The Wall Street Journal: مصر تنتهج سياسة مخالفة لكبار منتجي الطاقة فكيف ستحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز؟.. المواطن فقط هو من يدفع الثمن

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/28 الساعة 18:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/28 الساعة 18:02 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: An Israeli gas platform, controlled by a U.S.-Israeli energy group, is seen in the Mediterranean sea, some 15 miles (24 km) west of Israel's port city of Ashdod, in this file picture taken February 25, 2013. REUTERS/Amir Cohen/Files/File Photo

على الرغم من الاكتشافات التي تصفها الحكومة بالهائلة في مجال الغاز، والتي من المفترض أن تقلل أسعار الطاقة إلا أن المواطن البسيط لا يشعر بهذا بل يدفع السعر مضاعفاً، والسبب في ذلك يرجع إلى الطريقة الخاطئة التي تدير بها القاهرة هذا القطاع، بحسب تقرير لصحيفة  The Wall Street Journal الأميركية.

وبحسب الصحيفة الأميركية الحكومة المصرية تتخذ مساراً غير تقليدي لتصبح المصدِّر الرئيسي القادم للطاقة في الشرق الأوسط: المواطنون هم من يدفعون الفاتورة.

أعادت حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استقطاب بعض شركات النفط الكبرى إلى مصر جزئياً من خلال دفع المزيد إلى الشركات الأجنبية للحصول على الغاز الطبيعي، ورفع أسعار الكهرباء والغاز للمستهلكين الذين يعانون أيضاً من ارتفاع أسعار المواصلات والمياه والسلع الأساسية الأخرى. في يونيو/حزيران ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 26٪ بين ليلة وضحاها بينما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 75٪.

ونتيجة لذلك، استثمرت شركات Royal Dutch Shell PLC وBP PLC وEni SpA مليارات الدولارات في مصر في السنوات الأخيرة، بما في ذلك أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر المتوسط قبالة الساحل المصري. تأمل مصر أن تصبح مصدِّراً صافياً للغاز الطبيعي بحلول نهاية عام 2018، وأن تصبح لاحقاً مركزاً للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، ويُحتَمَل أن يحدث ذلك من خلال استيراده من إسرائيل وقبرص ثم إعادة تصديره إلى أوروبا وأماكن أخرى -وهو تصور يصفه السيسي بـ"الحلم".

استراتيجية مصر تتعارض مع كبار منتجي الطاقة

وتتعارض استراتيجية مصر في بناء صناعة خاصة بمواردها الطبيعية مع منتجي الطاقة الكبار بداية من المملكة العربية السعودية إلى النرويج، حيث تدعم مبيعات النفط والغاز شبكات الأمان الاجتماعي وأسعار الكهرباء رخيصة مقارنة مع معظم الدول المستوردة للطاقة. دفعت ديون مصر الكبيرة لشركات النفط، والعجز المرتفع في الميزانية، وشروط قروض صندوق النقد الدولي، إلى عكس نموذج الدول النفطية، إذ ارتفعت أسعار الطاقة للعامة، في الوقت الذي يُشاد فيه بمجموعة من الاكتشافات الكبيرة للهيدروكربونات.

وأثار ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء استياءً داخل نفوس المصريين العاديين الذين يدفعون أكثر رغم ثبات الأجور التي يتقاضونها.

وقالت إنجي عز، وهي ربة منزل في القاهرة وتبلغ من العمر 32 عاماً: "حتى إذا أصبحت مصر مُصدِّرة للغاز، ستواصل الحكومة اختراق جيوبنا بفواتير الكهرباء". وقد انتقلت إنجي مؤخراً إلى شقةٍ جديدة وتقول إنها مُطالَبةٌ بدفع 200 جنيه مصري (11 دولاراً) كل يومين لسداد فواتير الكهرباء مسبقة الدفع. وتقدر أنها تنفق 10٪ من دخلها الشهري على الكهرباء.

لقد منحت الأزمة الاقتصادية نقطةً جديدة لمعارضي السيسي، الذين انتقدوا طريقة تعامله مع الاقتصاد.

وقال خالد داوود، زعيم حزب الدستور المعارض: "هناك إعلاناتٌ مُتكرِّرة عن اكتشافاتٍ جديدة للغاز، واكتشافاتٍ نفطيةٍ جديدة، وفي الوقت نفسه، بالنسبة لغالبية المصريين، هناك زيادات في أسعار النفط، وأسعار الغاز، وأسعار المياه".

 وقد أدت الزيادات في الأسعار إلى شكاوى عامة واسعة النطاق واحتجاجات قصيرة الأمد. في مايو/أيار، اندلعت مظاهرات صاخبة في محطات مترو القاهرة بعد أن فرضت الحكومة زيادة مفاجئة في سعر التذكرة، لكن الحكومة سارعت إلى قمعها، ونشرت شرطة مكافحة الشغب.

ألقت حكومة السيسي القبض على الآلاف في حملات قمع سياسية في السنوات الأخيرة، إذ أغلقت تقريباً جميع السبل في وجه المعارضة.

