنين".

وأعرب المسؤول عن مخاوفه الحقيقية من انفجار مجتمعي بين الشباب إزاء مصادرة البحر "البحر كان يمتص طاقات الشباب، أين يذهبون الآن؟"

علامات:
تحميل المزيد