أميركا تدير ظهرها للقيادة الفلسطينية.. The Economist: تبريرات ترمب غير صحيحة، والعرب منهمكون في مشاكلهم مع إيران

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/14 الساعة 21:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/14 الساعة 21:11 بتوقيت غرينتش

قبل 40 عاماً، اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية خطوة أولى تجاه التمثيل في العاصمة الأميركية واشنطن. فسمح لها الرئيس جيمي كارتر بفتح "مكتب معلومات" يتألف من 3 أشخاص عام 1978، على الرغم من النظر إليها آنذاك باعتبارها جماعة إرهابية.

كانت تلك خطوة نحو عملية سلام برعاية أميركية، تهدف إلى الوصول لحلٍّ قائم على أساس الدولتين.

كانت العلاقة وعرة، فأراد الرئيس رونالد ريغان إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في حين غضب جورج بوش الأب من دعم منظمة التحرير الفلسطينية غزو صدام حسين الكويت.

غير أنَّ العلاقات استمرت، وأصبحت عملية السلام قضية محورية للدبلوماسية الأميركية، لكن ربما لم يعد الوضع كذلك.

السفير الفلسطيني لم يرفض التعامل مع الحكومة الأميركية

ففي 10 سبتمبر/أيلول 2018، أعلنت أميركا أنَّها ستغلق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان يمثل بحكم الأمر الواقع سفارة في العاصمة الأميركية واشنطن . قدَّمت الإدارة بعض التبريرات، واتهمت المنظمة بـ"رفض التعامل مع الحكومة الأميركية"، وهو أمر غير صحيح، وفق ما نشرته الجمعة 14 سبتمبر/أيلول 2018، مجلة The Economist البريطانية؛ إذ زار السفير حسام زملط البيت الأبيض 4 مرات عام 2017، والتقى المبعوث الخاص، جيسون غرينبلات، 3 مرات.

ورفض السلطة خطة السلام قبل الاطلاع عليها أمر مبرر

شَكَت أميركا كذلك من أنَّ الفلسطينيين أدانوا خطة السلام التي تعدّها إدارة دونالد ترمب، قبل أن يطلعوا عليها. هذا صحيح، لكن يمكن تفهُّم سبب ذلك، كما أوردت المجلة.

فمنذ ديسمبر/كانون الأول 2017، اعترف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وأوقف المساعدات الأميركية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين.

وفي الشهر الحالي (سبتمبر/أيلول 2018)، جمَّد ترمب أيضاً 25 مليون دولار مخصصة لتمويل 6 مستشفيات فلسطينية في القدس الشرقية. وبخلاف أسلافه، الذين حثوا إسرائيل على وقف بناء مستوطنات يهودية بالضفة الغربية، يبدو أنَّه يشجع على ذلك؛ إذ قال السفير الأميركي لدى إسرائيل إنَّ تلك المستوطنات لا تشكل عقبة في طريق تحقيق السلام.

الأوروبيون والعرب لا يملكون النفوذ، والأميركيون يتحركون بتحريض من إسرائيل

وفي ضوء كل هذا، يستنتج الفلسطينيون أنَّ ترمب، بتحريض من إسرائيل، يحاول إرغامهم على التخلي عن تطلعاتهم بشأن إقامة دولة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية.

وإذا فقدت أميركا اهتمامها بالتوصل إلى اتفاق قائم على أساس حل الدولتين، فالأمل ضئيل أن تضطلع أي دولة أخرى بالمهمة.

الاتحاد الأوروبي لا يتمتع بنفوذ يُذكَر على إسرائيل. كذلك لا تبدي الدول العربية، المنهمكة في خصومتها مع إيران أو مشكلاتها الداخلية، اهتماماً كبيراً بالقضية. أما بالنسبة للفلسطينيين، فليس لديهم الكثير من الأدوات التي يمكنهم استخدامها للرد على ترمب.

أوراق السلطة للضغط لا تحقق غاياتها

وغالباً ما تهدد السلطة الفلسطينية، وهي كيان قائم على الحكم الذاتي المحدود أُنشئ بموجب اتفاقيات أوسلو عام 1993، بوقف التعاون الأمني مع الجيش الإسرائيلي.

لكن هذا التعاون يخدم مصالح السلطة من خلال تدعيم الرئيس محمود عباس، الذي لديه أمور  يخشى عليها من "حماس" أكثر مما لدى إسرائيل لتخشاه من الحركة الإسلامية المسلحة.

وحتى المحكمة الدولية لا تستطيع إنصافها بعد مقاطعة ترمب

هناك تهديد حقيقي أكثر تشهده مدينة لاهاي؛ إذ انضمت السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2015، وطلبت من المحكمة في مايو/أيار 2018، التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية محتملة.