وقد أحالت وزارة البترول المصرية صحيفة The Wall Street Journal الأميركية إلى مركز الصحافة الأجنبية التابع للحكومة، ولم تستجب لطلب عقد لقاء معها. ولم يرُد مُتحدِّثٌ باسم السيسي على طلبها بالإدلاء بتعليق.

عملية إصلاح اقتصادي شاملة لكنها لم تحل الأزمة

وتأتي الزيادات في الأسعار كجزءٍ من عملية إصلاح شامل واسعة النطاق حثَّ عليها صندوق النقد الدولي.

ومنح صندوق النقد الدولي مصر قرضاً قيمته 12 مليار دولار عام 2016، لكنه طالب الحكومة بخفض إنفاقها الكبير على الدعم الحكومي لخفض عجز ميزانيتها. ومنذ ذلك الحين، نما الاقتصاد الكلي في مصر، لكن التضخُّم والأجور الثابتة والبطالة المستمرة جعلت حياة المصريين اليومية أصعب.

بعد عقودٍ من التراجع، تلقَّت صناعة إنتاج الطاقة في مصر دَفعة في السنوات الأخيرة باكتشافات هائلة جديدة لحقول الغاز الطبيعي. وتمكَّنَت شركة Eni من العثور على أكبر هذه الحقول، وهو حقلٌ يدعى ظُهر، تحت قاع البحر الأبيض المتوسط في عام 2015، وهو يحتوي على كمية غاز أكبر من تلك التي استهلكتها الولايات المتحدة بأسرها عام 2017، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

قال السيسي في مؤتمر في يوليو/تموز إنه يدعو الله كل صباح أن يرزقه  باكتشاف "10 أو 12" حقلاً مثل ظُهر. وفي خطوة نحو إنشاء مركز للغاز، وقعت شركة مصرية في فبراير/شباط اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار لاستيراد الغاز من إسرائيل.

حتى لو تحققت نبوءة السيسي فالمشاكل الاقتصادية لن تحل.. لماذا؟

ويرى محللون أنه حتى لو تحققت التنبؤات الحكومية، فإن فوائد اكتشافات الغاز الجديدة لن تكون كافية لحل المشاكل المالية في مصر. فالدولة غارقة في الديون، وتدين بـ86٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمقرضين المحليين والأجانب، وفقاً للبنك المركزي، بحسب الصحيفة الأميركية.

هناك عقبات قد تعيق تحقيق أهداف الحكومة في مجال الطاقة أو أن يستشعر المواطنون العاديون أثر مكاسبها.

لا يزال قطاع الطاقة في مصر يتعافى من السنوات المضطربة التي تلت ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في البلاد التي أنهت حكم الرئيس حسني مبارك.

عندما أصبح السيسي رئيساً في عام 2014 بعد انقلاب عسكري سبق توليه الرئاسة بعام، غرقت المدن المصرية في ظلامٍ دامس جزئياً بسبب نقصٍ حاد في الغاز. أثناء الأزمة، حوَّلَت الحكومة إمدادات الغاز لمعالجة النقص، وكنتيجة لذلك، تضخم دين مصر لشركات الطاقة الدولية ليصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار.

لا تزال مصر مدينة بأكثر من مليار دولار لشركات مثل "Dana Gas" الإماراتية، وفقاً لوزارة البترول. وتقول شركة Dana إنها تؤجل بعض الاستثمارات في مصر بسبب "عدم التسديد بصورة منتظمة ومحددة التوقيت"، مما يبطئ من تنفيذ خطط البلاد في مجال الطاقة.

وتقول مصر إنها ستسدد المبالغ المستحقة لشركات النفط الأجنبية بنهاية عام 2018. كما أنها رفعت الأسعار المدفوعة للشركات. على سبيل المثال، وافقت الحكومة في عام 2015 على زيادة المبلغ الذي تدفعه إلى ما بين 4.00 دولار و5.88 دولار لكل وحدة غاز، حسبما قال رئيس شركة النفط الوطنية في ذلك الوقت، وهي زيادة عن السعر السابق البالغ 2.65 دولار.

وقال كريم عزت، المحلل في مجال النفط والغاز في شركة فاروس القابضة، وهي شركة استثمارية في القاهرة."بدا الأمر كما لو أن الحكومة كانت تعطيهم أسعاراً أعلى حتى يتمكنوا من البدء في الإنتاج وألا يبالوا بالديون المرتفعة التي تدين بها الحكومة. كان أمراً يشبه سياسة العين بالعين".

ومن المُتوقَّع أن تستغرق الإصلاحات التنظيمية التي كانت تهدف إلى فتح قطاع الغاز لتنافس الشركات الخاصة سنوات حتى تكتمل. فلا تزال هناك حاجة لإجراء بعض المفاوضات الدولية الحساسة قبل أن يصبح خط الأنابيب متاحاً لاستيراد الغاز من قبرص وإسرائيل وتصديره.

يقول روبرت سبرينغبورغ، الخبير في الاقتصاد السياسي المصري بالمعهد الإيطالي للشؤون الدولية وجامعة سايمون فريزر بمقاطعة كولومبيا البريطانية: "الغاز لن يُحقِّق معجزة".

علامات:
تحميل المزيد