تتأهب قوات المعارضة السورية لخوض المعركة، وقد اعتقلت عشرات الأشخاص المشتبه في تفاوضهم على الاستسلام، في الوقت الذي يستعد فيه نظام الأسد لاستعادة معقل المعارضة الأخير في البلاد.
وتنبئ جهود جماعات المعارضة لإحباط صفقات الإخلاء للمعارضين والمدنيين بمعركة دامية تنتظر محافظة إدلب شمال غربي سوريا، في ما يمكن أن يكون فصلاً مدمراً أخيراً في الحرب المستمرة منذ أكثر من 7 سنوات، بحسب صحيفة The Wall Street Journal الأميركية.
في الأيام الأخيرة، احتشدت قوات النظام في جنوب وغرب منطقة قوات المعارضة في إدلب، بحسب ما قالته قوات المعارضة. تضم إدلب أكثر من مليوني شخص، نزح العديد منهم من مناطق أخرى في سوريا.
وحشدت روسيا، حليفة النظام، سفناً حربية وطائرات قبالة السواحل السورية لإجراء تدريبات عسكرية من المقرر أن تبدأ اليوم السبت 1 سبتمبر/ أيلول، وهي على الأرجح مقدمة لشن هجوم.
وكانت جماعة المعارضة المهيمنة في الشمال الغربي، هيئة تحرير الشام، تابعة في السابق لتنظيم القاعدة، وتوعَّد النظام بتدميرها. وأعلنت هيئة تحرير الشام، إلى جانب فصائل معارضة أخرى أكثر اعتدالاً، اعتقال عشرات من "دعاة المصالحة" لمنع الناس من الانضمام إلى النظام السوري. وأكد نشطاء مؤيدون للمعارضة في إدلب حدوث الاعتقالات.
ويسيطر نظام بشار الأسد، بدعم من روسيا وإيران، على البلاد بقبضة من حديد. وخلال الأشهر الستة الماضية تمكَّنت قواته من السيطرة على مواقع المعارضة الرئيسية مثل الغوطة الشرقية قرب العاصمة دمشق ودرعا في الجنوب.
وسمحت الصفقات بين النظام وقوات المعارضة، التي توسَّط فيها الروس، بإجلاء آلاف المدنيين إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، في حين نُقِل المسلحون إلى محافظات أخرى، خاصةً إدلب.
لا صفقات بعد اليوم
وقال قيادي بارز في هيئة تحرير الشام إنَّ الهيئة لن تعيد إبرام اتفاقات مصالحة كما فعلت في الغوطة ودرعا.
فقال حمزة الفاروق، القيادي بالهيئة، في تصريحٍ للمنفذ الإعلامي للجماعة، إباء: "ستظل هيئة تحرير الشام هي السيف البتار الذي يقطع رؤوس الخونة والمفسدين".
يدعم بعض المدنيين هذا النهج، حتى إن لم يكونوا منحازين إلى هيئة تحرير الشام.
فقال عبدالملك الشيخ، وهو ناشط في محافظة إدلب، إنَّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "أراد أن يدخل إدلب عن طريق المصالحة، لكن لحسن الحظ ليس لدينا الكثير من الضفادع هنا" (في إشارة إلى بسام ضفدع، عميل النظام الذي سهل عملية سقوط الغوطة بيد قوات الأسد)، واستخدم لفظاً مهيناً يصف به الراغبين في الاستسلام.
وقال حذيفة القحطاني، وهو مقاتل بهيئة تحرير الشام في إدلب: "لا أعتقد أنَّه ستكون هناك تسوية سياسية في إدلب. وأعتقد أنَّه ستقع معركة ضارية في الأيام القادمة".
وقالت جينيفر إنَّ هيئة تحرير الشام تعتقل الأشخاص المتهمين بدعم "المصالحة" مع نظام الأسد لإظهار عدم رغبتها في قبول اتفاقٍ كهذا. وأضافت: "التزمت هيئة تحرير الشام بالدفاع عن إدلب، وعلى الأرجح ستفعل ذلك عسكرياً".
ولا يوجد خيار جيد متاح أمام المدنيين في المحافظة. إذ سيعني نشوب معركة على الأرجح سقوط الآلاف من القتلى المدنيين ودمارٍ هائل. في حين أنَّ المصالحة ستعني عودة الحكومة.
قال مصطفى حسن: "لن يقبل الناس هنا عودة النظام … حتى لو كان هناك اتفاق دولي على هذا. لن يقبل أحدٌ أن يعود الشخص الذي قتل أخاه ودمَّر بيته ليحكمه من جديد".
وقد يتمثَّل خيارٌ ثالث، يُفضِّله الكثيرون في إدلب، في بقاء المنطقة محمة تركية بصورةٍ ما، ولو أنَّه ليس واضحاً إلى متى قد تسمح دمشق بذلك.