أثار ذلك غضب كلٍ من إسرائيل وأميركا، وأعلن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية خلال خطابٍ ألقاه، تهجَّم فيه على المحكمة، التي تمثل مشكلةً بالنسبة له.

لكن المحكمة لم تقرر بعد ما إن كانت ستشرع في التحقيق، وحتى لو شرعت في التحقيق، فقد تستغرق سنوات قبل توجيه أي اتهامات.

والحل الوحيد هو حل السلطة "الفاسدة وغير الفعالة"

لا يترك هذا للفلسطينيين سوى خيار نهائي وجذري واحد فقط: حل السلطة الفلسطينية. توفر السلطة الفلسطينية، الفاسدة وغير الفعالة، لسكان الضفة الغربية مستشفيات مكتظة وطرقاً مليئة بالمطبات أكثر من كونها مرصوفة. وقد فقدت السيطرة على غزة منذ أكثر من عقد.

والأهم من ذلك، أنَّها ما تزال متمسكة بوهم أنَّ الصراع قائم بين دولتين تتمتعان بالسيادة، في حين أنَّ إسرائيل وحدها هي التي تتمتع بالسلطة المطلقة.

ويجادل المنتقدون بأنَّ حل السلطة الفلسطينية من شأنه إجبار إسرائيل على تحمّل مسؤولية الاحتلال المستمر منذ أكثر من نصف قرن.

ومع أنَّ الكثير من الفلسطينيين يبغضون السلطة الفلسطينية، فإنَّ 42% منهم فقط يؤيدون التخلص منها. ولم تزد تلك النسبة منذ 5 أعوام؛ إذ توظف السلطة الفلسطينية نحو 170 ألفاً من موظفي الخدمة المدنية في الأراضي المحتلة. ومن ثم، سيكون إغلاقها مؤلماً.

ومعظم سكان الضفة الغربية قلقون من وقوع أزمة اقتصادية وانتشار الفوضى دون وجود تلك السلطة.

بعدما فشلت في الاحتفاظ حتى برمزية سفاراتها

لم تكن السفارة الفلسطينية في العاصمة الأميركية واشنطن تقدم خدمات قنصلية، ومحاولاتها ممارسة الضغط (اللوبي) وأعمال العلاقات العامة كانت تلقى آذاناً صماء. إنَّ خسارة السفارة تُعَد أمراً رمزياً، لكن حتى هذه الرمزية مهمة.

وبعد مرور 25 عاماً على اتفاقيات أوسلو، باتت الحركة الوطنية الفلسطينية أضعف من أي وقت مضى. فبعيداً عن فشلها في إقامة دولتها، لم تتمكن حتى من الاحتفاظ بمكتبٍ منظمة التحرير الفلسطينية في حي جورج تاون بواشنطن.

ويبقى السؤال: ماذا لو لم يعد حل الدولتين ممكناً؟

يأمل البعض استئناف محادثات السلام مع إسرائيل حالما يترك ترمب منصبه. لكن آخرين بدأوا بالتنفيث عن غير المُتصوَّر: ماذا لو لم يعد حل الدولتين ممكناً؟

جواب حاول صهر ترمب، غاريد كوشنر، تقديم حل بديل له، عبر اقتراح إقامة كونفدرالية مع الأردن؛ إذ أبلغ عباس خلال اجتماع مع نشطاء حركة "السلام الآن" الإسرائيلية في رام الله، فحوى محادثات أجراها مع كوشنر. وقتها أبلغ المسؤولين الأميركيين أنه سيكون مهتماً فقط، إذا كانت إسرائيل أيضاً جزءاً من هذا الاتحاد الكونفدرالي.

ويفضل البعض في اليمين الإسرائيلي إقامة كونفدرالية فلسطينية-أردنية كوسيلة لتفادي منح وضعية الدولة الكاملة للفلسطينيين في الوقت الراهن.

وفي تسوية مثل هذه، يمكن لإسرائيل أيضاً أن تتجنب تحمل مسؤولية 3.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة.

وقالت الناشطة في منظمة "السلام الآن" هاغيت عوفران، إن ردَّ عباس كان طريقة لنسف الاقتراح؛ لأن إسرائيل سترفض -على الأرجح- الانضمام إلى هذه الكونفدرالية.

وفي حين يزداد الخناق الأميركي على منظمة التحرير الفلسطينية ووكالة الأونروا، يترقب 5.4 مليون فلسطيني ممن يعتمدون على خدماتها في الأردن ولبنان وسوريا وغزة والقدس الشرقية والضفة الغربية ما ستؤول الأمور إليه، ويبدو أنهم لا يسبتشرون خيراً.

تحميل المزيد