المساجد تدعو إلى "الجهاد"
وحثَّ الخطباء في المساجد بمختلف أنحاء إدلب أمس الجمعة المُصلِّين على الاستعداد للحرب. ودعا الأئمة القادرين لحمل السلاح ومساعدة المقاتلين في الدفاع عن آخر المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة ضد الأسد وحلفائه.
وقالت الجبهة الوطنية لتحرير سوريا في بيانٍ على الشبكات الاجتماعية: "نطالب الخطباء في المساجد بالحديث عن الجهاد. لا حاجة للحديث عن الصلاة والصوم وبر الوالدين. فكلنا نعرف هذه الأمور".
وأعلنت روسيا هذا الأسبوع عن مناورات مشتركة بحرية وجوية لمدة أسبوع في البحر المتوسط تبدأ اليوم السبت 1 سبتمبر/أيلول وتضم 26 سفينة و34 طائرة، وتُعَد أول مناورات من نوعها في تاريخها، بحسب ما ذكرت صحيفة The Financial Times البريطانية.
وفسَّر مسؤولون عسكريون أجنبيون الحشد الروسي على أنَّه استعداد محتمل لهجوم في إدلب، أو تحرُّك يهدف لردع ضربات أميركية محتملة ضد قوات النظام، التي لم تهاجم حتى الآن إلا الأطراف الجنوبية للمحافظة.
ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، ادّعى الجيش الروسي مراراً أنَّ فصائل مناهضة للأسد "تُجهز هجوماً بالأسلحة الكيماوية في إدلب"، يمكن أن تُحمَّل مسؤوليته لنظام الأسد ثُمَّ يُستخدَم كذريعة لضربات أميركية ضد قوات النظام، فوق زعمها.
وحاولت تركيا، التي تدعم عدة فصائل معارضة في إدلب، إقناع هيئة تحرير الشام بحل نفسها والاندماج مع الجبهة الوطنية لتحرير سوريا، وهي جبهة تضم مختلف فصائل المعارضة في إدلب. وتأمل تركيا بهذه الخطوة أن تُجنِّب إدلب هجوم النظام. وأعلنت تركيا، أمس الجمعة 31 أغسطس/آب، هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، في أعقاب قرارات مماثلة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة في وقتٍ سابق من عام 2018.
وفي الوقت الذي خفّت فيه حدة الصراعات الداخلية بين جماعات المعارضة المتناحرة في الأسابيع الأخيرة مع اقتراب هجوم النظام، رفض المسلحون الأكثر تشدداً في هيئة تحرير الشام أن ينضموا للفصائل المعارضة الأخرى.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من أمس الخميس 30 أغسطس/آب، إنَّ تركيا تعمل مع روسيا وإيران "لتجنب كارثة حلب أخرى" في إدلب. ويخضع الشمال الغربي رسمياً لاتفاق وقف إطلاق نار ثلاثي جرى التوصل إليه عام 2017.
تدمير الجسور لوقف قوات الأسد
ولإعاقة تقدم النظام، فجَّرت قوات المعارضة المدعومة من تركيا يوم الجمعة جسرين رئيسيين يربطان إدلب بمناطق في محافظة حماة المتاخمة لها، وذلك وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهي مجموعة رصد مقرها المملكة المتحدة.
وقال قائد في الكتيبة 51 في الفيلق الثالث، وهو فصيل معارض مدعوم من تركيا، إنَّه يتوقع أن يبدأ النظام هجومه من جسر الشغور، على بعد حوالي 25 ميلاً (40.2 كيلومتر تقريباً) غرب مدينة إدلب. كما تَوقَّع أن يستخدم النظام الأسلحة الكيماوية، كما فعل في مراتٍ سابقة أثناء الحرب، لأنَّه لا يملك القوة البشرية اللازمة للسيطرة على إدلب بالقوة التقليدية.
وقال القائد النقيب محمد درعي: "سيلجأ النظام إلى القتل بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
واتهمت إدارة ترمب نظام الأسد مراراً باستخدام الأسلحة الكيماوية، وقالت إنَّ روسيا تتحمل المسؤولية الكاملة عن مثل هذه الفظائع التي يرتكبها حلفاؤها السوريون.
وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، لوكالات الأنباء الروسية يوم الخميس، إنَّ "الأرض الخصبة للإرهابيين التي وُجِدَت (في إدلب) لا يُبشِّر بالخير إذا استمر عدم عمل شيء".
وقد وصف لافروف المقاتلين في إدلب بـ"الخرَّاج المتقيح" الذي يجب "تطهيره".
حشد الجيش الروسي 30 سفينة حربية و25 طائرة قبالة السواحل السورية لإجراء تدريبات تستمر لمدة أسبوع. وكانت آخر مرة أجرت فيها روسيا تدريبات في مياه البحر المتوسط في أبريل/نيسان الماضي قبيل الضربات الأميركية على مواقع النظام بسبب استخدامه أسلحة كيماوية ضد المدنيين.
اقرأ أيضاً
نيران الروس والنظام أو التصفية.. الخيارات الصعبة أمام هيئة تحرير الشام بسوريا